كن ما تريد..


ريم صلاح الصالح



لربما يستغرب بعضهم عندما يقرأ عنوان مقالتي: (كن ما تريد) فيقول في نفسه: «يعني شنو؟ في أحد بيتحكم فيني مثلاً!» وسأرد بكل وضوح وشفافية: أجل هناك من الناس من يسيطر على حياة الآخرين، يتملك أحدهم بروحه وعقله وقلبه، حتى يجرد الإنسان من ذاته وحقيقته فيصبح عبداً مستنسخاً من إرادات السيد المحترم الذي لا تعصى أوامره، بل لا تناقش حتى أو يستفسر منها.
أذكر في إحدى المرات أني سمعت قصة عن فتاة أمضت سنوات الدراسة وهي تحاول أن ترضي أمها بالنتائج والدخول للقسم العلمي حتى تدخل كلية الطب كما تريد أمها، وتمضي بها 3 سنوات تعاند حاجة نفسها ورغبتها في الخروج من هذه الكلية، كانت تختلي بنفسها للتذكر كما كانت تريد أن تصبح كاتبة تتنقل بين السطور والأحداث، ولكن تملك أمها لها وضعف شخصيتها كانا السبب وراء عذابها في كلية الطب، فما كان منها إلا أن قررت الذهاب إلى أمها ومصارحتها برغبتها التي حُجِبت منذ سنين.. بقدر ما نبر ونحسن لأمهاتنا بطاعتهن بقدر ما نحافظ على هوية ذواتنا فلا نرضى أن نكون غير أنفسنا.

كثير من الناس يشغلون أذهانهم بما يريده الآخرون وما يودون منهم أن يفعلوا، فذلك يهدم مستقبله، وتلك تتخلى عن أحلامها لتغدو كالعصفور الذي انكسر جناحه، وآخر تعتصر الحسرة فؤاده على ما مضى من الأيام الخوالي التي لم يصنع فيها شيئاً يريده هو، فهؤلاء عاشوا أمواتاً في أعماقهم، عاشوا دون التفكير بأنفسهم ولا براحتهم ولا بأي شيءٍ يخصهم، فكامل تفكيرهم ورغبتهم ينصب على «إرضاء الآخرين ودحر النفس»، ولكن هذا غير صحيح ولا يمكن للإنسان أن يكمل حياته بهذه الطريقة، فمؤكد أنه سيأتي اليوم الذي ستنفجر فيه جعبته بالآلام والغصات التي تراكمت على مدى سنين، ولم تعرف حينها كيف تظهر فقد كان هناك مسكّن قوي يجعل الإنسان لا يعلم حتى بوجود غصة وهو رضا الناس ومديحهم وشكرهم وثناؤهم، ولكن وبعد أن يمر العمر ويكتشف الإنسان كم نسي نفسه ودفنها حيّة من أجل أناس يستحقون وربما لا يستحقون.


كل إنسان يختار الطريق الذي سيسير عليه فهو الوحيد الذي سيسير عليه، وما الناس إلا أشجار في هذا الطريق ستمر عليها، وقد تكون وارفة فتستظل بظلها وتأكل من ثمرها، وقد تكون شائكة جافة إن اقتربت منها أصابتك بأشواكها، وفي كلتا الحالين ستتركها وتمضي في مسيرك، فلن يبقى لك إلا نفسك، هي الوحيدة التي ستبقى معك.. فكن حقاً ما تريد, لا ما يريده الآخرون.