حوار مع أختي في الله


سارة أنور العنجري









حقيقة أود أن أبين لك مدى حرص الإسلام على المرأة وصيانتها من كل مكروه، فالشريعة الإسلامية جاءت لحفظ مقاصدها, ومن ضمن هذه المقاصد حفظ العرض, ويندرج تحت هذا الأصل العام تحريم سفر المرأة من غير محرم.



إن من روائع صور تكريم الإسلام للمرأة المسلمة ما غرسه في نفوس المسلمين من الغيرة على المحارم، وهي خلق عظيم، ووصف كريم، يقوم في قلب الرجل المسلم يدفعه إلى رعاية حريمه وحراستهن، وصيانة شرفهن وكرامتهن، ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط.

ويعد الإسلام الدفاع عن العرض، والغيرة على الحريم جهادا يبذل من أجله الدم، ويضحى في سبيله بالنفس ويجازى فاعله بدرجة الشهيد في الجنة.

فعن سعيد بن زيد ]، قال: سمعت رسول الله [ يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد»، وفي لفظ: «من مات دون عرضه فهو شهيد».

بل يعد الإسلام الغيرة من صميم أخلاق الإيمان، فعن المغيرة بن شعبة ], قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله [، فقال: «تعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» متفق عليه.

وعن أبي هريرة ]، أن رسول الله [، قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن من غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه» متفق عليه.

وضد الغيور: الديوث، وهو الذي يقر الخبث في أهله، فلا يكون فيه غيرة عليهم، وقد ورد في الإسلام الوعيد الشديد في حق من كان كذلك.

فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله [: «ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث» رواه أحمد وغيره.

والتاريخ مليء بالقصص المعبرة عن شدة غيرة المسلمين على حريمهم وعظيم عنايتهم بهذا الأمر العظيم.

ومن الحوادث العجيبة في ذلك ما ذكره ابن الجوزي في كتابه (المنتظم) عن محمد بن موسى القاضي قال: حضرت مجلس موسى بن إسحق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومئتين، وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمئة دينار مهرا، فأنكر. فقال القاضي: شهودك، قال: قد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد، وقال للمرأة: قومي! فقال الزوج: تفعلون ماذا؟ قال: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عنهم معرفتها، فقال الزوج: فإني أشهد القاضي أن لها عليَّ هذا المهر الذي تدعيه ولا يسفر عن وجهها، فأُخبرت المرأة بما كان من زوجها، فقالت: فإني أشهد القاضي أني قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.

فقال القاضي: يكتب هذا في مكارم الأخلاق.

إن الدين الإسلامي جعل للمرأة ضوابط دقيقة تنال بها عفة نفسها، وصيانة فرجها، وسلامة عرضها، فمن هذه الضوابط أن حرم عليها السفر إلا مع ذي محرم.

وقد روي عن النبي [ أنه قال: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم» صحيح (رواء الغليل).

إن الحديث السابق الذي ورد عن النبي [، دال دلالة قوية على أن الأصل في سفر المرأة بدون محرم هو التحريم؛ وذلك لأحاديث كثيرة وردت في هذا الباب منها:

قوله [: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم» متفق عليه.

ويقول [: «لا تسافر المرأة سفرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا مع أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها أو ذي محرم» (صحيح ابن ماجة).

أختي، لا يعتد بسفر المرأة إلا مع محرمها، والمحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب: كأبيها، وأخيها، أو بسبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، وكالأب من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهم.

ومن ادعى جواز سفر المرأة مع نساء ورجل مشهور بالصلاح (أي الرفقة الآمنة) فقد أخطأ وخالف حديث النبي [ الصريح، فالنبي [ خطب وقال: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل وقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا كذا؟ فقال النبي [: «انطلق فحج مع امرأتك» ولم يستفسر النبي [ منه هل كانت آمنة أو غير آمنة وهل كان معها نساء ورجال مأمونون أو لم يكن، مع أن الحال تقتضي ذلك إذ إن زوجها قد اكتتب في غزوة.


فأمره النبي [ أن يدع الغزوة وأن يخرج مع امرأته، وقد ذكر أهل العلم أن المرأة إذا لم يكن لها محرم فإن الحج لا يجب عليها حتى لو ماتت لا يحج عنها من تركتها لأنها غير قادرة، والله سبحانه وتعالى فرض الحج على المستطيع.

وفي الختام أسأل الله العظيم أن أكون وفقت في إقناعك بهذه المسألة المُسَلَم بها.

أختاه إليك نصيحتي: عليك بالانقياد والتسليم لأوامر الله ورسوله، والنتيجة أنك تحظين بالسعادة والجنان بإذن الله.

هذا ما تيسر لي وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.