تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تقرير: موقعة القادسية.. دروس وعبر في مواجهة المحن

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي تقرير: موقعة القادسية.. دروس وعبر في مواجهة المحن

    تقرير: موقعة القادسية.. دروس وعبر في مواجهة المحن

    أحمد الشجاع



    يتميز التاريخ الإسلامي بأن بتكامل الدروس والعبر وترابطها التام وشمولها كل جوانب حياة المسلمين في كل زمان ومكان.
    فدروس موقعة القادسية لا تتوقف في الجانب العسكري بل تمتد إلى الجوانب السياسية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية.
    وقد حوت هذه الموقعة صوراً شتى من منهج الجيل الإسلامي الأول في خدمة الإسلام، ودروساً عظيمة في التعامل مع الأزمات والمحن، وفي التعامل مع الأمم الأخرى.
    ولذلك سيركز هذا التقرير على جانب التعامل مع الأزمات، ومنهج الصحابة في التعامل مع أعدائهم.. حيث سنجد أن الغاية ليست الهيمنة بل الهداية والإصلاح.
    نحو القادسية
    بعد أن تحرك سعد بن أبي وقَّاص بالجيش الإسلامي (32 ألف جندي) الذاهب لحرب الفرس من منطقة (زَرُود) ووصل إلى (شَرَاف)، وصلت رسالة من عمر بن الخطاب بتعبئة الجيش (أي بتنظيمه وترتيبه وكأنه على قتال)، وأمره بالتحرُّك من (شراف) إلى القادسية وهو على تعبئةٍ كاملةٍ حتى إذا باغتته جيوش فارسٍ في أية لحظة يكون على استعداد كاملٍ لها.
    بدأ سعد بن أبي وقاص يرتِّب جيشه وهو في شراف، فجعل خليفته خالد بن عرفطة (وهو أحد فرسان العرب المشهورين، ولم يتوجه لحرب فارس قبل ذلك)، وجعل على المقدمة زهرة بن الحُوِيَّة، وكانت لكل الجيوش الإسلامية مقدمات، ولكن سعدًا جعل لجيشه مقدمة وطلائع. وكانت فرقة الطلائع من أشد فرسان المسلمين مهارة وجسارة وقوة، واختار لهذه الطلائع قوة من كل القبائل، وكانت تحت إمرة سواد بن مالك، وكانت مهمة الطلائع أن تسير في مقدمة الجيش أبعد من مرمى بصر الجيش، لتكون عيوناً على الجيش الفارسي؛ حتى لا يُباغِت الجيشَ الإسلاميَّ، وتلي المقدمةُ الطلائعَ.
    وجعل على المقدمة عبد الله بن المعتم، وعلى الميسرة شُرَحْبِيل بن السِّمْط، وعلى المشاة حَمَّال بن مالك، وعلى الخيول سلمان بن ربيعة الباهلي، وكان من المعروف أن أشد خيول العرب في قبيلة باهلة، وجعل عبد الله الخثعمي على الركبان وهي الإبل، وجعل على مؤخرة الجيش عاصم بن عمرو التميمي، صاحب السبق العظيم في حروب فارس قبل هذه الموقعة.
    وجعل كل مجموعة من جيشه تحت إمرة أمير، ثم قسَّم المجموعات إلى رايات، وتحت أمراء الرايات رؤساء القبائل، وتحت كل قبيلة العرفاء، أي على كل عشرة من الجند عريف، فالسُّلَّمُ هرميٌّ، فعلى كل عشرة عريف، وعلى كل مائةٍ رئيس قبيلة، وعلى كل ألف حامي الراية، وعلى كل المجموعة أمير الفرقة سواءً كانت مقدمة أو مؤخرة أو ميمنة أو ميسرة؛ وذلك حتى تصل الأمور بسهولة ويُسْر إلى كل الأفراد.
    وأثناء تحرُّك سعد من شِرَاف إلى "عذيب الهجانات" أتته الوصية التي كان قد أوصى بها المثنى بن حارثة قبل وفاته مع المُعَنَّى بن حارثة، وفي الرسالة: "لا تقاتل الفرس إلا على أبواب الصحراء، ولا تعبر نهراً، وَضَعِ الصحراء في خلفك، حتى إذا كان لك النصر انسحت في أرضهم، وإن كانت الأخرى كانت لك الصحراء مجالاً للرجوع".
    وتنطلق هذه الوصية من الاستفادة من خطأ معركة الجسر، وهو عبور المسلمين النهر، فكانت المياه من خلفهم والفرس من أمامهم، واستُشْهِد في "الجسر" وحدها أربعة آلاف من المسلمين، وكان الفرس لا يجرءون على القتال في الصحراء؛ نظراً لتعدد الدروب والمسالك وكثرة المجاهل بها، وإذا ضلَّ أحد الجيوش فيها فربما يهلك من الجوع والعطش.
    ومع وصول رسالة المثنى مع المُعنَّى، وصلت رسالة من عمر بن الخطاب أيضاً فيها: ألاّ يقاتل الفرس إلا على أبواب الصحراء، وألا يجعل المياه في خلفه، وأن يجعل الصحراء خلف جيشه.
    وكان هذا التوافق في الرأي يدل على بعد النظر وعمق التفكير، فقد استفاد المثنى بن حارثة كثيراً من تجاربه السابقة، وعمر بن الخطاب وهو في المدينة يرى الرأي الصائب، وهو على بُعد مئات الأميال من القادسية؛ لعمق فكره وحسن تخطيطه وإدارته.
    وأرسل سعد طلائعه إلى "عُذَيب الهجانات" قبل أن يصلها هو بالجيش، وكان بها حصن عظيم وهو أول حصون في جنوب فارس، وقد وصلت الطلائع قرب الليل، ونظروا فوجدوا للحصن نوافذ كثيرة، وكل مدة يظهر أحد الرجال من إحدى نوافذ الحصن ويختفي مرة أخرى، ثم يظهر آخر في نافذة أخرى ويختفي، وهكذا.
    فوقفوا برهة، وشعروا بوجود جيش للفرس في هذا الحصن، ثم أمرهم حمّال بن مالك بالهجوم على الحصن، ففوجئوا بعدم وجود أحد فيه، ووجدوا رجلاً واحداً يجري بعيداً عنهم بفرسه في اتجاه المدائن، فعلموا أنه أحد عيون الفرس، وأنه منطلق لإخبارهم بأمر المسلمين، وانطلقت خلفه الطلائع فأعجزهم ولم يستطيعوا اللحاق به، وقدمت بعد ذلك المقدمة وعليها زهرة بن الحُوِيَّة، فلما علم زهرة بهذا الأمر - أَمْرَ الرجل - قال: والله لو وصل هذا العين إلى فارس، علمت فارس بقدومنا. فأسرع بنفسه وسابق خيول المسلمين وسبقهم، وأدرك الرجل في خندق سابور على حدود القادسية واقتتل معه وقتله في خندق سابور، وبهذا لم تصل - حتى هذه اللحظة - أخبار المسلمين إلى فارس بفضل الله تعالى، ثم بفضل هذا المثال النادر من المسلمين زهرة بن الحُوِيَّة، والذي أحسنَ سعد بن أبي وقاص باختياره قائداً على المقدمة.
    وقبل أن يصل سعد إلى "عُذيب الهجانات" تصله رسالة من عمر بن الخطاب أن يعسكر في القادسية، وقال له: "صِفْ لي المكان كأني أراه رأي العين، ولا تدخل على أرض العراق إلا أن يدخلوا هم عليك".
    وتقدم سعد ووصل إلى "عُذَيْب الهِجانات" ويعسكر فيها مدة، إلى أن تكتشف الطلائعُ والمقدمةُ منطقةَ القادسية وما حولها لتأمين دخول الجيش هذه المنطقة.
    تختلف خطة الجيش الإسلامي في معركة القادسية عن غيرها من الخطط في المعارك الأخرى، ومن الواضح في معارك الجيش الإسلامي الكثيرة، ومواقعه المتعددة أنه يعتمد خطة الهجوم على الجيوش الفارسية في مواقعها، لكن هذه المرة يأمر عمر بن الخطاب الجيش أن يبقى في القادسية ولا يتركها؛ لخوفه من الإعداد الضخم الذي يُعِدُّه الفرس لهذه المعركة، ويحرص على عدم توغل المسلمين في الأراضي الفارسية؛ حفاظًا عليهم من الهلكة.


