الأمانة والضمان في فقه المعاملات


لقمان عبد السلام

اليد في فقه المعاملات يد معنوي ذات أثر في الأموال، وهو نوعان من حيث العموم: إما يد الأمانة أو يد الضمان، وفي توضيح حقيته يمكن تقسيمه إلى أربعة أقسام:
الأول: يد الملك التملك

معناه أن جميع المملوكات التى في حوزة الإنسان يده عليها يد الملك وهو سلطانها ومالكها، ولا يتم التملك في الشرع إلا من طرق ثلاثة:
1- ما يتملكه الإنسان بغير عمل ومن غير القصد أو الرضا، كالإرث الذى يعتبر ملك قهري، لا يشترط فيه عمل ولا رضا الوارث أو الموروث، وهو أمر مقدر من الله تعالى لا للبشر دخل في توزيعه، ومما يتملكه الإنسان بغير عمل: الهبة، والوصية.
2- ما يتملكه الإنسان بالعمل فقط، وهذا يحصل عن طريق تملك المباحات التى لم يسبق إلى تملكها أحد، مثل إحياء الموات المنفكة عن الملك والاختصاص، وصيد البر أو البحر، والاحتشاش ونقع الماء من منبعه والاحتطاب واللقط ونحوها، على أنه يجوز تقييد المباحات من قبل ولي الأمر للمصلة العامة.
3- ما يتملكه الإنسان بالعمل والرضا، وهذا يتحقق بالعقود على سبيل التمليك، كما هو جميع صور البيع، وهذا الطريق أوسع طرق التملك انتشارا بين الناس.
إذن، لا تخلو أسباب التملك الشرعي من الطرق الثلاثة المذكورة، ومن حاز شيئا من أي طريق منها يكون يده عليه يد الملك التام، وله كامل حرية التصرف فيه ما لم يوجد مانع شرعي كزوال العقل أو السفه أو الصغر أو الحجر أو إضرار بالآخرين.
الثاني: يد الأمانة

هي يد النيابة عن يد الملك بالإذن في التصرف، أي هي اليد التى تمكنها يد الملك من حرية استخدام ممتلكتها والانتفاع بها أو حيازتها أو التصرف فيها.
قال ابن العربي في تعريف الأمانات: “اختلف الناس في الأمانات، فقال قوم: هي كل ما أخذته بإذن صاحبه. وقال آخرون: هي ما أخذته بإذن صاحبه لمنفعته. قال: والصحيح أن كليهما أمانة. ومعنى الأمانة: أنها أمنت من الإفساد”[1]
لا مؤاخذة على الأيدي الأمينة ديانة وقضاءا

التضمين مرفوع عن أيد الأمانات فيما تحتها من أموال الغير إلا بوجود التعدى عليها أو التقصير في حفظها، لأنها أيد مأذونة من طرف المالك في السلطة عليها، وإذا حصل تلف خال عن التعدى أو التفريط فكأنما حصل تلف في يد المالك الحقيقي فمن ثم ينتفى ضمان، وهذا هو متجه ديانة وقضاءا لأن “التضمين حكم شرعي يستلزم أخذ مال مسلم معصوم بعصمة الإسلام فلا يجوز إلا بحجة شرعية وإلا كان ذلك من أموال الناس بالباطل”[2]
وقد نصت المادة (768) من مجلة الأحكام العدلية أن:” الأمانة غير مضمونة، فإذا هلكت أو ضاعت بلا صنع الأمين ولا تقصير منه لا يلزمه الضمان”.
لو أن رجلا استأجر سيارة واستخدمها بطريقة معتادة فتلفت فلا يضمن؛ لأنه يباح له استخدامها على الوجه المأذون فيه شرعا بعد إذن مالكها ورضاه؛ فيكون تلفها في يد المستأجر كتلفها في يد المؤجر ولا يطالب بالضمان
وتشهد لصحة هذا الأصل جملة من القواعد الفقهية المأثورة في كتب الفقه، منها على سبيل مثال:
1- الجواز الشرعي لا ضمان معه
2- لا ضمان على مؤتمن. ورد هذا اللفظ في الحديث لكنه ضعيف والعمل على معناه
3- الرضا بالشيء رضا بما يتولد عنه
وتقع اليد الأمينة في كثير من المعاملات ومنها ما هو متفق على أن الأيدى فيها أمينة، كيد المضاربة، والشركة، والوقف، والوديعة والإجارة والوكالة والوصية وغيرها مما كان قبضها بإذن صاحبها من غير قصد التملك، ومنها ما اختلف فيها كيد العارية مثلا، فالجمهور على أنها أمينة خلافا للحنابلة، وغيرها من صور المعاملات المختلف في تصنيف الأيد فيها كما تراها في كتب الفقه.
متى تضمين يد الأمانة؟

يصح تضمين يد الأمانة عندما يعتريها بعض الأشياء، منها:
1- وجود التعدى على المال، أو وجود مجاوزة الأمين عن الحد المسوح فيه، ولو أن مستأجر سيارة استخدمها على غير وجه المأذون فيه كأن يحمل عليها شيئا ثقيلا أو ساقها إلى مكان آخر أو مسافة بعيدة غير معتادة فتلفت وإنه يضمن.
ومرجع ضابط التعدي إلى العرف كما قال أبو العباس ابن تيمية.
2- وجود التقصير والتفريط في رعاية المال موجب لتضمين يد الأمانة، كأن يترك الأمين ما تحت يده في مكان غير لاحق أو مع شخص آخر غير أمين أو نحو ذلك، لو أن المودع أهمل الوديعة وتركها في محل غير مأمن فسرقت فإنه يضمن.
3- الموت عن تجهيل
وجاء في الموسوعة الفقهية:” معنى التجهيل: أن لا يبين حال الأمانة التي عنده، وهو يعلم أن وارثه لا يعلم حالها”[3] وفي هذه الحالة يتعبن عليه الضمان.
ولذا نصوا على أن ” كل شيء أصله أمانة يصير دينا في التركة بالموت عن تجهيل”[4]
وتقرر في القواعد الفقهية عند الأحناف أن “الأمين بالتجهيل يصير ضامنا”[5]
وثمة موجبات أخرى عند بعض أهل العلم تنقلب أيدى الأمانة إلى أيدى الضمان، مثل جعل العرف محكما على يد الأمانة عند الحنفية والمالكية، وجاء في شرح مختصر خليل:” وبيع الماء من باب بيع الجزاف، ولكن جرى العرف بضمان بائعه إذا انشق ظرفه قبل تفريغه”[6]
وكذا اعتبار المصلحة مغيرا لأيد الأمانة وهو ما يسمى بتضمين الصناع وما شاكلهم.
الثالث: يد الضمان ( اليد المأذونة مع الضمان)

يقصد بيد الضمان ” حيازة المال للتملك أو لمصلحة الحائز”[7]

مثال حيازة المال للتملك: يد المشتري ويد البائع قبل تسليم السلعة، ويد القابض على سوم الشراء
ومثال حيازة المال للمصلحة: يد المرتهن، ويد المقترض ويد الملتقط بنية التملك، ويد الفضولي.
ويتعين تضمين هذا اليد مراعاة لمقاصد العقد، وهي حيازلة المال على وجه البدل أو التوثقة.
حكم يد الضمان

القاعدة المقررة والمنضبطة في حكم يد الضمان: أن أي خلل أو تلف يصيب ما تحت يد الضمان فضمان عليها دائما، بغض النظر عن سبب وقوع التلف أو الهلاك.
الرابع: اليد العادية

هي اليد الآثمة التى أخذت مال الغير بغير إذنه، بل استولت عليه عدوانا وظلما، ولها صور وأنواع متعددة قديما وحديثا، كسرقة وغصب واختلاس ونهب ونحوها، ومنها ما تقع في الحقوق المادية: منقولة كانت أو عقارا، مثل جحود الوديعة، وسرقة الأمتعة أو السيارات، أو غصب الأراضى ونحوها، وتقع أيضا في الحقوق المعنوية، مثل سرقة المعلومات والأفكار، وغصب أسماء الشركات والمخترعات والإبداعات ونحوها.
حكم اليد العادية

الاعتداء على مال الغير بغير حق جريمة ومعصية، مستحقة للمؤاخذة والعقاب المناسب لنوع الاعتداء، ومن ذلك:
التعزير الذى مرده إلى الحاكم
وجوب رد الحق إلى صاحبه مهما كلفه سبيل ذلك
وجوب ضمان الإتلافات في أية حال.
وجوب ضمان الأضرار الناجمة جراء الاعتداء
ومظنة بحث أحكام مفصلة عن عقوبات يد العادية في كتب الفقه، وإنما المقصود تقريره هنا أن هذا اليد أسوأ الأيدى في فقه المعاملات ديانة وقضاءا.

[1] أحكام القرآن 1/571

[2]السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 3/201

[3] الموسوعة الفقهية 28/260

[4] المصدر السابق

[5] المبسوط 22/19

[6] شرح مختصر خليل 5/30

[7] الموسوعة الفقهية 28/260