بين موسى وعمر
هاني مراد
المقاربة بين سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا عمر رضي الله عنه؛ أقرب إليهما من غيرهما؛ في قوتهما، وقيادتهما، في صدعهما بالحق، في رقتهما، وصفاء قلبيهما! في سموهما، وتواضعهما، وعبقريتهما، وكأنهما كانا روحا واحدة!
ولئن كان موسى عليه السلام كليم الله، فإن عمر رضي الله عنه هو المحدّث الملهم الشهيد، الذي قال فيه النبي: «لو كان بعدي نبيّ، لكان عمر بن الخطاب» .
وكما أذلّ موسى عليه السلام فرعون وأهلكه، وحرر المستضعفين من بني إسرائيل، وجعلهم قادة بعد أن كانوا عبيدا، فإن عمر رضي الله عنه قد أذلّ كسرى وقيصر، وحرر شعوبهما، وأخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فتحققت فيه نبوءة النبي: "ثم جاء عمر بن الخطاب، فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه، حتى روي الناس."
وكان كل منهما معروفا بالشدة في الحق. فقال موسى عليه السلام لفرعون: " {وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} "، وقال عمر رضي الله عنه لأبي سفيان، بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية: "والله لو لم أجد إلا الذرّ، لقاتلتكم به."
ومثلما "رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا. قال بئسما خلفتموني من بعدي. أعجلتم أمر ربكم؟ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه،" فإن عمر رضي الله عليه، أخذ نفسه وأهل بيته بالشدّة، لا سيما بعد أن تولى الخلافة.
وكما بلغ من حب موسى عليه السلام لربّه أن " {قال ربّ أرني أنظر إليك} "، فإنّ عمر رضي الله عنه، بلغ من حبه للنبيّ أن قال للعباس: "أسلم يا عباس، فوالله لأن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب."
وكان كلاهما مانعا للفتنة؛ فمثلما عبد قوم موسى عليه السلام العجل من بعده، فقد فُتح باب الفتن بعد عمر رضي الله عنه.
لقد عاشا شمسا مشرقة، تنير أرواح الأحرار، وتنصر المقهورين، وتحرر المستعبدين، وترتسم في نفوسهم، فتلهمهم معاني القوة والاستعلاء بالإيمان.