بسم الله وبعد:
الفرع الأول: صفة الأصابع واليدين للرب:
لله أصابع، وله يدان كريمتان قويتان مبسوطتان بالخير، ولا يحل أن يقال له قدرتان، لأن قدرة الرب متحدة لا حدود لعظمتها،
ولا يقال: له نعمتان، لأن نعم الله كثيرة كما قال تعالى :{وإن تعدوا } كما قال الطبري وغيره.
بل له أصابع وله يدان قويتان مبسوطتان بالخير، يفعل بهما ما يشاء، بلا كيف ولا تمثيل ولا تجسيم.
الدليل 1/ قال تعالى :{ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }[]
فأما اليد اليمنى، فهي مبسوطة بالخير سحاء ملأى، خلق بها الخير والفضل والأرزاق، وبها ينفق على العباد، وبها يقبض على السماوات والأكوان يوم القيامة... ومنها يُحشر أهل السعادة.
وأما اليد الأخرى، فبها القبض والخفض والرفع، وبها يقبض الأرزاق ويضيق ويبتلي كما قدّر ذلك، وبها يرفع أقواما ويخفض آخرين، وبها خلق أهل الشر وقدّره عليهم.
وهذا مصداقا لتسمية الله سبحانه وتعالى ب: {القابض الباسط}.
* ثم إن كلتا يديه تعالى يمين في القوة، لا يشبه خلقه أبدا، لأن خلْقه لهم أعضاء وجوارح، وأكثر الخلق في يمناهم القوة النسبية، وفي شمائلهم الضعف، وأما الرب فيَدَاهُ يمينان قويتان، يفعل بهما ما يشاء من أمور مختلفات كما أسلفنا.
وهاك تفسير هذه الآية من السنة النبوية، فدعك من تفسيرا الجهمية.
الدليل2/ خرج الطبري في تفسيره عن أبي محمد رجل من المدينة قال: سألت عمر بن الخطاب عن قوله:(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما سألتني، فقال: "خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى، فأخرج ذَرْءًا، فقال: "ذَرْءٌ ذرأتهم للجنة"، ثم مسح ظهره بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، فقال: "ذَرْءٌ ذرأتهم للنار، يعملون فيما شئت من عمل، ثم أختم لهم بأسوإ أعمالهم فأدخلهم النار".
الدليل 3/ وخرج النسائي 5379 عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور، على يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» قال محمد في حديثه: وكلتا يديه يمين ".
الدليل 4/ قال ابن ماجه في سننه باب فيما أنكرت الجهمية ثم خرج (ر199) عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا على دينك. قال: والميزان بيد الرحمن، يرفع أقواما ويخفض آخرين، إلى يوم القيامة "
- ويحرم أن تفسر اليدان ههنا: بالمجاز وأن له قوتان أو ملكان أو نعمتان، لأن لله ملك الكون جميعا، ولله القوة جميعا، كما أن نعم الله كثيرة لا تحصى كما قال تعالى :{وإن تعدوا } كما قال الطبري وغيره.
قال الطبري:" ففي قول الله تعالى:"بل يداه مبسوطتان"، مع إعلامه عبادَه أن نعمه لا تحصى، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤدّيان عن الجميع ما ينبئ عن خطأ قول من قال: معنى"اليد"، في هذا الموضع، النعمة، وصحةِ قول من قال: إن"يد الله"، هي له صفة.
قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به العلماء وأهل التأويل".
وبهذا فسرت السنة والسلف هذه الآية:
الدليل 5/ خرجه البخاري 7419 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض - أو القبض - يرفع ويخفض»
هكذا خرجه بالشك هنا، وخرجه هو ومسلم وغيرهما من غير لفظ الشك:
فخرجه البخاري : باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} ر7411 ومسلم والترمذي 3045 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمين الرحمن ملأى سحاء لا يغيضها الليل والنهار قال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يرفع ويخفض".
ثم قال الترمذي :" وهذا الحديث في تفسير هذه الآية: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}، قال:" وهذا حديث قد روته الأئمة، نؤمن به كما جاء من غير أن يفسر أو يتوهم، هكذا قال غير واحد من الأئمة: الثوري، ومالك بن أنس، وابن عيينة، وابن المبارك أنه تروى هذه الأشياء ويؤمن بها ولا يقال كيف ".
الدليل 6: خرجه أبو داود 4732 باب في الرد على الجهمية عن سالم: أخبرني عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".
الدليل 7/ قال تعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
}[].
الدليل 8/ وفيه تفسير الآية، وتصديق النبي عليه السلام لقول الحبر:
خرجه البخاري في الصحيح باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} 7414 عن عبيدة عن عبد الله: أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك. «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه»، ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91]، قال يحيى بن سعيد: وزاد فيه فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له
وخرجه البخاري 4811 عن عبد الله رضي الله عنه، قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد: أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}
وخرجه الدارمي في الرد على الجهمية:" حديث آخر يدل على ذكر الأصبع ".
وبوب عليه ابن أبي عاصم في السنة باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده ".
وخرجه الدارقطني في الصفات من عدة طرق كثيرة متواترة.
وبوب عليه ابن خزيمة في كتاب التوحيد:" باب ذكر إمساك الله ـ تبارك وتعالى اسمه وجل ثناءه السموات والأرض وما عليها على أصابعه
جل ربنا عن أن تكون أصابعه كأصابع خلقه وعن أن يشبه شيء من صفات ذاته صفات خلقه، وقد أجل الله قدر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق البارئ بحضرته بما ليس من صفاته فيسمعه فيضحك عنده ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضحكا تبدو نواجذه تصديقا وتعجبا لقائله، لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته ".
وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة :" وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع والأرضين على أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف"
الدليل التاسع: خرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة 489 -سئل عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله يحمل السماوات على أصبع وما أشبه ذلك من الأحاديث، ثم قال: سمعت أبي رحمه الله ثنا يحيى بن سعيد بحديث سفيان عن الأعمش عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله يمسك السماوات على أصبع» قال أبي رحمه الله: جعل يحيى يشير بأصابعه وأراني أبي كيف جعل يشير بأصبعه يضع أصبعا أصبعا حتى أتى على آخرها ".
الدليل 10/ قال الطبري في تفسير الآية حدثنا الربيع ثنا ابن وهب قال: أخبرني أُسامة بن زيد عن أبي حازم عن عبد الله بن عمر أنه رأى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على المنبر يخطب الناس، فمر بهذه الآية:( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:"يَأْخُ ذُ السَّمَوَاتِ وَالأرَضَينَ السَّبْعَ فَيَجْعَلُهَا في كَفِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِهِما كمَا يَقُولُ الغُلامُ بالكُرَةِ: أنا اللهُ الوَاحِدُ، أنا اللهُ العَزِيزُ"حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به ".
ليس هذا من ابا التشبيه كما يزعم الجهمية، وإنما هو من باب التأكيد لهذا الفعل حقيقة.
الدليل 11/ خرج الترمذي 3074 وصححه والطبري في تفسيره وابن منده في الرد على الجهمية 78 باب ذكر خبر يدل على ما تقدم من ذكر الأصابع وابن أبي عاصم في السنة في صفة الأصبع، وغيرهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا)، قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل = فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ قال: فرفع ثابت يده فضرب صدر حُمَيْد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس، وأنا أكتمه!
تابعه شعبة وسعيد عن قتادة.
وفي رواية ابن أبي عاصم:" قال: وضع إبهامه على قريب من طرف أنملته فساخ الجبل قال حميد لثابت تقول هكذا فوكزه قال ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس فأكتمه أنا ".
ولابن خزيمة:" فقال له حميد الطويل يا أبا محمد ما تريد إلى هذا فضرب صدره ضربة شديدة وقال فمن أنت يا حميد يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت ما تريد إلى هذا ".
ولعبد الله بن أحمد في السنة قال: سئل –أبي - عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله يحمل السماوات على أصبع وما أشبه ذلك من الأحاديث
حدثني أبي رحمه الله، نا معاذ بن معاذ، نا حماد بن سلمة، نا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " في قوله عز وجل {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143] قال: قال: «هكذا، يعني أخرج طرف الخنصر» قال أبي: أرناه معاذ فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد وما أنت يا حميد؟ حدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، تقول أنت ما تريد إليه؟ حدثني أبي قال: حدثني من سمع معاذا يقول: وددت أنه حبسه شهرين يعني لحميد ".

البقية في كتابي على الرابط
https://elzianitaher.blogspot.com/20...og-post_5.html