تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: تحقيق التوحيد بالبراءة من الشرك والمشركين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي تحقيق التوحيد بالبراءة من الشرك والمشركين

    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية ج2 ص 265
    ولا يحصل التوحيد إلا بالبراءة من الشرك والمشركين باطنا وظاهرا،
    كما ذكر الله تعالى ذلك عن إمام الحنفاء، عليه السلام،
    بقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}
    وقوله: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
    فتأمل: كيف ابتدأهم بالبراءة من المشركين،
    وهذا هو حقيقة معنى لا إله إلا الله، ومدلولها، لا بمجرد قولها باللسان، من غير معرفة وإذعان، لما تضمنته كلمة الإخلاص، من نفي الشرك، وإثبات التوحيد ;
    والجاهلون من أشباه المنافقين يقولونها بألسنتهم، من غير معرفة لمعناها، ولا عمل بمقتضاه
    ولهذا تجد كثيرا ممن يقولها باللسان، إذا قيل له: لا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله،
    اشمأز من هذا القول،
    كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
    *****************
    هذه هى ملة ابراهيم عليه السلام
    الولاء لله و البراءة من كل معبود سواه
    فلم تصحَّ لخليل الله هذه الموالاةُ والخُلّةُ إلا بتحقيقالمولاة والمعاداة؛
    فإنّه لا ولاءَ إلا لله، ولا ولاءَ إلا بالبراءِ مِنْ كلَّ معبودٍ سواه،
    قال تعالى: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝
    وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
    ، أي جعلَ هذه الموالاة للهِ، والبراءةَ من كلِّ معبودٍ سواه كلمة باقيةً في عقبه،
    يتوارثها الأنبياءُ بعضُهم عن بعضٍ،
    وهي كلمة لا إله إلا الله، وهي التي ورَّثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: تحقيق التوحيد بالبراءة من الشرك والمشركين

    فمن عبد غير الله واتخذ من دونه إلها وجبت البراءة منه ومما يعبده ويدين به،
    ولا يتحقق الكفر بما يعبد من دون الله بدون الكفر والبراءة من عابديه
    فلا يصح الإيمان بلا إله إلا الله بغير الكفر بألوهية ما عبد من دون الله،
    ومن المعلوم أن كل معبود من دون الله له من يعبده ويُصرف له ما لا ينبغي أن يصرف إلا لله وبهذه العبادة صار إلها مع الله،
    وإذا كان الشرط الأول للإيمان بلا إله إلا الله هو الكفر بهذه المعبودات،
    فإن الكفر بها لا يتحقق إلا بالبراءة التامة منها ومما يصرف لها من العبادة وممن يعبدها مع الله،
    يعني لابد من البراءة من المعبود ومن عبادته ومن عابديه،
    ولا تتحقق واحدة منها دون الأخرى
    فلا يستقيم ولا يصح البراءة من المعبود دون البراءة من عبادته
    ولا يستقيم أيضا ولا يصح البراءة من المعبود وعبادته دون البراءة ممن جعله معبودا وصرف له العبادة من دون الله
    وليست البراءة من المعبود بأولى من البراءة من العابد،
    وهل يصير العبد المخلوق إلها معبودا إلا بوجود من أشركه مع الله وعبده معه؟

    بل إن الله عز وجل قدم البراءة من العابد على البراءة من المعبود في أكثر من آية من آيات كتابه البينات،
    قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)
    وقال تعالى: (وأعتزلكم وما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي)
    وقال تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ )
    وقال عز وجل: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوه ُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)(الكهف : من الآية16

    فلا يصير العبد المخلوق إلها يعبد مع الله إلا بوجود من يؤلهه ويعبده مع الله،
    وكمثال لذلك الآلهة التي كانت موجودة في قوم نوح فما هي إلا تماثيل نحتها أناس ربما لم يصلوا إلى الشرك في ذلك الوقت يوم أن نحتوها وبعد موت هؤلاء اتخذها من بعدهم آلهة تعبد كما يعبد الله الواحد القهار، ولولا أولئك المشركون لما صارت آلهة معبودة مع الله ولبقت مجرد تماثيل ترمز لرجال صالحين كانوا فبادوا

    فلو أن رجلا في عهد نوح سمع بما يدعو إليه نوحا عليه السلام فأراد أن يتبعه فترك عبادة غير الله واعتقد أن ما كان يعبده باطل لا يستحق العبادة وأن الله وحده هو المستحق للعبادة،
    فهل تراه يعتبر نفسه أنه كان على حق في عبادة غير الله؟!
    هذا لا يستقيم أبدا
    بل الصواب سيعتبر نفسه أنه كان على باطل وضلال في شركه بالله وأن الحق هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وبالتالي سيعتبر من لم يوحد الله واستمر على عبادة غيره أنهم على ضلال وباطل، وسوف يتبرأ منهم كما تبرأ من آلهتهم ودينهم.
    وهذا ما نقصده بالبراءة من المشركين
    ومثال آخر
    هذه القبور التي تعبد اليوم من دون الله فلولا ما يفعله المشركون عندها وما يعتقدونه فيها لما زاد عن كونها قبورا لأناس كانوا أحياء يأكلون ويشربون ويحتاجون لما يحتاج إليه البشر الضعفاء فماتوا وقُبروا في هذه القبور وهي كغيرها من سائر القبور الأخرى،
    ولكن المشركين عظموها وغلوا في محبة أصحابها حتى عبدوهم مع الله فصارت آلهة تعبد مع الله الواحد الأحد وطواغيت تقدس من دون الله
    فهل تستقيم البراءة منها دون البراءة ممن اتخذها وصيرها آلهة من دون الله؟
    هل يصح في الفطر السليمة والعقول المستقيمة والملة الحنيفية أن نعتقد أن هذه القبور آلهة باطلة لا تستحق شيئا من العبادة وأن عبادتها كفر وشرك بالله تناقض الإسلام وتبطله،
    ولا نعتقد كفر وضلال من عبدها، بل نجعلهم في زمرة الموحدين ونساويهم بمن يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا ويكفرون بما يعبد من دونه؟
    هل يستوي من يكفر بهذه القبور مع من يعبدها؟
    كلا - لايستوي دين من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه مع دين من جهل التوحيد وجعل مع الله آلهة أخرى
    قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:19
    وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام:
    كيف يكون المشرك الذي جعل العبادة شِرْكَةً بين الله وبين خلقه مسلما على دين إبراهيم عليه السلام والأنبياء جميعا؟؟
    لقد أعلن جميع رسل الله براءتهم من كل من عبد غير الله وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم،
    قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتح نة: من الآية4).
    والله عز وجل أمرنا بإتباع ملة إبراهيم، وجعله للناس إماماً، واتخذه خليلاً، وملة إبراهيم هي الحنيفية وهي البراءة من الشرك والمشركين
    كما قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون َ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)." الزخرف:27:26
    وقال عز وجل:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)." الأنعام:74". فحكم على أبيه وقومه بالضلال البين؛ لعبادتهم الأصنام من دون الله
    وكذلك قوله:(أَفَرَأَيْ تُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)." الشعراء: من الآية:75: 77:76
    وبرَّأ خليليه إبراهيم ومحمدا عليهما السلام، من كل من خالف دين الإسلام ولم يأتِ بالتوحيد، من اليهود والنصارى والوثنيين.
    قال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). " آل عمران:67
    وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام: من الآية:159
    وقال عز وجل: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). " يوسف:108
    فكل من أشرك بالله وعبد معه غيره فالله ورسله بريئون منه وكذلك سائر المؤمنين
    والله عز وجل لا يقبل غير الإسلام دينا، ولا يصح إسلام بلا توحيد، فكل من لم يعبد الله وحده مخلصا له الدين فليس من المسلمين،
    فوجب البراءة منه ومما يدين به، والحكم عليه بأنه من المشركين
    قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ)." آل عمران: من الآية:19". وقال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّين َ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا)." آل عمران: من الآية:20
    وقال تعالى: ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)." البقرة: من الآية:137". فأصل الدين واحد لا يتغير، وكل مسلم لابد أن يأتي بهذا الأصل الذي اتفقت عليه جميع الرسالات وإلا لم يكن من المهتدين
    قال تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)." الأنعام: من الآية:88".
    فلا يصح مع الشرك عمل ولا عبادة ولا دين
    وقال سبحانه: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)." الأنعام:82". فلابد في صحة الدين من إيمان صحيح لا يخالطه شرك
    وقال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)." النساء: من الآية:125". وهذا هو الإسلام دين الله،
    لأنه ليس لله إلا دين واحد،
    وهو أحسن الأديان،
    فدل على أن من استسلم لله وحده واتبع ما جاءت به رسله وكان على الحنيفية ملة إبراهيم متبرئاً من الشرك وأهله فهو المسلم؛
    وما سواه فمشرك كافر
    فالشرك والتوحيد ضدان لا يجتمعان أبدا ،
    فترك الشرك الأكبر كله شرط في صحة الإسلام،
    ولا يجادل في هذا من عرف الله وما جاءت به رسله
    وقد أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من الكافرين، وأن يصارحهم بهذه البراءة،
    فقال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)." الكافرون:6:1
    وهذه السورة يسميها العلماء سورة التوحيد، فهي براءة من الشرك والمشركين
    وفيها مصارحتهم ومخاطبتهم بأنهم كافرون بالله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
    البراءة من عبادتهم وهي الشرك بالله ومن معبوداتهم:
    ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون).( وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُم
    وصفهم بأنهم لا يعبدون الله، ولو زعموا أنهم يعبدونه وأنهم على دينه:
    (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
    فعبادة المشرك باطلة كلها غير مقبولة حتى ما كان منها لله، لأن شركه بربه وخالقه قد أحبط عمله كله، وأخرجه من دين الله الذي لا يقبل سواه
    وإذا تأملت قوله تعالى: ( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)." لقمان: من الآية:32". علمت أن المشرك يعبد الله ويعبد غيره، فلا يكون عابداً لله ولا مسلما له، لأن العبادة والإسلام لا يصح إلا بترك الشرك والبراءة منه، فتأمل هذا جيداً
    وختم الله عز وجل هذه السورة بقوله تعالى:
    ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
    فدين من وحد الله فَعَبَدَه وحده ولم يشرك به شيئا هو الإسلام، ولا يمكن أن يجتمع مع من أشرك بالله على دين واحد أبداً، ولا يمكن أن يستويان أبداً،
    بل كل واحد منهما متبرئ مما عليه الآخر، ولا يشاركه فيه،
    فلا يمكن أن يكون الموحد عابد لغير الله،
    ولا يمكن أن يكون المشرك عابداً لله وحده.
    فكيف يصح مع هذا كله القول بأن البراءة من المشركين ليس من أصل الدين ويمكن أن يتحقق الإسلام من غير هذه البراءة؟
    وكيف يقبل العقلاء القول بأن الحكم بالإسلام لمن عبد غير الله وجعل معه آلهة أخرى لا يعارض الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنبياءه؟!!
    ، لا يصح هذا ولا يُقبل ، وليس هذا من دين الله في شيء.
    هذه هي حقيقة الكفر بما يعبد من دون الله،
    وهي الصفة الشرعية للكفر بالطاغوت الركن الأول في التوحيد، وشطر كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
    وقد جعل الله عز وجل الكفر بالطاغوت شرطا لصحة وقبول الإيمان بلا إله إلا الله،
    فقال تعالى: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)." البقرة: من الآية:256
    وقال عليه السلام فيما يرويه مسلم عن أبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عن أبيه
    أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول
    (من قال لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ من دُونِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ وَدَمَهُ وَحِسَابُهُ على اللَّهِ

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
    (ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله، من جني أو انسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك، وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك وأخاك. فأما من قال؛ أنا لا أعبد إلا الله، وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك، فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت)
    وقال أيضاً رحمه الله: (فأما صفة الكفر بالطاغوت: فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتُكفر أهلها وتُعاديهم،
    وأما معنى الإيمان بالله فأن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون ما سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتُحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتُعاديهم،
    وهذه: ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها،
    وهذه: هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله: {قد كانت لكُم أُسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معهُ إذ قالوا لقومِهم إِنا بُرءاؤُا منكُم ومِّما تَعبُدون مِن دون الله كفرنَا بِكُم وبدا بيننا وبينَكُم العداوة والبغضاء أبَداً حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة: 4) (1).
    وقال أيضا ً رحمه الله تعالى :
    "وأنت يا مَن مَنّ الله عليه بالإسلام , وعرف أن ما من إله إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق , وأنا تارك ما سواه , لكن لا أتعرض للمشركين , ولا أقول فيهم شيئا ً , لا تظن : أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام , بل : لابد من بغضهم , وبغض من يحبهم , ومسبتهم , ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم والذين معه:إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبد ا ً حتى تؤمنوا بالله وحده وقال تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى الآية وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة ٍ رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ولو يقول رجل : أنا اتبع النبي وهو على الحق , لكن : لا أتعرض اللات والعزى , ولا أتعرض أبا جهل , وأمثاله , ما علي منهم , لم يصح إسلامه ". [ الدرر السنية : 2 /