    الغارات التموينية والوصية العمرية
    كان وصول سعد "عذيب الهجانات" في منتصف صفر 15هـ، وعسكر فيها ما يقرب من شهر، وإذا نظرنا إلى العدد الكبير للجيش الإسلامي (32 ألفاً من الجنود)، نجد أنهم كانوا بحاجة دائمة إلى التموينات، وإذا أرادوا أن يأكلوا لحوماً مثلاً كانت الناقة تكفي مائة جندي، ففي اليوم يحتاج إلى 320 من الجمال، فالجيش إذن يحتاج إلى تمويل ضخم جدّاً، وعمر بن الخطاب يموِّن الجيش من بيت مال المسلمين، لكن مهما كان حجم ما يأتي من المدينة فلا شك أنه سيكون أقل من حاجة الجيش، وهناك نقص كبير في اللحوم خاصةً، فكلما طالت مدة انتظار الفرس كلما زاد العبء على المسلمين، فبدأ المسلمون بعمل ما يُسمَّى بالغارات التموينية تحفيزاً لإسراع الفرس في القدوم للحرب، وفي الوقت نفسه يتمُّ تموين الجيش من خلال هذه الغارات.
    أمر سعد الطلائع والمقدمة بعمل هذه الغارات، وأرسل زهرة بن الحُوِيَّة - وهو في "عذيب الهجانات" - فرقة من طلائعه إلى مكان يُسمَّى صِنَّينَ (وهي على بعد 10 إلى 15 كم من الحيرة)، وعلى رأس الفرقة التي لا تتعدى الثلاثين فارساً بكير بن عبد الله، وتصل الفرقة إلى "صنين" فيسمعون أصوات عُرسٍ لأحد أمراء فارس، ولا شك أن في العرس هدايا ثمينة يهديها الأمراء بعضهم لبعض في هذه المناسبات إلى جانب الماشية والأغنام والإبل وغير ذلك، وينتظر بشير بن عبد الله في وسط الغابات التي كانت منتشرة في تلك المنطقة، وعند مرور العرس ووصول الحامية التي ترافق العرس هجمت الفرقة عليهم؛ ففروا في كل وجهة وتركوا العُرسَ بما فيه، وسبى المسلمون العروسَ والتوابع، وأخذوا الغنائم وعادوا بها، وقبل أن يَصِلُوا كبَّروا، فقال سعد لجنوده: أقسم أن هذه تكبيرة قومٍ عُرفت فيهم العز.
    فكانت هذه أول الغارات التموينية للمسلمين، وكان فيها إهانة كبيرة لأحد أمراء فارس في زواجه، وبدأ أهل تلك المنطقة يراسلون يزدجرد في المدائن ويخبروه أن جيوش المسلمين على مقربة.
    ثم أرسل زهرةُ بن الحُوِيَّة عاصمَ بن عمرو التميمي - وكان قائداً للمؤخرة - نظراً لشجاعته - إلى منطقة "مَيْسان" شرق الفرات، ووجدوا مجموعة كبيرة من الفلاحين، ولكن دون أن يكون معهم أغنام، فتعجبوا من هذا الأمر وهو عدم وجود إبل وماشية في هذه المنطقة الزراعية، فقام أحد الفلاحين وقال: والله ما في هذا المكان من إبل ولا ماشية قَطُّ. فخار ثور ساعتها يكذب الراعي، وذهب المسلمون إلى مصدر الصوت في وسط الغابات الكثيفة، فوجدوا أعداداً كبيرة من المواشي، وساقوها للجيش، وسُمِّيَ هذا اليوم بيوم "الأباقر" من كثرة ما أخذوا فيه من البقر، وكان في هذا تموين للجيش فترة كبيرة.
    وأرسل الأمراء على الفور إلى يزدجرد، وبدأ الفرس يتأثرون ويتحمسون لوقف المسلمين عن شن هذه الغارات التي تقلقهم كثيراً.
    في هذا التوقيت أرسل عمر بن الخطاب بعد أن علم بهذه الأحداث - الغارات التموينية - وبعد أن خشي من اندفاع المسلمين لقتال الفرس في أراضيهم، فقال: "الصبرَ الصبرَ، فإن المعونة تأتي من الله على قدر النية، والأجر على قدر الجهد، والحذرَ الحذرَ على ما أنت عليه، وما أنت بسبيله، واسألوا الله العافيةَ، وأكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وخَفِ اللهَ وارْجُهُ، ولا تغترَّ بشيء. واعلم أن الله قد وعدكم، وتوكَّل لهذا الأمر، فاحذر أن تصرفه عنك فيستبدل بكم غيركم، وصفْ لي مساكنكم كأني أراها، واجعلني من أمركم على الجلية".
    وأرسل سعد بن أبي وقاص رسالة إلى عمر بن الخطاب يصف له القادسية، يقول:
    "القادسية مكان بين نهر العتيق وخندق سابور". القادسية هي مكان يقع في الجنوب الغربي للحيرة على أبواب الصحراء، ونهر العتيق هو أحد روافد نهر الفرات يخرج منه متجهاً إلى الغرب، وخندق سابور يقع جنوبي منطقة القادسية، وهو خندق قديم للفرس يحاصر معظم غرب العراق، وفيه بعض الأماكن التي يمكن العبور منها، لكن على كلٍّ منها حصنٌ عظيم لمنع عبور أي مجموعة، وأمام القنطرة الرئيسية للخندق يقع حصن يُسمى (قديس).
    ثم يقول سعد: "وعن يمين منطقة القادسية فيض من فيوضهم (أي بحيرة تصل من نهر العتيق وحتى خندق سابور)، وفي شمال القادسية بحر أخضر"، أي مستنقع به ماء وشجر كثير.
    وعندما وصلت الرسالة إلى عمر قال له: "الزم مكانك".
    ثم يقول له: "إذا منحك الله أكتافهم، فلا تتركهم حتى تغزو المدائن؛ فإن في ذلك خرابها، والوفاءَ الوفاءَ، فإن الخطأ في الغدر هلكة (أي يوصيه بالوفاء لأهل القرى التي ما زالت على صلحها مع المسلمين)، وفيه (أي الغدر) وَهَنُكم وقوة عدوكم، واحذروا أن تكونوا شينًا على المسلمين".
    بعد أن سيطرت الطلائع والمقدمة على حصن قديس، كان الجيش الإسلامي ما زال في مكانه لم يعبر خندق سابور بعد، وإن كان في نيته العبور.
    وتعلم المخابرات الإسلامية أن رستم على رأس الجيش، فيرسل سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب أن الفرس يُعِدُّون لنا جيشاً لم نسمع عنه من قبل، على رأسه رستم ومن شابهه.
    وقد كان على رأس مقدمة جيش فارس جالينوس وهو أحد القادة الكبار، وكان قوام المقدمة 40 ألفًا، أي أن مقدمة الفرس وحدها تزيد على كل الجيش المسلم بثمانية آلاف، ومن بين القواد أيضاً بهمن جاذويه الذي انتصر على المسلمين في الموقعة الوحيدة التي انتصر فيها الفُرْسُ (الجسر).
    وردَّ عليه عمر بن الخطاب قائلاً له: "لا يَفْرِيَنَّك ما يأتيك عنهم، ولا ما يأتونك به، واستعن بالله وتَوَكَّلْ عليه". ثم يقول له: "وابعث إليهم رجالاً من أهل الرأي يدعونهم إلى الإسلام؛ فإن في ذلك وهنًا لهم".
    وفدٌ عزيزٌ بدينه
    نرى في هذا الموقف حرص عمر بن الخطاب على الدعوة إلى الإسلام حتى في هذه الظروف، وإضافة إلى تبليغهم دعوة الإسلام تُرهَب نفوسُهم من جرأة المسلمين عليهم.
    وبدأ سعد في انتقاء الوفد الذي يقابل يزدجرد الثالث كسرى فارس، ومرَّ على الجيش كله، وانتقى 14 رجلاً؛ سبعة من أهل الرأي وسبعة من أهل المهابة.
    يقول الرواة: إن الأربعة عشر رجلاً كانوا جميعاً أصحاب هيئة وجسامة، وكانوا جميعاً يزيدون في طولهم على المترين، وعلى رأسهم النعمان بن مُقَرِّن الصحابي الجليل الذي أسلم في العام الخامس الهجري، وأول مشاهده غزوة الأحزاب، وأسلم هو وإخوته جميعاً -عشرة إخوة- وشاركوا في فتح فارس، وكان عبد الله بن مسعود يقول: إن للنفاق بيوتاً، وإن للإيمان بيوتاً، وإن بيت بني مُقَرِّن لمن بيوت الإيمان، وفيهم نزل قول الله تعالى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 99].
    فكان النعمان على رأس هذا الوفد، وكان رجلاً ذا مقالة، ومعه بُسر بن أبي رُهم.. وفي الوفد حنظلة بن الربيع، وكان من خطباء الجاهلية والإسلام، وسُمِّيَ حنظلة الكاتب، وفرات بن حيان، وكان أكثر العرب خبرة بالطرق، وكان قد أسلم في العام الثاني للهجرة. ومع الوفد أيضاً المغيرة بن زرارة أحد صحابة النبي، ومن أصحاب المقالة أيضاً في الجاهلية والإسلام، وعدي بن سهيل وهذا الاسم غير معروف، ويبدو أنه سهيل بن عدي، ولعله نُقِلَ خطأً، حسب ما ذكره الدكتور وفي الوفد أيضاً حَمَلة بن جُويَّة.
    وكان على رأس أهل المهابة والقوة في الجسد عاصم بن عمرو التميمي أخو القعقاع بن عمرو التميمي، والمُعَنَّى بن حارثة أخو المثنَّى رضي الله عنهما، وعطارد بن حاجب، وهذا الرجل هو الوحيد الذي دخل قبل ذلك إيوان كسرى، وعمرو بن معد يكرب، وكان من أشهر فرسان العرب، وكان قد فقد إحدى عينيه في سبيل الله، وكان عمر بن الخطاب يسأل: أي سيوف العرب أمضى؟، قالوا: صمصامة، وهي صفة من صفات سيف عمرو بن معديكرب، فأرسل له: أن أرسل لي سيفك. فأرسله له، فأمسك به عمر بن الخطاب وضرب به فوجده على غير ما كان يتوقع من القوة والمتانة، فأرسل إليه: والله كنا نظن سيفك على أحسن من هذا. فقال له: والله يا أمير المؤمنين لقد أرسلت إليك بالسيف، ولم أرسل إليك بالساعد الذي يضرب بالسيف.
    وفي الوفد المغيرة بن شعبة الحارس الشخصي للرسول، والأشعث بن قيس، والحارث بن حسان أشهر فارس في قبيلة كندة. واختير لهم أفضل أربعة عشر من الخيول، ولبسوا أفضل اللباس، وخرجوا جميعاً لمقابلة يزدجرد ودعوته إلى الإسلام.
    وعلم الفرس بقدومهم، فخرج الشعب الفارسي ليشاهد هؤلاء العرب الذي كانوا يعتقدون أنهم أعراب أجلاف ليس لهم في الحرب شيء.
    تقول إحدى النساء اللائي أسلمن بعد ذلك: فوقفنا ننظر إليهم، والله ما رأينا أربعة عشر مثلهم قَطُّ يعادَلون بألف، وإن خيولهم لتنفث غضباً وتضرب في الأرض، ووقعت في قلوبنا المهابة وتشاءمنا.
    وأرسل يزدجرد إلى أهل الرأي يستشيرهم في مقابلة الرسل المسلمين أم لا، فأشاروا عليه أن يقابلهم، فأمر يزدجرد بدخول الوفد عليه والحديث معه.
    عندما شاهد أهل فارس هذا المنظر تشاءموا من القوة الإسلامية، وبدءوا ينتظرون ما سيفعله هؤلاء المسلمون الأربعة عشر، وهؤلاء المسلمون هم الذين أذاقوهم الويل، وفي خلال شهور معدودة استطاعوا أن يجتاحوا أرض فارس كلها.
    وعلم يزدجرد أن الوفد واقف على باب إيوان كسرى، وإيوان كسرى هذا عبارة عن مساحة ضخمة جدّاً من الأرض حولها سور عالٍ، وهذا السور لا يستطيع أحد خارجه أن يرى ما بداخل القصر؛ فالسور عالٍ وبداخله قصر، وحول القصر حديقة هائلة، فدخلوا بخيولهم حتى وصلوا إلى باب القصر، فنزلوا عن خيولهم، وتَرَجَّلوا حتى وصلوا إلى باب الغرفة الكبيرة الموجود فيها كرسي العرش ليزدجرد كسرى فارس، ودخل الأربعة عشر فارساً من المسلمين على كسرى فارس، وكان عطارد بن حاجب قد دخل هذا الإيوان من قبل على كسرى فارس، فأخذ يشرح لهم ما سيشاهدونه داخل الإيوان حتى لا يفاجأوا بالمنظر الذي سيرونه بالداخل، وبالفعل لم يظهر عليهم أي مفاجأة على عكس ما توقع أهل فارس.
    وهذه الحجرة عبارة عن حجرة فسيحة جدّاً، على أرضيتها سجادة هي أكبر سجادة في التاريخ، فمساحتها ضخمة جدّاً تُقدَّرُ بأكثر من ستين متراً عرضاً، وأكثر من ثمانين متراً طولاً، والسجادة نفسها بالإضافة إلى أنها مصنوعة من نوعيات فخمة جدّاً من النسيج إلا أنها مرصعة بالجواهر، وهذه السجادة هي التي غنمها المسلمون بعد موقعة المدائن، وأرسلوها لسيدنا عمر بن الخطاب في المدينة، فلم يستطع أن يتصرف فيها، فما الذي يفعله بسجادة مرصعة بالجواهر؟، فضلاً عن أن المسلمين لم يكونوا - وقتئذٍ - من أهل الاحتفاظ بهذه الأشياء، ولم يكن للدنيا عندهم وزن أو قيمة.
    ولقد خشي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أن يأتي أحد أمراء المسلمين بعد قرونٍ أو أعوامٍ، فيطمع في مثل هذه السجادة فيأخذها لنفسه، فأشار عليه علي بن أبي طالب أن يقطعها إلى أجزاء؛ فيقول علي بن أبي طالب: "فكان لي نصيب منها بِعْتُه بعشرين ألف درهم".
    حوار مع كسرى
    دخل الوفد المسلم ورأى هذا المنظر، وحول يزدجرد الحاشية في نصف دائرة، وأقرب شخص له على بعد ثلاثة أمتار، وحوله الوسائد الموشاة بالذهب، وكل الحاشية واقفة في هذا المجلس في خضوع تام؛ وذلك لإيقاع الرهبة في قلوب المسلمين فيُجبُنوا، ولكن المسلمين دخلوا - ولم يكن هذا الأمر في خاطرهم - حتى وصلوا إلى مسافة من يزدجرد، فطلب من ترجمان له أن يسألهم عن هذا اللباس الذي يلبسونه فسألهم؟، فقال أحد المسلمين: هذا نسميه رداءً. وكانت هذه الكلمة في نطقها تشبه كلمة هلاك بالفارسية؛ فلذلك عندما نطقوا بها غضب يزدجرد على الفور وبدأ يزمجر، ففهم المغيرة بن شعبة، وكان يعرف الفارسية، فقال لهم: إنه يقول لهم: يا للشؤم، أول كلمة قالوها: هلاك. فقال: هلاكٌ للفُرس.
    ثم قال: وما الذي تحملونه في أيديكم؟، فقالوا: سوط. وكان كل مسلم في يده سوط صغير، فغضب أكثر، فقال لهم المغيرة: إن كلمة سوط في الفارسية تعني حريقًا. فقال يزدجرد: حريق يحرق فارس، أحرقهم الله، فهذا أول استهلال في المقابلة، ولم يكن من ترتيب المسلمين، ولكن أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب.
    فهذا الاستهلال استهلال تافه جدّاً من رئيس دولة عظيمة مثل دولة الفرس؛ يجلس فيعلق على كلمة سوط وكلمة رداء، ويتشاءم منهما ويغضب، فهذا تصرف صبياني المفروض ألا يتأتى من كسرى فارس، ولكن كانت هذه طبيعة الأمة الفارسية، فقد كان التشاؤم فيها له باع طويل. المهم كانت هذه البداية في صف المسلمين، وكسب المسلمون جولة بسهولة بالغة، ولمَّا يدخلوا بَعْدُ في حرب مع الفرس.
    ثم بدأ يزدجرد الحديث، وقال لهم: ما دعاكم إلى الولوغ إلى أرضنا، والولوع بها؟ أَمِنْ أجل عددٍ لَحِقَ بكم اجترأتم علينا؟ أي عندما شعرتم بالكثرة تجرأتم علينا وبدأتم في الدخول في أرضنا. فتشاور المسلمون فيمن يتحدث باسمهم، فاتفقوا على النعمان بن مقرن.
    فقام النعمان بن مقرن لكي يرد على يزدجرد، والنعمان بن مقرن هو أمير الوفد، فبدأ يلخص له قصة الإسلام وقصة المسلمين في حوار قصير، ويخبره بالهدف الأسمى الذي قَدِموا من أجله؛ فقال له: "إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير، ويأمرنا به، ويدلنا على الشر وينهانا عنه، فلم يدعُ إلى ذلك قبيلة إلا انقسمت هذه القبيلة إلى فرقتين: فرقة تباعده، وفرقة تقاربه، وظلت هذه الحال إلى فترة حتى دخل معه بعض العرب، ثم أمره الله أن ينبذ إلى من خالفه من العرب، فدخلوا معه في دينه على فرقتين: طائع أتاه فازداد (أي: شخص دخل في الإسلام عن رغبة فازداد من الخير)، ومُكْرَهٍ عليه (أي: وآخر دخله لأن القوة والغلبة أصبحت للإسلام)، فدخل في الإسلام فاغتبط (أي بعدما دخل مكرهًا فرح بما دخل فيه من الإسلام)، فعرفنا فضل ما جاء به من الإسلام على ما كنا عليه. ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم، فندعوهم إلى الإسلام، ونحن ندعوكم إلى الإسلام وهو دينٌ حسَّن الحَسَنَ كُلَّه، وقَبَّح القبيحَ كلَّه. فنحن ندعوكم إلى هذا الدين، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شرٌّ منه (أي: إذا رفضتم الإسلام فليس أمامكم سوى اختيارين: اختيار شر هو شر لكم، أي سترونه ولا يعجبكم وهو الجزية ونمنعكم)، وأما الآخر الذي هو شرٌّ منه فهو المناجزة، فنحن ندعوكم إلى ثلاث: إما أن تُسلِمُوا، وإما أن تدفعوا الجزية، وإما أن نقاتلكم حتى يخلِّي الله بيننا وبينكم".
    جرح هذا الكلام كبرياء يزدجرد وهو أمام حاشيته، فلم يكن يتخيل أن رجلاً من العرب المسلمين يخاطبه بهذه اللهجة؛ فتلكم يزدجر فقال: "إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بين منكم. قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم لا تغزوكم فارس ولا تطعمون أن تقوموا لهم، فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعا كم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم". وهذا يدل على أن كسرى لم يفهم الرسالة التي كانت موجهة إليه من المسلمين.
    فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي، فقال: "أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف، وإنما يكرم الأشراف الأشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ويفخم الأشراف الأشراف، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك أنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً؛ فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، فنرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، ويغير بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك. فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا، وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى أمر فلم يجبه إلا واحد، قال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا؛ فكان معه صِدِّيقٌ ورِدْءٌ. ثم كان الخليفة من بعده وهو سيدنا أبو بكر الصديق، فظل على هذه الحال يدعونا حتى وقع الإسلام في قلوبنا، فآمنا به وصدقناه، وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الحق، ثم قال لنا: إن الله يقول لكم: إنني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، كنتُ إذ لم يكن شيءٌ، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقتُ كُلَّ شيء وإليَّ يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم؛ فبعثت إليكم هذا الرجل، لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دارَ السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق".
    وقال له المغيرة:"إن الرسول يقول: إن الله يقول لنا: إنه من تابعكم على هذا الدين فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أَبَى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحَكَمُ بينكم: فمن قُتِلَ منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه".
    ثم قال له المغيرة بن زرارة بعد أن انتهى من هذه المقالة: "فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تُسْلِم فتنجي نفسك".
    مُنتهى القوة والعزة في الكلام والمترجِم يترجم هذا الكلام ثم جاء عند كلمة (صاغر) فلم يعرف ترجمتها، فنقلها كما هي، فقال: (صاغر). فسأل يزدجرد: ما معنى صاغر؟، فقال له المغيرة بن زرارة: أن تعطي الجزية ونرفضها، فتعطيها فنرفضها، فترجونا أن نقبلها، فنقبلها منك.
    وهذا منتهى الذل في إعطاء الجزية، وبالطبع هذا الكلام كله مقصود به في المقام الأول الدعوة للإسلام، أما المقصد الثاني وهو الهدف المقصود من هذه الزيارة فأن يَفُتَّ في عَضُدِ الفُرس، ويُلقى الرعب في قلوبهم، وهذا الكلام كله حرب معنوية شديدة على أهل فارس.
    وغضب يزدجرد؛ فوقف وقال له: أتستقبلني بمثل هذا؟، فقال المغيرة بن زرارة: إنك الذي كلمتني، ولو كان كلمني غيرُك لاستقبلته به. فغضب كسرى ونادى على حاشيته لتقترب منه، لكي يأمرهم بأمر شديد.
    ثم قال كسرى للمسلمين: من أشرفُكم؟، فتقدم عاصم بن عمرو التميمي، وقد ظن أنه سيُقتَل، وقال: أنا أشرفهم. فدعا يزدجرد بوِقْرٍ من تراب (أي وعاء) وقال: ضَعُوه على رأسه. فوضعوه على رأس عاصم بن عمرو التميمي، ثم كرر عليه: أأنت أشرفهم؟، فقال: نعم، أنا أشرفهم. ثم قال لهم يزدجرد: "لولا أن الرسل لا تُقتَل لقتلتكم، اذهبوا لا شيء لكم عندي".
    وخرج الوفد بسرعة من إيوان كسرى إلى سعد بن أبي وقاص، وهم فرحون مستبشرون، وعلى رأس عاصم بن عمرو التميمي التراب، وبالرغم من ذلك فهو يضحك مستبشراً ويقول للوفد الذين بصحبته: أعطَوْنا أرض فارس (لأن هذا التراب رمز لأرض فارس) فمَلَّكنا الله أرضهم.
    وعاد يبشر المسلمين أنهم أُعطوا أرض فارس، ثم جاء بعد ذلك رستم، ولم يكن حاضراً هذا اللقاء، فدخل على يزدجرد، وقال له: ماذا رأيت؟، فقال: والله رأيت قوماً ما رأيت مثلهم من قبل، ولم أكن أعلم أن العرب فيهم مثل ذلك، ولكن أشرفهم كان أحمقهم. فقال له: لِمَ؟ قال: سألته من أشرفهم؟ حتى أحمله وِقْراً من تراب، فقال: أنا. وكان يستطيع أن يتَّقِيني، وأنا لا أعلم. فقال رستم: بل هو أعقلهم. فقال له: لِمَ؟؛ قال: لأنك أعطيته أرض فارس، يَا للشُّؤم.
    وعندما سمع يزدجرد هذه الكلمة ربطها بفكرة الشُّؤم، وأنه أعطاهم أرض فارس، وعلى الفور أرسل فرقة تلحق بالمسلمين؛ لكي يقبضوا على الأربعة عشر، ويأخذوا منهم وِقْرَ التراب فقط ويتركوهم، ولكن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى معسكرهم، فأفلتوا منهم. فانظر كيف يُلقِي الله الرعب في قلوب أهل فارس، حتى وإن كان المسلمون أنفسهم لم يفعلوا شيئاً يقتضي مثل هذه التبعات التي تحدث في قلوب أهل فارس.
    ساعة الانتظار
    بعد ما حدث بقي المسلمون في القادسية ينتظرون جيش الفرس أن يأتي من المدائن، ونحن نعلم أن المسلمين لا يرغبون في ترك القادسية والدخول في أرض فارس؛ لأنهم يريدون أن يأتي جيش الفرس إلى أبواب الصحراء، وفي هذه الأثناء تخرج كتيبة أخرى من كتائب المسلمين لتزويد المسلمين بالغنائم والزاد، فيغيرون على منطقة بعيدة عن القادسية بحوالي أربعين إلى خمسين كيلو متراً، ويأخذون من الغنائم مجموعة كبيرة جدّاً من الماشية، وهذه الماشية محمَّل عليها أكياس كثيرة مغلقة، واكتشفوا أن هذه الأكياس مليئة بالأسماك الطازجة، وكان العرب في الجزيرة يسمون السمكة حوتاً، فسموا هذا اليوم بيوم الحيتان.
