الأسرة والمجتمع


عمير ناصر العجمي





الأسرة هي الجماعة الأولى لأي جماعة إنسانية، والزواج هو الرابط الذي يربط بين عناصرها، وقد أعطى الإسلام عقد الزواج قدسية، وأضفى عليه قوة، وحد له حدودا تستقيم به الحياة الزوجية. وهذا المقال يحاول أن يضع بين أيدينا تصورا إسلاميا لتشريع حل المشكلات الزوجية من غير إسراف في الأحكام الشرعية أو مغالاة في سردها، والهدف كله أن ندرك جميعا أهمية النظرة الإسلامية فيما يشرعه للإنسان لتستقيم أمور حياته، ولتكون الجماعة الإنسانية المسلمة قائمة على أسس سليمة.


توجيهات للإصلاح بين الزوجين:

يطلب الإسلام إلى الزوج أن يسلك مع زوجته عند محاولة الإصلاح الخطوات التالية:

أولاً - النصح:

قال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن}.

فيقف أمام زوجته ليقدم لها النصح، في رفق ولين، ويبصرها بما قد يترتب على عصيانها وتمردها من تحطيم هذا البناء دون تهديد أو وعيد، وعليه أن يستعين بفطنته وذكائه في ذلك، أو يستعين في النصيحة بمن يشاء من ذوي الرأي والحكمة من محارمها أو قريباتها ممن تسمع لرأيهن، وتستجيب لهن، ولعل في تكرار النصح بأساليب مختلفة، وعلى فترات متباعدة ما يزيل اللبس، ويرد الزوجة إلى رشدها، ويعيد الصفاء إلى حياة الزوجين، والزوج المحافظ على هذه الحياة الزوجية ينظر إلى الأمور نظرة تتسم بالعقل والحكمة، ولا يسمح لعواطفه أن تسيطر عليه فيثور أمام المواقف التي تواجهها الحياة الزوجية.

ثانياً - الهجر:

قال تعالى: {واهجروهن في المضاجع}.

فإذا لم يجد الزوج لنصيحته أو نصيحة غيره أذنا مصغية، ونفسا مستجيبة فإنه - وقد قام بدوره الإيجابي - عليه أن يقوم بدور آخر يلائم طبيعة المرأة التي تحب دائما أن تدل بجمالها على الرجل، وتتمنى أن تكون مرغوبة بما تملك من زينة، فيلجأ الرجل إلى أسلوب يحرمها من كل ذلك، وأنها لم تعد بعصيانها السكن الذي فيه راحته وحبه وأمنه، فيهجرها، وهو الأسلوب الذي يشعر المرأة بأنها أخلت بواجبها، واتخذ طريقا يبعدها عن بعض خصائصها ويحرمها قربها من زوجها، فقد تراجع نفسها، وتؤوب إلى رشدها، وتزيل ما عكر صفو حياتهما.

ثالثاً - الضرب غير المبرح:

وقد وجه الإسلام الرجل إلى اتخاذ الأسلوبين السابقين لكي يلتئم شمل الأسرة، وكثيرا ما تستجيب الزوجات بأحدهما أو بهما معا.

ولكن الإسلام وهو ينظر إلى الأمور نظرة واقعية ويرى أن من النساء من لا يصلحها إلا التأديب (الضرب غير المبرح) فإنه يعطي الرجل حق تأديب زوجته، وهو حق لا يتنافى مع المودة والرحمة، بل يبقى عليها، فالأب أحيانا يضرب ابنه لمصلحته، وفي الوقت نفسه يحبه ويحنو عليه، والضرب المعني ليس الضرب الذي يفقد المرأة إنسانيتها أو يؤذي كرامتها، وهنا يمكن القول إن الإسلام لا يحبذ أن يضرب الرجل زوجته وهو يأنس إليها في داره؛ قال رسول الله [: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم».