قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد مبينا ضابط الاستغاثة الشركية:
قول من قال من أهل العلم:
إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه،
فإن هذا يَرِد عليه: أن ثمت أشياء قد يكون المخلوق في ظاهر الأمر قادرا عليها،
ولكنه في الحقيقة لا يقدر عليها،
لكن هذا الضابط غير منضبط؛ لأن من وقع في شدة - كغرق مثلا - وتوجه لرجل يراه بأن يغيثه
فقال مخاطبا إياه: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يحسن السباحة، ولا يحسن الإنجاء من الغرق،
فهذا يكون قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق،
فهل يكون شركا أكبر؟ لا يكون منه؟ لأن الإغاثة من الغرق ونحوه، يصلح - في الغالب - أن يكون المخلوق قادرا عليها،
فيكون الضابط الثاني هو الصحيح،
وهو أن يقال:
الاستغاثة بغير الله شرك أكبر إذا كان قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله،
أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين،
لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء المعيّن: فإنه لا يكون شركا؛
لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئا لا يصلح إلا لله - جل جلاله -
فالاستغاثة بغير الله إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهي: شرك أكبر،
وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق، فهي جائزة؛
كما حصل من صاحب موسى، إذ استغاث بموسى عليه السلام. اهـ
وقال ايضا
فحقيقة الاستعاذة إذًا تجمع بين الطلب الظاهر ، والمعنى الباطن ؛ ولهذا اختلف أهل العلم في جواز طلبها من المخلوق ، فالذي ينبغي أن يكون منك دائما على ذكر : أن توجُّه أهل العبادات الشركية لمن يشركون به من الأولياء ، أو الجن ، أو الصالحين ، أو غيرهم ، أنهم جمعوا بين القول باللسان ، وأعمال القلوب التي لا تصلح إلا لله - جل وعلا - ، وبهذا يبطل ما يقوله أولئك الخرافيون من : أن الاستعاذة بهم إنما هي فيما يقدرون عليه ، وأن الله أقدرهم على ذلك ؛
فيكون إبطال مقالهم راجعا إلى جهتين :
الجهة الأولى :
أن يُبطل قولهم بأن يقال : إن هذا المَيْت ، أو هذا الجني يقدر على هذا الأمر الذي طلب منه ،
فإذا لم يقتطع بذلك ، أو حصل عنده اشتباه ما ، انتقل الجني إلى
الجهة الثانية من الإبطال :
وهو إثبات أن الاستعاذة فيها توجه بالقلب إلى المستعاذ به واضطرار إليه ، واعتصام به ، وافتقار إليه ؛ وهذا الذي توجه إلى ذلك الميت أو الولي قد قامت هذه المعاني بقلبه ، ولا يجوز أن يكون شيء من ذلك إلا لله وحده - عز وجل - .
فنقول إذًا :
الاستعاذة بغير الله شرك أكبر ؛ لأنها صرف عبادة لغير الله - جل جلاله - .
لكن إن كان الاستعاذة في الظاهر فقط مع طمأنينة القلب بالله وتوجهه إلى الله ، وحسن ظنه بالله ،
وأن هذا العبد إنما هو سبب ،
وأن القلب مطمئن لما عند الله
فإن هذه تكون استعاذة بالظاهر ،
وأما القلب : فإنه لم تقم به حقيقة الاستعاذة .
وإذا كان كذلك : كان هذا جائزا .
شرح كتاب التوحيد