    وبالطبع كان هذا رزقاً غريباً لأهل القادسية، ثم أغاروا غارة أخرى على بعد مائتين وخمسين كيلو متراً من القادسية، وعلى الرغم من هذه المسافة الطويلة إلا أنهم استطاعوا أن يحصلوا على غنيمة كبيرة جدّاً من الإبل، وسمِّي هذا اليومُ بيوم الإبل، وقبل ذلك كان يوم الأباقر، فقد غنموا فيه غنيمة عظيمة من البقر.
    وتقدمت مقدمة الجيش الفارسي من المدائن إلى النجف، ويعسكر رستم في ساباط فترة، ويرسل الرسائل إلى كسرى يطلب منه أن يظل الجالينوس على قيادة الجيوش، ويرجع هو إلى المدائن، ولكن كسرى يرفض فيُضْطَرَّ رستم أن يتقدم بالجيوش من ساباط إلى كوثِي ويعسكر فيها فترة، ثم يرسل رسالة إلى الجالينوس يقول فيه: أَصِبْ لي رجلاً من المسلمين. أي تَصَيَّد لي رجلاً من المسلمين أتحدث معه، وأعرف منه أخبار الجيش الإسلامي؛ فيرسل الجالينوس وهو في النجف فرقةً من مائة فارس من أجل أن يصطاد مسلماً واحداً على حدود قنطرة على نهر العتيق الذي يحيط بالقادسية، ولكن تقف على القنطرة فرقة من المسلمين تحمي هذه القنطرة من الجانب الغربي، وكان رجل من المسلمين قد عبر هذه القنطرة ووقف في الجانب الشرقي من القادسية من نهر العتيق، فاستطاع هؤلاء المائة أن يخطفوه، وأخذوه وهربوا به.
    وقد رأى المسلمون هذا الحادث، فاتبعوا مائة الفارس وهذا الرجل المسلم، واستطاع المسلمون أن يلحقوا بمؤخرة هؤلاء الجنود من الفرس، وقتلوا منهم ما بين العشرين والثلاثين، ولكن استطاع بقية هؤلاء الفرسان أن يهربوا بهذا المسلم إلى أن وصلوا به إلى كوثِي ليقابل رستم.
    مفهوم الجهاد عند المسلمين
    أظهر الجندي المسلم البسيط - الذي أسره الفرس ولا يعرف أحد اسمه – كيف كان الصحابة يفهمون الجهاد، ففي الحوار الذي دار بينه وبين رستم نعلم مفهوم الجهاد عند المسلمين؛ فهم ليسوا مجرد أناس مجندين في الجيش، أو منساقين إلى الحرب، ولكنهم يقاتلون عن عقيدة. فقد قال له رستم: ما جاء بكم؟ وما تطلبون؟، فيقول له هذا الرجل المسلم: جئنا نبحث عن موعود الله.
    فقال له: وما موعود الله؟، فقال له: موعود الله أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تُسلِمُوا.
    هذا الرجل يخاطب رستم أعظم قائد في قواد الفرس، وهو جندي أسير مخطوف وليس رسولاً؛ فالرسول يتكلم بحرية؛ لأنه مطمئن أنه لا يُقتَل؛ لأن الرسل لا تُقتل.
    فقال له رستم: وإن قُتِلتم قبلَ ذلك؟، فقال له: من قُتِلَ منَّا دخل الجنة، ومن بقي منا أُنجِزَ له الوعدُ.
    فقال له: قد وُضِعْنَا إذن في أيديكم، وضحك.
    فقال له الجندي المسلم: وَيْحك رستم، وَضَعَتْكم أعمالُكم في أيدينا.
    هذا الجندي المسلم عنده مفهوم واضح جدّاً لفكرة الجهاد في سبيل الله، فهو يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله بحثًا عن الجنة، هذا هو موعود الله، وعنده مفهوم آخر - وهو واضح أيضاً - إما أن ينتصر في المعركة، وإما أن يُستشهدَ فيدخل الجنة، أما أن يُغلبَ أو يُهزم فهذا ليس نهاية المطاف عند المسلمين، فإذن كما قال رستم: قد وُضِعَ الفُرْسُ في أيدي المسلمين.
    ثم تقدم رستم بعد ذلك من منطقه كوثِي إلى قرية تُسمَّى (بُرْس)، وهي قرية فارسية وجميع أهلها من الفُرْسِ، ولكن الجيش الفارسي عندما نزل بها عاث فيها فساداً؛ فدخل البيوت وأصاب ما بها من الأموال والطعام وأصاب منهم النساء، وهؤلاء جميعهم من الفرس - الجيش الفارسي وسكان القرية - فضجَّ أهل القرية بالشكوى إلى رستم، وقالوا له: إن جيشك فعل كذا وكذا. فقام رستم يخطب في الناس، وقال لهم: واللهِ لقد صدق العربيُّ: أعمالنا وضعتنا في أيديهم، إننا كُنَّا نُنصَرُ بالوفاء لأهلنا، والوفاء لجوارنا، فكيف بكم وقد فعلتم بهم ما لم يفعله العرب؟.
    اعترف رستم بأن فِعْلَ الجيش الفارسي هذا هو الذي وضعهم في أيدي المسلمين، ثم يتقدم رستم بجيشه من برس حتى يصل إلى النجف حيث يكون الجالينوس منتظراً إياه، ويصل الجيش كله إلى النجف في حوالي أربعة أشهر ونصف.
    وتخيَّلْ هذه المدة الطويلة، مع العلم أن المسافة من المدائن إلى النجف مائة وخمسة وثمانون كيلو متراً، قطعها الجيش الفارسي في أربعة شهور ونصف بمعدل كيلو ونصف في اليوم. أما المسلمون فقد كانوا يقطعون مسافة أربعين أو خمسين كيلو متراً في اليوم، أما خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة فقد كانا من الممكن أن يقطعا مائة كيلو مترٍ في اليوم بدون راحة، لكن هؤلاء الفرس كانوا يسيرون سير السلاحف، فكلما وصل رستم إلى مكان عسكر فيه، ثم يرسل إلى يزدجرد: أقاتل أم أرجع؟؛ لأنه لم يكن راغباً في القتال، بل يود لو أن يزدجرد أمره بالعودة، فهو متردد، إضافة إلى أن الجيش كله تسري فيه روح التباطُؤ.
    حوار ربعي بن عامر مع رستم
    أرسل رستم يطلب من المسلمين وفداً للحديث معه (فهو يود الصلح ويبحث عن ثغرة تتم بها المصالحة، أو أية وسيلة أخرى يرجع بها الجيش المسلم دون الدخول معه في حرب)؛ فيخبر زهرة بن الحُوِيَّة سعد بن أبي وقاص بذلك، فيجمع سعد بن أبي وقاص مجلس حربه، ويقول لهم: إنني سأرسل له وفداً عظيماً من أصحاب الرأي، كما أرسلت من قبل ليزدجرد؛ ليقيم عليه الحُجَّة، ويدعوه إلى الإسلام. فيقول ربعي بن عامر: إن هؤلاء القوم قوم تباهٍ، وإننا لو فعلنا ذلك يرون أننا قد اعتددنا بهم (أي: جعلنا لهم مكانة عظيمة، وأقمنا لهم الهيبة ونحن خائفون منهم)، ولكني أرى أن ترسل لهم واحداً فقط؛ فيشعروا أننا غيرُ مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم.
    فتجادل معه القوم، ولكنه ظل يجادلهم حتى قال سعد: ومن نرسل؟، فقال ربعي: سَرِّحوني. أي: دعوني أذهب إليه أكلمه؛ وعندما وافق سعد وافق بقية القوم، ووقع في قلوبهم الرضا، وذهب ربعي بن عامر ليقابل رستم. وربعي هذا لم يكن من قواد الجيوش الإسلامية، ولكنه سيد في قومه، وانطلق ربعي على فرسه الصغير ذي الذيل القصير، وهذا شيء تُهَانُ به الخيولُ، ولبس ثياباً بسيطة، وهذا لباسه منذ أن قدم للقتال؛ فذهب به لمقابلة رستم، وربط سيفه في وسطه بشيء غنمه من الفُرْسِ، وبالطبع هم يعرفون شكل لباسهم (وفي هذا إذلال لهم كأنه يقول لهم: ما كان في أيديكم بالأمس أصبح اليوم في يدي، وهذا أمر يؤثر في أنفسهم كثيراً)، وحمل فوق ظهره السهام، وفي مِنطَقته السيف، وله جحفة من جريد النخل مثل التُّرس يتقي بها السهام، وكانت دروع الفُرس من الحديد القوي، وكان يلبس من الدروع درعاً حديدية تغطي نصفه الأعلى، وكان من أطول العرب شَعراً وقد ضفَّره في أربع ضفائر، فكانت كقرون الوعل، ودخل عليهم بهذا المنظر غير المعتاد بالنسبة لهم؛ فدخل بفرسه ووقف على باب خيمة رستم، فطلب منه القوم أن ينزع سلاحه، فقال: لا، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رَجعتُ.
    فأخبروا رستم بذلك، فقال: ائذنوا له بالدخول. فدخل بفرسه على البُسُطِ الممتدة أمامه، وهي طويلة جدّاً، يتراوح طولها ما بين مائة وخمسة وستين متراً إلى مائة وخمسة وثمانين متراً، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد المُوَشَّاة بالذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، وهذا يُوحِي بأن هذه الأشياء ليست بذات قيمة عنده، وفي هذا أيضاً إذلال للفرس، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، ولم يترك بساطًاً في طريقه إلا قطعه، ووقف أهل فارس في صمت، وكذلك رستم، وبينما هم يفكرون في جلوسه جلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه.
    وبدأ رستم بالكلام؛ فقال له: ما دعاك لهذا؟ أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟، فقال له: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم.
    فقال له رستم: ما جاء بكم؟، فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة (هذا هو المفهوم عند ربعي بن عامر، وعند الجيش المسلم في معظم الأحاديث التي دارت: أن الله قد ابتعث هذه الطائفة؛ لتقوم بمهمة وليست للبحث عن الغنائم، أو الطغيان في البلاد)، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر.
    فقال له رستم: قد تموتون قبل ذلك. فقال: وعدنا الله أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا.
    فقال له رستم: قد سمعت مقالتك (أي فهمت مقصدك)، فهل لك أن تؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟، فقال له: نعم، أعطيك كم تحب: يوماً أو يومين؟، فقال له رستم: لا، ولكن أعطني أكثر؛ إنني أخاطب قومي في المدائن.
    فقال: إن رسول الله قد سنَّ لنا أن لا نمكن آذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث (أي ثلاثة أيام فقط حتى لا يتمكنوا منا ويتداركوا أمرهم)، فإني أعطيك ثلاثة أيام بعدها اختر الإسلام ونرجع عنك أو الجزية، وإن كنت لنصرنا محتاجاً نصرناك، وإن كنت عن نصرنا غنيّاً رجعنا عنك، أو المنابذة في اليوم الرابع، وأنا كفيل لك عن قومي أن لا نبدأك بالقتال إلا في اليوم الرابع، إلا إذا بدأتنا (أي: أنا ضامن لك أن لا يحاربك المسلمون إلا في اليوم الرابع).
    فقال له رستم: أسيِّدُهم أنت؟، فقال له: لا، بل أنا رجل من الجيش، ولكنَّ أدنانا يجير على أعلانا. فهو يقصد أن أقل رجل منا إذا قال كلمة، أو وعد وعداً لا بُدَّ وأن ينفذه أعلاناً.. هكذا قال له ربعي بن عامر، ثم تركه وانصرف.
    وعاد رستم يُكلِّم حاشيته مرة أخرى، ويقول لهم: أرأيتم من مَنطِقِه؟! (أي: كيف يتحدث؟) أرأيتم من قوته؟، أرأيتم من ثقته؟، يخاطب قومه ليستميلهم إلى عقد صلح مع المسلمين؛ وبذلك يتجنب الدخول معهم في حرب، ولكنهم رفضوا ولجُّوا، وقالوا له: إنك تجبن.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: تقرير: موقعة القادسية.. دروس وعبر في مواجهة المحن

