كلمة عن صلاح القلوب والعناية بها


الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، سبحانه ما عبدناه حق عبادته، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، جل في علاه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]، وقال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وقال سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].

ذكر الله القلب في عشرين موضعًا في القرآن الكريم؛ مما يعطي القلب أهمية عظمى؛ لأنه أهم عضو من أعضاء الإنسان الذي يوجب علينا العناية به عناية مستمرة، ودلَّ على ذلك في الحديث الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»؛ (متفق عليه)، وأيضًا في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم»؛ [رواه مسلم].

تذكر يا عبدالله أن صلاح العمل مرتبط بصلاح القلب، وفساد العمل مرتبط بفساده؛ يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل، صلحت جوارحهم، فلم تتحرك إلا لله عز وجل وبما فيه رضاه".

على العبد أن يعتني بمتابعة قلبه وسؤال الله، والإلحاح عليه بأن يطهر قلبه من النفاق، وأن يرزقه سلامة القلب، ونقاءه مما يضره، كان من الأدعية التي يحافظ عليها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويُكثر منها في سجوده: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَوَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْقُلُوبَ - أَوْ قَالَ: قَلْبَ بَنِي آدَمَ - بَيْنَ إِصْبَعَيِ اللَّهِ، إِذَا شَاءَ أَنْ يُقَلِّبَهُ إِلَى هُدًى قَلَّبَهُا، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقَلِّبَهُ إِلَى ضَلَالَةٍ قَلَّبَهُ».

عباد الله، إن المعاصي تورث قسوة القلوب شيئًا فشيئًا، وإذا أهمل الإنسان من متابعة قلبه والعناية به، قسا والعياذ بالله؛ قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً، نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ، سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه» : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

من أمراض القلوب:
1- الشُّبْهة: ويعرف بالتباس الحق بالباطل في نظر الإنسان؛ وسمي بذلك لاشتباه الأمرين عليه والمبتدع من هذا النوع؛ لأنه يبتدع في دين الله تعالى.
قال سفيان الثوري: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ وذلك لأن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها".
2- فرض الشهوة: يعرف بأن يكون في القلب ميلٌ شديدٌ إلى المحرمات التي تتلذذ بها النفوس على أوجه كثيرة، إما النظر إلى ما حرم الله، أو الكلام به.
3- مما يسبب أمراض القلوب جلساء السوء، وعلى النقيض الجليس الصالح، فإن للجليس أثرًا عظيمًا في صلاح القلب وفساده.

ومن أعظم ما يكون به صلاح القلب:
1- قراءة القرآن؛ حيث قال الله في محكم آياته: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، فلا بد من جعل ورد يومي من قراءتك للقرآن والملازمة عليه في حلك وترحالك.

2- ملازمة الدعاء بصلاح القلب في مواضع السجود؛ كما كان يفعل نبينا صلى الله عليه وسلم.

3- المحافظة على الصلوات الخمس في وقتها في المسجد مع جماعة المسلمين، ومجاهدة النفس على المداومة عليها، وسماع المواعظ، وقراءة سنة رسولكم الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.

4- التقرب إلى الله بالنوافل؛ ففي الحديث القدسي يقولُ اللَّه تبارك وتعالى: «ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضلَ من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ، وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها، ولئن سألني لأعطينَّهُ، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُهُ تردُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يَكرَهُ الموتَ وأَكرَهُ مساءتَهُ».


5- كثرة الاستغفار، والمحافظة على الأذكار صباحًا وفي المساء.
أسأل الله بمنه وكرمه، وفضله وجوده أن يصلح فساد قلوبنا، وأن يعيننا على إصلاحها، والحفاظ عليها، حتى نلقاه.
منقول