الفرق بين التوبة والاستغفار






السؤال:

الملخص:
سائل يسأل عن السبب في تأجيل المغفرة لمن تاب، رغم أنه لا يقترف الذنوب.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لماذا يُؤجِّل الله سبحانه وتعالى المغفرةَ لمن تاب؟
وهل كلما تاب العبد، تُؤجَّل مغفرته، رغم عدم ارتكابه للذنوب؟

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: في الحقيقة لم يظهر لي مرادك ووجه الإشكال؛ لأن التوبة الصادقة من أسباب المغفرة، ومن تاب غفر الله له، والتَّوْبةُ الرُّجُوعُ من الذَّنْب؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 39].
وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف: 153]
وقال تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].
وكذا الاستغفار من أسباب المغفرة، فاستغفار العبد من ذنوبه وخطاياه، وعدم إصراره على فعل الذنوب والمعاصي من أهم أسباب دخول الجنة، ومغفرة الذنوب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 135، 136].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ: ((أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ، اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ))؛ [متفقٌ عَلَيهِ].
وقالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَجَاءَ بِقومٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُو نَ اللَّه تَعَالَى، فيَغْفر لَهُمْ))؛ [رواه مسلم].
ولعلك تريد الفرق بين التوبة والاستغفار؟
فإذا كان هذا مرادك، فالواجب على كل مسلم أن يتوب من الذنب توبة صادقة نصوحًا، مستوفية لجميع شرائطها؛ من الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة، ورد المظالم لأهلها إذا تعلق الذنب بآدمي، وكثرة الأعمال الصالحة ومنها الاستغفار، أما مجرد الاستغفار من غير توبة صادقة، فليس بتوبة، وقد أنكر كثير من العلماء الاستغفار مع الإصرار على الذنب، وسموا ذلك توبة الكذابين، وليس مرادهم إنكار نفس الاستغفار، وإنما مرادهم الحث على صدق التوبة، وأن يقرن هذا الاستغفار بتوبة نصوحٍ توجِب للعبد مغفرة ذنوبه؛ قال ابن تيمية: "فإن الاستغفار هو طلب المغفرة وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب"، إلى أن قال: "والتوبة تمحو جميع السيئات، وأما الاستغفار بدون التوبة، فهذا لا يستلزم المغفرة، ولكن هو سبب من الأسباب"؛ [منهاج السنة النبوية: (6/ 210)].
وقال الحافظ ابن رجب: "وإن قال بلسانه: أستغفر الله، وهو غير مقلع بقلبه، فهو داعٍ لله بالمغفرة كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن، وقد يُرجَى له الإجابة، وأما من قال: توبة الكذابين، فمراده أنه ليس بتوبة كما يعتقده بعض الناس، وهذا حق، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار"، وقال: "ومجرد قول القائل: (اللهم اغفر لي) طلبٌ للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء، إن شاء أجابه وغفر لصاحبه، لا سيما إذا خرج من قلب منكسر بالذنب، وصادف ساعة من ساعات الإجابة؛ كالأسحار وأدبار الصلوات"؛ [جامع العلوم والحكم: (ص: 395)].
وقد سُئل ابن باز: ما الفرق بين التوبة والاستغفار؟
فأجاب: "التوبة: الندم على الماضي والإقلاع منه والعزيمة ألَّا يعود فيه، هذه يقال لها توبة، أما الاستغفار: فقد يكون توبة، وقد يكون مجرد كلام، يقول: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، لا يكون توبة، إلا إذا كان معه ندم وإقلاع عن المعصية، وعزم ألَّا يعود فيها، فهذا يسمى توبة، ويسمى استغفارًا، فالاستغفار النافع المثمر هو الذي يكون معه الندم والإقلاع من المعصية، والعزم الصادق ألَّا يعود فيها، هذا يسمى استغفارًا ويسمى توبة، وهو المراد في قوله جل وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 135، 136]، فالمقصود أنه نادم غير مصرٍّ؛ يعني: يتكلم يقول: اللهم اغفر لي، أستغفر الله، وهو مع هذا نادم على السيئة، يعلم الله من قلبه ذلك، غير مصر عليها بل عازم على تركها، فهذا إذا قال: أستغفر الله، أو اللهم اغفر لي، وهو قصده التوبة والندم والإقلاع، والحذر من العود إليها؛ فهذا توبة صحيحة".
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz7I2VxCIQc