{ مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}


محمد مالك درامي


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والصلاة والسلام على نبينا القائل: «اؤمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من الخير»، فتكملة لموضوع: (ما تلفظ من قول إلا لديك رقيب عتيدٌ) في المقال السابق، نستكمل هذه الأقوال والألفاظ التي يجب على الإنسان الحذر منها، وأن يصون لسانه عنها، فمنها والعياذ بالله:



ألفاظ يجب على المسلم أن يتجنبها، وقد تدفعه العاطفة للتلفظ بها بدون قصد أو علم، وذلك إذا حصل مكروه لشخص ما معروف أو مشهور، وكان القائل يحبه أو زرت مريضا لك، مثل قول القائل:

1- «والله ما يستاهل» أو «ما تستاهل ما حدث لك»، أو «مسكين لما..؟».

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم هذه الكلمة، فأجابت:

«الحمد لله، أولاً: قول: «والله ما يستاهل» أو «ما تستاهل ما حدث لك» لا يجوز استعمالها؛ لأنها اعتراض على الله جل وعلا في حكمه وقضائه؛ إذ معناها: أن ما أصاب فلاناً من مرض أو محنة أو موت ونحو ذلك لا يستحقه، وهذا طعن في حكمة الله سبحانه.

ثانياً: قول: «مسكين...» لمن حصل له أذى، يعني: لماذا يحصل له هذا، يقال في هذا اللفظ ما قيل في اللفظ الأول.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم» انتهى.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.

(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 26/360).

يجب على كل مؤمن أن يثق بالله تعالى ويحسن الظن به؛ فإن سوء الظن بالله فيما يقضيه ويقدره ينقص من توحيد العبد، فيجب الحذر منه؛ يقول الله تعالى: {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا}. (الفتح: 6).

فمن صور سوء الظن بالله:

1- إذا رأى رجلا صالحا مريضا، قال « فلان لا يستحق ذلك».

2- إذا رأى فاسقا غنيا، قال «هذا لا يستحق هذه الأموال».

3- إذا أصابه بلاء في نفسه أو ماله ظن أنه غير مستحق له.

فهذا كله من الاعتراض على الله؛ إذ هو سبحانه أعلم بأحوال عباده، وله الحكمة البالغة المتناهية فيما يقضيه ويقدره على عباده من صحة ومرض وغنى وفقر وغير ذلك.

فما الطريق إلى السلامة من سوء الظن بالله؟

أولاً- معرفة أسماء الله وصفاته ولا سيما أسماؤه: العليم، الحكيم، الحميد، القدير.

ثانياً- معرفة وعده الصادق كوعده بنصر المؤمنين وإجابة دعاء الداعين.

و من وقع في نفسه شيء من سوء الظن بربه فعليه المبادرة إلى التوبة، وألا يظن بربه إلا الظن الحسن، وعليه الرضا بقضاء الله والعلم بأن كل ما يصيب المؤمن خير له، بل إن اشد الناس بلاء هم الأنبياء، كما جاء في الحديث، وقال تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} (الرعد: 11).

و قول القائل «ما يستاهل كل هذا» حكمه حكم قول القائل «ما يستحق هذا الشر»، قال الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله: ويُقال «ما يستحق هذا شراً» إذا كان بعضهم مريضاً أو مصاباً، وهذا اللفظ اعتراض على الله في حكمه وقضائه، وأمر المؤمن كله خير. اهـ.

وإنما المشروع عندما نسمع عن مريض أن نقول كما علمنا الرسول[: «لا بأس عليك، طَهور إن شاء الله»، أو تدعو له بالرحمة والشفاء كقولنا: عافاه الله وشفاه، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة.

والواجب الرضا بقضاء الله والعلم بأن كل ما يصيب المؤمن خير له، بل إن اشد الناس بلاء هم الأنبياء.

كما ان على المؤمن أن يحرص على حمد الله الذي عافاه مما ابتلى به كثيرا من الناس.

وكذلك سئل العلامة ابن باز- رحمه الله تعالى-:بعض الأشخاص عندما يعود أحد المرضى يقول له: ما تستاهل، كأنه بهذا يعترض على إرادة الله، أو بعض الأشخاص عندما يسمع أن فلانا من الناس مريض يقول: والله ما يستاهل، نرجو من سماحة الشيخ بيان جواز قول هذه الكلمة من عدمه.

فأجاب- رحمه الله تعالى-:

«هذا اللفظ لا يجوز؛ لأنه اعتراض على الله سبحانه، وهو سبحانه أعلم بأحوال عباده، وله الحكمة البالغة فيما يقضيه ويقدره على عباده من صحة ومرض، ومن غنى وفقر وغير ذلك، وإنما المشروع أن يقول: عافاه الله وشفاه الله، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة.

وفق الله المسلمين جميعا للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسؤول» اهـ من (مجموع الفتاوى والمقالات).

وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح أصول الإيمان): «ومن أصول الإيمان عند أهل السنة توقير الله - جل وعلا- وتعظيمه والإنابة إليه والاستكانة له وعدم التألي عليه أو القول عليه بلا علم.

فمثلا يقول الناس في ألفاظهم: «هذا ما يستاهل!»، أو «حرام أن يصيبه كذا!»، أو «مثل هذا لا يعاقب»، أو «هذا تنزل عليه العقوبة؟!».. وأشباه هذه الألفاظ التي فيها تحكم في صفات الله جل وعلا» اهـ.

ولذا يجب على من سمع هذه الكلمات أن ينكرها على قائلها بلطف، ويبين له الخطأ في هذه العبارة.

وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى، وعلّمنا ما ينفعنا في الدنيا والآخرة.

2- ومن الألفاظ كذلك التي يقولها العامة وقد يقع فيها العالم ويجب أن يتجنبها المسلم، قول القائل «ما صدقت على الله كذا...».

فهذه الكلمة « ما صدقت على الله أن يحدث كذا أو أن يفعل كذا.. «قد انتشرت ويرددها كثير من الناس، وهذه مصيبة يقع فيها العامة كقول بعضهم لبعض، أو قول بعضهم في حكاية يرويها: ما صدقت على الله أن يحدث كذا، أو: ما صدقت على الله أن تنتهي المشكلة، أو ما صدقت على الله أن أنجو من الحادث، أو ما صدقت على الله أن أنجو من الإحراج الفلاني.. وهكذا! هذه العبارات من العبارات المشكلة والموهمة، فإذا نظرنا في معناها، فلها معنيان خطيران:

المعنى الأول: نفي التصديق لله.. وإن لم يكن يقصد أنه لا يصدق أن الله يفعل كذا، فهذا افتراء على الله عز وجل بالعجز، تعالى الله عن ذلك، والعياذ بالله، وهذا حرام.

المعنى الثاني: أني لا أظن أن يفعل الله كذلك، وهذا سوء الظن بالله، والعياذ بالله، وهذا لا يجوز كذلك .

أما إذا كان المراد من هذه الكلمة: ما توقعت، أو: ما ظننت أن يحصل كذا، ففيه كلام؛ إذ إن المعني صحيح واللفظ فيه إيهام، وذلك كما أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين– رحمه الله- عند ما سُئل فضيلته عن هذه العبارة «ما صدّقت على الله أن يكون كذا وكذا».

فأجاب – رحمه الله–: «يقول الناس ما صدّقت على الله أن يكون كذا وكذا، ويعنون: ما توقعت وما ظننت أن يكون هكذا، وليس المعنى: ما صدّقت أن الله يفعل لعجزه مثلاً، فالمعنى أنه ما كان يقع في ذهني هذا الأمر، هذا هو المراد بهذا التعبير، فالمعنى صحيح لكن اللفظ فيه إيهام، وعلى هذا يكون تجنب هذا اللفظ أحسن لأنه موهم، ولكن التحريم صعب أن نقول حرام، مع وضوح المعنى، وأنه لا يقصد به إلا ذلك. والله أعلم».

وعندما سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابن الجبرين - رحمه الله -: ما حكم قول: «ما صدقت على الله...» للشيء الذي تأخر، أو صعب حصوله للشخص؟

أجاب - رحمه الله – بقوله: «تجري هذه الكلمة على ألسن كثير من العامة، وقصدهم بذلك الإخبار بما حصل لهم من اليأس في الشيء، أو الصعوبة التي تحصل لهم، ولكن نرى أنها لا تجوز بهذا الإطناب، ولو كانت بنية صالحة، ويكفي أن يقول: «ما صدقت بكذا»، أو «ما كدت أحصل على كذا»، ويترك قوله: «على الله»؛ حتى لا يكون إساءة ظن بالله تعالى. والله أعلم. اهـ رقم الفتوى: (2070).


وعلى ذلك فإن هذه الكلمة فيها عدة احتمالات، فقد يكون معناها: أن هذا القائل يشك في قدرة الله أن يحدث كذا، ثم يحصل، ما صدقت على الله أن يفعل كذا، كان يشك في قدرة الله، ثم حصل، هذا احتمال، واحتمال آخر: أن يكون في هذه العبارة سوء ظن بالله.. ما ظننت أن الله يخلص هذه المشكلة، أو ينهي هذه المشكلة، ولكن حصل، هذا يعني سوء الظن بالله عز وجل، وإن كان كثير من الذين يقولون هذه العبارة لا يعنون المعنى الفاسد والباطل، لكن لا بد من التصحيح، تقول مثلاً: ما صدقت أن يحدث كذا، ما ظننت أن يحدث كذا، ولا نضيف إليها «على الله».

هذا، والله نسأل أن يحفظنا من الزلل والعصيان، ويحصن ألسنتنا من الخطاء والنسيان، ويغفر لنا ولوالدينا، والحمد لله رب العالمين.