الأخلاقُ الحسنة أجمل ما يتحلى به الأتقياء


د.أحمد الجسار





قال الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة 3)، وقد تم -بحمد الله تعالى- دينُنا عقيدة وشريعة، وأخلاقا وسلوكا، وشَمَلَ جوانبَ الحياةِ كُلَّها، دِقَّهَا وَجُلَّهَا، حتى أضحى المسلمُ الحقُّ: رمزا للشرفاء، وقدوة للنبلاء، وَمَنْهَلًا للخير والعطاء.

والأخلاقُ الحسنة هي أجمل ما يتحلى به الأتقياء، وإذا انتشرت بين البرية، كانت في ذلك سعادةُ البشرية؛ ولذلك فقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنَّ بِعْثَتَهُ كانت لإتمامِها، فقال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» (رواهُ أحمد)، وكان يدعو ربَّه أن يهديَه لأحسنها، فإذا قام إلى الصلاةِ كان من دعائه فيها: «وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لاَ يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ» (رواه مسلم)، وكان من عظيم خلقه -صلى الله عليه وسلم - أن شهد له ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم 4)، وَلَمَّا سُئِلَتْ أمُّ المؤمنينَ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- عَنْ خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (رواه أحمد ومسلم)، فكفى بالقرآن معلما ومربيا ومرشدا، وكفى بالله شهيدا.

القرآنُ يدعو إلى كلِّ خلقٍ كريم

والقرآنُ العظيم يدعو إلى كلِّ خلقٍ كريم، قال -تعالى-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف 199)، جَهِلَ رجلٌ على أمير المؤمنينَ عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - فغضبَ عمر، فَقَالَ له أحدُ القراءُ -يُقالُ له: الْحُرُّ بنُ قيس وكان من جلسائه-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ -تعالى- قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. (رواه البخاري)، رضي اللهُ عن عمرَ وأرضاه.

الأخلاق دِين

إنَّ هذا الدينَ العظيمَ جعل الأخلاقَ دِينًا، فمنْ زاد عليك في الخُلُقِ زاد عليكَ في الدِّينِ، والخلُقُ الحسَنُ أَمَرَ به رسولُ ربِّ العالمين - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» (رواه أحمدُ والترمذي)، والخلقُ الكريمُ يُكْمِلُ إِيمَانَ صَاحِبِهِ بَيْنَ الْعَالَمِينَ، قال الرسولُ الأمين - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (رواه أبو داود)، وهو مِنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؛ فقد سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ» (رواه الترمذي). فتَقْوَى اللهِ تُصْلِحُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وحُسْنُ الْخُلُقِ يُصْلِحُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. كما أن الأخلاقَ ترفعُ صاحبها في الجنة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» (رواه أبو داود).

ثمرات حسن الخلق

والمؤمنُ يَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ مَرْتَبَةَ مَنْ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (رواه أبو داود)، وَهُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ مَجْلِسًا مِنَ النَّبِيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كما قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا» (رواه الترمذي).

فَحَرِيٌّ بِكُلِّ إِنْسَانٍ يَبْتَغِي الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ اللهِ، وَالذِّكْرَ الْجَمِيلَ بين عبادِ الله، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ وَسَكِينَةَ النَّفْسِ: أَنْ يَتَحَلَّى بِأحسنِ الأَخْلاَقِ، يبتغي بذلك وجهَ الله، فإنها خيرُ ما يُعطاهُ المؤمنُ في دنياه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ» (رواه أَحْمَدُ).

فَإِذَا رُزِقْتَ خَلِيقَةً مَحْمُودَةً

فَقَدِ اصْطَفَاكَ مُقَسِّمُ الأَرْزَاقِ

فَالنَّاسُ هَذَا حَظُّهُ مَالٌ وَذَا

عِلْمٌ وَذَاكَ مَكَارِمُ الأَخْـــلاَقِ


زينة المسلم بأخلاق الإسلام

فمَا أَجْمَلَ أَنْ يَتَزَيَّنَ الْمُسْلِمُ بِأَخْلاَقِ الإِسْلاَمِ، فَيَكُونَ طَائِعاً لِرَبِّهِ، مُقْتَدِياً بِنَبِيِّهِ، مُحْسِناً الأَدَبَ مَعَ خَلْقِهِ، فَيَتَعَامَلَ مَعَ وَالِدَيْهِ بِالْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَمَعَ أَوْلاَدِهِ وأَهْلِهِ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالْعِرْفَانِ، وَمَعَ الناسِ بِالرِّفْقِ وَالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت 33-35)، فالتجملُ بالأخلاقِ الطيبةِ يحتاجُ إلى صبرٍ وتحمل، لكنَّ العاقبةَ حميدة: درجاتٌ عند الله، ومكانةٌ بين الناس، وحياةٌ سعيدة.

فجملوا أَنْفُسَكُمْ بالأَخْلاَقِ الْعَظِيمَةِ، وَالسَّجَايَا الْكَرِيمَةِ، فمن يطلبُها ويتحراها، ويسعى إليها بصدقٍ يُعطاها، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» (رواه الدَّارَقُطْنِي ُّ).