قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله:اعلم أن الذي أثبتته الآيات القرآنية، والسنن النبوية، ودرج عليه السلف الصالح، والصدر الأول من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان من أئمة التفسير، والحديث، والسنة
أن العصاة من أهل التوحيد على ثلاث طبقات:
الأولى: قوم رجحت حسناتهم بسيئاتهم، فأولئك يدخلون الجنة ولا تمسهم النار أبدا.
الثانية: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يقفوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة، كما قال الله تعالى بعد أن أخبر بدخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتناديهم فيها، قال: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46]. إلى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49].
الطبقة الثالثة: قوم لقوا الله تعالى مصرين على كبائر الإثم والفواحش، ومعهم أصل التوحيد والإيمان، فرجحت سيئاتهم بحسناتهم، فهؤلاء هم الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم، ومنهم من تأخذه إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، حتى أن منهم من لم يحرم الله منه على النار إلا أثر السجود، وهذه الطبقة هم الذين يأذن الله تعالى في الشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولغيره من بعده من الأنبياء، والأولياء، والملائكة، ومن شاء الله أن يكرمه، فيحد لهم حدا فيخرجونهم، ثم يحد لهم حدا فيخرجونهم وهكذا، فيخرجون من كان في قلبه وزن دينار من خير، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار من خير، ثم من كان في قلبه وزن برة من خير، إلى أن يخرجوا منها من في قلبه وزن ذرة من خير، إلى أدنى من مثقال ذرة إلى أن يقول الشفعاء: ربنا لم نذر فيها خيرا. ولن يخلد في النار أحد ممن مات على التوحيد ولو عمل أي عمل، ولكن كل من كان منهم أعظم إيمانا، وأخف ذنبا كان أخف عذابا في النار، وأقل مكثا فيها، وأسرع خروجا منها، وكل من كان أعظم ذنبا، وأضعف إيمانا كان بضد ذلك. انتهى.
معارج القبول

وأما الجمع بين قوله عليه السلام: فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. وبين أن من رجحت سيئاته بحسناته دخل النار. فإنه لا منافاة بينهما، فإن من يشاء الله أن يعفو عنه، يحاسبه الحساب اليسير، الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالعرض، وقال في صفته: يدنو أحدكم من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم.
وأما الذين يدخلون النار بذنوبهم فهم ممن يناقش الحساب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من نوقش الحساب عذب.

***
قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان،
ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة،
فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد،
فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض)