نبض قلم - بين الحسن والقبيح


سامح محمد بسيوني


الله -عز وجل- هو خالق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وما هو نافع لهم، وأعلم بما لا يناسبهم وما يضرهم، وهذا أمر يجب أن يسلِّم به كل العقلاء، فما مِن صانع في الدنيا -ولله المثل الأعلى- إلا ويضع لمعدته كتالوج تشغيل واضح التعليمات والأوامر الملزمة لمشغل المعدة؛ حتى يضمن جودة أدائها على النحو المطلوب لها، ودون أن يسوغ للمشغل الحكمة من تلك التعليمات التشغيلية؛ لأنه يعدها من الـ Know-how، وحقوق الملكية الخاصة به، والعجيب أن الجميع يتقبل ذلك، بل ولا ينازع فيه، سواء كان علمانيًّا أو ليبراليًّا أو يساريًّا أو شيوعيًّا أو تنويريًّا -كما يزعمون- طلبًا لنجاح الأداء المطلوب.

وفي ذات الوقت تجد ذات الأشخاص تصيبهم حالة من الشيزوفرانيا حينما يتعلق الأمر بطرح ضرورة الالتزام من الخلق بأوامر الرب الخالق -سبحانه وتعالى- في كل مناحي الحياة؛ لأنه أعلم بما يصلح خلقه، ويضمن سلامتهم في حياتهم، وقد قال -تعالى-: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ *وَهُوَ *اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14)، {أَلَا *لَهُ *الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الأعراف:54).

والمتأمل في الظواهر المجتمعية العالمية الحادثة الآن، يجد أن مقياس المعروف ومقياس المنكر صار عند الكثير من الناس محكومًا بأذواقهم وأهوائهم الشخصية، أو بتوجهات منتكسي الفطرة من أصحاب الآلة الإعلامية المسيطرة، والتوجهات السياسية الغربية الحاكمة، بعيدًا عما غرسه الله في نفوس الخلق من فطرة سوية تتوافق مع أوامره وما يرضاه، أو مع ما نهى عنه وكرهه الخالق -سبحانه وتعالى- العليم الخبير.


لذا فـلا يجب أبدًا أن يحدد مفهوم الابتذال والرقي، أو الحسن والقبيح في مجتمع طبقًا للذوق العام للأفراد أو للآلة الإعلامية الموجهة الضاغطة، فالذوق العام لبعض الأفراد قد يتغير من زمان لزمان، أو من مكان لمكان طبقًا لنمط الحياة المفروضة السائدة، أو البيئة المحيطة المسيطرة، أو بحثًا عن المنافع المادية الناتجة عن التماهي مع المطالبات العالمية الشاذة الضاغطة، بل الصحيح أن تكون ضوابط الأخلاق ومفاهيم التحسين والتقبيح خاضعة لأوامر الله المُبينة للمقبول والمرفوض، والحسن والقبيح؛ طبقًا لمراد الله الخالق المالك العليم الحكيم الذي جاء شرعه ليشمل جميع نواحي الحياة المختلفة من أخلاق وعقائد وأحكام لا تخضع لأذواق الناس المتباينة.

فالسلوكيات والأخلاق لا يحكم عليها بالحُسن والرقي، إلا إن كانت من المعروف الذي يقره الله ويوافق أمره، والسلوكيات المبتذلة والأخلاق السيئة إنما هي كل منكر حرمه الله، وإن اتفق عليه خلق كثير من منتكسي الفطرة.