تخريج حديث: ولا يضُركِ أثرُهُ

«ولا يضُركِ أثرُهُ». (1/ 80) و (1/ 114).
ضعيف.أخرجه أحمد (8767)، قال: حدثنا موسى بن داود الضبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ قال: «إِذا طهُرْتِ فاغْسِلِيهِ، ثُم صلي فِيهِ»، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: «يكْفِيكِ غسْلُ الدمِ، ولا يضُركِ أثرُه». عبيد الله بن أبي جعفر المصري، أبو بكر الفقيه، ثقة. وعيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي أبو محمد المدني، ثقة فاضل.
وأخرجه أحمد (8939)، وأبو داود (365)، قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به. يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة.وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (710)، قال: أخبرنا ابن عبد الحكم، أن ابن وهب أخبرهم، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.
وأخرجه من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، البيهقي في «الكبير» (4116). محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، المصري، ثقة.وأخرجه البيهقي في «الكبير» (4116)، من طريق بحر بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك ابن لهيعة، عن ابن أبي حبيب، به.بحر بن نصر بن سابق الخولاني، ثقة.
وأخرجه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (7607)، من طريق أبي الطاهر بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به. أبو الطاهر بن السرح، أحمد بن عمرو المصري، ثقة.قلت: مدار هذه الطرق على ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف، غير محتج به.قال البيهقي: «إسناده ضعيف، تفرد به ابن لهيعة».
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «فتح الباري» (1/ 461): «فأما ما خرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: «إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه»، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: «يكفيك الماء، ولا يضرك أثره».
فابن لهيعة لا يُحتج برواياته في مخالفة روايات الثقات، وقد اضطرب في إسناده: فرواه تارة كذلك. وتارة رواه: عن عبيد الله ابن أبي جعفر، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة، وهذا يدل على أنه لم يحفظه» اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 334): «وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل».وقال في «بلوغ المرام» (ص57): «سنده ضعيف».وقال في «التلخيص الحبير» (1/ 182): «رواه الطبراني في الكبير من حديث خولة بنت حكيم، وإسناده أضعف من الأول».
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 282): «رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف».
قلت: فتبين ضعف الحديث؛ لا سيما مع اضطراب ابن لهيعة في إسناده؛ فمرة يرويه عن عبيد الله بن أبي جعفر، ومرة يرويه عن يزيد بن أبي حبيب؛ وهذا اضطراب منه في الحديث يدل على عدم ضبطه له، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب فيما تقدم.والأمر كما قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «شرح العلل» (1/ 424): «فاختلاف الرجل الواحد في الإسناد: إن كان متهما؛ فإنه ينسب به إلى الكذِب؛ وإن كان سيئ الحفظ؛ ينسب به إلى الاضطراب، وعدم الضبط؛ وإنما يُحتمل مثلُ ذلك ممن كثُر حديثه، وقوِي حفظه؛ كالزهري، وشعبة، ونحوهما» اهـ.
قلت: والحديث له شاهد لا يفيد:
وهو ما رواه البيهقي في «الكبير» (4118)، من طريق الوازع بن نافع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن خولة بنت نمار، قالت: قلت يا رسول الله، إني أحيض وليس لي إلا ثوب واحد فيصيبه الدم؟ قال: «اغْسِلِيهِ وصلي فِيهِ»، قلت: يا رسول الله، يبقى أثره؟ قال: «لا يضُر».
قال البيهقي: «قال إبراهيم الحربي: الوازع بن نافع غيره أوثق منه، ولم يُسمع بخولة بنت نمار أو يسار إلا في هذين الحديثين».
وقد تعقب الحافظ ابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 524) عبارة إبراهيم الحربي؛ فقال: «قلت: الوازع بن نافع، قال فيه الحربي: غيره أوثق منه.
وهذه عبارة عجيبة؛ فإنها لا تقال إلا لمن شورك في الثقة، والوازع هذا قال فيه أحمد ويحيى: ليس بثقة. وقال أحمد مرة أخرى: ليس حديثه بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الرازي: ذاهب الحديث.
وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال الدارقطني: ضعيف. فتلخص أن الحديث المذكور ضعيف من طريقيه» اهـ.
:
قلت: ومن نظر في كتب العلل وكتب الرجال يجد الأئمة رحمهم الله تعالى قد حكموا على أحاديث كثيرة من أحاديث ابن لهيعة بالضعف، والبطلان، والنكارة، مع أنها من رواية أحد العبادلة عنه.
من ذلك مثلا:ما جاء في «علل الدارقطني» (2/ 93): «سئل عن حديث أبي هريرة، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها.
فقال: تفرد به إسحاق الطباع، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرر بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمر. ووهم فيه.وخالفه ابن وهب فرواه عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر.وهو وهم أيضا؛ والصواب مرسل عن عمر» اهـ.
وجاء في «علل الدارقطني» أيضا (14/ 110): «وسئل عن حديث عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يُكبر في العيدين سبعا في الأولى، وخمسا في الثانية.فقال: يرويه الزهري، وأبو الأسود؛ واخْتُلِف فيه: فأما الزهري، فروى حديثه عبد الله بن لهيعة، واختلف عنه: فرواه يحيى بن إسحاق السالحيني، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، قال: بلغنا عن الزهري.ورواه ابن وهب، وأسد بن موسى، ومحمد بن معاوية، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، ويونس، عن الزهري.وقيل: عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري.
وقال إسحاق بن الفرات، وسعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، وأبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والاضطراب فيه من ابن لهيعة» اهـ.
قلت: وهذا الحديث يشبه الحديث الذي نحن بصدده؛ حيث قد اختلف فيه ابن لهيعة على نفسه في الإسناد، وحكم الدارقطني عليه بالاضطراب، وأن الاضطراب من ابن لهيعة نفسه، ولم يُرجح رواية ابن وهب.فتبين من كلام الأئمة وصنيعهم أن ابن لهيعة ليس بحجة؛ سواء كان الذي يروي عنه العبادلة أو غيرهم؛ وإنما يُعتبر برواياته التي يرويها العبادلة عنه، إن كان لها ما يشهد لها.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/151438/#ixzz7FWmP9bCP