تقلب القلوب


أحمد قوشتي عبد الرحيم

يتكرر كثيرا في النصوص الشرعية التذكير بقضية " تقلب القلوب " والتحذير من زيغها ، وسؤال الله لها الثبات ، وقد كان أكثر يمين النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر دعائه دائرين حول هذا المعنى .
ففي الصحيح أنه " أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: ««لا ومقلب القلوب»»
وعن أم سلمة قالت " « كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقيل له في ذلك؟ قال: إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ » "
بل تسمية القلب نفسه مأخوذة من معنى التقلب والتحول ،وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم" « إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن» "
ومن تأمل حال القلب وجد الأمر كذلك ، فتارة يعلو الإيمان ويزيد ويصير كالجبال الرواسي ، وتارة يضعف ويذبل حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة أو مثقال حبة من خردل ، وتارة يخشع القلب ويلين وتظهر آثار ذلك على العين وسائر الجوارح ، وتارة يقسو حتى يكون كالحجارة أو أشد قسوة ، وتارة ينشط للطاعة ويقدم عليها فرحا مسرورا ،وتارة تكبله الذنوب ويسيطر عليه الكسل والعجز ، وتارة يزين له الأمر فيقدم عليه بكل قوة وحماس ، ثم فجأة يصرف عنه ولا يطيقه كأن لم يتمنه بالأمس .

وحتى في العمل الواحد من الأعمال الصالحة قد يشرع فيه المرء ابتداء وهو مخلص لا يقصد إلا وجه الله ، ثم يتقلب عليه قلبه وتبلبل عليه نيته فيتطلع إلى حظوظ الدنيا الفانية ، ويخرج بغير القلب الذي دخل به ، ولذا قال سفيان بن عيينة "ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيّتي أنها تتقلب علي "
فسبحان مقلب القلوب، ومن جعل أمرها بين أصبعين من أصابعه يصرفها كيف يشاء ، ومن يحول بين المرء وقلبه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}