ارجع فصل فإنك لم تصل


الكـاتب : عبد الملك القاسم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علىأشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد :
أخي الحبيب :
بيني وبينكنصيحة خالصة لوجهه الكريم ، فأنت ممن نحبهم في الله ، فإن حرصك على الصلاة مع جماعةالمسلمين علامة خير وطريق استقامة وهي استجابة لنداء خالقك وبارئك الذي ترجو رحمته، وتخاف عقابه ، فاحمد الله عز وجل أن لم تكن ممن ضيعها وفرط فيها فورد المهالك ... قال صلى الله عليه وسلم((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمنتركها فقد كفر))بل أبشر بحديث يسر قلبك ويؤنس خطوتك قال صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأيتم الرجل يعتاد الصلاة فاشهدوا له بالإيمان)) ]رواه الترمذي [ .
وأبشر – أخي المصلي – وأنت تسير فيظلام الليل الدامس بنور تام يوم القيامة كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم((بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) ]رواه أبو داود والترمذي[.إننا نفرح حينمانرى تلك الوجوه النيرة تتسابق إلى بيوت الله فيهم كبير السن الذي أثقلته السنونوالشاب الذي ولى وجهه عن الملهيات والفتن ... وفيهم أمل الأمة طفل لم يتجاوزالعاشرة من عمره يسابق الجميع إلى الصف الأول فالحمد لله على هذا الفضل العظيم .
أما وقد دلف المصلون إلى المسجد فإن لناوقفات معهم لا تخلو من نصيحة صادقة وهمسة عتاب للأحبة .. فحال المصلين اليوم يجبالوقوف عندها لأننا نرى مظاهر تسئ إلى الصلاة ومن أبرزها :

1-عدم الطمأنينة وتأدية الصلاة بسرعة وعجلة ونقرها كنقر الغراب .
2-العبث بالفرش أو الحصى وتقليب العين في النقوش والزخارف .
3-الالتفاتفي الصلاة ورفع البصر إلى السماء .
4-السهو في الصلاة وعدم التركيز فلا يدريعلى كم ينصرف من الركعات .
5-كثرة الهواجس والخواطر وذكر أمور الدنيا فيالصلاة .
6- العبث بالساعة والنظر إليها أو إصلاح أطراف الثوب وتحريك العباءة .
7-مسابقة الإمام في الركوع والسجود .

وهناك مظاهرأخرى توحي بعدم الطمأنينة والخشوع في الصلاة يلحظها كل مصل .. قد ذمها الله عز وجلفي كتابه الكريم ، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
أخيالمصلي .. ما أتيت إلى هذه المساجد إلا طاعة لله عز وجل وامتثالاً لأمره فمابالك تُضيع ذلك بكثرة الحركة والغفلة في الصلاة .. ألم تعلم أن الخشوع هو روحالصلاة ومادة حياتها وإنسان عينها .. وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس . وأنك ربماتنصرف ولم يكتب لك من صلاتك إلا الشيء اليسير .
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عُشر صلاته ، تُسعها ، ثُمنها،سُبعها ، سُدسها ، خُمسها ، ربُعها ، ثُلثها ، نُصفها)) ]رواهأبو داود والنسائي [ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن نقرة الغراب ، وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير ]رواه أحمد وأبو داود وغيرهم[ .
وثبت عنه صلىالله عليه وسلم أنه قال : ((أسوأ الناس سرقة الذي يسرق منصلاته. قالوا يا رسول الله :وكيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتمركوعها ولا سجودها))وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لا ينظر الله إلى رجل لا يقيمصلبه بين ركوعه وسجوده)) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرهاأربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) ]رواه مسلم [.
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : ))أن رجلاً دخل المسجد ورسولالله صلى الله عليه وسلم جالس فيه فرد عليه السلام ، ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل . فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم عليالنبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال : ارجع فصل فإنكلم تصل، فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردعليه السلام , وقال : ارجع فصل فإنك لم تصلثلاث مرات ،فقال في الثالثة : والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني . فقال صلىالله عليه وسلم : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معكمن القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتىتطمئن ساجداً ، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، وافعل ذلكفي صلاتك كلها ((.
وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهأنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فقال له حذيفة : ما صليت ولو متوأنت تصلي هذه الصلاة ، مت على غير فطرة محمد صلى الله علية وسلم .
وروىالإمام أحمد رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم )): لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوعوالسجود] ((رواه أبو داود والترمذي[ ، وفي رواية أخرى )) : حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ((.
وهذا نص عنالنبي صلى الله عليه وسلم في أن من صلى ولم يُقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان ،فصلاته باطلة ، وهذا في صلاة الفرض ، وكذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((خمس صلوات كتبهن الله علىالعباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أنيدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخلهالجنة))]رواه أبو داود والنسائي [.
قال اللهتعالى: ((قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون))أي خائفون ساكنون ، والخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع ،والحامل عليه هو الخوف من الله ومراقبته ،والخشوع أيضاً هو قيام القلب بين يدي الرببالخضوع والذل .
ويروى عن مجاهد أنه قال((وقوموا للهقانتين))فمن القنوت : الركود والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من رهبة اللهعز وجل .
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها،واشتغل بها عماعداها وآثرها على غيرها وقد ذكر الله عز وجل الخاشعين والخاشعات في صفات عبادهالأخيار. وأنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً .

من أحوال الخاشعين في الصلاة
لا تعرضن بذكرهم في ذكرنا********ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على المنبر : إن الرجل ليشيبعارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة ، قيل :وكيف ذلك ؟ فقال : لا يُتم خشوعها وتواضعهاوإقباله على الله عز وجل.
هذا قول عمر بن الخطاب في صدر الإسلام ، ماذا عنواقعنا نحن اليوم ، والكثير –إلا من رحم ربي- تذهب به أحوال الدنيا كل مذهب ، فهويصلي ببدنه ولكنه يذهب بفكره إلى الدنيا وأسواقها ؛ يبيع ويشتري ، ويزيد وينقص... وما ذاكإلا من الغفلة.
وقال الحسن: سمعهم عامر بن عبد قيس وما يذكرون منذكر الضيعة في الصلاة ، قال: تجدونه؟ قالوا : نعم ، قال: والله لئن تختلف الأسنة فيجوفي أحب إليَّ أن يكون هذا في صلاتي.
أخي الحبيب : ما بالنا هكذاعن الصلاة معرضين ولواجباتنا مضيعين . لقد كان عبد الله بن مسعود إذا قام في الصلاةكأنه ثوب ملقى. وكان سعيد بن جبير إذا قام إلى الصلاة كأنه وتد.
أخيالحبيب... أين نحن من هؤلاء؟ هذا عبد الله بن الزبير يركع ، فيكاد الرخم يقععلى ظهره ، ويسجد فكأنه ثوب مطروح.
إننا نستغرب من ذلك الخشوع وتلكالطمأنينة وما ذاك إلا لأننا لا نرى هذا في واقع حياتنا وإلا فإن العنبس بن عقبةكان يسجد حتى تقع العصافير على ظهره ، فكأنه جذم حائط.
ونسير مع الصالحين ... فهذا أبو بكر بن عياش يقول : رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجداً ، فلو رأيته قلت ميت، يعني من طول السجود .
وكان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذم حائط ينزلعلى ظهره العصافير.
أما ابن وهب فقد قال : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب، صلى ، ثم سجد سجدة ، فلم يرفع حتى نودي بالعشاء .
ولم يكن يشغلهم عنالصلاة شاغل ، ولم يكن بينهم وبين الله حائل ، فالانتباه مقتصر على الصلاة والخشوعلله والتذلل بين يديه.
فقد صلى أبو عبد الله النباحي يوماً بأهل طرسوس ، فصيحبالنفير ، فلم يخفف الصلاة ، فلما فرغوا قالوا : أنت جاسوس ، قال : ولم؟ قالوا : صيح بالنفير وأنت في الصلاة فلم تخفف . قال: ما حسبت أن أحداً يكون في الصلاةفيقع في سمعه غير ما يخاطب به الله عز وجل.
وكان الإمام البخاري يصليذات ليلة ، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة ، فلما قضى الصلاة ، قال : انظروا أيشآذاني.
وعن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قطخفيفة ولا طويلة ، ولقد انهدمت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجدفي صلاته فما التفت.
وعندما سُئل خلف بن أيوب : ألا يؤذيك الذباب في صلاتكفتطردها قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي ، قيل له : وكيف تصبر على ذلك؟قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال : فلان صبور ويفتخرون بذلك ؛فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.
وكان ابن الزبير إذا قام فيالصلاة كأنه عود من الخشوع.
قال القاسم بن محمد : غدوت يوماً وكنت إذا غدوتبدأت بعائشة –رضي الله عنها- أسلِّم عليها ، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلي الضحىوهي تقرأ )) : فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السَّــموم] ((الطور : آية 27. [ وتبكي وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللتوهي كما هي ، فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت : أفرغ من حاجتي ثم أرجع ، ففرغتمن حاجتي ثم رجعت وهي كما هي تردد الآية وتبكي وتدعو .
وعن حاتم الأصم رضيالله عنه أنه سئل عن صلاته فقال : إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذيأريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بينحاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنهاآخر صلاتي ، ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيراً بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيلوأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمهاوأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟
وهذه وصية بكر المزني تنادي بالحرص على الصلاة وإتمامها على وجهها الصحيحإذ قال : إذا أردت أن تنفعك صلاتك ، فقل : لا أصلي غيرها .
ورغم تلكالعناية بالصلاة وشدة المحافظة عليها فإن عثمان بن أبي دهرش قال : ما صليت صلاة قطإلا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها.
إخواني ... لله أقوامامتثلوا ما أمروا ، وزجروا عن الزلل فانزجروا ، جنَّ عليهم الليل فسهروا ، وطالعواصحف الذنوب فانكسروا ، وطرقوا باب المحبوب واعتذروا )) إني جزيتهماليوم بما صبروا ((.
ولكن !! كيف السبيل إلى الخشوع في الصلاة ؟وما هي الوسائل التي تعين على ذلك ؟
هناك -أخي المصلي- أسبابٌ يرجى لمن فعلها أنيرزق الخشوع في الصلاة وهي على قسمين :
أولاً: أسباب لا تتعلق بالصلاة وهي :

1-توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته .
2-تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى والإخلاص له ومراقبته في السر والعلانية .
3-تجريد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم .
4-تقوى الله بفعل المأمورات وتركالمحظورات.
5-أكل الحلال الطيب والبعد عن الحرام وتجنب الشبهات .
6-الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يرزقك الخشوع .
7-صحبة الخاشعينومسايرتهم.

ثانياً : تتعلق بالصلاة ... منها:
1-اجمع نفسك وأحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة.2-استشعارعظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل. 3-الرجاء في الحصول على ثواب الصلاةكاملاً.
4-إحسان الوضوء وعدم الإسراف وترك الأعقاب . 5-تهيأ قبلالدخول في الصلاة فــ ((لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعهالأخبثان )) [رواه مسلم] ، وليكن المكان مهيأً للصلاة . 6-الحذر من التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة والسعي لها مع الأذان. 7-لا تدع النوافل وبخاصة الرواتب كالوتر وسنة الفجر وعليك بقيام الليل . 8-تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها . 9-لاتتعجل في صلاتك ولا تكن الصلاة أهون شيء عندك تؤديها كيفما كان . 10-التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفات أو العبث المنهي عنه . 11-التزمبأحكام الصلاة وآدابها ، واجعل نظرك في موضع سجودك ... قال صلى الله عليه وسلم((صلوا كما رأيتموني أصلي)).12- تابع الإمامفإنما جعل الإمام ليؤتم به . 13-فرغ قلبك من شواغل الدنيا ... فهي كلهابما فيها من فتن وشواغل لا تساوي عند الله جناح بعوضة . 14- تجنب الصلاة فيالأماكن التي فيها آلات اللهو أو التصاوير أو تشويش أو أصوات ولغط . 15-صلِّ صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا بعد صلاة مكتوبة وأنت لا بد منهم.
أخي المسلم ... قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة ، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلاكانت كفارة من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ، وذلك الدهر كله)) ]رواه مسلم[ .
جعل الله لنا من العمل أصوبه وأخلصه ومن الأجرأتمه وأكمله.
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعاءلا يستجاب له ، اللهم تجاوز عن سيئاتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ....
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...