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:( فإن تحقيق الشهادة بالتوحيد يقتضي ألا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ، ولا يوالي إلا لله ، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما يحبه الله ، ويبغض ما أبغضه ، ويأمر بما أمر الله به وينهى عما نهى الله عنه ، وإنك لا ترجو إلا الله ، ولا تخاف إلا الله ، ولا تسأل إلا الله ، هذا ملة إبراهيم ، وهذا الإسلام الذي بعث الله به جميع المرسلين)إهـ مجموع الفتاوى(8/164
    وسئل الشيخ سليمان ابن عبد الله عن المولاة والمعاداة
    هل هي من معنى "لا إله إلا الله" أو من لوازمها؟
    الجواب:
    أن يقال؛ الله أعلم.
    لكن بحسب المسلم أن يعلم؛ أن الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، وأخبر أن ذلك من شروط الإيمان، ونفى الإيمان عمن يواد من حاد الله ورسوله - ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم، أو إخوانهم أو عشيرتهم -
    وأما كون ذلك من معنى "لا إله إلا الله" أو لوازمها؟ فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك.
    إنما كلفنا؛ بمعرفة أن الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه.
    ومن عرف أن ذلك من معناها، أو من لازمها؛ فهو حسن وزيادة خير، ومن لم يعرفه؛ فلم يكلف بمعرفته، لا سيما إذا كان الجدال والمنازعة فيه مما يفضي إلى شر واختلاف ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله، وعادوا المشركين، ووالوا المسلمين.
    [الدرر السنية]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: تحقيق التوحيد بالبراءة من الشرك والمشركين

    قال جل وعلا
    {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}

    ففي هذه الآية أعظم دلالة: على أعلى مقامات إظهار الدين، لأن الله بين هذا الحكم العميم، وأكد هذا المشهد العظيم،
    الذي هو مشهد الأسوة بالأنبياء والرسل، معبرا بصيغة الماضي، وبقد التحقيقية الدالة على لزومه، ولزومه على البرية، ووصفه بالحسن، وضد الحسن القبيح; وأزال دعوى الخصومة بقوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}، ترغيبا في معية أوليائه.
    ثم صرح: بأنها هي القول باللسان، مع العداوة، والبغضاء; خلافا لمن قال: أبغضهم بقلبي، وأتبرأ من العابد والمعبود جميعا; وقدّم البراءة من العابد، تنويهاً بشناعة فعله، ثم أعادها بلفظ آخر أعم من البراءة، وهو قوله: {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي: جحدناكم، وأنكرنا ما أنتم عليه; وكشف الشبهة بقوله: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} . ومعنى: {وَبَدَا}، ظهر؛ وقرن بين العداوة والبغضاء إشارة إلى المباعدة والمفارقة، بالباطن والظاهر معا، وأكد العداوة، وأيدها بقوله: {أَبَداً} معبرا بالظرف الزماني المستقبل المستمر، إلى غاية وهي الإيمان، وأتى بحتى الغائية، الدالة على مغايرة ما قبلها لما بعدها، المعنى: إن لم تؤمنوا فالعداوة باقية. [الدرر السنية - من رسالة الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن بن حسن - عن حكم بلدان المشركين والسفر إليها ]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: تحقيق التوحيد بالبراءة من الشرك والمشركين

    ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾
    وجه الدلالة من الآية على تفسير كلمة التوحيد
    أن معنى: (لا إله إلا الله) جامع بين النفي والإثبات،
    نفي ما يعبد من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده،
    ويبيِّن نفيها قوله تعالى عن إبراهيم الخليل عليه السلام: ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾،
    وبيَّن إثباتها قوله: ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾،
    فعبَّر عن معنى: (لا إله) بقوله: ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾،
    وعبَّر عن معنى (إلا الله) بقوله: ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾،
    فتبيَّن: أن معنى لا إله إلا الله، هو:
    البراءة من عبادة كل ما سوى الله،
    وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله،
    وقد أمرنا الله جل وعلا أن نتأسى بإمام هذا التوحيد في نفيه وإثباته
    كما في قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه
    وفي الآية الدلالة على أن شهادة أن لا إله إلا الله تستلزم البراءة من كل ما يعبد من دون الله،
    وأنه لا يستقيم التوحيد إلا بإفراد الله عز وجل بالعبادة،
    والبراءة من الشرك والبراءة من أهله
    *******************
    {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
    اشتملت على نفي في الشق الأول،
    وعلى إثبات في الشق الثاني،
    {إنني براءٌ مما تعبدون}
    البراءةُ نفي،
    ثم أثبت فقال: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
    فتبرأ من المعبودات المختلفة،
    وأثبت أنه عابد للذي فطره وحده،
    وهذا هو معنى كلمة التوحيد،
    ولهذا قال جل وعلا بعدها: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني: لعلهم يرجعون إليها.

    وعقب إبراهيم عليه السلام منهم العرب، ومنهم أتباع الأنبياء، فهو أبو الأنبياء،
    ومعنى ذلك أنه أبٌ لأقوام الأنبياء.

    جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون إليها،
    وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)؛ لأن التوحيد هو ملة إبراهيم.

    (لا إله إلا الله) معناها ما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
    فـ(لا إله)مشتملة على البراءة من كل إله عبد،
    (وإلا الله)إثبات لعبادة الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه؛

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •