رسالة وصلتني من زميل يقول :
بعد أن عملت مشرفاً للصفوف الأولية شاركت في لجنة وزارية لزيارة مدارس منطقة الطائف عروس المصائف زيارة رسمية وذلك في عام 1419-1420هـ ….

في فجر أحد الأيام ساقتني أقدار وخيرات ربي إلى مدرسة في قرية جنوب الطائف

المدرسة في مبنى شعبي متواضع ومديرها رجل طيب وشهم

طلبت زيارة معلم الصف الأول فبادر بالحديث عنه . فأوقفته وقلت : دعني أزوره ونتشارك في طرح الرؤية حول عمله بعد الزيارة … فقد كنت معلماً للصف الأول الابتدائي خلال السنوات القريبة الماضية …

اقتنع بوجهة نظري وتبعني للصف. فطلبت منه : أن يسبقني للصف ويخبر المعلم بزيارتي له ؛ وبأني أفضل بقائي لوحدي في الصف مع الطلاب والمعلم أثناء الزيارة للتقليل من المثيرات غير المعتادة ولنحافظ على تركيز المعلم والأطفال …

اندهش المدير وكأنه (غضب مني قليلاً) ؟؟!! لا بأس

أخبر المدير المعلم وأنا أقف بعيداً عن الصف وأشار لي بالقدوم..

قدمت ودخلت الصف وسلمت على المعلم وعرفته بنفسي ؛ ثم سلمت على الأطفال واحداً تلو الأخر بالمصافحة والسؤال عن اسمه وكان عددهم قرابة 15 طالباً …

استأذنت المعلم وافتتحت الزيارة بإنشادي نشيد مشترك مع الأطفال …(يا إلهي أنت ربي ) …. كسراً للجمود

ثم أخبرتهم أني جئت من مكان بعيييييد جداً للسلام عليهم ومشاهدة ماتعلموه …. اتفقنا

المعلم كان شاباً يافعاً يشع وجهه بشراً وضياء وكان ملبسه نظيفاً وأنيقاً ومنظماً ..

الصف رغم صغر مساحة الغرفة إلا أن روح المعلم قد انعكست على البيئة الصفية … طاولات الطلاب نظيفة وكتبهم وحقائبهم … ورائحة الصف زكية …. المعطيات الأولى مبشرة وتوقعت ماهو أفضل عند بدء الدرس …

اتفقت مع المعلم ألا أتدخل في مجريات الدرس ولم أدخل معي ورقه أو سجل ولن أدون شيء بل سأشارك بالحضور فقط …

كان الدرس الأول من اليوم الدراسي …

افتتح المعلم الدرس بالسؤال عن الدرس السابق ثم أخبر الأطفال عن الدرس الجديد بقصة …

كان تمهيداً جيداً وبداية موفقه وشعرت بثقة المعلم رغم خدمته لست سنوات فقط …

وما أن بدأ المعلم يكتب على السبورة إلا وإذا ( بأنين ) أحد الأطفال في الصف !!

التفت المعلم … واتجه نظره مباشرة لطفل على يمين الصف …

واتجه إليه مباشرة وإذا بالطفل يتألم وقد مسك خاصرته وأنزل رأسه على الطاولة …

جلس المعلم ومسك رأس الطفل واضعاً يديه على خدي الطفل وسأله: ( إشبك فهد حبيبي ) ؟؟

بكى الطفل وقال : بطني تعورني …

شعرت بوجه المعلم قد تغير وبانت علامات تألم الطفل على وجه المعلم ..

بدأ المعلم كلامه مع الطفل حبيبي قل : بسم الله ؛ الحمد لله ؛ يارب تشفيني …

ومع بكاء الطفل ؟!! انهمرت دموع المعلم واحتضن الطفل وهو يسمي عليه !

وقال : تعال حبيبي ومسك يده واتجه به خارج الصف وهو يقول لي : على أذنك يا أستاذ … الطالب فهد عنده مشاكل في الكلى !!

ذهب المعلم بالطفل لمكتب مدير المدرسة القريب …

شعرت بالمعلم تأخر لخمس دقائق تقريباً ..

كنت خلالها رغم تأثري بالموقف استثمرت الوقت وأكملت جزءاً من الدرس لأحافظ على تركيز الأطفال وعدم تأثرهم …

عاد المعلم للصف … واتضح لي أنه غسل وجهه وقد أحمرت عيناه من البكاء !!!

بدأ الشرح وما أن استمر حتى قال له أحد الأطفال : أستاذ يارب يطيب فهد !!

لم يستطع المعلم من قول كلمة (يارب) كاملة وانهمرت عيناه بالدموع ….

حاول المعلم أن يحافظ على رباطة جأشه … وكان بحق قوياً واستمر في الشرح ..

كنت أرقبه وقد استمرت دموعه بالنزول وهو يمسحها كل حين ويكمل الدرس …

بحق كان الموقف مؤثراً ؛ ولكني أردت أن أقف على تصرف المعلم مع موقف قد يحدث له مراراً …

واصل المعلم الدرس كاملاً وعيناه باكيتان حتى وهو يصوب التمارين للأطفال كانت دموعه مستمرة ..

حتى أن أحد الأطفال مسح بيده دمعة من على خد المعلم وهو منحني ليصوب له .. وكانت ردة فعل المعلم أن قبل يد الطفل ورأسه وشكره…

وقفت على مستوى الطلاب وإذا به أكثر من رائع…

انتهى الدرس وشكرت المعلم بحرارة كحرارة حنوه وعطفه ورحمته وجودة عطاءه …

لفت انتباهي أن أكثر من طفل قبل التفسح سلم على المعلم ويطلبون منه تقبيل رأسه ويده!!

(غرس عطاءاً ؛ فحصد حباً ووفاءً ) ..

اتجهت للإدارة لم أتمالك نفسي فبكيت في طريقي للإدارة ودخلت على المدير وقلت ( معلمكم مرب وإنسان في آن واحد) هنيئاً لكم به وللتربية والتعليم به …

كتبت في تقريري أنني شاهدت مالم أشاهده من قبل ( معلم بقلب أم ؛ مرب وإنسان قبل كل شيء) …

مازال الموقف في ذاكرتي بوضوح ….

وكلما تذكرته ينتابني شعور غريب … ومعه أدعو الله بأن يقيض لهذه الأمة أمر رشد بكثرة المعلمين والمعلمات بشعور ومشاعر هذا المعلم والمرب النبيل والإنسان بإنسانية مبهرة ..