أهمية الصلاة ووجوب أدائها جماعة


الكـاتب : محمد بن صالح الشاوي

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي شرع لنا سنن الهدى، وجعل منهن الصلوات الخمس المكتوبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبيِّن لشرائع الله وسننه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد قال الله - تعالى -: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238].
أيها المسلمون: لقد فرض الله علينا الصلوات الخمس، وجعلهن أحد أركان الإسلام، كما أمر بالصلاة جميع النبيين والمرسلين وأتباعهم، وفي هذه الآية يأمر الله بالمحافظة على الصلاة التي تحفظ الإنسان وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، فكأن الله يقول: احفظوا الصلاة، وافعلوها المرة بعد المرة تحفظكم من الفحشاء والمنكر.
وبالمحافظة على الصلاة تظهر آية إيمان المرء، ففي الحديث الشريف: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))، ولقد حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تارك الصلاة بالكفر، حيث يقول: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
وليس المقصود من الصلاة مجرد الحركات المألوفة من الركوع والسجود؛ بل المراد القنوت وهو الخشوع، كما قال - تعالى -: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238]، أي: خاشعين له خائفين من عذابه ملتزمين خشيته والخوف منه واستذكار هيبته وعظمته.
أيها المسلمون: اعلموا أن في الصلاة تطهيرًا لأرواحنا وتهذيبًا لنفوسنا، وفي صلاة الجماعة بالذات التي هي أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة مظهر من مظاهر الاتحاد والمساواة؛ حيث يقف المسلمون بين يدي الله خاشعين خاضعين مُؤتمِّين بإمام واحد في مكان واحد، يؤدون عبادة واحدة متجهين إلى قبلة واحدة، لا فرق بين صغير وكبير وعظيم وحقير، وفي الصلاة جماعةً دافع قوي للتعارف والتآلف والمحبة والإخاء.
وليس هناك أي عبادة أقوى من الصلاة وأهم منها، لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنها الحد الفاصل بين المسلم والكافر، وأن من حفظها حفظ دينه، ومن أضاعها أضاع دينه؛ لأنه لما سواها أضيع، وما ذاك إلا لأنها تنزع الإنسان من شواغله الدنيوية ويتفرغ فيها من كل شيء؛ لأنه بين يدي علام الغيوب الواحد القهار، يناجيه وحده ليس بينهما حجاب.
فهو حينما يقول: ((الله أكبر))، ثم يكررها كلما انتقل من فعل إلى آخر يستحضر في قلبه أن الله أكبر من كل شيء، وأن الخضوع والرجاء والذبح والنذر لله وحده المتفرد بالكمال والجلال.
وروح الصلاة هو الخشوع وحضور القلب وإظهار الحاجة والافتقار إلى الله - سبحانه وتعالى -، وبهذا تنفع صاحبها وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتبعده عن الهلع والجزع والبخل: (إِنَّ الإِْنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا *وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا *إِلاَّ الْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج: 1923].
فاتق الله أيها المسلم وحافظ على الصلاة في أوقاتها، واحرص على أدائها على الجماعة، واسأل عما تجهله من أمرها.
اللهم اجعلنا ممن يقيمون الصلاة ويحافظون عليها، ويقومون لله قانتين، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، له الحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي يصلي عليه الله وملائكته، والذي أمرنا - جل وعلا - بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، وارض اللهم عن جميع الصحابة والخلفاء الراشدين ومن تبعهم وتمسك بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من كمال الصلاة تسوية الصفوف، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح المناكب في الصلاة، ويقول: ((استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)).
ومن واجبات الصلاة متابعة الإمام، فتحرم مسابقة الإمام عمدًا كما يحرم المرور بين يدي المصلي، وبيَّن للمصلي أن يضع سترة أو يقرب من جدار، ويكفيه أن يضع عصًا؛ فإن لم يكن معه عصًا فليخط خطًا.
فاتق الله أيها المسلم، واعلم بأن أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فداوم على صلاتك وتمسك بكتاب الله فهو أصدق الحديث، وهدي نبيك فهو خير الهدي.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، واجمع كلمة المسلمين واهدهم صراطك المستقيم وأصلح ولاتهم، اللهم انصر الإسلام والمسلمين واشف مرضاهم وفرج كربهم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[البقرة: 201].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النحل: 9091].
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله خبير بما تعملون.