    حذيفة بن محصن يخاطب رستم
    في اليوم التالي يبعث رستم برسالة إلى زهرة بن الحُوِيَّة يقول له: أرْسِلْ إلينا الرجل الذي كان عندنا. فيرسل زهرة بذلك إلى سعد بن أبي وقاص، فيقول له سعد: بل أرسل له اليوم آخر. فيرسل له حذيفة بن محصن الذي كان قائد الجيش الثامن من جيوش حروب الردة التي ذهبت لقتال مرتدي عُمَان في عهد أبي بكر الصديق t، فيدخل عليه وهو راكب فرسه، فقالوا له: انزل من على فرسك. فقال: لا، والله لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت. نفس كلام ربعي بن عامر، ودخل حذيفة بجواده يمشي به على البُسط، وظل راكبًا حتى وصل إلى رستم. ولنا أن نتخيل هذا الموقف: حذيفة فوق حصانه يكلمه، فقال له: انزل. فقال: لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت. فقبل رستم أن يحدثه فوق حصانه، وهو يمشي على سريره المذهب!! وبدأ يخاطبه، فقال له: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبك؟ يقصد ربعي بن عامر، فقال له: إن أميرنا يعدل بيننا في الرخاء والشدة، وهذه نوبتي. أي أن كل واحدٍ في جيش المسلمين له دور، وهذا دوري، وأميرنا يوزع علينا الأمور بالتساوي. فقال له: ما جاء بكم؟ فقال له: إن الله مَنَّ علينا بدينه، وأرانا آياته فعرفناه، وكنَّا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث فأيُّها أجابوا قبلناه: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (أي الجزية) ونمنعكم إن أردتم ذلك، أو المنابذة. فقال له رستم: أو الموادعة إلى يوم ما؟ أي من الممكن أن تعطينا فرصة؛ فقال له: نَعَمْ، ثلاثة أيام. فقال: إذن تقاتلونا في اليوم الرابع. فقال: ثلاثة أيام من أمسِ (وهو اليوم الذي تحدث فيه مع ربعي بن عامر)؛ وعلى ذلك فقتالكم في اليوم الثالث.
    وعلى الفور اضْطَرب رستم اضطرابًا شديدًا، ونظر إلى قومه، فعلم القوم ما يدور في ذهنه (فهذان الاثنان متفقان في الرأي والتفكير، وهذا ما أوقع الرعب في قلبه)، فأراد رؤساء القوم أن يخففوا من هول الموقف عليه، وأن يُثبتوا له أن هؤلاء القوم ليس لهم قوة أو خبرة بالحروب؛ فقالوا لحذيفة بن محصن: ما هذا الذي تحمله؟! فأخرج سيفه كأنه شعلة من نار؛ فصرخ رستم في وجهه: أَغْمِدْه. فأغمده بعد أن رأى الرعب في أعينهم، ثم أقاموا له درعًا من دروعهم، فأطلق فيه سهمًا فخرقه، ثم أقام لهم جحفته وكانت من جريد النخل، فأطلقوا عليها سهامهم، فسلمت؛ فقال لهم: يا قوم فارس، إنكم عظَّمتم الطعام والشراب وعظمتم اللهو، ولم نعظمهم؛ فعَظَّمَنا الله وصغَّرَكُم. أي: كانت هذه الأشياء منتهى تفكيركم، ولم نكن نحن كذلك؛ فلذلك منحنا الله I قوة تجعل سهامنا تخترق أي درع من دروعكم، ولا تخترق سهامكم دروعنا حتى وإن كانت من جريد النخل؛ ثم رجع حذيفة بن محصن إلى المسلمين، وعاد رستم يجادل قومه مرة أخرى، كما جادلهم من قبل بعد حديث ربعي بن عامر.
    المغيرة بن شعبة يخاطب رستم:
    في اليوم الثالث يطلب رستم رجلاً آخر يتحدث معه، فيرسل له سيدنا سعد بن أبي وقاص سيدنا المغيرة بن شعبة. ونحن نعلم أن سيدنا المغيرة يعرف الفارسية، ولكنه لم يخبرهم بذلك، وجعل المترجم يمشي بينهم حتى يسمع ما يقولون، وينقل هذا الكلام إلى المسلمين بعد ذلك؛ فدخل عليه المغيرة بن شعبة -وكما ذكرنا من قبل رجل دخل عليه برمحه وقد خرق البسط في طريقه حتى وصل إليه، وآخر دخل بفرسه إلى أن انتهى إليه، وهذا قد ترك حصانه بالخارج؛ ففرحوا وظنوا أنه لم يكن مثلهما- وظل يمشي حتى وصل إليه، فجلس بجانبه على السرير المُذهَّب، فصرخوا في وجهه إذ الفُرْسُ جميعهم يقفون بعيدًا جدًّا عن رستم، وهذا يجلس بجانبه! هذا أمر لا يُصَدَّق؛ فقامت الحاشية بسرعة لكي تجذبه من مكانه، فقال لهم: أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب، وإلا رجعت. فقال لهم رستم: صدق. وتركه، فقال لهم المغيرة بن شعبة: واللهِ جلوسي جنب أميركم لم يزدني شرف، ولم ينقصه شيء، والله يا أهل فارس إنَّا كانت تبلغنا عنكم الأحلام (أي نسمع عنكم أنكم عقلاء)، ولكني أراكم أسفهَ قوم، وكان أجدرَ بكم أن تقولوا لنا إنما يعبد بعضكم بعضًا (أي أنتم في تقديسكم لرستم كأنكم تعبدوه)، ولكننا نتواسى ولا تتواسَوْا (أي: يُوجَدُ بيننا رحمة ومودة وألفة وهذا عكس ما أنتم عليه)، واللهِ الآن أدركتُ أن أمركم مضمحلٌّ، وأن أمر الغَلَبَة والملك لا يقوم على مثل ما أنتم عليه. فسمع الحاشية من خلفه وهي تقول: واللهِ صَدَقَ العربي. فأهل فارس والجند والحاشية يشعرون بهذا الكلام، فهم بالفعل كأنهم يعبدون رستم ويزدجرد والقادة، كما أن بداخلهم سخطًا شديدًا على هؤلاء القادة، ولكنهم لا يستطيعون أن يعلنوه، ثم أخذ الرؤساء يحدث بعضهم بعضًا يقولون: ما أحمقَ أَوَّلِينا (أي جدودنا) عندما كانوا يُصَغِّرُون أمر هذه الأمة!! فأراد رستم أن يخفف من تأثير أفعال الحاشية مع المغيرة حتى لا يغضب؛ فقال له: يا عربي، إن الحاشية قد تفعل شيئًا لا يرضى عنه الملك، ولكنه يتجاوز حتى لا يكسر حاشيته. ثم بدأ يسخر من سلاحه (وهذه آخر فرصة لرستم، فإذا خرج من عنده، ولم يحدث بينهما اتفاق، فالمعركة ستقع لا محالة؛ فقال في نفسه: إن المسلمين لا يوافقون على الصلح؛ فلأعمل على إضعاف قوتهم وعزيمتهم، وأحاول أن أخوِّفَهم)؛ فقال له: يا هذا، ما هذه المغازل التي تحملها؟ يقصد سهامه القصيرة التي تشبه مغازل الصوف في نظره، وكانت سهام الفرس طويلة جدًّا تعرف بالنشاب؛ فقال له المغيرة بن شعبة: ما ضَرَّ الجمرةَ أن لا تكون طويلة. أي أن كرة النار لا يضرها صغرُها، فإذا ألقيت على شخص قتلته وحققت الهدف منه، فليس بالضرورة أن تكون طويلة؛ ورماهم كما رماهم من قبلُ حُذَيفة، فأحضروا له درعًا من دروعهم، فرماه بسهم من سهامه التي يقولون عنها مغازل، فاخترقه، ولم تخترق سهامهم جحفته؛ فهَزَّ ذلك رستم، ثم حاول أن يتماسك، فقال له: ما بالي أرى سيفك رَثًّا؟ أي مظهره قديم وضعيف؛ فقال له: رَثُّ الكسوة، ولكنه حديد الضربة. ثم قال له: تتكلم أو أتكلم؟ فقال له: أنت دعوتني فتكلَّمْ. فتكلم رستم قائلاً: لم نزلْ متمكنين في الأرض، وظاهرين على الأعداء؛ نُنصر ولا يُنصر علينا إلا اليوم واليومين، والشهر والشهرين؛ لِلذُّنوب (سبحان الله! هذا مفهوم رستم عن القتال، وقد لا يكون عند كثير من المسلمين، فهو يعلم أنهم يهزمون بسبب كثرة اقترافهم للذنوب)، فإذا رضي الله عنا رَدَّ لنا بأسنا وجَاهَنَا، ومَلَّكنا على من ناوأنا (أي هذه طبيعتنا، فنحن نُنصرُ دائمًا، وقد نُغلب مرةً أو مرتين بسبب المعاصي، فلا تظن أن لك الغلبة)، أما أنتم فأهل قَشْفٍ، ومعيشةِ سوءٍ وجَهدٍ وشقاء، لا نراكم شيئًا، ولا نَعُدُّكم، وكانت إذا قحطت أرضكم أتيتمونا، فحملناكم وِقْرًا من تمر أو قمح، فرَضِيتم ورجعتم.
    ثم أخذ يشبه المسلمين وقوم فارس بقوله: وإنما مَثَلُكم كرجل له حائط (أي حديقة أو بستان)، فدخل فيه ثعلب من خرم أو ثقب في سور الحائط؛ فأخذ يأكل من الكَرْمِ (أي العنب الموجود في الحديقة)، فنظر الرجل (صاحب الحائط) إلى الثعلب، فقال: وما ثعلب؟ فأكل، ثم بدأ يعيث في الحديقة فسادًا: يأكل من هذا، ويفسد في هذا؛ فغضب الرجل وطلب منه أن يخرج، فأَبَى الثعلب، فنادى الرجل على غلمانه، فتتبعوه، فعندما أدرك الثعلب أنهم طالبوه وغير تاركيه؛ رجع إلى الثقب فدخل فيه حتى يخرج، ولكنه كان قد سمُن فانحشر في الثقب (أي عندما دخل إلى الحديقة كان نحيفًا، ولكنه عندما أكل من الحائط امتلأ جسمه فلم يستطع الخروج من الثقب)، فأتاه الغلمان على هذه الحالة، فظلوا يضربونه حتى قتلوه، فانظروا كيف تخرجون؟ (أي: جئتمونا مهازيل فتركناكم حتى سمنتم، فأروني كيف تخرجون من أرض فارس؟!) وإني لأرى أن ما جاء بكم إلا الجَهْد (أي أن حالتكم المادية أصبحت سيئة فلذلك جئتم)، فعودوا أدراجكم ونحن نُوقِرُ لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا (أي سنحمل لكم كل هذه الجمال التي معكم بالقمح والتمر)، وأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وكل رجل منكم له وِقْر من تمر وقمح وثوبين، وتعودون إلى أرضكم؛ فإني لا أشتهي قتلكم، فارجعوا عافاكم الله.
    فقال المغيرة: الحمد والشكر لله رب العالمين، إن الله خالق كل شيء، ورازق كل شيء، وصانع كل شيء؛ فأما ما ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الغلبة، ومن الظهور على الأعداء، ومن التمكُّن في البلاد فنحن نعرف ذلك ولا ننكره، ولكننا نعلم أن الله قد صنعه بكم (فأنتم لم تصنعوا ذلك، ولكن الله قد وضعه فيكم)، وأما الذي ذكرت من سوء حالنا، ومن قلة زادنا، ومن ضيق عيشنا، ومن اختلاف قلوبنا، فنحن نعرفه أيضًا ولا ننكره، كنا في مثله أو أشد منه: كان أفضلنا من يقتل ابن عمه، ويأكل ماله، وكنا نأكل الميتة والدَّم والعظام، وغير ذلك من سوء العيش، ولكن الدنيا دُوَل (فالحياة تتغير دائمًا)، وما زال أهل شدائدها ينتظرون الرخاء حتى يصيروا إليه، وما زال أهل الرخاء ينتظرون الشدائد حتى تنزل بهم (يقصد أنكم إذا كنتم اليوم في نعمة فمن الممكن أن تنزل بكم الشدائد، وإذا كنا نحن في شدة فمن الممكن أن نصير إلى الرخاء)، ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر لقصر عنه شكركم (أي أن الله قد أعطاكم نعمًا كثيرة، فإن كنتم شكرتموه فشكركم قليل إذا قورن بنعم الله)، ولكن أسلمكم ضعفُ الشكر إلى تغير الحال (أي أنتم كفرتم بالله I ولم تشكروا نعمه فأدى ذلك بكم إلى تغير حالكم). ثم قال له: إن الله تعالى بعث فينا رسولاً، وأنزل فينا كتابه؛ فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به، فصدقه منا مُصدِّق، وكذَّب به آخر، فقاتل من صدَّقه من كذَّبه، حتى كانت لهم الغلبة واجتمعت العرب كلهم معه، وكانوا من اختلاف الرأي مما لا يطيق الخلائق تأليفهم، فعرفنا أنه الحق ثم أمرنا أن ننابذ من خالفه ممن يلينا؛ فنحن ندعوكم إلى واحدة من ثلاث: إما الإسلام ونرجع عنك ونتركك، ونخلف فيك كتاب الله، وإما الجزية عن يدٍ وأنت صاغر (نفس الكلام الذي قاله ليزدجرد)، وإن أبيت فالسيف. فقال له رستم: وما صاغر؟ فقال له: أن يقوم أحدكم على رأس أميرنا فيطلب منه أن يأخذ الجزية، فيحمده إن قبلها (يشكره إذا قبلها منه)، فكن يا رستم عبدًا لنا تعطينا الجزية؛ نكف عنك ونمنعك.
    وعندما قال له: كن عبدًا لنا؛ قام رستم واستشاط غضبًا، واحمرَّت عيناه وبدأ يزبد ويخرج عن أصول الحديث بين رؤساء الدول والسفراء؛ فقال له: واللهِ ماكنت أظن أني أعيش حتى أسمع هذا الكلام منكم. ثم حلف بالشمس أن لا يرتفع الصباح حتى يدفنهم في القادسية، ثم قال له: ارجع إلى قومك، لا شيء لكم عندي، وغدًا أدفنكم في القادسية. فرجع المغيرة وأثناء مروره على القنطرة أرسل رستم رجلاً يناديه، فناداه، فنظر إليه، فقال له: مُنَجِّمُنا يقول: إنك تُفقَأ عينُك غدًا. وذلك ليخوفه، فتبسَّم المغيرة بن شعبة وقال: واللهِ لولا أني أحتاج الأخرى لقتال أشباهكم؛ لتمنيت أن تذهب الأخرى في سبيل الله. فعاد الرجل يخبر رستم بذلك، وهو في ذلك الوقت يتحدث مع حاشيته ويقول لهم: أرأيتم من اجتماع كلمتهم؟! والله إن هؤلاء إن كانوا صادقين ما قامت لغيرهم قائمة، ولم يستطع أحد أن يحاربهم؛ لأنهم يتفقون على رأي واحد وكلمة واحدة. وفي أثناء ذلك قَدِمَ الرجل الذي أرسله إلى المغيرة، وأخبره بما قال؛ فقال لهم: أرأيتم؟! أي: هل أدركتم ما أريد؛ فغضب القوم منه وأخذوا يجادلونه حتى أغضبهم وأغضبوه.
    ثم بات ليلته يفكر في الأمر؛ فالمهلة قد أوشكت على الانتهاء، ودخل اليوم الثالث فنام رستم في هذه الليلة، ورأى الرؤيا نفسَها مرة أخرى؛ فاستيقظ فزعًا ونادى على خاصته وقال: واللهِ يا أهل فارس إن الله يعظنا، وإني أراكم تُلْقُون بنا إلى التهلكة. فجادلوه في ذلك، وأخذوا يحفزونه على القتال، حتى وجد أنه لا بُدَّ له من القتال.
    رستم يقرر خوض المعركة

    وبعد أن قرر خوض المعركة أحضروا له فرسًا جديدًا؛ لأن فرسه القديم كان قد غنمه منه طليحة، فأخذ يستعرض أمام جنده، فقفز عليه دون أن يضع رجله في الركاب، وهذا أمر لا يفعله إلا فارس عظيم مثل رستم، ووقف على فرسه بمنتهى الخيلاء يستعرض جيشه، ثم قال: غدًا ندقهم دقًّا. فقال أحد الجند: إن شاء الله. فقال: وإن لم يشأ!! وقرر أن يدخل المعركة وهو يصِرُّ على كفره وعناده، فقد انتهت المفاوضات بين الطرفين، وباءت الدعوة بالفشل، وستحدث المعركة في اليوم الرابع، وأصبح المسلمون في حِلٍّ من وعدهم لأهل فارس. وفي بداية اليوم يرسل رستم إلى المسلمين؛ فيقول لهم: تعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ وكان الفرس في غرب نهر العتيق والمسلمون في شرقه؛ فقال له سعد بن أبي وقاص: اعبروا إلينا. فقال له: خَلُّوا بيننا وبين القنطرة. أي اجعلوا زهرة يتحرك بعيدًا عن القنطرة لكي نعبر إليكم؛ فقال له سعد: والله لن نعطيكم شيئًا غلبناكم عليه. فهذه القنطرة قد استولينا عليها منكم، ولن نعطيها لكم أبدًا، فانظروا طريقة أخرى تعبرون بها. فذهب جيش رستم إلى منطقة ضحلة من نهر العتيق، وظلوا يردمونها بالتراب والبوص والزروع طيلة الليل وسَاوَوْا عليها؛ ليتمكنوا من العبور عليها، وعُرِفَتْ هذه المنطقة بعد ذلك باسم منطقة الرَّدْم.
    وكان المسلمون على أهبة الاستعداد وعلى أحسن تعبئة للقتال، فقد عبأ سعد بن أبي وقاص جيشه مبكراً، وأمّر الأمراء، وعرّف على كل عشرة عريفاً، وجعل على الرايات رجالاً من أهل السابقة أيضاً ورتّب المقدمة والساقة والمُجنِّبات والطلائع، وقد وصل القادسية على تعبئة، وقد عبأ جيشه على الشكل التالي:
    على المقدمة زُهرة بن الحَويَّة، وعلى الميمنة عبد الله بن المُعْتمِّ، وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي وخليفته خالد بن عُرْفُطة، وعلى الساقة عاصم بن عمرو، وعلى الطلائع سواد بن مالك، وعلى المجرّدة: سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى الرَّجَّالة حَمَّال بن مالك الأسدي، وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمين الحنفي، وعلى القضاء عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، وكاتب الجيش زياد بن أبي سفيان، ورائده وداعيه سلمان الفارسي، وكل ذلك بأمر من عمر، وقد خطب سعد بن أبي وقاص في الناس، وتلا قول الله تعالى: }وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ{ [الأنبياء:105).
    وأمر القرّاء أن يشرعوا في سورة الأنفال، فقرئت، ولما أتموا قراءتها هشت قلوب الناس وعيونهم، ونزلت السكينة وصلى الناس الظهر.
    وأمر سعد جيشه أن يزحفوا بعد التكبيرة الرابعة وأن يقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله. واستمرت المعركة أربعة أيام.
    وقد كان سعد رضي الله عنه مريضاً بعرق النسا، وبه دمامل لا يستطيع الركوب ولا الجلوس؛ فكان مكبِّاً على صدره وتحته وسادة ويشرف على الميدان من قصر قُدَيْس الذي كان في القادسية. وقد أناب عنه في تبليغ أوامره خالد بن عرفطة، وقد أمر بأن ينادي في الجيش: ألا إن الحسد لا يحل إلا على الجهاد في أمر الله، أيها الناس فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد".
    وقبل بدء القتال حصل اختلاف على خالد بن عرفطة نائب سعد، فقال سعد: احملوني وأشرفوا بي على الناس، فارتقوا به، فأكبّ مطَّلعاً عليهم والصف في أسفل حائط قصر قُدَيْس يأمر خالداً فيأمر خالد الناس. وكان ممن شغب عليه بعض وجوه الناس فهمَّ بهم سعد وشتمهم، وقال: "أما والله لولا أن عدوكم بحضرتكم لجعلتكم نكالاً لغيركم، فحبسهم، ومنهم أبو محجن الثقفي وقيدهم في القصر، وقال جرير بن عبد الله مؤيداً طاعة الأمير، أما أني بايعت رسول الله على أن أسمع وأطيع لمن ولاه الله الأمر وإن كان عبداً حبشياً". وقال سعد: "والله لا يعود أحد بعدها يحبس المسلمين عن عدوهم ويشاغلهم وهم بإزائهم إلا سننتُ فيه سنة يؤخذ بها من بعدي".
    وقد قام فيهم سعد بن أبي وقاص بعد هذه الحادثة خطيباً، فقال بعد أن حمد لله وأثنى عليه: إن الله هو الحق لا شريك له في الملك، وليس لقوله خُلف، قال الله جل ثناؤه:}وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ{ [الأنبياء:105]. إن هذا ميراثكم وموعود ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فأنتم تطعمون منها وتأكلون، وتقتلون أهلها وتجبرنهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة، عِزَّ من وراءكم. فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرِّب ذلك أحداً إلى أجله، وإن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم تُوبقوا آخرتكم".
    وكتب سعد إلى الرايات: "إني قد استخلفت فيكم خالد بن عرفطة، وليس يمنعني أن أكون مكانه إلا وجعي الذي يعودني وما بي من الحبوب، فإني مُكبُّ على وجهي وشخصي لكم باد، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه إنما يأمركم بأمري ويعمل برأيي".
    فقُرئ على الناس فزادهم خيراً، وانتهوا إلى رأيه وقبلوا منه وتحاثُّوا على السمع والطاعة، وأجمعوا على عذر سعد والرِّضى بما صنع، وقد بقي سعد بن أبي وقاص فوق القصر، وأصبح مشرفاً على ساحة المعركة، ولم يكن القصر محصناً، وهذا يدل على شجاعة سعد رضي الله عنه، فعن عثمان بن رجاء السعدي قال: كان سعد بن مالك أجرأ الناس وأشجعهم، إنه نزل قصراً غير حصين بين الصفين، فأشرف منه على الناس ولو أعراه الصف فواق ناقة أخذ برُمَّته، فو الله ما أكرثه هول تلك الأيام ولا أقلقه.
    رفع الروح المعنوية بين أفراد الجيش الإسلامي
    جمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وجهاء المسلمين وقادته في بداية اليوم الأول من المعركة، وقال لهم: "انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق لهم عند مواطن البأس، فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم، وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتُهم، فسيروا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال"، فساروا فيهم.
    فقال قيس بن هبيرة الأسدي: "أيها الناس احمدوا الله على ما هداكم له وأبلاكم له يزدكم، واذكروا آلاء الله، وارغبوا إليه في عاداته، فإن الجنة أو الغنيمة أمامكم، وإنه ليس وراء هذا القصر إلا العراء، والأرض القفر، والظِّراب الخُشْن والفلوات التي لا تقطعها الأدلة".
    وقال غالب بن عبد الله الليثي: "أيها الناس احمدوا الله على ما أبلاكم وسلوه يزدكم، وادعوه يحيكم، يا معشر معدّ، ما علّتكم اليوم وأنتم في حصونكم (يعني الخيل)، ومعكم من لا يعصيكم (يعني السيوف)؟. اذكروا حديث الناس في غد، فإنه بكم غداً يبدأ عنده، وبمن بعدكم يُثنَّى".
    وقال ابن الهذيل الأسدي: "يا معشر معدّ، اجعلوا حصونكم السيوف، وكونوا عليهم كالأسود الأجم، وتربَّدوا لهم تربُّد النمور وادرعوا العجاج، وثقوا بالله، وغضوا الأبصار، فإذا كلَّت السيوف فإنها مأمورة فأرسلوا عليهم الجنادل فإنها يؤذن لها فيما لا يؤذن للحديد فيه".
    وقال بسر بن أبي رهم الجهني: "احمدوا الله وصدقوا قولكم بفعل، فقد حمدتم الله على ما هداكم له، ووحدتموه ولا إله غيره، وكبرتموه، وآمنتم بنبيه ورسله، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا يكوننَّ شيء بأهون عليكم من الدنيا، فإنها تأتي من تهاون بها، ولا تميلوا إليها فتهرب منكم لتميل بكم انصروا الله ينصركم".
    وقال عاصم بن عمرو: "يا معشر العرب إنكم أعيان العرب، وقد صمدتم لأعيان من العجم، وإنما تخاطرون بالجنة، ويخاطرون بالدنيا، فلا يكونُنّ على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم، لا تحدثوا اليوم أمراً تكونون شيئاً على العرب غداً".
    وقال ربيع بن البلاد السعدي: "يا معشر العرب قاتلوا للدين والدنيا }وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{ [آل عمران:133]. وإن عظم الشيطان عليكم الأمر فاذكروا الأخبار عنكم بالمواسم ما دام للأخبار أهل".
    وقال ربعي بن عامر: "إن الله قد هداكم للإسلام، وجمعكم به، وأراكم الزيادة، وفي الصبر راحة، فعوِّدوا أنفسكم الصبر تعتادوه، ولا تعوّدوها الجزع فتعتادوه، وقد قال كلهم بنحو هذا الكلام، وتواثق الناس وتعاهدوا، واهتاجوا لكل ما كان ينبغي لهم".
    يوم أرماث
    يطلق يوم أرماث على اليوم الأول من أيام القادسية وقد وجه سعد رضي الله عنه بيانه إلى الجيش قائلاً: "الزموا مواقفكم لا تحركوا شيئاً حتى تصلُّوا الظهر، فإذا صليتم الظهر فإني مكبِّر تكبيرة فكبروا واستعدوا، واعلموا أن التكبير لم يُعْطه أحد قبلكم، واعلموا أنّما أُعطيتموه تأييداً لكم، ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا، ولتسثتم عُدَتكم، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوكم وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله".
    ولما صلى سعد الظهر أمر الغلام الذي كان ألزمه إياه عمر، وكان من القراء أن يقرأ سورة الجهاد (يعني الأنفال)، فقرأ على الكتيبة الذي يلونه سورة الجهاد، فقرئت في كل كتيبة، فهشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها، ولما فرغ القراء كبّر سعد، فكبَّر الذين يلونه بتكبيرة، وكبر بعض الناس بتكبير بعض، فتحشحش الناس (يعني تحركوا) ثم ثنَّى فاستتمَّ الناس، ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال، وخرج من أهل فارس أمثالهم فاعتوروا الطعن والضرب، وكان لأبطال المسلمين من أمثال غالب بن عبد الله الأسدي، وعاصم بن عمرو التميمي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي وطليحة بن خويلد الأسدي أثر ظاهر في النكاية بالعدو، حيث قتلوا وأسروا عدداً من أبطالهم ولم يقتل من المسلمين أحد فيما ذُكر أثناء المبارزة، والمبارزة في عسير من فنون الحرب لا يتقنه إلا الأبطال من الرجال، وهي ترفع من شأن المنتصرين وتزيد من حماسهم، وتخفض من شأن المنهزمين وتحط من معنوياتهم، والمسلمون الأوائل متفوقون في هذا الفن على غيرهم دائماً؛ ولذلك هم المستفيدون من المبارزة، وبينما الناس ينتظرون التكبيرة الرابعة إذ قام صاحب رجالة بني نهد قيس بن حذيم بن جرثومة، فقال: يا بني نهد انهدوا فإنما سميتم نهداً لتفعلوا، فبعث خالد بن عرفطة، والله لتكفنّ أو لأوليِّن عملك غيرك، فكفَّ.
    الخنساء بنت عمرو تحرض بنيها على القتال
    في مضارب نساء المسلمين بالعذيب جلست الخنساء بنت عمرو شاعرة بني سليم المخضرمة ومعها بنوها أربعة رجال تعظهم وتحرضهم على القتال، قالت: "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [آل عمران:200]. فإن أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وحللت تفجرت نار على أرواقها جوانبها فتيمموا وطيسها وسطها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها جيشها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة". فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها، فلما أضاء الصبح باكروا مراكزهم.
    امرأة من النخع تشجع بنيها على القتال:
    كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القتال ذلك اليوم، فلما بدأ الصباح ينبلج قالت لهم: إنكم أسلمتم فلم تبدلوا، وهاجرتم فلم تثربوا، ولم تَنْب بكم البلاد تقحمكم السنة، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس، والله إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره". فانصرفوا عنها مسرعين يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء وهي تقول: "اللهم ادفع عن بنيّ، فرجعوا إليها بعد ذلك وقد أحسنوا القتال ما جرح منهم رجل جرحاً".
    يوم أغواث
    كان يوم أغواث هو اليوم الثاني من أيام القادسية، وفي ليلة هذا اليوم قدمت طليعة جيش الشام يقودهم القعقاع بن عمرو التميمي، وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد أمر أمير الشام، أبا عبيدة بإعادة جيش خالد بن الوليد إلى العراق مدداً للمسلمين في القادسية، فأعادهم وأبقى خالداً عنده لحاجته إليه، وولَّى على هذا الجيش هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخي سعد، وكان هذا الجيش تسعة آلاف حين قدم من العراق إلى الشام بقيادة خالد بن الوليد، وعاد منهم إلى العراق ستة آلاف، وقد ولَّى هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو على المقدمة وعددهم ألف مجاهد.
    مواقف فدائية لأبناء الخنساء الأربعة
    كان لأبناء الخنساء الأربعة مواقف فدائية في ذلك اليوم فقد اندفعوا إلى القتال بحماس، وقال كل واحد منهم شعراً حماسياً يقوِّي به نفسه وإخوانه، فقال أولهم:

    يـا إخوتـي إن العجـوز الناصحـة
    مـقـالــةً ذات بــيــان واضــحـــة
    وإنـمـا تلـقـون عـنــد الصـائـحـة
    قـد أيقنـوا منكـم بـوقـع الجائـحـة
    قـد نصحَتْـنـا إذ دعتـنـا البـارحـة
    فباكروا الحرب الضَّروس الكالحة
    مـن آل ساسـان الكـلاب النابـحـة
    وأنتـم بيـن حيـاة وحيـاة صالحـة

    وتقدم فقاتل حتى قتل، فحمل الثاني وهو يقول:

    إن الـعـجـوز ذات حـــزم وجـلــد
    قــد أمرتـنـا بـالـسـداد والـرّشــد
    فباكروا الحـرب حمـاة فـي العـدد
    أو ميـتـة تـورثـكـم عـــز الأبـــد
    والنظـر الأوفـق والـرأي الـسَّـدد
    نصـيـحـة مـنـهـا وبـــرّاً بـالـولـد
    إمــا لـفـوز بــارد عـلــى الـكـبـد
    في جنة الفردوس والعيش الرغد

    وقاتل حتى استشهد. وحمل الثالث وهو يقول:

    والله لا نعصـي العجـوز حـرفـاً
    نصـحـاً وبــراً صـادقـاً ولـطـفـاً
    حـتـى تلـفـوا آل كـسـرى لـفــا
    إنا نرى التقصيـر عنكـم ضعفـاً
    قـــد أمـرتـنـا حـدبــاً وعـطـفــاً
    فبادروا الحرب الضروس زحفاً
    أو يكشفوكم عـن حماكـم كشفـاً
    والقـتـل فيـكـم نـجـدة وزُلـفــى

    وقاتل حتى استشهد، وحمل الرابع وهو يقول:

    لــســت لـخـنـســاء ولا لــلأخْـــرَمِ
    إن لم أرِدْ في الجيش جيش الأعجم
    إمــــا لــفــوز عــاجـــل ومـغــنــم
    ولا لـعـمـرو ذي الـسـنـاء الأقـــدم
    مـاض علـى الهـول خضـمِّ خضـرم
    أو لـوفــاة فـــي السـبـيـل الأكـــرم

    فقاتل حتى استشهد، وبلغ الخنساء خبر بنيها الأربعة، فقالت: الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
    أبو محجن الثقفي في قلب المعركة
    استمر القتال يوم أغواث إلى منتصف الليل، وسميت تلك الليلة ليلة السواد، ثم وقف القتال بعد أن تحاجز الفريقان، وكان لوقف القتال منفعة كبيرة للمسلمين، حيث كانوا ينقلون شهداءهم إلى مقر دفنهم في وادي مُشرِّق، وينقلون الجرحى إلى العُذَيب حيث تقوم النساء بتمريضهم، ولقد شارك في القتال في هذه الليلة لأول مرة أبو محجن الثقفي، وكان أبو محجن قد حُبس وقُيّد، فهو في القصر، فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره وردّه فنزل فأتى سلْمى بنت خَصَفة، فقال: يا سلمى يا بنت آل خَصفة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلِّين عنِّي وتُعيرينني البلقاء، فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قَيْدي، فقالت، وما أنا وذاك، فرجع يرسف في قيوده ويقول:

    كفى حزناً أن تردي الخيل بالقنا
    وأتـرك مـشـدوداً عـلـي وثاقـيـا
    إذا قمت عناني الحديد وأغلقـت
    مصاريع دوني قد تصم المناديـا
    وقـد كنـت ذا مـالٍ كثيـرٍ وإخـوةٍ
    فقـد تركونـي واحـداً لا أخـا ليـا
    ولله عـهــدٌ لا أخـيــس بـعـهـده
    لئن فرجت أن لا أزور الحوانيـا

    فقالت سَلْمى: إني استخرت الله ورضيت بعهدك، فأطلقته، وقالت: أمّا الفَرَس فلا أعيره، ورجعت إلى بيتها، فاقتادها، فأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق فركبها، ثم دبّ عليها، حتى إذا كان بحيال الميمنة كبَّر، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصّفَّين، فقالوا: بسرجها، وقال سعيد والقاسم عُزْياً، ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبَّر وحمل على ميمنة القوم يلعب الصّفَّين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام الناس، فحمل على القوم يلعب بين الصّفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفاً منكراً، وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه من النَّهار، فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه، وجعل سعد يقول وهو مشرف على الناس مُكِبّ من فوق القصر: "والله لولا محبس أبي مِحْجَن لقلت: هذا أبو محجن وهذه البلقاء"، وتعددت الأقوال فلما انتصف الليل حاجز أهل فارس، وتراجع المسلمون، وأقبل أبو محْجن حتى دخل من حيث خرج، وأعاد رجليه في قيديه، وقال:

    لقد علمت ثقيفٌ غيـر فخـرٍ
    بأنـا نحـن أكرمـهـم سيـوفـا
    وأكثرهـم دروعــاً سابـغـاتٍ
    وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
    وأنـا وفدهـم فــي كــل يــومٍ
    فإن عموا فسل بهـم عريفـا
    وليلة قادسٍ لم يشعـروا بـي
    ولم أشعر بمخرجي الزحوفا
    فـإن أحـبـس فذلـكـم بـلائـي
    وإن أتـرك أذيقهـم الحتـوفـا

    فقالت له سلمى: يا أبا محْجَن، في أي شيء حبسك هذا الرجل؟ قال: أما والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، وأنا امرؤ شاعر يدبّ الشعر على لساني، يبعثه على شفتي أحياناً، فيساء لذلك ثنائي، ولذلك حبسني حين قلت:
    إذا مت فادفني إلى أصل كرمةُ ... تُرَويِّ عظامي بعد موتي عُرُوقها
    ولا تدفنِّي بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما متّ ألا أذوقها
    وتُروي بخمر الحُصِّ لَحدي فإنني ... أسيرُ لها من بعد ما قد أسوقُها
    فلما أصبحت سلمى أخبرت سعد بن أبي وقاص عن خبرها وخبر أبي محجن، فدعا به فأطلقه، وقال: أذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جرم لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبداً.
    يوم عماس
    يوم عِمَاس هو اليوم الثالث من المعركة، ومن ضمن المواقف فيه قول قيس بن المكشوح: "يا معشر العرب، إن الله قد من عليكم بالإسلام، وأكرمكم بمحمد، فأصبحتم بنعمة الله إخواناً، دعوتكم واحدة، وأمركم واحد، بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد، ويختطف بعضكم بعضاً اختطاف الذئاب، فانصروا الله ينصركم، وتنجزوا من الله فتح فارس، فإن إخوانكم من أهل الشام قد أنجز الله لهم فتح الشام وانتشال القصور الحمر والحصون الحمر".
    ومما قيل من الشعر ذلك اليوم قول القعقاع بن عمرو:

    حضض قومي مضرحي بن يعمـر
    فلله قومـي حيـن هــزوا العوالـيـا
    وما خام عنها يوم سارت جموعنا
    لأهــل قـديـس يمنـعـون الموالـيـا
    فــإن كـنـت قاتـلـت الـعـدو فللـتـه
    فإني لألقى في الحـروب الدواهيـا
    فـيـولا أراهــا كالـبـيـوت مـغـيـرة
    أسـمــل أعـيـانــا لــهــا ومـآقـيــا

    وقال آخر:
    أنا ابن حرب ومعي مخراقي
    أضربهم بصارم رقراق
    إذ كره الموت أبو إسحاق
    وجاشت النفس على التراقي
    صبرا عفاق إنه الفراق
    ليلة الهرير
    بدأ القتال ليلة الهرير في اليوم الرابع، وقد غيّر الفرس هذه الليلة طريقتهم في القتال، فقد أدرك رستم أن جيشه لا يصل إلى مستوى فرسان المسلمين في المطاردة ولا يقاربهم، فعزم على أن يكون القتال زحفاً بجميع الجيش حتى يتفادى الانتكاسات السابقة التي تسببت في تحطيم معنويات جيشه، فلم يخرج أحد من الفرس للمبارزة والمطاردة بعدما انبعث لذلك أبطال المسلمين، وجعل رستم جيشه ثلاثة عشر صفاً في القلب والمجنَّبتين. وبدأ القعقاع بن عمرو القتال وتبعه أهل النجدة والشجاعة قبل أن يكبر سعد، فسمح لهم بذلك واستغفر لهم، فلما كبر ثلاثاً زحف القادة وسائر الجيش، وكانوا ثلاثة صفوف، صفاً فيه الرماة وصفاً فيه الفرسان وصفاً فيه المشاة، وكان القتال في تلك الليلة عنيفاً، وقد اجتلدوا من أول الليل حتى الصباح لا ينطقون، كلامهم الهرير، فسمّيت ليلة الهرير، وقد أوصى المسلمون بعضهم بعضاً على بذل الجهد في القتال لما يتوقعونه من عنف الصراع، ومما رُوي من الأقوال في ذلك قول دريد بن كعب النخعي لقومه: "إن المسلمين تهيئوا للمزاحفة فاسبقوا المسلمين الليلة إلى الله والجهاد فإنه لا يسبق الليلة أحد إلا كان ثوابه على قدر سبقه، نافسوهم في الشهادة وطيبوا بالموت نفساً، فإنه أنجى من الموت إن كنتم تريدون الحياة، وإلا فالآخرة ما أردتم".
    وقال الأشعث بن قيس: يا معشر العرب إنه لا ينبغي أن يكون هؤلاء القوم أجرأ على الموت ولا أسخى أنفساً عن الدنيا، تنافسوا الأزواج والأولاد، ولا تجزعوا من القتل فإنه أماني الكرام ومنايا الشهداء.
    وقال حميضة ين النعمان البارقي: "كان بإزاء قبيلة (جُعْفى) ليلة الهرير كتيبة من كتائب العجم عليهم السلاح التام، فازدلفوا لهم فجالدوهم بالسيوف، فرأوا أن السيوف لا تعمل مع الحديد فارتدعوا، فقال لهم حميضة بن النعمان البارقي: مالكم؟ قالوا لا يجوز فيهم السلاح، قال: كما أنتم حتى أريكم، انظروا، فحمل على رجل منهم فاستدار خلفه فدق ظهره بالرمح، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أراهم إلا يموتون دونكم، فحملوا عليهم وأزالوهم إلى صفهم.
    وكان بإزاء قبيلة كندة، ترك الطبري (أحد قادة الفرس)، فقال الأشعث بن قيس الكندي: ياقوم ازحفوا لهم، فزحف لهم في سبعمائة فأزالهم وقتل قائدهم ترك، وكان القتال في تلك الليلة شديداً متواصلاً، وقام زعماء القبائل يحثون قبائلهم على الثبات والصبر. ومما يبين عنف القتال في تلك الليلة، ما أخرجه الطبري عن أنس بن الحليس قال: شهدت ليلة الهرير، فكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم حتى الصباح، أفرغ عليهم الصبر إفراغاً وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأى العرب والعجم أمراً لم يروا مثله قط، وانقطعت الأصوات والأخبار عن رستم وسعد، وأقبل سعد على الدعاء حتى إذا كان نصف الليل الباقي سمع القعقاع بن عمرو وهو يقول:
    نحن قتلنا معشراً وزائداً
    أربعةً وخمسةً وواحدا
    نحسب فوق اللبد الأساودا
    حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا
    الله ربي واحترست عامداً
    فاستدل سعد بذلك على الفتح، وهكذا بات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يدعو الله تعالى تلك الليلة ويستنزل نصره، ومما ينبغي الإشارة إليه أن سعداً كان مستجاب الدعوة.
    يوم القادسية
    أصبح المسلمون في اليوم الرابع وهم يقاتلون، فسار القعقاع بن عمرو في الناس فقال: إن الدَّبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحملوا، فإن النصر مع الصبر، فآثروا الصبر على الجزع". فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء، وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح ولما رأت ذلك القبائل قام فيها رجال، فقام قيس بن عبد يغوث والأشعث بن قيس، وعمرو بن معد يكرب وابن ذي السَّهمين الخشعمي وابن ذي البُردين الهلالي، فقالوا: لا يكونن هؤلاء (يعني أهل فارس) أجرأ على الموت منكم، ولا أسخى أنفساً عن الدنيا، وقام في ربيعة رجال فقالوا: أنتم أعلم الناس بفارس وأجرؤهم عليهم فيما مضى، فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم.
    وتقدم القعقاع ومن معه حتى عثروا على سرير رستم وهم لا يرونه من الغبار، وكان رستم قد تركه واستظل ببغل فوقع على رستم وهو لا يشعر به فأزال من ظهره فقاراً، وهرب رستم نحو نهر العتيق لينجو بنفسه، ولكن هلالاً أدركه فأمسك برجله وسحبه ثم قتله، وصعد السرير ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إليَّ، فأطافوا به وما يرون السرير وكبَّروا وتنادوا، وانهزم قلب الفرس، أما بقية قادة المسلمين فإنهم تقدموا أيضاً فيمن يقابلهم وتقهقر الفرس أمامهم، ولما علم الجالينوس بمقتل رستم قام على الرّدم المُقام على النهر ونادى أهل فارس إلى العبور فراراً من القتل فعبروا، أما المقترنون بالسلاسل وعددهم ثلاثون ألفاً فإنهم تهافتوا في نهر العتيق فوخزهم المسلمون برماحهم، فما أفلت منهم أحد.
    خطبة عمرية بعد فتح القادسية
    لما أتى عمر رضي الله عنه خبر الفتح قام في الناس فقرأ عليهم الفتح، وقال:
    "إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك منا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم ولست معلمكم إلا بالعمل، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم، وإنما أنا عبد الله عُرض عليَّ الأمانة، فإن أبيتها (يعني أعففت نفسي من أموال الرعية) ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبعتها إلى بيتي شقيت، ففرحت قليلاً وحزنت طويلاً، وبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب".
    الوفاء عند المسلمين، والعدل لا رخصة فيه
    كتب سعد رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنهما كتاباً آخر، يطلب فيه أمره في أهل الذمة من عرب العراق الذين نقضوا عهدهم في حال ضعف المسلمين فقام عمر رضي الله عنه في الناس فقال: "إنه من يعمل بالهوى والمعصية يسقط حظه ولا يضر إلا نفسه، ومن يتبع السنة وينته إلى الشرائع ويلزم السبيل النهج ابتغاء ما عند الله لأهل الطاعة أصاب أمره وظفر بحظه، وذلك بأن الله عز وجل يقول: }وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف:49]، وقد ظفر أهل الأيام والقوادس بما يليهم، وجلا أهله، وأتاهم من أقام على عهدهم، فما رأيكم فيمن زعم أنه استكره وحشر وفيمن لم يدع ذلك ولم يقم وجلا، وفيمن أقام ولم يدع شيئاً ولم يجل، وفيمن استسلم؟، فاجتمعوا على أن الوفاء لمن أقام وكف ولم يزده غلبه إلا خيراً، وأن من ادعى فصُدِّق أو وفى فمنزلتهم، وإن كُذِّب نبذ إليهم وأعادوا صلحهم، وأن يجعل أمر من جلا إليهم فإن شاءوا وادعوهم وكانوا لهم ذمة، وإن شاءوا تموا على منعهم من أرضهم ولم يعطوهم إلا القتال، وأن يُخَيَّروا من أقام واستسلم الجزاء إلاّ القتال، وأن يخيّروا من أقام واستسلم الجزاء أو الجلاء وكذلك الفلاحين".
    وفي هذه الخطبة دروس وعبر منها:
    - تطبيق عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى حيث كان يستشير أهل الرأي في كل أموره المهمة بالرغم مما عرف عنه من غزارة العلم وسداد الرأي، وإن هذا السلوك الرفيع كان من أسباب نجاحه الكبير في سياسة الأمة.
    - الاستفادة من هذه المقدمة التي قدمها عمر رضي الله عنه بين يدي استشارته حيث ذكر الصحابة رضي الله عنهم بلزوم التجرد من الهوى وإخلاص النية لله عز وجل، والاستقامة على المنهج القويم الذي سنه رسول الله، فمن فعل ذلك عصم من الذل في الحكم وأصاب الحق وظفر بثواب الله تعالى.
    وقد لخص عمر رضي الله عنه هذه المشورة بخطاب وجّهه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه جاء فيه: "أما بعد فإن الله جل وعلا أنزل في كل شيء رخصة في بعض الحالات إلا في أمرين: العدل في السيرة والذكر، فأما الذكر فلا رخصة فيه في حالة، ولم يرض منه إلا بالكثير، وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدة ولا رخاء، والعدل - وإن رئي ليناً - فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور، وإن رئي شديداً فهو أنكش للفكر، فمن تم على عهده من أهل السواد (يعني عرب العراق) ولم يُعِنْ عليكم بشيء فلهم الذمة وعليهم الجزية، وأما من ادعى أنه استُكره ممن لم يخالفهم إليكم أو يذهب في الأرض فلا تصدقوهم بذلك إلا أن تشاءوا، وإن لم تشاءوا فانبذوا إليهم، وأبلغوهم مأمنهم".
    وفي هذا الرد دروس وعبر، منها:
    أن العدل في الحكم هو الدعامة الكبرى لبقاء حكم الإسلام وسيادته وانتشار الأمن والرخاء في بلاد المسلمين، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فلا مفر من العقاب للظالمين، لأن حقوق الله تعالى قد يغفرها لعبده ويتجاوز عنه، أما حقوق الناس فإن الله تعالى يوقف الظالمين والمظلومين يوم القيامة فيقتصّ بعضهم من بعض وأما ذكر الله تعالى فلا بد أن يسود حياة المسلم في قلبه ولسانه وجوارحه، فيكون تفكيره خالصاً لله تعالى، ومنطقه فيما يرضيه وعمله من أجله، ويكون همه الأكبر إقامة ذكر الله جل وعلا في الأرض قولاً وعملاً واعتقاداً فإذا كان كذلك عصمه الله سبحانه من فتنة الشبهات والشهوات وقد أخذ سعد ومن معه من المسلمين بتوجيهات أمير المؤمنين فعرضوا على من حولهم ممن جلا عن بلاده أن يرجعوا ولهم الذمة وعليهم الجزية، وهكذا نجد أمامنا نموذجاً من نماذج الرحمة وتأليف القلوب، وقد أثرت هذه المعاملة الكريمة وحبَّبت المسلمين والإسلام لهؤلاء الناكثين فدخلوا بعد ذلك على مراحل في الإسلام وصاروا من أتباعه المخلصين.
    واختلف المؤرخون في تحديد تاريخ المعركة، ولأحمد عادل كمال تحقيق جيد توصل فيه إلى أنها في شهر شعبان من العام الخامس عشر، حسب قول الصلابي الذي رجح هذا القول.
    الخلاصة
    انتهت المعركة بتوفيق الله تعالى، ثم بجهود أبطال المسلمين وحكمة قائدهم سعد بن أبي وقاص، وكانت معركة عنيفة قاسية ثبت فيها الأعداء للمسلمين ثلاثة أيام حتى هزمهم الله في اليوم الرابع، بينما كان المسلمون يهزمون أعداءهم غالباً في يوم واحد، وكان من أسباب هذا الثبات أن الفرس كانوا يعتبرون هذه المعركة معركة مصير، فإما أن تبقى دولتهم مع الانتصار، وإما أن تزول دولتهم مع الهزيمة والاندحار ولا تقوم لهم قائمة، كما أن من أسباب ثباتهم وجود أكبر قادتهم رستم، على رأس القيادة، وهو قائد له تاريخ حافل بالانتصارات على أعدائه إضافة إلى تفوق الفرس في العدد والعُدد، حيث كان عدد الفرس عشرين ومائة ألف من المقاتلين من غير الأتباع، مع من كان يبعثهم يزدجرد مدداً كل يوم بينما كان عدد المسلمين بضعة وثلاثين ألفاً، ومع هذا كله انتصر المسلمون عليهم بعد أن قدموا ثمانية آلاف وخمسمائة من الشهداء، وهذا العدد من الشهداء هو أكبر عدد قدمه المسلمون في معاركهم في الفتوح الإسلامية الأولى، وكونهم قدموا هذا العدد من الشهداء دليل على عنف المعركة وعلى استبسال المسلمين وتعرضهم للشهادة رضي الله عنهم أجمعين.
    وكتب سعد إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما يخبره بالفتح مع سعد بن عُميْلة الفزاري وجاء في كتابه: أما بعد فإن الله نصرنا على أهل فارس، ومنحهم سنن من كانوا قبلهم من أهل دينهم، بعد قتال طويل، وزلزال شديد، وقد لقوا المسلمين بعُدة لم ير الراؤون مثل زهائها (يعني مقدارها) فلم ينفعهم الله بذلك بل سلبهموه ونقله عنهم إلى المسلمين، واتبعهم المسلمون على الأنهار وعلى طفوف الآجام، وفي الفجاج، وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم، والله بهم عالم، كانوا يُدَوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دَويَّ النحل، وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذ لم تكتب لهم.
    وفي هذه الرسالة دروس وعبر منها:
    ما تحلى به سعد رضي الله عنه من توحيد الله تعالى وتعظيمه والبراءة من حول النفوس وقوتها، فالنصر على الأعداء إنما هو من الله تعالى وحده وليس بقوة المسلمين، بالرغم مما بذلوه من الجهاد المضني والتضحية العالية.
    وقوة الأعداء الضخمة، ليس بقاؤها أو سلبها للبشر، بل ذلك كله لله تعالى، فهو الذي حرم الأعداء من الانتفاع بقوتهم، وهو الذي منحها للمسلمين، وإنما البشر مجرد وسائط يجري الله النفع والضرر على أيديهم، وهو وحده الذي يستطيع دفع الضرر وجلب المنفعة سبحانه وتعالى، وهكذا فهم سعد رضي الله عنه معنى التوحيد، وحققه مع جنوده في حياته.
    ونلاحظ سعداً في رسالته يصف الصحابة رضي الله عنهم ومن معهم من التابعين بالتفوق في العبادة والشجاعة، فهم عُبَّاد في الليل لهم أصوات مدوِّية بالقرآن كأصوات النحل لا تكلُّ ولا تمل، وفرسان في النهار لا تصل الأسود الضارية إلى مستواهم في الإقدام والثبات، وكان عمر رضي الله عنه يستخبر الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله ومنزله، فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره، قال: يا عبد الله حدثني قال: هَزم الله العدو، وعمر يخُبُّ معه - يعني يسرع - ويستخبره، والآخر على ناقته ولا يعرفه، حتى دخل المدينة فإذا الناس يسلِّمون عليه بإمرة المؤمنين فقال: فهلا أخبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين، وجعل عمر يقول لا عليك يا أخي.
    وفي هذا الخبر دروس وعبر منها:
    - الاهتمام الكبير من عمر رضي الله عنه الذي دفعه إلى أن يخرج إلى البرِّية كل يوم لعله يجد الركبان القادمين من العراق فيسألهم عن خبر المسلمين مع أعدائهم، وقد كان بإمكانه أن يوكل بهذه المهمة غيره ممن يأتيه بالخبر ولكن الهمَّ الكبير الذي كان يحمله للمسلمين لا يتيح له أن يفعل ذلك، وهنا منتهى الرحمة والشعور بالمسؤولية.
    - التواضع الجمِّ من عمر رضي الله عنه، فقد ظل يسير ماشياً مع الراكب، ويطلب منه خبر المعركة، وذلك الرسول لا يريد أن يخبره بالتفاصيل حتى يصل إلى أمير المؤمنين، ولا يدري أنه الذي يخاطبه ويعدو معه، حتى عرف ذلك من الناس في المدينة وهذه أخلاق رفيعة يحق للمسلمين أن يفاخروا بها العالم في تاريخهم الطويل، وأن يستدلوا بها على عظمة هذا الدين الذي أنجب رجالاً مثل عمر في عدله ورحمته وحزمه وتواضعه.
    ولا شك أن القادسية تقع على قمة قائمة المعارك الحاسمة في تاريخ العالم؛ فهي تبين أنواعاً من التمكين الرباني لأهل الإيمان الصحيح، فقد انفتحت على آثارها أبواب العراق، ومن وراء العراق فارس كلها، وهي التي من عندها استطرد نصر المسلمين، فاستطرد معه السقوط الساساني من الناحيتين الحربية والسياسية، والسقوط المجوسي من الناحية الدينية العقائدية، ومن هنا انساح دين الإسلام في بلاد فارس وما وراءها، ففي القادسية كسر المسلمون شوكة المجوس كسرة لم ينجبر شأنهُم بعدها أبداً، وبهذا استحقت القادسية مكانها على قمة المعارك الحاسمة في تاريخ البشر.

    المصادر
    - (تاريخ الأمم والرسل والملوك)، محمد بن جرير الطبري.
    - (الكامل في التاريخ)، ابن الأثير.
    - (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)، د. علي محمد الصلابي.
    - موقع (قصة الإسلام).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •