حقوق الزوجة عظيمة لا يراعيها إلا من خاف الله واتقاه


د. محمود الحفناوي الأنصاري



قبل الكلام عن حقوق الزوجة وما لها، نود أن نصحح مفهومًا خطأ يعتقده بعض الناس عن المرأة، وهذا المفهوم يجعلهم يتعاملون مع المرأة بحذر؛ فقد فهِموا خطًأ الآية القرآنية {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (يوسف: 28) فقالوا: إن كيد المرأة أشد من كيد الشيطان، فيقولون: إن الله لما ذكر كيد الشيطان، قال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: 76)، وعندما ذكر كيد النساء قال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (يوسف: 28)، فمن هذا المنطلق يتعاملون مع المرأة على أنها أسوأ من الشيطان، وينبغي الحذر منها، وهذا مفهوم خطأ؛ لأن الله لَمَّا وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف، أي: بالمقارنة إلى كيد الله، ولما وصف كيد المرأة بأنه عظيم، أي: بالنسبة ليوسف - عليه السلام - فلا وجه للمقارنة بين كيد النساء وكيد الشيطان.

وعلى هذا نقول للأزواج كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ في سَفَرٍ، وكانَ غُلَامٌ يَحْدُو بهِنَّ يُقَالُ له أنْجَشَةُ، فَقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ سَوْقَكَ بالقَوَارِيرِ» قالَ أبو قِلَابَةَ: يَعْنِي النِّسَاءَ، فلذلك قبل الكلام عن حقوق الزوجة، أريد منك أن تقف موقف المحايد المنصف، وأسألك سؤالًا: لو استأجرت خادمةً، فغسلت لك ملابسك، ثم قامت بكيِّها، ثم طهَت لك الطعام، وقامت بتنظيف السكن، وتربية الأولاد، فما جزاؤها عندك؟ وهل ستقابل هذا الإحسان إلا بإحسان مثله؟ فكيف بزوجتك التي تفعل هذا كله؟! هذا بخلاف قضاء حاجتك من جماعٍ.

الزوجة الصالحة من أعظم نعمِ الله

فلا شك أن الزوجة الصالحة من أعظم نعمِ الله -تعالى- على الرجل بعد نعمة الإسلام؛ ولذلك يجب على الرجل حفظها ورعايتها، وأن يشكر ربه على هذه النعمة، فإن لكل واحد منهما حقوقًا وواجبات على الآخر، وهذه الحقوق ثابتة في الشرع الحكيم؛ لقول الله -تعالى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 228)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا» رواه الترمذي وصححه، وللزوجة على زوجها حقوق كثيرة من أهمها ما يلي:

(1) وقايتها من النار

وذلك بحثها على الخير ونهيها عن الشر قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)، وكذلك حثها على الصلاة خاصة، فقد قال -تعالى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132). ومن وقاية الأهل: أن تحثهم على الالتزام بالحجاب والعفة.

(2) النفقة عليها

النفقة على الزوجة وكسوتها من الحقوق الواجبة على الزوجة التي فرط فيها الكثير من الناس، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن حق الزوجة عليه «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» رواه أبو داود، وتكون النفقة بالمعروف وما هو متعارف عليه في البلد، مع الحذر من المال الحرام، والنفقة على الزوجة فيها أجر عظيم، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أنفق الرجل فهي له صدقة» (متفق عليه). وذلك إذا كان يريد بها وجه الله -تعالى- ويحسن النية فيها.

(3) عدم ضربها إلا في نطاق الشرع

ضرب الزوجة لا يجوز إلا للحاجة، مثل لو نشزت وترفعت على زوجها، ويكون ضربًا خفيفًا، وقد أباح -تعالى- الضرب فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}( النساء: من الآية34)، ولا يكون في الوجه قال رسول الله - صلىالله عليه وسلم -: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» رواه أبو داود.

(4) لا تهجرها إلا في البيت

لا تهجر زوجتك في غير البيت فتخرج وتغيب عنها أو تتركها في بيت أهلها، ويكون هذا الهجر بينكما ولا يحس بكم الأولاد حتى لا يحصل هناك شيء من الحساسيات، ويتأثر الأولاد عندما يرون الأب يضرب أو يهجر أمهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ «رواه أبو داود.

(5) ولا تقل: قبح الله وجهك

عليك أيها الزوج أن تراعي مشاعر زوجتك، وأن تتلفظ معها باللفظ الحسن، ولا تجرح المشاعر وتأتى بألفاظ قبيحة لا تليق، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ «رواه أبو داود.

(6) العدل بين الزوجات

يجب على الزوج أن يعدل بين أزواجه، ويكون العدل في أمور كثيرة، منها: الطعام والشراب والكسوة والسكن والمبيت، ولا يلزم القسم فيما لا يملك من الحب ونحوه، وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - من عدم العدل فقال: «من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة أحد شقيه ساقطًا أو مائلًا».

(7) عدم نشر سرها

من حقوق الزوجة على زوجها ألا يفشي سرها، وألا يذكر عيبًا فيها؛ إذ هو الأمين عليها والمطالب برعايتها، وأعظم المنكرات نشر ما يدور بينهما حال الجماع ونحوه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها» رواه مسلم.

(8) مساعدتها في بيتها

وهو من الأمور المستحبة التي تسعد الزوجة، وتريحها من عناء البيت، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل البيت كأحدكم يخيط ثوبه و يعمل كأحدكم» رواه البخاري، وفى رواية: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة».

(9) مساعدتها في تربية الأبناء

الكثير من الأزواج يترك عبء الأولاد على أمهم ولا يهتم بهم، وهذا بلا شك لا يصح منه، بل الواجب على الزوجين التعاون في تربية الأبناء التربية الصحيحة.

(10) السماح لها بالخروج إذا احتاجت لذلك

على الزوج أن يسمح لزوجته بالخروج إذا احتاجت إليه، كزيارة أهلها وأقاربها وجيرانها، وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة، وكان خروجها شرعيا؛ بحيث لا تمس طيبًا، ولا تخرج بزينة تفتن بها الرجال؛ فمن السنة أن يأذن لها، ولكنه ينبغي أن ينصحها بأن صلاتها في بيتها أفضل لها.

(11) الغيرة عليها

أن يغار عليها في دينها وعرضها، فإن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، وإن تمكنها منه يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة والشريفة، ولا يعني ذلك سوء الظن بالمرأة والتفتيش وراءها دون ريبة، فعن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الغيرة غيره يبغضها الله وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة». رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في الرواء.


(12) شكرها على ما تقوم به من أعمال

فعلى الزوج أن يشكر لزوجته ما تقوم به من خدمة أولاده وتربيتهم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».

(13) تحمل الأذى والصبر على ما يصدر من أمور

على الزوج أن يتحمل أذى زوجته، ويتغافل عن كثير مما يبدر منها رحمة بها وشفقة عليها، وقد أمر الله -تعالى- بالمعاشرة بالمعروف، فقال: {وَعَاشِرُوهن بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19).

(14) لا تكثر الغياب عنها

كثير من الأزواج لا يطيق الجلوس في المنزل؛ فتراه دائم السهر والخروج؛ مما يسبب المشكلات الزوجية؛ حيث لا يبالي بمشاعر الزوجة فيتركها وحيدة بين جدار غرفتها، وهذا ليس من المعاشرة بالمعروف، وقد قال - صلىالله عليه وسلم - لذلك الصحابي الذي يقوم الليل ويصوم النهار: «إن لأهلك عليك حقا»، فلتحذر من السهر لساعات طويلة وتترك زوجتك وحدها.

كذلك على الزوج إذا قدر الله عليه السفر والغربة عن أهله ألا يطيل هذه الغيبة، فقد يسافر الزوج لطلب الرزق أو أمور أخرى، ولكن عليه مراعاة أن يكون سفره قصيرًا قدر المستطاع، فمتى قضى أمره رجع إلى أهله؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل الرجوع إلى أهل»( رواه احمد وصححه الألباني.


رسالة إلى الأزواج

أيها الأزواج: هذه الحقوق العظيمة التي فرضها الله، لا يقوم بها ولا يرعاها إلا زوج يخاف الله ويتقيه، ويعلم علم اليقين أنه محاسب ومجازى، هذه الحقوق إذا قام الأزواج بها على وجهها، حصلت السعادة والطمأنينة، وشعرت المرأة بفضل زوجها عليها، وأنه مؤمن بالله، قائم لله بحقه وحقوق عباده، وإذا رأت المرأة من زوجها الاستهتار والاستخفاف بحقوقها، تنكد عيشها، وتنغصت حياتها، حتى ربما أنها لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها، لما ينتابها من الوساوس والخطرات، وبما تشعر به من الذل والاضطهاد والأذية، ولذلك قال العلماء: إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج، فظلم النساء في حقوقهن عظيم، والمرأة إذا ظُلمت، ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فلا مفر لها إلا الله، وشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله وليا، وكفى بالله نصيرًا، وويل لمن كان الله خصمه يوم القيامة.