تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

    يقول صاحب كتاب شرح رسالة العبودية لشيخ الاسلام

    وقد ترتب الانحراف فى مفهوم العبادة عند أهل الكلام أن تكون العبادة هي الأفعال والأقوال التي تصرف لمن يعتقد فيه أنه خالق ورازق، فالعبادة عندهم هي الأقوال والأعمال التي تصرف لمن يعتقد فيه الربوبية، فإذا رأى أحدهم رجلاً يطوف حول قبر أو يذبح له أو ينذر له أو يستغيث بغير الله، قال: هذا في حد ذاته ليس كفراً؛ إلا إذا كان يعتقد أن هذا الذي صرفت له العبادة خالق ورازق، وحينئذ افترق الناس إلى فرقتين في مفهوم العبادة وفي مفهوم الشرك أيضاًَ، فصار أهل الكلام يعرفون العبادة بتعريف غير تعريف أهل السنة، وصاروا يعرِّفون الشرك بتعريف غير تعريف أهل السنة، فهم يقولون: العبادة هي الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة التي تصرف لمن يعتقد فيه الخلق والرزق والإحياء والإماتة والربوبية.
    أما أهل السنة فإنهم يقولون: العبادة هي الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة التي تجمع بين الخضوع والذل وبين المحبة، حتى لو صرفت لمن يعتقد أنه حجر، أو أنه ولي، أو أنه نبي، أو ملك من الملائكة، فما دام أنها أقوال وأفعال ظاهرة وباطنة اجتمع فيها الذل والخضوع واجتمع معها المحبة كذلك فهي عبادة مصروفة، فإما أن تكون لله فتكون حينئذ توحيداً، وإما أن تكون لغير الله فتكون حينئذ شركاً.
    وترتب على هذا الخلاف بين السلف رضوان الله عليهم وبين أهل الكلام في مفهوم العبادة ترتب عليه خلاف كبير في الواقع، فأهل السنة يقولون: إن الذين يقفون حول القبور وينذرون لها ويذبحون لها كفار، وأهل الكلام يقولون: هم لم يعبدوا غير الله.
    ولهذا فإن كتاب: (مفاهيم يجب أن تصحح) لـ محمد علوي المالكي قال فيه صاحبه بالنص:
    ولا يكفر المستغيث بغير الله ما لم يعتقد الخلق والإيجاد لغير الله تعالى.

    فعنده لو أن إنساناً استغاث بولي وهو يعتقد أنه غير خالق بل هو مخلوق، فليس فعله من الشرك، وأنه إذا ذبح لولي أو نذر له فإن هذا ليس من الشرك، إلا إذا اعتقد أن هذا الولي هو الخالق الرازق، وهذا لا شك في أنه لا يقول به أحد في الدنيا، فإنه لا يوجد طائفة تقول: إن هذا الكون أوجده إلهان وصانعان متفقان في الصفات وفي الأفعال، وإنما أكثر الملل وأكثر الأمم على أن الله هو الخالق الرازق، فمن أين دخل عليهم الشرك حتى اقتضى هذا أن يرسل الله إليهم الرسل؟ لقد دخل عليهم الشرك عندما صرفوا العبادات لغير الله، وعندما صرفوا الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة لغير الله عز وجل، وعندما صلوا لغير الله، حتى لو كان من صلوا له يعتقدون فيه أنه مخلوق، وعندما ذبحوا لغير الله ونذروا لغير الله واستغاثوا بغير الله، وعندما أحبوا غير الله حب الذل، وعندما خافوا من غير الله خوف العبادة، وعندما توكلوا على غير الله واعتمدوا عليه حصل فيهم الشرك، وعندما تحاكموا إلى غير الشرع، فبذلك حصل عندهم الشرك والكفر.
    وهذا التعريف الباطل الذي يعرف به أهل الكلام العبادة يرده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة)، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبداً للدينار، مع أنه لا يوجد أحد في الدنيا يتصور أن الدينار خلقه، أو أن الدراهم خلقته، أو أن الخميصة أو الخميلة تخلق وترزق.فالعبادة في مصطلح الشرع لا يلزم منها أن يكون هناك اعتقاد بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق فيمن صرفت له، لكن لا شك في أن العبادة الشرعية المقبولة عند الله هي التي تصرف لله عز وجل باعتقاد الربوبية له، ولا يتصور أن يوجد إنسان يصرف العبادات لله عز وجل وهو لا يعتقد فيه أنه خالق ولا رازق ولا محيٍ ولا مميت

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: [الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

    الغالب على كثير من المتأخرين من أهل الكلام والتصوف،فى تقرير التوحيد هو إثبات الصانع ، وحصرهم التوحيد في ذلك،
    مع إغفالهم توحيد الألوهية،
    وبسبب ذلك إنتشرت فيهم بدع القبورية،
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    “وهؤلاء الذين يريدون تقرير الربوبية من أهل الكلام والفلسفة يظنون أن هذا هو غاية التوحيد،
    كما يظنّ ذلك من يظنه من الصوفية الذين يظنون أن الغاية هو الفناء في توحيد الربوبية،
    وهذا من أعظم ما وقع فيه هؤلاء وهؤلاء من الجهل بالتوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب؛ فإن هذا التوحيد -الذي هو عندهم الغاية- قد كان مشركو العرب يقرون به كما أخبر الله عنهم
    الاستغاثة -لشيخ الاسلام”
    ولذا لا يتصوّرون الشرك في صرف العبادة لغير الله إلا إذا كان صاحبه متلبسًا باعتقاد الربوبية فيمن يدعوه ويستغيث به، وهذا ما يصرح به كبارهم إلى يومنا هذا، ففي مقطع مصور على موقع (اليوتيوب) بعنوان: (جواز التوسل بالأنبياء والصالحين) للدكتور علي جمعة، يقرر فيه جواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين في كل شيء طالما اعتقد الشخص أن الله هو القاهر فوق كل شيء، وأن المستغاث به ما هو إلا سبب من الأسباب! ومثل هذا كثير لرؤوس هذه البدعة في هذا الزمان.
    وكذلك مما اوقع هؤلاء القبورية من الاشاعرة اعتقادهم أن الفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، وأن نسبة جميع الأفعال إلى المخلوق مجاز، باعتبار الكسب والسبب وعليه فالمستغيث بالأنبياء والصالحين لا يعتقد فيهم التأثير ؛ لأنه لا يعتقد فاعلًا على الحقيقة إلا الله تعالى، وإنما هو في الحقيقة طالب من الله تعالى مستغيث به. فالشرك عندهم محصور فى الشرك فى الربوبية
    وكذلك من لجأ إلى غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله فأنه اعتقد فيه التأثير – وإلا فما الذي ألجأه إلى أن يستغيث به ويدعوه؟ فالذي دعا غير الله تعالى رائده في ذلك: اعتقاده في مدعوه التأثير
    أما منهج أهل الحق فتوحيدهم توحيد الانبياء والمرسلين فيعتقدون أن الإيمان قول وعمل، والكفر يكون بالقلب واللسان والجوارح، وأن من الأفعال ما يكون كفرًا بذاته؛ لمناقضته أصل الإيمان، ولا يُحْتَاج للسؤال واعتقاده الباطن؛ لدلالة الفعل الظاهر على ذلك دلالة لازمة
    ويعتقدون كذلك أن التوحيد نوعان، توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد القصد والطلب، وأن توحيد الألوهية هو حقيقة دعوة الأنبياء والمرسلين، وفيه كانت الخصومة بين الرسل وأقوامهم، فكما يكفر الرجل بجعله لله ندًّا في الربوبية وإن لم يصرف له شيئا من العبادة؛ يكون مشركًا باتخاذه ندًّا في الألوهية وإن لم يعتقد فيه اعتقاد الربوبية.
    يقول الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح كشف الشبهات

    القول منهم - نحن لا نشرك بالله -يريدون به الإشراك بالله في الربوبية،ولهذا قالوا بعده:(بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق) إلى آخره.
    وقولهم: (نحن لا نشرك بالله) راجع إلى أن الشرك له حقيقة شرعية جاءت في النصوص؛ ولكن حُرِّفت هذه الحقيقة وصرفت عن وجهها.
    ففي النصوص: الإشراك والشرك هو اتخاذ الند مع الله -جل وعلا- في المحبة والعبادة.
    الإشراك أو الشرك: هو أن يجعل لله شريك إما في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته، يعني: أن يُعتقد أن له مماثلاً في اتصافه وفي أسمائه.


    هذا معنى الشرك، ولهذا فالشرك في النصوص تارة يتوجه إلى الشرك في الإلهية، وتارة يتوجه إلى الشرك في الربوبية.

    أما الشرك في الربوبية: فكقوله -جل وعلا- في سورة سبأ مثلاً: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} يعني: من شرك في التدبير والتصريف.

    وتارة يكون نفي الشرك أو النهي عنه لأجل الألوهية، كقوله -جل وعلا- في آخر سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} هذا شرك في الألوهية - في العبادة - والآيات في هذا أيضاً كثيرة.
    والشرك الثالث: في الأسماء والصفات:
    -كقوله جل وعلا: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}.
    -وكقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
    -وكقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
    -وكقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
    هذا هو الذي يعلمه أهل العلم بما دلت عليه - بالتنصيص - الآيات، فكان ذلك معلوماً عند العرب تفهمه بلغتها.
    لما أتى اليونان إلى بلاد المسلمين بكتبهم، يعني: استقدم بعض المسلمين كتب اليونان - في قصة معلومة، ولا بأس أن نذكرها:
    وهو أن أحد ولاة العباسيين أرسل وفداً إلى ملك الروم، وطلب منه أن يرسل إليه بكتب الأوائل التي عنده - كتب الأوائل المقصود بها كتب الروم واليونان، وكتب من يسمونهم الحكماء والفلاسفة - فعرضوا هذا على الملك، مُوفَدين من الوالي المسلم من ولاة العباسيين.
    فقال:(أمهلوني) فاستشار علماء النصرانية، وعلماء بلده.
    فقالوا له:هذه - وكانت موجودة في بيت للكتب - هي زينة مملكتنا، فكيف تعطيهم إياها؟* فأجبه بالنفي، فإن هذه لا يجوز أن تخرج من بلدنا.وسكت واحد منهم، فقال له: ما لك سكتَّ؟ وكان من حكمائهم وحذاق علماء نحلتهم وملتهم.
    فقال:يا عظيم قومنا، أرى أن ترسل بالكتب إليهم، ولا تمنعهم منها.فقال له:ولم؟ قال:لأن هذه الكتب ما دخلت إلى أمة إلا أفسدت عليها دينها، ووافقه عليه البقية، فحصل أنها أُرسلت الكتب - كتب اليونان - وترجمت إلى آخر ذلك.
    اليونان فلاسفة، الذين أُرسلت كتبهم، أرسطو، إلى آخره، وأفلاطون.
    هذه الفلسفة غايتها توحيد الربوبية، غايتها أن ينظر في الملكوت، وينظر في الوجود فيثبت أن هذا الكون له صانع؛ لأن هذا غاية الحكمة، يثبت أن هذا الكون معلول عن علة، وهذه العلة عاقلة، فيسمونها علة العلل أو العقل الأول، في كلام فلسفي، يعني له تفاصيل.
    فدخل هذا على المسلمين، فلما دخل رأى من قرأ تلك الكتب بعد ترجمتها أن هذه هي كتب الحكمة، وكتب الحكماء، وكتب الفلسفة - يعني: طلب الحكمة - قالوا: إن هذه هي الغاية، فكيف نوجد وسيلة للجمع مابين الشريعة، ما بين الإسلام -القرآن- وما بين هذه الكتب، وفلسفة اليونان؟
    فأخرجوا ما يسمى بعلم الكلام، وهو خليط من الشريعة - من النصوص - وما بين عقل الفلاسفة.
    وهذا الخليط جُعلت فيه الشريعة والعقل، هذا يقارن هذا، وهذه تقارن ذاك، يعني: ما قدموا الشريعة على العقل، ولا العقل على الشريعة، فنظروا في هذا ونظروا في هذا، لكن ينظرون في الشريعة بالعقل، وينظرون في العقلانيات بالشريعة.
    هنا نظروا إلى أن غاية الغايات: هو النظر في الملكوت، فلهذا أجمع المتكلمون على أن أول واجب على العبد أن ينظر في الملكوت، ويثبت وجود الله جل وعلا.
    هذا الأصل صار مستغرقاً عندهم لا محيد عنه، وخاصة بعد مرور عقيدة جهم وأن الغاية عنده: إثبات وجود الله أيضاً في مناظرته مع طائفة السُّمنِيَّة، كما ذكرت لكم فيما سبق.
    هذا الخليط الذي نتج صار هو الغاية عند كثير من الناس، فبالتالي نظروا في تفسير كلمة التوحيد.
    الشريعة فيها: (لا اله إلا الله) هذه أصل التوحيد، وكلام الحكماء - كما يقولون - فيه: (أن الغاية هو إثبات وجود الله، والنظر في علة العلل، والنظر في الملكوت حتى يطلب الحكمة فيما وراء الطبيعة).
    فقالوا: إذاً: معنى هذا - لأن ذاك عقل صحيح وهذه شريعة صحيحة - معناه أن يفسر (الإله) بالعلة، علة العلل.
    - لأن أول واجب في الشريعة:(لا إله إلا الله).
    - وأول واجب في الفلسفة:
    أن ينظرَ في الملكوت، فيثبت أن لهذا الملكوت، أو لهذا الكون علة نتج عنها، فخلطوا ما بين هذا وهذا.
    فقالوا: ولا يمكن للعقل أن يكون مخطئا؛ لأن عندهم نتاج الفلاسفة عقل قطعي، ولا يمكن أن تكون الشريعة فاسدة، فهذا صحيح وهذا صحيح، فقالوا: إذاً نفسر الإله بأنه الخالق، بأنه القادر على الاختراع.
    قالوا: لكن (إله) في اللغة ليس معناه الخالق، فتأملوا فيما جاء في كتب اللغة فوجدوا أن هناك من قال: (إله) هذا بمعنى: (آلِه) إذا جَعَل غيره متحيراً، فأَلَه الرجل: تحير وتردد.وهذه مادة ربما تكون موجودة في بعض استعمالات العرب، أَلَه الرجل، يعني: تحير وتردد.
    فقالوا: إذاً (لا اله إلا الله) إذا كان معنى (الإله) هو الخالق القادر على الاختراع، فهو الذي فيه تتحير الأفهام؛ لأن قصدهم هناك أن ينظر وهم إذا نظروا وتأملوا تحيرت الأفهام حتى يثبت الوجود، فقالوا: هنا التقت اللغة مع الشريعة مع العقل.


    وهذا قرروه في كتبهم، فحصل منه أن معنى (لا إله إلا الله) عندهم يعني: لا قادر على الاختراع إلا الله، لا خالق إلا الله، وإذا كان كذلك فيكون الشرك الذي يخرج من كلمة التوحيد هو أن يقول: ثمَّ قادر على الاختراع، ثمَّ رازق، ثمَّ من تحيرت الأفهام في حقيقته غير الله جل وعلا، فمتى يكون مشركاً عندهم؟.

    إذا لم يثبت (لا إله إلا الله) ومتى لا يثبت (لا إله إلا الله)؟

    إذا قال: إنه ثَم خالق غير الله جل وعلا، هذا الخليط من العقل واللغة الضعيفة التي نقلوها أو القليلة، والشرع فيما نظروا فيه - يعني في بعض النصوص - أنتج لهم أن الشرك هو الشرك في الربوبية- يعني: اعتقاد أن ثَم خالقاً مع الله جل جلاله، ودُوّن هذا في كتب المتكلمين الأوائل، ونقله عنهم الأشاعرة وأثبتوا ذلك في كتبهم، ولهذا الأشاعرة يقولون، والماتريدية: أول واجب على العبد: النظر، وبعضهم يقول: الشك، وبعضهم يقول: القصد إلى النظر، فهذا أول واجب.
    و(الإله) من هو؟
    (الإله)منهم من يقول: (الإله) هو القادر على الاختراع.





    ومنهم من يقول: (الإله) هو المستغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه.
    ومنهم من يقول:(الإله) بمعنى آله وهو المُحَيِّرُ، فلا يوصل إلى حقيقته، وهو الله جل وعلا.
    فنتج من هذا - وهو موجود في كتب المتكلمين وكتب الأشاعرة والماتريدية إلى يومنا هذا - نتج من هذا انحراف خطير في الأمة، وهو أن (الإله) ليس هو المعبود، وأن (لا إله إلا الله) معناها: لا قادر على الاختراع إلا الله، لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه إلا الله، لا متحيراً في حقيقته إلا الله.
    -فنتج من ذلك إخراج العبودية عن أن تكون في كلمة التوحيد.
    - ونتج من ذلك الانحراف الخطير: أن (لا اله إلا الله) ليست نفياً لاستحقاق أحد العبادة مع الله جل جلاله، فنتج - وهي النتيجة التي قدم لها الشيخ هنا - أن طوائف كثيرة من المؤمنين - يعني من المسلمين - فشا فيهم كلام الأشاعرة هذا، وكلام المتكلمين، وكلام المبتدعة هذا، في معنى كلمة التوحيد.
    فيكون معنى الشرك عندهم، راجعاً إلى واحد مما دلت عليه النصوص، وهو الإشراك في الربوبية، الذي جاء -مثلاً- في سورة سبأ وفي غيرها.
    أما الإشراك في العبادة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} فهذا عندهم لا ينقض كلمة التوحيد. نظروا بعد ذلك فيما فعلته العرب -وستأتي الشبهة التي تليها- بم أشركت العرب؟قالوا: أشركت بعبادتها الأصنام، وبأنها ما وحدت الله في ربوبيته، ولم تقل (لا اله إلا الله) بل قالت: إن الأصنام لها نصيب من الإلهية، يعني لها نصيب من الربوبية.


    ولهذا من أعظم ما راج على كثير من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وراج على كثير من علماء الأمصار؛ أن الألوهية تفسر بالربوبية، وأن (لا إله إلا الله) تفسر بالربوبية أو بمقتضيات الربوبية، هذا نتيجة لهذا الانحراف.
    لهذا: هذا المشرك الذي قال في شبهته - قد يكون عالماً وقد يكون غير عالم - يقول: (نحن لا نشرك بالله) هو قال هذه بحسب اعتقاده، هو لا يشرك بالله بحسب اعتقاده أن الشرك إنما هو الشرك في الربوبية وليس في الإلهية، وهذا نتيجة لما ذكرت لكم.
    فإذاً: هذه الكلمة (لا نشرك بالله) ردك عليها، كشف هذه الشبهة - كما ذكر الشيخ رحمه الله في آخر الكلام، وبما أوضحت لك - في أنه:
    أولاً:توضح موارد الشرك في القرآن، ما الذي نفي من الإشراك بالله؟ نفي الثلاثة التي ذكرت لك، وكل واحدة عليها أدلة، حبذا تجمع هذه الأدلة في كل نوع وتحفظ ذلك، هذا نوع.
    الثاني: معنى الإشراك في النصوص.
    الثالث: أن تبين أن الانحراف وقع، فصُرف الإشراك - معنى الإشراك - عن معناه في النصوص إلى المعنى الباطل، ونتج عنه أن كلمة التوحيد فهمت أيضاً غلطاً، ففهم منها أنها نفي لربوبية غير الله جل وعلا، وهذا باطل.
    فإذاً: قولهم (نحن لا نشرك بالله) هذه جملة يمكن أن تردها تفصيلاً، وهذه الشبهة التي أوردوها لها ردٌ بما أورده الشيخ رحمه الله.
    الشيخ ما أجاب عن كل جملةٍ جملة، لكن أجاب عن النتيجة التي وصلوا إليها بهذه المقدمات الباطلة.
    قالوا: (نحن لا نشرك بالله).لم لا تشركون بالله؟ قالوا: لأننا (نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له) يعني: لا يخلق ولا يرزق استقلالاً، ولاينفع ولا يضر استقلالاً، إلا الله وحده لا شريك له.(وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً) كما جاء في النصوص، يقولون: نحن نقول ذلك، فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يملك نفعاً ولا ضراً استقلالاً، ما يمكن أن يعطينا شيئاً، ولكن هو -عليه الصلاة والسلام- يمكن أن يعطينا عن طريق الوساطة، عن طريق التقريب، عن طريق التزلف، يعنى أن يقربنا زلفى.
    وهذه الشبهة أول من أوردها- فيما أعلم في كتابه - إخوان الصفا في كتابهم ورسائلهم المشهورة (رسائل إخوان الصفا) الرسائل الخمسين المعروفة، فإنهم قرروا: أن التوحيد هو الربوبية، وأن هؤلاء الأموات من الأنبياء والصالحين أنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً - كما قال هنا هذا الذي أورد الشبهة - ولكن نتوسط بهم، لم تتوسط بهم ؟ عللوا لأن أرواحهم عند الله؛ لأن الله قال عن أرواح الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} والعندية: معناها أنهم لهم القربى عند الله، فلهم الجاه، ولهم الزلفى عند الله جل وعلا، فإذا سألتهم، إذا دعوتهم فإنما تتوسط بهم؛ لا تسألهم استقلالاً.
    فيقول هؤلاء: نحن لا نعتقد أن هذا ينفع ويضر بنفسه، ينفع ويضر استقلالاً، يخلق استقلالاً، يرزق استقلالاً، حاشا وكلا، ولكن يمكن أن يخلق الله بواسطته الولد في رحم الأم، إذا سألناه يمكن أن يرزق الله بواسطة شفاعته؛ لأنه مقرب عند الله جل جلاله.
    هذا التقريب عند الله -جل جلاله- وصفوه بقولهم: (ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله) فقدموا هاتين المقدمتين، يقول: أنا مذنب، والمذنب لا يمكن أن يكون ولياً لله أو مقرباً عند الله، فعلى اعتقاده لا يمكن أن يصل إلى الله مباشرة.
    وأولئك قالوا: والصالحون لهم جاه عند الله، هذا الجاه ماذا يفعل؟
    قالوا: هذا الجاه بمعنى أنه لو سأل لم يُرد ((وإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)).


    فأتى من هذه الشبهة، ورد التوحيد باعتبار أن هذا الصالح الذي هو عند الله -جل وعلا- مقرب، وهذا الصالح الذي هو عند الله له الزلفى والمقام الأعظم، بحيث إنه لو سأل لم يرد.

    قالوا: (وأطلب من الله بهم) أطلب من الله؛ لا منهم، يعني: أنا لا أسألهم، ولكن أطلب من الله بهم.

    كلمة (بهم)هنا ليس معناه التوسل بهم، يعني بجاههم، يقول: أسأل الله بالنبي، أسأل الله بالولي، أسأل الله بـأبي بكر وعمر؛ لأن سؤال الله بالصالحين هذا بدعة ووسيلة إلى الشرك، وليس شركاً أكبر، لكن القصد من قولهم: (وأطلب من الله بهم) يعني: أطلب من الله بوساطتهم وبشفاعتهم وبتقريبهم إياي عند الله زلفى.
    فإذاً كلمة (بهم) لا يقصد بها التوسل بالجاه؛ لأن هذا بدعة وليس شركاً، وإنما يقصدون بها الشفاعة والتقريب زلفى.
    قال: (فجاوبه بما تقدم) هذه الشبهة تلحظ: شكلها مركبة، لا شك أنها شبهة، وهي التي تروج عند الجميع، كيف واحد يؤمن بالله، ويقول: إن الله واحد في ربوبيته، لاينفع إلا هو، ولا يخلق إلا هو، ولا يرزق إلا هو، إلى آخر ذلك، ويقول: أنا مذنب، ولكن أتوسل، يعني: أتقرب إلى الله بالصالحين بشفاعتهم، أسألهم أن يدعوا الله لي، أتقرب إليهم بالدعاء ،حتى يشفعوا لي عند الله جل وعلا، هذا لا يجعلني مشركاً، فأنا - على حد قولهم- يقول: هو لا يشرك بالله، وهذا ليس شركاً بالله، فما الجواب؟
    قال: (فجاوبه بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مقرون بما ذكرت) فهذا الآن الدرجة الأولى من الجواب.
    نقول الآن له: نحن معك فيما ذكرت، لكن ننظر إلى حال المشركين الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكم عليهم بالكفر والشرك ما حالهم؟ ننظر إلى القرآن ماذا فيه؟
    القرآن فيه أنهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو الذي ينفع وحده، وهو الذي يضر وحده.
    إذا قال:ما الدليل على هذا؟ هل المشرك كان يعتقد هذا؟


    نقول:نعم، مشركو العرب كانوا يعتقدون ذلك:
    -كما قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
    -{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وفي الآية الأخرى: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
    - وقال جل وعلا: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.
    - وفي آية سورة يونس: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
    إذاً:في آيات كثيرة هذا الاعتقاد الذي وصفت أنك لست مشركاً باعتقاده، نقول: هذا وصف الله -جل وعلا- به مشركي العرب، ومشركي أهل الجاهلية، فهذا الدرجة الأولى من جواب هذه الشبهة
    الدرجة الثانية: (ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً) الأوثان: جمع وثن، وهو المتجَه إليه بالعبادة، وفي غالبه لا يكون على هيئة صورة، والأصنام ما كان على هيئة صورة، وقد يقال للأصنام: أوثاناً، باعتبار أنها معبودة من دون الله جل وعلا؛ كما قال -جل وعلا- في سورة العنكبوت، في قصة إبراهيم: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وفي الآيات الأخر في قصة إبراهيم قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} فإذاً: هي أصنام وأوثان، فالأوثان: ما لم يكن على هيئة صورة.
    فإذاً:نذهب إلى شرك المشركين ونقول له: المشركون مقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئا.
    إذاً:المشرك مقر بأن الوثن ليس له نصيب في التدبير.
    فإذاً:ما رفضه من كلمة (لا اله إلا الله) وصار به مشركاً، ليس من جهة اعتقاده أن ثم مدبراً غير الله جل جلاله؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
    هذا الآن المقدمة الثانية.
    المقدمة الأولى: اعتقاد المشركين في الربوبية في الله -جل وعلا- أنه هو المتفرد بالأمر، كما قال ذلك عن نفسه، يعني: كما قال المشرك عن نفسه أنه يشهد هذه الشهادة.
    الخطوة الثانية: اعتقاد أولئك في الأوثان، بم؟
    قالوا: اعتقدوا في الأوثان - العرب - أنها لا تدبر شيئاً، إذا استدللت بالآيات وبحال العرب يأتي النتيجة وهي: (وإنما أرادوا الجاه والشفاعة).لماذا أرادوا الجاه والشفاعة فقط؟
    لأن الله -جل وعلا- قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ومن المتقرر في اللغة أن كلمة (ما) النافية التي يأتي بعدها (إلا) هذه تفيد الحصر، فكأنه قال عن قولهم: لا نعبدهم لشيء ولا لعلة من العلل، لا لأنهم يملكون الرزق ولا يملكون الموت والحياة، ولا لأنهم يدبرون الأمر، ولا نعبدهم إلا لشيءٍ واحد، وهو أن يقربونا إلى الله زلفى.
    فإذاً: ينتج من ذلك، أن المشركين كان شركهم باعتقاد أن هذه الأوثان تقرب إلى الله زلفى، باعتقاد أن هذه الأوثان لأجل أن لها منـزلة عند الله، وأن لها جاهاً عند الله فهي تقرب.
    ما هذه الأوثان التي عبدت؟الملائكة، أليس كذلك؟ {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}.
    وقال -جل وعلا- في الأولياء: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}.
    وقال -جل وعلا- في قصة عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.


    وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.

    إذاً:نوعت المعبودات المنفية، ولما نزل قول الله جل وعلا: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} فرح المشركون، قالوا إذاً سنكون مع الصالحين، سنكون مع اللاتَّ، وسنكون مع عيسى، وسنكون مع عزير، وسنكون مع كذا وكذا، مع من عبدنا، فأنزل الله -جل وعلا- قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} الآيات.

    فإذاً:ترتب على ما ذكرنا أن ما قاله صاحب الشبهة هي دعوى.
    لا تجابهه بأن تقول: هذه دعوى بل أنت مشرك، لا، تقول له نأخذها واحدة واحدة، أنت الآن تقول: أنا لا أشرك بالله، وأنك تشهد كذا وكذا.
    فنقول: ننظر إلى حال المشركين في الآيات، فإذا تأملت حال المشركين، وقصصت عليه وتلوت عليه الآيات وأفهمته إياها، كيف كانت حالة المشركين، وأنهم مقرون بما أقر هذا به.

    فإذاً:تنقله إلى الخطوة الثانية، وهي أن المشركين كانوا لا يعتقدون في أوثانهم أنها تدبر شيئاً.
    تنقله بعد ذلك للخطوة الثالثةفيما قدمت لك سالفاً في معنى الشرك، ما معنى الشرك، ومعنى كلمة (لا إله إلا الله) ثم تنقله إلى أن أولئك لم يرضوا بـ (لا إله إلا الله) لأنهم إنما أرادوا الزلفى، بنص الآية، وأرادوا الشفاعة، بنص آية الزمر أيضاً: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
    فهي له وحده دون ما سواه، يعني مِلكاً: هو الذي يخبرك عن حكمها جل وعلا، لا تبتدئ أنت بتصريف أمرك في الشفاعة كما تريد، لا، هي لله -جل وعلا- سبحانه استحقاقاً، وله -جل وعلا- مِلكاً، ومُلكاً، وأمراً ونهياً.
    قال: (واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه).بهذا يتبين لك أن هذه الشبهة - وهي من الشبه التي قد تواجهها - كثيرٌ من الناس تروج عليه، يقول: (كيف؟ أنا مؤمن وأناكذا وكذا، يعني: لأجل أني ذهبت إلى رجل من الصالحين، من الأولياء عند قبره، وقلت له: اشفع لي فإن لك جاهاً عند الله، ولك مقاماً عند الله، فاسأل الله لي أن يرزقني ولداً، اسال الله لي أن يعطيني وظيفة، اسأل الله لي أن ييسر أمري، أكون مشركاً كـأبي جهل وكذا؟)
    هذه تروج على كثير من جهة العاطفة،ومن جهة التقرير، يقول: (أنا أصلي، وأنا أزكي، وأنا كذا، وأعتقد أن الله هو الخالق الرازق، وأنا لا أشرك بالله جل وعلا) فينفي شيئاً، هو في حقيقته واقع فيه.
    لهذا قال الصنعاني في رسالته: (تطهير الاعتقاد) وكذلك الشوكاني في رسالته (توحيد العبادة) المعروفة، قالوا فيما جابهوه في اليمن، قالوا: (إن الأسماء لا تغير الحقائق) يعني: إن غيَّر المشركون وعلماء المشركين الأسماء فإن الحقائق لا تتغير، إذا سموا طلب الشفاعة وطلب الزلفى توسلاً، فإن هذا لا يغير الحقيقة، إذا سموه سؤالاً بهم، كما قال الشيخ هنا عنهم.
    قالوا: (وأطلب من الله بهم) فهذا لا يغير حقيقة الأمر، وهو أنهم يطلبون من الله صحيح، ولكن متوسلين بشفاعة أولئك لا بذواتهم، والتوسل بشفاعتهم: اشفع لي واسأل الله لي، واطلب من الله لي، واسأل الله لي، وأشباه ذلك: هذا كله هو طلب الزلفى، أو يتقرب إليهم ليشفعوا من دون التنصيص على الشفاعة، يقول: أنا أتقرب إليه، أذبح - صحيح للولي- لكن أنا أقصد الذبح لله لكن للولي، حتى ينعطف قلب هذا العبد الصالح عليّ لأني ذبحت، فيسأل الله لي.

    فإذاً: مقصود من عبد غير الله،من عبد الأوثان، من عبد الأصنام، من عبد القبور، من عبد الأولياء، من عبد الموتى، مقصودهم أن يشفع أولئك لهم، ليس مقصود أولئك أن يتخذوا هذه أرباباً أو آلهة استقلالاً، ما هذا مقصود أحد ممن أشرك، ولكن هذا مقصود أولئك من أنهم يريدون القربى والزلفى.
    فإذاً: تحتاج في رد الشبه إلى: أن تتدرج في المقدمات،أولاً.
    الثاني: أن تفهم كيف ترد الشبهة بعمومها، وكيف تفصل جمل الشبهة فترد عليها بخصوصها.
    الثالث: أن تقدم الرد المجمل أو الرد الإجمالي على ما أورده من الشبهة، برد مفصل على تفصيل كل جملة جملة، مثل ما ذكر الشيخ -رحمه الله- هنا، هنا قال: حالتهم، اذكر لهم حالة المشركين، لا تجادله: أنت مشرك؛ لأنه كذا وكذا أولاً، لا.
    ولكن صف له حال المشركين، على تفصيل الكلام الذي ذكرنا، ثم انتقل بعد ذلك إلى معنى كونه مشركاً، إلى معنى كونه نافى كلمة التوحيد، إلى آخر ما ذكرنا.
    هذه من المهمات في أن تتصور كيف تتدرج في رد الشبهة، واحذر من أن تنساق في رد الشبهة مع العاطفة فتجبهه بكلام قد يقوي الشبهة عنده، فلا بد أن يكون الانتقال - كما عليه قواعد إقامة البرهان وإقامة الحجاج مع المخالف - أن تنتقل في شأنه من المتفق عليه إلى ما هو أقل اختلافاً، ثم إلى ما هو أكثر، وهكذا.
    المسألة التي يقوى الاختلاف فيها لا تبتدئ بها،ابتدئ بالواضح جداً، ثم انتقل بعده درجة إلى الأقل وضوحاً ثم إلى الأقل وضوحاً، وهكذا.
    أما إذا ابتدأت بما هو أكثر إشكالاً، فإنَّه لن يقتنع؛ لأن ما هو أكثر إشكالاً يحتاج إلى مقدمات كثيرة.
    فإذاً:تبتدئ معه بما هو أكثر وضوحاً، والأكثر وضوحاً: وصف حال المشركين - مشركي العرب - من جهة إقرارهم بالربوبية، واحد.
    الثاني: إقرارهم بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً.
    الثالث:بأنهم إنما أرادوا الزلفى والشفاعة، بنصوص القرآن في ذلك.
    لكن لو ابتدأت معه بمعنى العبادة ربما يأتيك بمخالفات، يقول لك: لا، العبادة هي كذا، إذا أتيت معه في التكفير هنا يخالفك يقول لك: لا، هي كذا وكذا وكذا.
    فتبتدئ معه بتقرير شرك المشركين،وترد عليه شبهته هذه بأن أولئك ما أرادوا إلا الزلفى.
    فالتدرج إذاً مهم، وبعض الذين دعوا إلى التوحيد - مع الأسف - أوقعوا المدعو في شبهة أعظم مما كانت عنده؛ لأنه جاء للمستغلِق من المسائل فأراد أن يجيب عليها بما عنده واضح، لكن ذاك عنده ليست بواضحة، فأراد أن يجيبه فزاد الإشكال إشكالا


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: [الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

    إن التصور الناقص المبتور لحقيقة التوحيد – عند الخصوم – هو أنهم يعتقدون أن التوحيد - الذي يجب على كل مكلَّف - هو توحيد الربوبية فقط، فمن أقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت.. ونحوها من صفات الربوبية، فهو الموحَّد، وتصوروا – جهلاً وتقليداً – أن معنى شهادة لا إله إلا الله هو إثبات أن الله هو الخالق والقادر على الاختراع، وجهلوا - أو تجاهلوا - أن معنى (الإله) بإجماع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء هو المعبود، فيكون المراد بكلمة الشهادة: لا معبود بحق إلا الله، أي صرف جميع أنواع العبادات لله وحده، وإثباتها له وحده – سبحانه، ونفيها عما سواه عز وجل. (2)
    وكأن هؤلاء الأدعياء لا يعلمون أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قاتل مشركي العرب مع إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ لأنهم قد أنكروا توحيد العبادة ولم يعترفوا، ولم يقروا بأن الله وحده هو المستحق للعبادة بجميع أنواعها فلا تصرف لمعبوداتهم من الأحجار والأوثان والطواغيت.
    ومما يدل على أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرَّين بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر.. ونحوها من أفعال الرب سبحانه، ولم يدخلهم ذلك في دين الإسلام قوله تعالى:
    (قل من يرزقكم من السماء والأرض، أم من يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون). (1)
    وهذا التوحيد الذي أقر به مشركوا العرب ولم يدخلهم في الإسلام هو الغاية عند هؤلاء الخصوم.
    وسنورد نماذج من أقوالهم – من كتبهم – توضح ما ذكرناه آنفاً، وتبين أن توحيد الربوبية هو مقصودهم، وأن مخالفة ومناقضة هذا التوحيد هي الكفر – فقط -، ولو وقع أحدهم في بعض أنواع المكفرات – المخرجة عن دين الإسلام – كمن ذبح لغير الله أو نذر لغير الله أو استغاث ودعا المخلوقين – فيما لا يقدر عليه إلا الله -، فإنه لا يعتبر بفعلها مرتداً، ما دام أنه يعتقد أن المؤثر في هذا الكون هو الله وحده …
    ثم نورد نماذج أخرى من أقوالهم في تجويز تلك المكفرات – أو جعلها معاصي دون الكفر المخرج عن الملّة – مثل الذبح لغير الله والنذر لغير الله والدعاء والاستغاثة بغير الله، وإنكارهم على أئمة الدعوة خلاف ذلك، وعقب ذلك، نذكر الرد والبيان من كلام الأئمة الأعلام أتباع هذه الدعوة السلفية على تلك الدعاوى.
    يقرر ابن عفالق معنى التوحيد – عنهم – فيقول:
    (التوحيد إفراد القديم من المحدث، وإفراده بالربوبية والوحدانية، ومبيانته تعالى لجميع مخلوقاته …). (2)
    وينكر القباني إقرار المشركين الأولين بتوحيد الربوبية، لكي يدافع عن مشركي زمانه ممن يستغيث بغير الله – فيما لا يقدر عليه إلا الله – فيقول:
    (فهل سمعت عن أحد من المستغيثين أنه يعتقد في الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الولي المستغاث به أنه إله مع الله تعالى يضر وينفع، ويشفع بذاته كما يعتقد المشركون فيمن عبدوه..). (3)
    ويدعي محمد بن عبد المجيد نفس الدعوى السابقة، وأن مشركي العرب لم يقروا بربوبية الله، فيقول:
    (إنما كفر أهل الجاهلية بعبادة الأصنام لتضمنها اعتقادهم ثبوت شيء من صفات الربوبية لها … - ثم يقول – ومن هذه الحيثية شركهم وكفرهم؛ لأن صفاته تعالى تجب لها الوحدانية بمعنى عدم وجود نظير لها إلا قائم بذاته تعالى ولا بذات أخرى). (4)
    فإذا كان مشركو العرب منكرين لشيء من صفات الربوبية – على حد زعمه – (فأين هذا ممن يستغيث من المسلمين بنبي أو ولي معتقداً أنه لا يملك نفعاً ولا ضراً). (5)
    ويدافع (الحداد) عن أتباعه – من عبّاد القبور – فيقول:
    (.. هؤلاء مهما عظموا الأنبياء والأولياء فإنهم لا يعتقدون فيهم ما يعتقدون في جناب الحق تبارك وتعالى من الخلق الحقيقي التام العام، وإنما يعتقدون الوجاهة لهم عند الله في أمر جزئي، وينسبونه لهم مجازاً، ويعتقدون أن الأصل والفعل لله سبحانه). (1)
    ويقرر (دحلان) أن الشرك هو اعتقاد التأثير لغير الله، وليس هناك مسلم يعتقد التأثير لغير الله، يقول:
    (فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله سبحانه، أو اعتقاد التأثير لغير الله). (2)
    ثم يقول: (ولا يعتقد أحد من المسلمين ألوهية غير الله تعالى، ولا تأثير أحد سوى الله تعالى..). (3)
    ويؤكد (الزهاوي) أن المشركين الأولين كانوا يعتقدون لأصنامهم أنها تنفع وتضر بذواتها فيقول: (إن المشركين إنما كفروا بسبب اعتقادهم في الملائكة والأنبياء والأولياء أنهم آلهة مع الله يضرون وينفعون بذواتهم). (4)
    ويحاول (العاملي) أن يثبت – بلا دليل – أن مشركي العرب ينكرون ربوبية الله، وأن يرد على ما قرره الشيخ الإمام – بالأدلة والبراهين في رسالتيه: (كشف الشبهات)، و (أربع قواعد) – بأن مشركي العرب معترفون بربوبية الله، فيقول – في دفاع هزيل عن أتباعه المشاركين لهؤلاء المشركين في الإقرار بتوحيد الربوبية فقط -: (لا شيء يدلنا على أنهم – أي مشركي العرب – لا يعتقدون في الأصنام والأوثان ومعبوداتهم. أنه لا تأثير لها في الكون، وأن التأثير وحده لله تعالى وهي شافعة فقط، إذ يجوز أن يعتقدوا أن لها تأثير بنفسها بغير ما في الآيات المستشهد بها، فتشفي المرض وتكشف الضر..).(5)
    ويقرر الشطي أن الشرك الأكبر هو – فقط -: (عبادة الأوثان والأصنام) (6)، ويذكر حكاية لجده، فقال:
    (ومرة دخل جدي جامع بني أمية في الشام، فسمع عجوزاً تقول:
    يا سيدي يحيى عاف لي بنتي، فوجد هذا اللفظ بظاهره مشكلاً، وغير لائق بالأدب الإلهي، فأمرها بالمعروف، وقال لها: يا أختي قولي بجاه سيدي يحيى عاف لي بنتي، فقالت له: أعرف أعرف، ولكن هو أقرب مني إلى الله تعالى، فأفصحت عن صحة عقيدتها من أن الفعال هو الله تعالى، وإنما صدر هذا القول منها على وجه التوسل والتوسط إلى الله تعالى، بحصول مطلوبها منه..) (7).
    ويبرّأ الرافضي محمد حسين طائفته الرافضة، ومن سار على نهج ضلالهم من عبّاد القبور، ويعلن براءتهم من شرك الربوبية فيقول:
    فهل تحس أن أحداً من زوّار القبور يقصد أن القبر الذي يطوف حوله، أو صاحب الملحود فيه هو صانعه وخالقه، أو أنه يقول للغير أو لمن فيه، يا خالقي ويا رازقي ويا معبودي.. كلاَّ ثم كلاَّ.. ما أحسب أن أحداً يخطر على باله شيء من تلك المعاني..). (1)
    ويسد محمد الطاهر باب الردة، ويلغي نواقض الإسلام حين يهذي فيقول:
    (إذا وجد في كلام المسلمين إسناد شيء لغير الله يجب حمله على المجاز العقلي، ولا سبيل لتكفير أحد من المسلمين.. فإذا قال العامي من المسلمين: نفعني النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي أو الولي، فإنما هو يريد الإسناد المجازي، والقرينة على ذلك أنه مسلم موحَّد لا يعتقد التأثير إلا لله وحده لا لغيره). (2)
    بناءً – على النقول السابقة لهؤلاء الخصوم – فليس الذبح لغير الله شركاً، وليس النذر لغير الله شركاً، وليست الاستغاثة بالأموات شركاً، كل ذلك ليس شركاً يخرج عن دائرة الإسلام، ما دام أن مرتكبها يعتقد أن الله هو الفاعل وأنه المؤثر وحده.. هكذا فهم هؤلاء البشر وإليك أقوالهم – من كتبهم – التي تثبت ذلك، وتستنكر – وبشدة – على من خالفهم في ضلالاتهم وانحرافاتهم.
    يقول ابن عفالق – نافياً أن يكون الذبح والنذر لغير الله شركاً -:
    (فاجتمعت الأمة على أن الذبح والنذر لغير الله حرام، ومن فعلها فهو عاص لله ورسوله.. والذي منع العلماء من تكفيرهم أنهم لم يفعلوا ذلك باعتقاد أنها أنداد لله..). (3)
    ويشنع ابن سحيم على الشيخ الإمام، لأنه كفّر من ذبح لغير الله، يقول ابن سحيم:
    (ومنها أنه يقطع بكفر الذي يذبح الذبيحة ويسمي عليها، ويجعلها لله، لكن يدخل مع ذلك دفع شر الجن ويقول ذلك كفر واللحم حرام..).(4)
    ويستنكر سليمان بن عبد الوهاب تكفير من ذبح أو نذر لغير الله، ويستغرب من تكفير من دعا غير الله فيقول:
    (من أين لكم أن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إذا دعا غائباً أو ميتاً أو نذر له، أو ذبح لغير الله، أن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه). (5)
    ويقول سليمان: (لم يقل أهل العلم من طلب من غير الله فهو مرتد ولم يقولوا من ذبح لغير الله فهو مرتد..)(6).
    ويجوّز محمد بن محمد القادري الاستغاثة بغير الله ما دام أن المستغيث بغير الله، لا يعتقد أن غير الله هو الموجد، وأنه لا تأثير إلا لله وحده يقول القادري:
    (وقول يا سيدي أحمد أو شيخ فلان ليس من الإشراك؛ لأن القصد التوسل والاستغاثة.. ولا يشك في مسلم أن يعتقد في سيدي أحمد أو غيره من الأولياء أن له إيجاد شيء من قضاء مصلحة أو غيرها إلا بإرادة الله وقدرته..) (1).
    ويعتبر الحداد أن منع النذر للأولياء من مفتريات الشيخ، فيقول الحداد:
    (وأما نص النجدي بمنع النذر مطلقاً للأكابر، فمن افترائه على كتب الشريعة وجهله المركب). (2)
    ويقول محسن بن عبد الكريم في (لفحات الوجد) أثناء مدحه لأحد خصوم الشيخ:
    (وألزمهم بعد ذلك أن الشرك في الدعاء ليس بشرك أكبر، فلا يخرج به فاعله من دائرة الإسلام بعد تحقيق دخوله فيه). (3)
    وألف عبد الله بن حسين بلفقيه العلوي رسالة في الرد على أئمة الدعوة … في هذه المسألة، لكي يثبت أن دعاء غير الله ليس شركاً أكبر. (4)
    كما أن داود بن جرجيس يزعم أن دعاء الأموات والغائبين والذبح والنذر لغير الله ليس بشرك. (5)
    ويحتج جعفر النجفي على جواز الذبح لغير الله بأن (أهل الإسلام من قديم الأيام يذبحون للأنبياء والأولياء..). (6)
    ويدعي الرافضي العاملي جواز الاستغاثة بغير الله، فيقول:
    (لو قال في دعائه واستغاثته بغير الله: اقض ديني، أو اشف مريضي أو انصرني على عدوي، فليس منه مانع ولا محذور، فضلاً عما يوجب الإشراك والتكفير، للعلم بحال المسلم الموحَّد المعتقد أن من عدا الله تعالى لا يملك لنفسه أو لغيره نفعاً ولا ضراً). (7)
    ويستنكر الشطي أن تكون الاستغاثة بغير الله شركاً – كما هو عليه أئمة الدعوة السلفية -، فيقول حاكياً معتقد الوهابيين في ذلك:
    (فإنهم يصرحون بأن من يستغيث بالرسول عليه السلام، أو غيره، في حاجة من حوائجه، أو يطلب منه أو يناديه في مطالبه ومقاصده، ولو بيا رسول الله، أو اعتقد على نبي أو ولي ميت وجعله واسطة بينه وبين الله في حوائجه فهو مشرك حلال الدم والمال …). (8)
    ويأتي محمد بن علوي المالكي – في ذيل تلك القافلة المتعثرة – فيدعي: (أنه لا يكفر المستغيث إلا إذا اعتقد الخلق والإيجاد لغير الله). (9)
    لكي نجيب على تلك الشبهة، ونزيل اعتراض الخصوم، فإننا نذكَّر ابتداءً – بما قررناه من قبل – أن الخصوم قصرت تصوراتهم عن إدراك حقيقة التوحيد فجعلوا توحيد الربوبية هو غاية التوحيد، وأنه الواجب على المكلَّف.. ومن ثم قصرت تصوراتهم لحقيقة الشرك – الذي يناقض التوحيد – فحصروا الشرك في الربوبية كمن يعتقد أن الخلق والإيجاد لغير الله، أو النفع والضر لغيره سبحانه …
    أما علماء هذه الدعوة وأتباعها فقد تصوروا تصورا ًتاماً وفهموا فهماً شاملاً لكل من حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك.
    ومن المناسب – إذن – أن نذكر حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده – كما قرره بعض علماء الدعوة.. – وهو:
    (أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله.. فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر). (1)
    فمثلا أمر الله بالذبح له، وإخلاص ذلك لوجهه، كما هي صريحة بذلك النصوص القرآنية في الصلاة، فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه، وإذا ثبت أن الذبح لله من أجل العبادات وأكبر الطاعات، فالذبح لغير الله شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام. (2)
    وكذلك النذر عبادة، مدح الله الموفين به، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة، وأمر سبحانه بالاستغاثة به في كل شدة ومشقة، فهذه إخلاصها لإيمان وتوحيد وصرفها لغير الله شرك وتنديد. (3)
    وأما دعوى الخصوم أن مشركي العرب يعتقدون النفع والضر لأصنامهم، فنصوص القرآن الكريم ترد تلك الدعوى الخاطئة – كما ذكرنا بعضها من قبل – ويكفي من ذلك قوله تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون).(4)
    فهؤلاء الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم مقرون بأنه لا ينفع ولا يضر إلا الله وحده ومقرون أن معبوداتهم – سواء كان أصناماً أو أولياء – لا تدبر ولا تخلق شيئاً، وأن النفع والضر من عند الله..
    وبهذا يتضح بطلان اعتقاد هؤلاء الجهال – من عباد القبور – ممن يذبح للأولياء أو ينذر لهم القرابين أو يستغيث بالموتى، ويظن أنه مسلم بمجرد اعتقاده أن الله هو المؤثر المتصرف، فإن هذه طريقة مشركي العرب – سواء بسواء.(5)
    ولبيان أن دعاء غير الله والاستغاثة بالأولياء ونحوهم، وكذا الذبح لغير الله، والنذر لغيره عز وجل.. أن هذه – كلها – من أنواع الشرك الأكبر الذي يخرج عن دائرة الإسلام، فإننا نذكر بعض ما كتبه أئمة الدعوة في هذا الشأن رداً على شبهة أولئك الخصوم.
    يورد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الجواب الشافي على شبهة ابن سحيم حين ظن أن النذر لغير الله حرام ليس بشرك، فقال الشيخ مجيباً على ذلك ومخاطباً ابن سحيم:
    (فدليلك قولهم أن النذر لغير الله حرام بالإجماع فاستدللت بقولهم حرام على أنه ليس بشرك، فإن كان هذا قدر عقلك فكيف تدعي المعرفة ؟ يا ويلك ما تصنع بقول الله تعالى: { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } (1). فهذا يدل على أن الشرك حرام ليس بكفر يا هذا الجاهل الجهل المركب، ما تصنع بقول الله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } (2). إلى قوله: { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً } (3). هل يدل هذا التحريم على أنه لا يكفر صاحبه ؟ يا ويلك في أي كتاب وجدته إذا قيل لك هذا حرام، أنه ليس بكفر، فقولك أن ظاهر كلامهم أنه ليس بكفر، كذب وافتراء على أهل العلم، بل يقال ذكر أنه حرام، وأما كونه كفر فيحتاج إلى دليل آخر، والدليل عليه أنه مصرح في (الإقناع) أن النذر عبادة، ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها لا يعبد إلا الله، فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغيره كيف لا يكون شركاً) (4).
    ويورد الشيخ الإمام قاعدة مهمة أثناء جوابه على من ادعى أن الذبح للجن منهي عنه فهو معصية وليس ردة.. يقول الشيخ:
    (قوله: الذبح للجن منهي عنه، فاعرف قاعدة أهملها أهل زمانك، وهي أن لفظ (التحريم) و (الكراهة) وقوله (لا ينبغي) ألفاظ عامة تستعمل في المكفّرات، والمحرّمات التي هي دون الكفر، وفي كراهة التنزيه التي هي دون الحرام، مثل استعمالها في المفكرات: قولهم لا إله إلا الذي لا تنبغي العبادة إلا له. وقوله (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً)(5) ولفظ التحريم مثل قوله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً)(6)، وكلام العلماء لا ينحصر في قولهم (يحرم كذا) لما صرحوا في مواضع أخر أنه كفر، وقولهم (يكره) كقوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (6) إلى قوله (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها)(7) وأما كلام الإمام أحمد في قوله: (أكره كذا) فهو عند أصحابه على التحريم، إذا فهمت هذا، فهم صرحوا أن الذبح للجن ردة تخرج وقالوا: الذبيحة حرام ولو سمى عليها..). (8)
    ويقرر الشيخ حمد بن ناصر بن معمر حكم الاستغاثة بغير الله فيقول:
    (ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله قال الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (9). (فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين(6)..) (6) .
    ثم يقول: (فكل من دعا ميتاً من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة أو الجن، فقد دعا من لا يغيثه، ولا يملك كشف الضر عنه، ولا تحويله) (6).
    ويبين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر – رحمه الله – نوعي دعاء غير الله، ثم يرد على بعض الاعتراضات التي أوردها بعض الخصوم، لكي يجيزوا دعاء غير الله ويحسبون أنه ليس بكفر، فكان مما قاله:
    (اعلم أن دعاء غير الله وسؤاله نوعان، أحدهما: سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه مثل سؤاله أن يدعو له، أو ينصره، أو يعينه، فهذا جائز كما كان الصحابة يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فيشفع لهم، ويسألونه الدعاء فيدعو لهم.
    النوع الثاني: سؤال الميت والغائب وغيرهما ما لا يقدر عليه إلا الله مثل سؤال قضاء الحاجات وتفريج الكربات، فهذا من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين.. وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه ليس من دين الإسلام) (6).
    وقال أيضاً:
    (فقول القائل: أن إطلاق الكفر بدعاء غير الله غير مسلَّم لوجوه: الوجه الأول: عدم النص الصريح على ذلك بخصوصه. كلام باطل بل النصوص صريحة في كفر من دعا غير الله، وجعل لله نداً من خلقه يدعوه كما يدعو الله ويرجوه كما يرجو الله، ويتوكل عليه في أموره كلها.
    قال الله تعالى: { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون( )}( ).
    ويقول – في موضع آخر -:
    (وأيضاً فإن كثيراً من المسائل التي ذكرها العلماء في مسائل الردة والكفر وانعقد عليها الإجماع، لم يرد فيها نصوص صريحة بتسميتها كفراً، وإنما يستنبطها العلماء من عمومات النصوص..) ( ).
    ثم يقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر – في رد اعتراض آخر -:
    (وأما قوله الثاني إن نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله وقد ورد أنه شرك وكفر ثم أوّلوه بالأصغر …
    فنقول: هذا كلام باطل، وليس يخفى ما بينهما من الفرق، فأي مشابهة بين من وحد الله وعبده، ولم يشرك معه أحداً من خلقه، وأنزل حاجاته كلها بالله واستغاث به في تفريج كربته، لكنه حلف بغير الله يميناً مجردة لم يقصد بها تعظيمه على ربه، ولم يسأله ولم يستغث به، وبين من استغاث بغير الله وسأله جلب الفوائد وكشف الشدائد، فإن هذا صرف مخ العبادة الذي هو لبها وخالصها لغير الله …) ( ).
    ويوضح صاحب (التوضيح) الإشكال عند الخصوم، ويزيل اللبس عندهم في مسألة النذر لغير الله … فيفصّل الفرق بين نذر فعل المعصية، والنذر لأجل غير الله..، ويبين تحقق الشرك وحصوله في النذر لغير الله.. يقول صاحب (التوضيح): (والنذر غير الجائز قسمان:
    أحدهما: نذر فعل معصية كشرب الخمر، وقتل معصوم، وصوم يوم عيد فيحرم الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)( )، ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال …
    الثاني: النذر لغير الله كالنذر لإبراهيم الخليل أو محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس، أو عبد القادر، أو الخضر .. فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي؛ لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلا لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع إما بطبعه، وإما بقوة سببيه فيه، ويجلب الخير والبركة، ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم حكيهم وقولهم أنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة، فنذروا نذرا لفلان وفلان أصحاب القبور من الأنبياء والمشايخ، وللغار الفلاني، والشجرة الفلانية فانكشفت شدائدهم، واستراحت خواطرهم، فقد قام في نفوسهم أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم، ومن تأمل القرآن وسنة المبعوث به صلى الله عليه وسلم، ونظر أحوال السلف الصالح علم أن هذا النذر نظير ما جعلته المشركون لآلهتهم في قوله تعالى: (هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا( )..) ( ).
    ويرد الشيخ عبد الله أبو بطين شبهة القبوريين حين ظنوا أن دعاءهم الأموات مجاز، وأن الله عز وجل هو المسئول حقيقة، فيقول :
    (وأما قول القائل أن دعاء الأموات وسؤالهم قضاء الحاجات مجاز، والله سبحانه هو المسئول حقيقة، فهذا حقيقة قول المشركين {هؤلاء شفعاؤنا عند الله }( )، { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }( ). فهم يسألون الوسائط زاعمين أنهم يشفعون لهم عند الله في قضاء حوائجهم، قال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم كفر إجماعاً( ).
    ويؤكد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أن صرف بعض أنواع العبادة لغير الله شرك.. كما قرره الأئمة الأعلام..، وعلى تقريرهم سار علماء هذه الدعوة فيقول الشيخ عبد اللطيف:
    (وأما تكفير من أجاز دعاء غير الله، والتوكل على سواه، واتخاذ الوسائط بين العباد وبين الله في قضاء حاجاتهم، وتفريج كرباتهم، وإغاثة لهفاتهم، وغير ذلك من أنواع عباداتهم، فكلامهم – أي العلماء – فيه، وفي تكفير من فعله أكثر من أن يحاط به ويحصر، وقد حكى الإجماع عليه غير واحد ممن يقتدى به، ويرجع إليه من مشايخ الإسلام، والأئمة الكرام. ونحن قد جرينا على سنتهم في ذلك وسلكنا منهاجهم فيما هنالك، لم نكفر أحداً إلا من كفره الله ورسوله، وتواترت نصوص أهل العلم على تكفيره ممن أشرك بالله، وعدل به سواه، أو عطل صفات كماله، ونعوت جلاله، أو زعم أن لأرواح المشايخ والصالحين تصرفاً وتدبيراً مع الله. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً) ( ).
    ويتحدث محمود شكري الآلوسي عن حال الناذرين في نذورهم لمن يعتقدون فيه الصلاح، ويذكر أنهم يعتقدون فيمن نذروا له من الأولياء أنه ينفع ويضر، ويعطي ويمنع، ويذكر الآلوسي الدليل على ذلك، فيقول:
    (والدليل على اعتقادهم هذا، قولهم: وقعنا في شدة فنذرنا لفلان فانكشفت شدتنا، ويقول بعضهم: هاجت علينا الأمواج، فندبت الشيخ فلان، ونذرت له الشيء الفلاني فسلمت سفينتنا، وتراهم إذا هم لم يفوا، وحصلت لهم بعض الآلام، قيل للناذر أوفي بنذرك، وإلا يفعل بك الشيخ كذا وكذا، فيسارع بالوفاء، ولو أنه يستدين في ذمته، ولو كان مديوناً أو مضطراً، وربما يموت وهو مديون، كل ذلك خوفاً من المنذور له، وطلباً لرضاه. وهل هذا إلا من سوء اعتقاده، وقلة دينه وكساده، وغاية جوابه إذا عذلته أن يقول لك: مقصودي يشفعون لي. والله لا تخطر الشفاعة على قلبه، ولا يعرف إلا أن ذلك المنذور له هو القاضي لحاجته والمهيء لبغيته) ( ).
    وسرد الآلوسي أقوال العلماء التي تؤكد وتثبت أن الذبح لغير الله يعتبر شركاً أكبر يخرج من الملة، ثم قال:
    (فقد تبين لك من هذه النقول كلها أن من يقرب لغير الله تقرباً إلى ذلك الغير ليدفع عنه ضيراً، أو يجلب له خيراً تعظيماً له من الكفر الاعتقادي والشرك الذي كان عليه الأولون) ( ).
    ومما تضمنه (البيان المفيد) ما نصه:
    (ونعتقد أن عبادة غير الله شرك أكبر، وأن دعاء غير الله من الأموات والغائبين وحبه كحب الله، وخوفه ورجائه، ونحو ذلك شرك أكبر، وسواء دعاه عبادة، أو دعاه دعاء استعانة في شدة أو رخاء، فإن الدعاء مخ العبادة، وأن اعتقاد أن لشيء من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين شرك أكبر، وأن من عظّم غير الله مستعيناً به فيما لا يقدر عليه إلا الله كالاستنصار في الحروب بغير قوة الجيوش.. والاستعانة على السعادة الأخروية أو الدنيوية بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا، يكون مشركاً شركاً أكبر) ( ).
    ونذكّر – في خاتمة هذا المبحث – أن ما قرره أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في مسألة نواقض الإسلام، وأنواع المكفرات التي توجب على مرتكبها الخروج والانسلاخ عن دين الإسلام، أن هذا التقرير ليس بدعاً من عند أنفسهم، وإنما كان ذلك اتباعاً لنصوص القرآن الكريم، ونصوص السنّة النبوية الصحيحة، والتزاماً بأقوال الصحابة والتابعين وعلماء الأمة المعتبرين من المذاهب الأربعة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: [الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

    المشكلة فى التصور الناقص المبتور لحقيقة التوحيد – عند هؤلاء – هو أنهم يعتقدون أن التوحيد - الذي يجب على كل مكلَّف - هو توحيد الربوبية فقط، فمن أقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت.. ونحوها من صفات الربوبية، فهو الموحَّد، وتصوروا – جهلاً وتقليداً – أن معنى شهادة لا إله إلا الله هو إثبات أن الله هو الخالق والقادر على الاختراع، وجهلوا - أو تجاهلوا - أن معنى (الإله) بإجماع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء هو المعبود، فيكون المراد بكلمة الشهادة: لا معبود بحق إلا الله، أي صرف جميع أنواع العبادات لله وحده، وإثباتها له وحده – سبحانه، ونفيها عما سواه عز وجل.
    وكأن هؤلاء الأدعياء لا يعلمون أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قاتل مشركي العرب مع إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ لأنهم قد أنكروا توحيد العبادة ولم يعترفوا، ولم يقروا بأن الله وحده هو المستحق للعبادة بجميع أنواعها فلا تصرف لمعبوداتهم من الأحجار والأوثان والطواغيت.
    ومما يدل على أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرَّين بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر.. ونحوها من أفعال الرب سبحانه، ولم يدخلهم ذلك في دين الإسلام قوله تعالى:
    (قل من يرزقكم من السماء والأرض، أم من يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون).
    وهذا التوحيد الذي أقر به مشركوا العرب ولم يدخلهم في الإسلام هو الغاية عند هؤلاء الخصوم.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: [الآثار المترتبة على الانحراف في مفهوم التوحيد والشرك

    المشكلة هى ما يظنه المتكلمين والمنحرفين عن فهم توحيد الانبياء والمرسلين ان هذا هو الغاية
    التوحيد العلمى او توحيد الربوبية ليس هو الغاية في التوحيد
    توحيد الربوبية حق، وأمره عظيم
    ، ولا يصح إيمان العبد إذا لم يؤمن به،
    ولكن هذا النوع من أنواع التوحيد ليس هو الغايةَ التي جاءت بها الرسل،
    وأنزلت من أجلها الكتب،
    وليس الغايةَ التي من جاء بها فقد جاء بالتوحيد الذى دعت اليه الرسل؛
    ذلك أن الله أمر بعبادته التي هي كمال النفوس وصلاحها وغايتها،
    ولم يقتصر على مجرد الإقرار به كما هو غاية الطرق الكلامية
    أضف إلى ذلك أن المشركين كانوا مقرين به ، ومع ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛
    لأن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده، بل لا بد من توحيد الألوهية.

    ثم إن توحيد الربوبية مركوز في الفطر كلها، فلو كان هو الغاية لما كان هناك حاجة من إرسال الرسل وإنزال الكتب.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •