تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (2)

    من صفات الدعاة إلى الله -تعالى



    مجلة الفرقان




    في محاضرة لسماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، تحدث فيها عن الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ حيث أكد أن هذا الموضوع من المواضيع المهمة، فالدعوة الله -سبحانه وتعالى- تعني طلب الدخول في دين الله -عز وجل-، فان الله -عز وجل- خلق الخلق لعبادته قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات:56-58)، وعبادتهم لله يرجع نفعها إليهم؛ لأنهم هم المحتاجون إلى عبادة الله -سبحانه وتعالى-، أما الله - جل وعلا - فإنه غني عنهم وعن عبادتهم، قال -تعالى-: {إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (ابراهيم 8).



    وأضاف الشيخ الفوزان، في الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».

    رضا الله ومغفرته ورحمته

    ثم أكد الشيخ الفوزان أنَّ العباد هم الذين بحاجة إلى أن يعبدوا الله؛ من أجل أن ينالوا رضا الله ومغفرته ورحمته، ومن أجل أن يدخلهم جنته وينقذهم من عذابه، ولذلك خلقهم الله -سبحانه وتعالى-، ولكن اقتضت حكمته -سبحانه وتعالى- أن يختبرهم، وأن يمتحنهم، ليتميز بذلك أهل طاعته من أهل معصيته، والشيطان وحزبه يدعون الناس للخروج عن عبادة الله إلى معصية الله وإلى اتباع الأهواء والشهوات، ولذلك أرسل الله -سبحانه وتعالى- الرسل يدعون الناس إلى الخير، والشياطين تدعوهم إلى الشر، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة 221). {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (يونس 25). {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} (ابراهيم 10).

    فالله يدعو عباده إلى أن يعبدوه ويتوبوا إليه ويستغفروه وأرسل الرسل يدعون الناس إلى ذلك، وكلف العلماء ورثة الأنبياء بالدعوة اليه -سبحانه وتعالى- من أجل مصلحة العباد ومن أجل منفعتهم، فالدعوة إلى الله قائمة منذ حصل ما حصل بين آدم وعدوه الشيطان وعندما تكفل الشيطان بإغواء بني آدم من استطاع منهم واضلالهم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر 6).

    مقابلة الإساءة بالإحسان

    وبين الشيخ الفوزان أن هناك دعاة إلى الخير، وهناك دعاة إلى الباطل من شياطين الجن والإنس، وهذه حكمة من الله -سبحانه وتعالى- وابتلاء وامتحان للعباد منذ بدء الخليقة إلى آخر الدنيا، والصراع مستمر بين الحق والباطل، وبين الدعاة إلى الخير والدعاة إلى الشر، والله -سبحانه وتعالى- أثنى على الدعاة إلى الله، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت 33-34).

    أحسن الناس قولا

    فأخبر -سبحانه- أن الدعاة إلى الله هم أحسن الناس قولا، وأيضا وصف الدعاة بأنهم يعملون بما يدعون الناس إليه: {وعمل صالحا}، فالداعية يجب أن يكون أول من يمتثل بما يدعو إليه من الطاعة والعبادة حتى يكون قدوة صالحة، وحتى تصدق أقواله أعماله، ولهذا يقول نبي الله شعيب -عليه السلام-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (هود 88).

    الانتساب إلى الإسلام

    وقوله -تعالى-: {وقال إنني من المسلمين}، أي: ينتسب إلى الإسلام وإلى المسلمين وجماعة المسلمين لا ينتسب إلى أحد سوى المسلمين، ثم يبين الله -سبحانه وتعالى- أن الداعية إلى الله يتعرض إلى أذى من الناس، ولكن أوصاه أن يدفع بالتي هي أحسن، فإذا أساء أحد إليه فإنه يقابل الإساءة بالإحسان، لأن هذا يبعث على قبول دعوته: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

    أخلاق الداعية

    فالداعية حينما يؤذى فإنه لا يلتفت إلى ما يقال وما يفعل ضده، وأيضًا يقابل الاساءة بالإحسان فيحسن إلى من أساء إليه من أجل أن يجتلب الناس إلى الخير؛ لأنه لا يريد الانتصار لنفسه، وإنما يريد الخير للناس؛ ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينتصر لنفسه قط، وإنما يغضب وينتصر إذا انتهكت حرمات الله -سبحانه وتعالى-، أما هو في نفسه فهو يؤذى ويقال فيه ويتكلم فيه ولم ينتصر لنفسه، بل يحتسب الأجر عند الله -سبحانه وتعالى.

    من مقومات الدعوة

    وهذا أيضًا من مقومات الدعوة: الإحسان إلى المدعوين وإن أساؤوا، هذا مما يجلبهم إلى الخير ويرغبهم في الخير، أما مقابلتهم بالإساءة فإن هذا ينفرهم: {ادفع بالتي هي أحسن}، ثم بين أن هذه الصفة صفة عزيزة، يعني: كون الإنسان يصبر ويتحمل ويقابل الإساءة بالإحسان هذه صفة عزيزة فقال: {وما يلقاها إلا الذين صبروا} (فصلت 35)، هذه تحتاج إلى صبر، وهو: حبس النفس عن الجزع، حبس النفس عن إرادة الانتقام والانتصار وتوطين النفس، هذا ما يدفع به العدو الإنسي، يدفع بالإحسان إليه حتى تجتلب مودته ويتألف على الخير، أما العدو الشيطاني فبين الله ما يدفع به فقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت 36).

    شياطين الإنس والجن

    فالداعية إلى الله يتعرض إلى شياطين الإنس وشياطين الجن: أما شياطين الإنس فيقابلهم بالإحسان عن إساءتهم، والصفح عن زلتهم وعدم الالتفات إلى ما يقولون، أما العدو الجني فإنه يدفع بالاستعاذة، هذا طريق الداعية الناجح أنه يستمر في دعوته إلى الله، أنه لا يفت في عضده أو يفل من عزمه أن فلانا أساء إليه أو تكلم فيه، لأنه لا يدعو لنفسه ولا ينتصر لنفسه، وإنما يدعو إلى الله -عز وجل-، فالدعوة إلى الله معناها: طلب الدخول في دين الله -عز وجل- الذي خلق الخلق من أجله، وبه سعادتهم وصلاحهم وفلاحهم.

    ما الذي يريده الداعية الناجح؟

    فالداعية إلى الله لا يريد من الناس أن يردوا إليه جزاء على دعوته، وإنما يريد الأجر من الله، والداعية إلى الله لا يريد الرفعة والعلو في الأرض، وإنما يريد المصلحة للناس ومنفعة الناس، ويريد إخراجهم من الظلمات إلى النور، هذا الذي يريده الداعية الناجح، وأما الذي يعكس ذلك يريد مظهرًا أو يريد ثناء من الناس فهذا لاشك أنه يرجع من أول الطريق عندما يقابل أول عقبة، أما الذي يدعو إلى الله فإنه لا ينثني بل يستمر في دعوته: {قل لا أسألكم عليه أجرا}، (الأنعام 90)، كل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يقولون لأممهم: لا نسألكم عليه أجرًا، وإنما نريد النفع لكم والخير، فإن قبلتم فذلك هو المقصود، وإذا لم تقبلوا فنحن قد أبرأنا ذمتنا وأقمنا الحجة عليكم.

    الدعوة إلى الله تسبق الجهاد

    وأكد الشيخ الفوزان على أنَّ الدعوة إلى الله تسبق الجهاد؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أرسل جيوشه يوصيهم بأن يدعو الناس قبل مقاتلتهم، يبدؤوهم بالدعوة إلى الله فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فعند ذلك يقاتلون ويجاهدون لإعلاء كلمة الله -عز وجل-، فالكفار يدعون إلى الدخول في دين الله، والمسلمون الذين عندهم انحراف في العقيدة يدعون إلى تصحيح العقيدة، والمسلمون الذين عندهم استقامة على العقيدة ولكن عندهم بعض المعاصي والمخالفات يدعون إلى التوبة وإلى ترك الذنوب والمعاصي.

    منهج الدعوة إلى الله

    ثم واصل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- قائلا: « فالدعوة إلى الله مطلوبة، وهي تتنوع بحسب الحاجة، فلا بد من الدعوة إلى الله -عز وجل-، وظيفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من العلماء المصلحين إلى أن تقوم الساعة، ولا يجوز تركها، يقول الله -عز وجل-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران 110)، ويقول: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران 104).

    وظيفة الأمة

    فوظيفة هذه الأمة هي الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والله -سبحانه وتعالى- أمر نبيه بالدعوة إلى الله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125)، هذا أمر من الله -سبحانه وتعالى- لنبيه، ثم بين له المنهج الذي يسير عليه في دعوته: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف 108).

    منهج الدعوة

    وأضاف -حفظه الله-، ثم لابد أن يكون منهج الدعوة موافقا لما شرعه الله -سبحانه وتعالى-، وليست مناهج الدعوة مفوضة إلى الناس يضعون مناهج لأنفسهم، بل المنهج وضعه الله -سبحانه وتعالى- ورسمه وطبقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سيرته العطرة، وكذلك أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ساروا على منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، وأي واحد يحدث منهجا يخالف منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - (منهج الكتاب والسنة)، فإنه يكون مخطئا في منهجه، ومن ثم لا تنجح دعوته، بل تكون دعوته غير صحيحة، إنما ينجح في دعوته إذا ترسم خطا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ منهج الدعوة من الكتاب والسنة.

    ما يشترط في منهج الدعوة

    وختم الشيخ الفوزان محاضرته بالحديث عن شروط منهج الدعوة قائلاً: في هاتين الآيتين بيان واضح لذلك نأخذ منهما: أنه يشترط في منهج الدعوة بادئ ذي بدء:

    (1) إخلاص النية لله -تعالى

    لابد أن تكون النية خالصة لله -عز وجل-، وأن يكون مقصود الداعية ثواب الله -سبحانه وتعالى-، وإقامة دينه وإصلاح المدعوين على الطريق السليم، لا يريد عرضا من أعراض الدنيا، ولا علوا في الأرض ولا رياء ولا سمعة ولا طمعا دنيويا، وإنما يريد وجه الله، ويريد أيضا إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، هذا المقصود، وفي قوله -تعالى-: {إلى الله} التنبيه على الاخلاص، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- على هذه الآية: {أدعوا إلى الله}: فيه التنبيه على الإخلاص؛ لأن أكثر الناس إنما يدعو إلى نفسه». فالمطلوب في منهج الدعوة ألا يدعو إلى جماعة أو حزب أو شخص غير محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا إلى مذهب غير دين الإسلام ولا إلى جماعة غير جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة) {وقال إنني من المسلمين}.

    (2) الدعوة على بصيرة

    أن يكون على بصيرة، يكون على علم بما يدعو إليه، بأن يتعلم أولا العلم الذي يستطيع به أن يدعو الناس إلى الله -عز وجل-، فالجاهل لا يصلح للدعوة وإن كانت نيته صالحة، وإن كان يدعو إلى الله بقصده وعزمه ولكن إذا لم يكن عنده علم فإنه لا يصلح للدعوة، لأنه ليس معه مؤهل شرعي، لأن الذي يدعو إلى الله يحتاج إلى أن يبين للناس الخطأ من الصواب في العقيدة، في العبادات، وفي المعاملات، وفي الآداب والأخلاق، وفي الأحوال الشخصية، وفي جميع أمور الشرع، يحتاج إلى أن يبين لهم هذه الأشياء، وإذا لم يكن عنده علم فكيف يبين لهم؟ هل يقول فيها يجهل، يحلل ويحرم بجهل؟ هذه مصيبة عظيمة، فلا يصلح للدعوة إلا من كان مؤهلا بالعلم الشرعي المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم .

    (3) صحة الطريقة والوسيلة

    الطريقة الصحيحة التي بها توصل بها الدعوة إلى الله -عز وجل- إلى قلوب الناس، فإذا كانت الدعوة تسير على طريقة صحيحة فإنها تصل إلى القلوب، وينفع الله -جل وعلا- بها ولو لم يهتد بها إلا القليل، إلا أنه على مر الزمان تبقى آثارها.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (3)
    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
    - منهج السلف الصالح وحاجة الأمة إليه


    مجلة الفرقان

    في محاضرة نفيسة لسماحة الإمام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- تحدث فيها عن: (منهج السلف الصالح وحاجة الأمة إليه)؛ حيث بين أنَّ المراد بالسلف الصالح: القرن الأول من هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار قال الله -جل وعلا-: {وَالسَّابقون الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال في الذين يأتون من بعدهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

    ثم من جاء بعدهم وتتلمذ عليهم من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من القرون المفضلة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ « قال الراوي: «لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة»، وعصرهم يسمى ويمتاز على من بعدهم بـ: (عصر القرون المفضلة)، هؤلاء هم سلف هذه الأمة الذين أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، فهم القدوة لهذه الأمة، ومنهجهم هو الطريق الذين يسيرون عليه في عقيدتهم، وفي معاملاتهم، وفي أخلاقهم، وفي شؤونهم جميعها، وهذا المنهج مأخوذ من الكتاب والسنة؛ لقربهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولقربهم من عصر التنزيل، وأخذهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهم خير القرون ومنهجهم خير المنهاج.

    معرفة منهج السلف وتعلمه والعمل به

    ثم بين الشيخ الفوزان أنه لا يمكن السير على منهج السلف إلا بمعرفته وتعلمه والعمل به، ولهذا قال -جل وعلا-: {وَالسَّابقون الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} يعني: بإتقان، ولا يمكن اتباعهم بإحسان إلا بتعلم مذهبهم ومنهجهم، وأما مجرد الانتساب إلى السلفية من غير معرفة بها وبمنهجها فهذا لا يدري شيئا، بل قد يضر، فلابد من معرفة منهج السلف الصالح، ولهذا كانت هذه الأمة تتدارس منهج السلف الصالح وتتناقله جيلا بعد جيل، فكان يدرس في المساجد، ويدرس في المدارس وفي المعاهد والكليات والجامعات، فهذا هو منهج السلف الصالح، وهذه الطريقة لمعرفة منهج السلف الصالح الصافي.

    طريق النجاة إذا اختلف الناس

    وأضاف الشيخ الفوزان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكثر الاختلاف في هذه الأمة وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافَترَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَستَفْتَرِقُ هذه الأمة عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، هذا منهج السلف الصالح ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه أصحابه، فهذا الطريق هو طريق النجاة، فإذا اختلف الناس وكثرت المذاهب وكثرت الطرائق والفرق والأحزاب، فمسلك النجاة يكون بالتمسك بمنهج السلف الصالح، تتمسك به وتصبر عليه حتى تلقى الله -سبحانه وتعالى.

    موعظة بليغة

    وجاء أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعظ أصحابه موعظة بليغة آثرت فيهم وبكت منها العيون فقالوا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا مجدعا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة «هذه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن تسير على منهج السلف الصالح؛ لأنه طريق النجاة، وهذا كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، تتقون النار، وتتقون الضلال، وتخالفون الفرق الضالة، وتسيرون على المنهج السليم حتى تلحقوا بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه وأتباعه، ومن يتمسك بهذا ولا سيما في آخر الزمان، فسيلقى تعبا من الناس والمخالفين، وسيلقى تأنيبا وتهديدا فيحتاج إلى صبر، كما أنه سيلقى من المغريات الصارفة، وكذلك تهديدات من الفرق الضالة والمناهج المنحرفة، فكل ذلك يحتاج إلى صبر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس وفي رواية: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاس»، وأيضا جاء أن المتمسك بدينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر « لأنه يلقى أذى، فليس هذا الطريق مفروشًا بالورود فلابد من الصبر والثبات حتى تلقى ربك -عز وجل- وأنت عليه لتنجو من الضلال في الدنيا، ولتنجو من النار في الآخرة، فلا طريق إلا هذا، ولا نجاة إلا بسلوك هذا.

    دعاء عظيم

    ولهذا فرض الله علينا أن نقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا فريضة أو نافلة، وفي آخرها هذا الدعاء العظيم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لأن هناك طرقا منحرفة خادعة؛ فأنت تسأل الله أن يجنبك هذه الطرق، وأن يدلك على الصراط المستقيم ويثبتك عليه في كل ركعة لأهمية هذا الدعاء، ومن هم الذين يسيرون على الصراط المستقيم؟ هم الذين أنعم الله عليهم: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ومن هم الذين أنعم الله عليهم؟ هم من قال الله فيهم: {مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، وإذا سألت الله أن يهديك هذا الصراط تسأل الله أن يجنبك الطرق الضالة، والطرق المنحرفة:

    أ - {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود الذين علموا الحق ولكنهم لم يعملوا به، وكل من سار على نهج اليهود من هذه الأمة، ممن عرف الحق ولم يعمل به فهو على طريق المغضوب عليهم؛ لأنه عرف الحق ولم يعمل به، أخذ العلم وترك العمل، وكل عالم لا يعمل بعلمه فهو من المغضوب عليهم.

    ب -{وَلا الضَّالِّينَ} وهم: الذين يعبدون الله على جهل وضلال، لكنهم على غير طريق صحيح، وعلى غير دليل من الكتاب والسنة. فهذا دعاء جامع نردده في كل ركعة من صلواتنا، فلنتأمل معناه وندعو به مع حضور قلب وفهم لمعناه؛ حتى يستجاب لنا، يقال بعد الفاتحة آمين، وآمين معناها: اللهم استجب، فهو دعاء عظيم لمن تأمله.

    لايجوز التخذيل عن منهج السلف

    ثم عرج الشيخ -حفظه الله- إلى قضية مهمة فقال: الآن يخذلون عن منهج السلف في الصحف والمجلات والمؤلفات، ويتنقصون أهل السنة والجماعة السلفيين الحقيقيين قائلين: «إنهم متشددون، إنهم تكفيريون»، لكن هذا لا يضر، لكن يؤثر على الإنسان الذي ليس عنده صبر وقوة عزيمة.

    - ومنهم من يقول: من السلف؟ السلف إنما هم طائفة مثل سائر الطوائف، فرقة مثل سائر الفرق، حزب مثل سائر الأحزاب، ما لهم ميزة! هكذا يقول بعضهم.

    - ومنهم من يقول: لسنا مكلفين بفقه السلف، ونحن من نشق طريقنا، ونحن نستنبط الأحكام من جديد، وأن فقه السلف فقه قديم، ومن ثم لا يصلح في هذا الزمان، بل هو صالح لزمانهم؛ فيزهدون في فقه السلف، ويدعون إلى فقه جديد، كثر هذا في الجرائد والمجلات من الكُتاب وأهل الضلال، يريدون أن نترك مذهب السلف وفقه السلف وعلم السلف، ونحدث فقهاً جديدا كما يقولون وهذا كذب، وشريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، فمنهج السلف صالح لكل زمان ومكان، فهو نور من الله -عز وجل-، فلا يزهدك فيه كلام هؤلاء المخذلين الضالين، قال الإمام مالك -رحمه الله- يقول: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح به أولها» والذي أصلح أولها هو الكتاب والسنة واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهذا هو الذي أصلح أول الأمة ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

    دعاة على أبواب جنهم


    وأضاف الشيخ -حفظه الله- قائلا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخوف من دعاة الضلال الذين يريدون أن يصرفوا الناس عن منهج السلف، وأخبر أنهم دعاة على أبواب جنهم، من أطاعهم قذفوه فيها، واليوم كثرت الوسائل التي تنشر الشر بين الناس، وهي وسائل شر دقيقة تصل إلى الناس في بيوتهم، وعلى فرشهم تدعو إلى الضلال، وكثر من يتعالم ويدعي العلم والمعرفة وهو لم يتلق العلم عن مصادره وعن أصوله، بل يتلقاه عن أمثاله أو من الكتب أو من الثقافة كما يقولون، وهذا ليس موصلا إلى الخير ولا إلى الطريق الصحيح، فيلزم الحذر الشديد من هؤلاء، وكلما يتأخر الزمان، تشدد الغربة، وتكثر الفتن؛ فيحتاج المسلمون إلى عناية أكثر بمنهج السلف، وذلك لا يمكن إلا بالعلم النافع والعناية بالدراسة، وأن يتلقى عن العلماء المعروفين به، المستقيمين على الطريق الصحيح، تجنبوا هذه الطرق المنحرفة التي حذرنا الله منها: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (4)
    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
    - طاعة العلماء والأمراء في المعروف أصل عظيم من أصول الدين


    مجلة الفرقان

    من نفائس محاضرات العلامة الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- - هذه المحاضرة عن طاعة العلماء والأمراء؛ حيث بين أن هذا الموضوع زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام، وحصل بسببه فتن وحروب وقتل وضياع أمن؛ بسبب التفريط في هذا الأصل، الذي هو طاعة أولي الأمر، والله -جل وعلا- أمرنا بطاعة أولي الأمر؛ لما يعلمه -سبحانه- من مصلحتنا في ذلك، وما يترتب على ذلك من الخير الكثير عاجلا وآجلا، ولما في معصيتهم ومخالفتهم من الشرور والفتن وضياع الأمن وانتشار الخوف والقلق في المجتمع، قال الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.

    وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أُوصيكم بتقوى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- والسمعِ والطاعةِ وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، وإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدِين المهدِيِّينَ عَضُّوا عليها بالنواجذِ وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» وفي رواية: وكل ضلالة في النار» والله -جل وعلا- أمر المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} لأنهم هم الذين يمتثلون أمر الله -سبحانه و-تعالى--، بمقتضي إيمانهم، فقال: {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} طاعة الله -جل وعلا- في الدرجة الأولى وهي الأصل وهي الغاية، وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله عز وجل: {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} وأولي الأمر هم العلماء والأمراء.

    العلماء هم ألو الأمر

    ثم تابع الشيخ الفوزان -حفظه الله-: «فالعلماء هم ألو الأمر من ناحية أنهم يبلغون عن الله -سبحانه وتعالى- ما ورثوه عن نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - من العلم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن العلماء ورثة الأنبياء»؛ فالعلماء لهم شأن في الأمة لأنهم ورثة الأنبياء، فليسوا مثل غيرهم من أفراد الناس؛ فالله فضلهم لأنهم ورثة الأنبياء، فهم يبلغون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخلفون من بعده في القيام على مثل ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - تبليغه للناس، فتجب طاعتهم ولا يجوز الاختلاف عليهم، فهم أولو الأمر من ناحية أنهم يحملون الشريعة ويبلغونها للناس، أمراً ونهياً، وغير ذلك مما ورثوه عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فلهم أمر في هذا لا يستهان بهم، لأنهم لا يقولون شيئا من عند أنفسهم، وإنما يقولون ما بلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلهم الأمر الشرعي العلمي، والأمراء لهم أمر من ناحية السياسة، وتنفيذ شرع الله -سبحانه و-تعالى--، لأنهم بيدهم السلطة، فالعلماء من أولي الأمر من ناحية الشرع، والأمراء بل هم من رأس أولي الأمر من ناحية السلطة التنفيذية، التي ولاهم الله -جل وعلا- عليها.

    المصالح العظيمة في طاعة العلماء والأمراء

    وفي طاعة العلماء وطاعة الأمراء مصالح عظيمة من استتباب الأمر وتعظيم الشرع والسلامة من الاختلاف والفتن والانضباط في الأمر، الله -جل وعلا- قال: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} وردوه إلى الرسول في حياته - صلى الله عليه وسلم - يرجع إليه وبعد موته يرجع إلى سنته التي ورثها لأمته.

    وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي»، والذين يقومون على الكتاب والسنة ويبلغون رسالات الله ويخشون الله هم العلماء الربانيون، والله شرفهم بالعلم قال - صلى الله عليه وسلم -: «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب» لأن القمر يضيء للناس، والعلماء يضيئون للناس بالعلم، وأما الكواكب فإنها تضيء لنفسها فقط، وهم العباد نفعهم قاصر على أنفسهم وعبادتهم قاصر نفعها على أنفسهم، وأما العلماء فنفعهم يتعدى كما يتعدى وجه القمر إلى الكون فيضيء الكون وبهذا يظهر فضل العلماء.

    الآثار الوخيمة في فقد العلماء

    ثم أضاف العلامة الفوزان قائلا: «ولهذا إذا فقد العلماء حصل الشرخ والاختلاف، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال وإنما يقبض العلم بموت العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم، فأضلوا وأضلوا»، وما حدث الشرك في قوم نوح إلا بعد فقد العلماء، لأن قوم نوح زين لهم الشيطان أن يصوروا صور الصالحين، فيتذكروا أحوالهم -بزعمهم- فينشطوا على العبادة، فأطاعوا الشيطان وصوروا صور الصالحين ونصبوها على مجالسهم، والشيطان يريد لهم الشر ويريد لهم الهلاك، ولكنه لا يقدر مع وجود العلماء، فلذلك لم يأمرهم بعبادة تلك الصور مع وجود العلماء، وإنما انتظر حتى إذا مات العلماء ونسخ العلم أو نسي العلم، قال: إن إباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها وبها كانوا يسقون المطر، فعبدوها من دون الله، لما لم يكن فيهم علماء ينهونهم عن ذلك، فحدث الشرك وحدث الدمار في قوم نوح، كما ذكر الله -جل وعلا- في القرآن، وهذا سببه فقد العلماء.

    إذا قبض العلم اتخذ الناس رؤوسا جهالا

    وكذلك في آخر الزمان إذا قبض العلم اتخذ الناس رؤوسا جهالا ليس عندهم علم، فأفتوا بغير علم فأضلوا وأضلوا، أما العلماء الحقيقيون فإنهم يفتون بعلم، أما هؤلاء ليس عندهم علم يفتون به، أفتوا بغير علم، فضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم، وبهذا يظهر فضل العلماء وفضل وجودهم في الأمة، ومن ثم لا يجوز مخالفتهم، ما داموا مستقيمين على العلم الصحيح، لا تجوز مخالفتهم لأنهم ورثة الأنبياء، يبلغون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا يتهاون بشأنهم، ونقول نحن وإياهم سواء، لا سواء، ليس العالم كالجاهل، ليس العالم مثل الجاهل.

    حقوق ولاة الأمور

    ثم تكلم الشيخ صالح -سلمه الله- عن ولاة الأمور وهم الذين يتولون السلطة، فهؤلاء يجب احترامهم ويجب طاعتهم بالمعروف، كما في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وقوله: {منكم} أي من المسلمين، أما ولي الأمر الكافر فهذا لا يطيعه المسلم، ثم أيضاً لنعلم أن طاعة العلماء وطاعة الأمراء مربوطة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ما لم يخالف كتاباً ولا سنة تجب طاعتهم لا لذاتهم وإنما لما يبلغونه عن الله ورسوله، وهم أمناء، أما إذا أمروا بمعصية، السلطان أمر بمعصية فإنه لا يطاع في هذه المعصية، لكن تبقى طاعته فيما عاداها مما ليس بمعصية، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطاعة في المعروف» وقد جاء في الحديث عن علي - رضي الله عنه - قال: «بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية، فاستعمل رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه فغضب، فقال: أليس أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني ؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف».

    وأكد الشيخ على أن ذلك ليس معناه أن ولي الأمر إذا أمر بمعصية إنها تنخلع ولايته ويجوز الخروج عليه، لايطاع فيما عاداها وهؤلاء الصحابة لم يخرجوا على أميرهم بسبب أنه أمرهم بدخول النار، بل بقوا مطيعين له، لكن لم يطيعوه في هذه المسألة فقط، يجب أن نعرف هذا، وأما إذا أمر الأمراء أو العلماء بمعصية الله أو أحلوا حراما أو حرموا حلال، فلا تجوز طاعتهم في ذلك، والله -جل وعلا- قال في النصارى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ -سبحانه- عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقد بين الرسول الله عليه وسلم لما سأله عدي بن حاتم ما معنى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} فقال يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم لأنه كان نصرانيا ثم أسلم - رضي الله عنه - فهو يخبر عن النصارى أنهم ما كانوا يعبدون الأحبار والرهبان، يعني يركعون لهم ويسجدون لهم ما كنا نعبدهم، قال - صلى الله عليه وسلم -:» أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه؟» قال:» بلى، قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه»، قال بلى، قال: «فتلك عبادتهم» فدل على أن عبادتهم ليست مقصورة على الركوع والسجود، بل طاعتهم في التحريم والتحليل والتشريع، فكل هذا حق لله، قال -تعالى-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}.

    الضوابط في طاعة العلماء والأمراء

    وأضاف، الآن نسمع من يقول في كثير من الصحف يقول: مادامت المسالة فيها خلاف فنحن نأخذ بأي قول، وكل أقوال العلماء سواء فإذا أخذنا بأي قول فقد أطعنا الله وأطعنا الرسول» ! نقول: لا هذا غلط، الله ما أمرنا أن نطيع كل أحد، وأقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب، فنحن نأخذ الصواب الموافق للدليل، ونترك الخطأ المخالف للدليل، والعلماء ليسوا معصومين فيخطئون ويصيبون، والله -تعالى- قال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} فالعلماء إذا اختلفوا نرد خلافهم وأقوالهم إلى كتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما وافق الدليل أخذنا به، وما خالف الدليل تركناه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:» إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» ولكن لا يجوز لنا أن نأخذ الخطأ، وإنما نأخذ الصواب، الموافق لكتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فنعلم أن روابط طاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء إنها ما وافقت كتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما خالف ذلك فإننا لا يجوز لنا أن نأخذ ما خالف الكتاب والسنة كائناً من كان، ولكن المجتهد من العلماء إذا أخطا له أجر على اجتهاده ولكن لا يجوز لنا أن نأخذ ما أخطأ فيه، وهو مأجور على اجتهاده ولا نتنقص العالم إذا أخطأ أو نحط من قدره، بل ندعو له، نستغفر له، ونقول هو اجتهد وبذل وسعه.


    طريقة الخوارج والمعتزلة

    وليس إذا خالفنا الأمير أو العالم في خطأ لم نوافقه عليه يكون معنى ذلك أننا نخرج على ولي الأمر ونخلع طاعته أو نستهتر بالعلماء لمجرد خطأ حصل من بعضهم لا يجوز لنا هذا، نحترمهم وإن أخطؤوا، لكن لا نتبعهم على الخطأ ونطيع الأمراء وولاة الأمور وإن أمروا بمعصية لكن نتجنب المعصية فقط ونطيعهم فيما عاداها، إنما هذا الذي يخرج على العلماء وعلى ولاة الأمور بسبب خطأ يحصل هذه طريقة الخوارج والمعتزلة، أما أهل السنة والجماعة فهم مقيمون على طاعة العلماء وعلى طاعة ولاة الأمور فيما وافق الكتاب والسنة، ويعتذرون عما خالف الكتاب والسنة ولا يعملون به ولا يمتثلونه ويناصحون من حصل منه الخطأ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم».








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (5)
    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
    - وقفات مع وصية النبي -صلى الله عليه وسلم في حديث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَةَ - رضي الله عنه



    مجلة الفرقان




    هذه محاضرة نفيسة للعلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله- وهي شرح لحديث الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَنا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ «فأوصاهم النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم - بعدةِ وصايا عظيمة لها شأنٌ عظيم، وفي شرح هذه المعاني العظيمة يقول الشيخ صالح حفظه الله: «كان النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة، ولا يكرر عليهم كلَ يوم وإنما يتخولهم بين حينٍ وآخر، فالموعظة من هديه -صلى الله عليه وسلم - عملًا بقوله -تعالى-: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} فالموعظة لا شك أن لها تأثيرًأ في قلوب الموعظين يبقى أثرها فيهم، إذا كانت صادرةً من ناصحٍ مخلصٍ متبعٍ للكتاب والسُّنَّة «كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ»، يعني كأنها ختام حياة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم - «فَأَوْصِنَا» لأن من عادةِ المودع أنه يُوصي من خلفه بالأمور المهمة، «كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُور!؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

    ثلاثة أمور عظيمة وصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم فأوصى -صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشياء:

    أولا: بتقوى الله وحده.

    الثانية: السمع والطاعة لولاة الأمور.

    الثالثة: ثم التمسك بالسُّنَّة عند ظهور الفتن والاختلاف، أوصى بالتمسك بسُّنَّته - صلى الله عليه وسلم - «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ» من الصحابة، إذا كان هذا يحدث في عصر الصحابة الاختلاف والفتن، فكيف فيمن يأتي بعدهم؟ «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» بين الناس، «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي»، ما ينجي من هذا الاختلاف إلاَّ التمسك بسُّنَّة الرَّسُّول -صلى الله عليه وسلم - لأنها تحسم الخلاف، كما قال اللَّهُ - جَلَّ وَعَلاَ -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.



    تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ

    وفي حديث حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - أنه سأل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عما يحدث من الفتن وما يأتي بعد هذه الفتن من الخير، ثم يأتي بعدها فتن وهكذا فقال حُذيفة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» قُلْتُ: يَا رَسُّولَ اللهَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».

    هذه وصية رَسُّولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة عند ظهور الفتن وهذا وصيةٌ للأمة كلهاِ، والفتن تحدث لا سيما في آخر الزمان وتكُثُر، ولكن الحمد لله معنا من كتاب اللهِ وسُّنَّة رَسُّولهِ ما يعصمنا من هذه الفتن إذا تمسكنا بهما، قال الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، -رضي الله عنه -: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوْعِظَةً بَلِيغَةً» والبلاغة: كما يقولون هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، «وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ» خافت منها القلوب، «وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ» بالبكاء خوفًا من هذه الفتن، «فَقَالنا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ» يعني فهموا منها أنها آخر حياة الرَسُول -صلى الله عليه وسلم - «كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ» هذه واحدة، «وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأمَرَ عَلَيْكُمْ عَبْدًا»، ثم إذا ظهر الاختلاف بين الناس» فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعَدِي».



    الوصية بتقوى الله

    (أوصيكم بتقوى الله)، تقوى الله كلمة جامعة تجمع كل الخير وقد أوصى بها الله -سبحانه وتعالى- في الأولين والآخرين قال -تعالى-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ}، فأوصى الأولين والآخرين أن يتقوا الله -عز وجل-، والتقوى أن تتخذ وقاية بينك وبين المكروه تقيك منه، ولا يقي من هذه الفتن التي تحدث إلا سُّنة الرسول -صلى الله عليه وسلم - يعني في حياته الرد إليه إلى شخصه -صلى الله عليه وسلم - وبعد ماتته الرد إلى سُّنته الصحيحة الثابتة، والسنة تطلق ويراد بها اﻷحاديث الورادة عن الرَّسُّول -صلى الله عليه وسلم -، وتطلق بها الطريقة التي عليها رَسُّول اللهِ -صلى الله عليه وسلم - وهي المقصودة في الحديث.

    فقوله: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» يعني: الزموا، وكلمة: (عليكم) اسم فعل أمر كما قال - جَلَّ وَعَلاَ -: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} عليكم أنفسكم أي: الزموا أنفسكم، والمراد: عليكم بتقوى الله، وتقوى الله هي: فعل أوامره وترك نواهيه، طمعًا في ثوابه وخوفًا من عقابه، وهي كلمة جامعة تجمع كل خصال الخير، عليكم بتقوى الله هذه واحدة.



    سنة الخلفاء الراشدين

    ثم قال الشيخ صالح الفوزان في قوله: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» من هم الخلفاء الرشدين؟ هم اﻷربعة: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- هؤﻻء هم الخلفاء الرشدين. فقوله: «بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» لأن سنة الخلفاء الرشدين تبيَّن سُّنة الرَّسُّول - صلى الله عليه وسلم - توضحها.



    الوصية بالسمع والطاعة

    - الثانية: السمع والطاعة، وهذا عند ظهور الفتن والشرور تلزم جماعة المسلمين وإمامهم هذا هو النجاة من الفتن، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة - فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ هذه الفتن، قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، عند ظهور الفتن علينا أن نلزم ما عليه جماعة المسلمين وامام المسلمين، وإمامهم يعني ولي أمرهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني من المسلمين، وولي الأمر يكون من المسلمين، وفي لزوم جماعة المسلمين وإمامهم منجاة من الفتن إذا ظهرت.



    النجاة من الفتن منوط بتعلم المنهج السليم

    ولن تدرك ذلك إلا أن تتعلم المنهج السليم الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها، تعلم العلم النافع وإلا مسألة ادعاء لزوم الجماعة من غير حقيقة ولا علم هذا لا يكفي، ولابد أن تتعلم ما عليه سلف هذه الأمة وأئمتها لأجل أن تمتثل وتسير عليه في حياتك.



    إمارة العبد

    ثم تابع الشيخ صالح الفوزان حفظه الله قائلا في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وَإِنْ تَأمَرَ عَلَيْكُمْ عَبْد»، يعني ما ينظر الى نسبه، ولا إلى شخصه، وفي بعض الروايات «مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ» يعني فيه عيوب جسمية، أو نسبه ليس عربيًا وإنما هو عبدٌ حبشيٌ.

    فولي أمر المسلمين يدفع الله به شرورًا كثيرة، وهو ظل الله في الأرض كما في الحديث، فلزوم ولي أمر المسلمين هو النجاة من الفتن إذا حصلت. وفي هذا تحذير من اتباع المناهج غير منهج أهل السنة والجماعة، والجماعات كثيرة كما في الحديث: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» والمقصود مذاهب كثيرة، لكن الحق مع جماعة واحدة؛ ولا سيما في هذا الزمان الذي انتشرت فيه المناهج، ولا مخرج إلا بلزوم إمام المسلمين وجماعتهم. وليس بلازم أن يكون إمام المسلمين معصومًا أو ليس له أخطاء أو ليس له ذنوب، وأنه إذا أخطأ لا يقتدى به، حتى لوكان فاجرًا، فذلك لا يخرجه عن الإسلام بل تلزم طاعته، كما يقول أهل السنة والجماعة في العقيدة: «برا كان أو فاجرا برا يعني: مستقيمًا ومطيعًا، أو فاجرًا يعني عاصيًا لا تصل معصيته إلى الكفر والخروج من الدين». هذا هو المخرج من هذه الفتن وهذه الشرور.



    أهمية دراسة عقيدة السلف

    ثم أضاف الشيخ صالح الفوزان: ولابد أن نتعلم عقيدة المسلمين وما عليه سلف هذه الأمة قال اللَّهُ - جَلَّ وَعَلاَ -: {وَالسَّابِقون الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بإحسان ليس بانتساب فقط والإحسان يعني بإتقان وذلك بأن يعرفوا ما عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.

    تقييد الذين اتبعوهم بقوله:{بِإِحْسَا نٍ}

    أضاف الشيخ صالح الفوزان قائلا: وفي الآية جاء تقييد الذين اتبعوهم بقوله:{بِإِحْسَا نٍ}، والإحسان معناه أن تعرف ما هم عليه سنتهم وطريقتهم تتمسك بها، وذلك بأن تأخذها عن العلماء، لا أن تأخذها عن المتعالمين، أو عن الكتب والمطالعات، وتأخذها عن علماء المسلمين الذين هم القدوة حتى تتمسك بها على حق وعلى بصيرة.



    التحذير من مخالفة السنة

    ثم حذر - صلى الله عليه وسلم - ممن يخالف السُّنة (سُّنة الرَّسُّول وسُّنة الخلفاء الرشدين)، «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُور!» وهي البدع، المحدثات هي: البدع التى تخالف سُّنة الرَّسُّول - صلى الله عليه وسلم -، والبدع كثيرة، والنَّبِي -صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم - خَطَّ خَطًّا معتدلًا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ على جنبيه خُطُوطًا كثيرة، وَقَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ» التي على جنبتي الصراط وقال: «هَذِهِ سُبُلٌ» من اتبعها ضلَّ وضاع، ومن ترك الصراط المستقيم الذي هو الطريق الصحيح وقع في هذه السبل، وﻻ يتبين ما هو الحق منها، كل يقول الحق معي وأنا كذا، كذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم وضح لنا هذا إيضاحا فقال: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» «هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ» كل سبيل من السبل التي على جنبتي الطريق المستقيم عليه شيطان من شياطين الإنس والجن يدعون إليه، ويرغبون فيه وربما يبذلون اﻷموال والطمع، يطمَّعون الناس ولكنه طريق هلاك «عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ» هؤﻻء هم دعاة الضلال الذين هم على سبل الضلال يدعون الناس إليها، فمن أطاعهم أهلكوه «وَهَذِهِ سُبُلٌ،عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ»؛ وهذا من باب التحذير منه - صلى الله عليه وسلم -. فقوله: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ!» وهي البدع، فكلمة: «إيَّاكُم»، هذه تحذير، فكل ما خالف السُّنة، مما هو من يُنسب إلى الدين وهو يُخالف السُّنة فهو بدعة. فمن ترك السُّنن وقع في البدع.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (6)

    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - السلفية حقيقتها وسماتها


    مجلة الفرقان

    من عيون محاضرات العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- هذه المحاضرة النافعة (السلفية حقيقتها وسماتها)؛ حيث بين فيها الشيخ ضرورة التمسك بالسنة الغراء، وأشار إلى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيَحْصُل افتراق في هذه الأمة كما حصل في الأمم السابقة، وأوصانا -صلى الله عليه وسلم - عند ذلك أن نتمسك بما كان عليه -صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه، قال -صلى الله عليه وسلم -: «افترَقَتِ اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، افترقتِ النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فِرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».

    وقال -عليه الصلاة والسلام-: «فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وفي رواية: وكل ضلالة في النار»، هكذا أوصانا رسول الله -[- أن نَلزم ما كان عليه هو وأصحابه عند حصول الاختلاف والافتراق؛ لأنه لابد أن يقع وقد وقع كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، فطريق النجاة هو التزام ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، هذه الفِرقة هي الناجية من النار، وسائر الفرق كلها في النار.


    كيف يتحقق اتباع السلف الصالح؟

    ثم تابع الشيخ حديثه قائلا: من صار على منهج القرون المفضلة ولو كان في آخر يوم من الدنيا فإنه ينجو ويسلم من النار، والله -عز وجل- قال: {وَالسَّابِقون الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، فالله -جل وعلا- ضَمن لمن اتبع المهاجرين والأنصار بهذا الشرط (بِإِحْسَانٍ) يعني بإتقان لا دعوى أو انتساب من غير تحقيق إما عن جهل أو عن هوى، فليس كل من انتسب إلى السلف يكون محقا حتى يكون اتباعه بإحسان، هذا شرط شرطه الله -عز وجل-، والإحسان يعني الإتقان والإتمام، وهذا يتطلب من الأتْباع أن يدرسوا منهج السلف وأن يعرفوه ويتمسكوا به، فكم ممن يدعي السلفية وأنه على منهج السلف وهو على خلاف ذلك!


    أمران لابد منهما في اتباع منهج السلف

    ثم أضاف الشيخ الفوزان قائلاً: من صار على منهج السلف يحتاج إلى أمرين: الأمر الأول: هو معرفة منهج السلف، والأمر الثاني: هو التمسك بهذا المنهج مهما كلفه ذلك؛ لأنه سيلقى من المخالفين أذى وتعنُّتا، ويلقى اتهامات، ويلقى ألقابًا سيئة، لكن عليه أن يصبر على ذلك، فلا تهزه الأعاصير ولا تغيره الفتن فيصبر على ذلك إلى أن يلقى ربه.

    الاهتمام بدراسة منهج السلف

    وهذا يستدعي منا الاهتمام بمعرفة منهج السلف ودراسته في العقيدة والأخلاق، فهو المنهج الذي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه من اقتدى بهم وسار على منهجهم إلى أن تقوم الساعة، قال -صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي» -هؤلاء هم السلف وهم السلفيون- «على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى» فقوله: «لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم» يدل على أنه سيكون من يخالفهم، ويكون من يخذلهم، ولكن لا يهمهم ذلك بل يأخذون طريقهم إلى الله -عز وجل- ويصبرون على ما أصابهم، كما قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.


    هذا منهج السلف

    هذا منهج السلف وهذا سَمْتهم وهذه صفتهم، والله -جل وعلا- قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والله -جل وعلا- فرض علينا في كل ركعة من صلواتنا أن نقرأ سورة الفاتحة وفي آخرها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الصراط المستقيم الذي هو صراط الله -عز وجل-، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ) أي دلنا وأرشدنا وثبتنا على الصراط المستقيم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، من هم الذين يسيرون عليه {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، هؤلاء هم رفقاؤك على هذا الصراط الذي تسير عليه {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، فلا تستوحش وأنت على هذا الصراط؛ لأن صحبك ورفقاءك هم خيار الخلق فلا تستوحش ولو كثرت الفرق وكثر المخالفون لا تلتفت إليهم؛ لأنك مقتنع بما أنت عليه وهو صراط الله -عز وجل-: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، أي غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين، المغضوب عليهم هم الذين عندهم علم ولم يعملوا به مثل اليهود عندهم علم ولكنهم لم يعملوا به، والعلم إذا لم يُعمل به صار حجة على صاحبه يوم القيامة.


    شروط نيل العلم

    وبين الشيخ الفوزان شروط نيل العلم فقال: العلم بالتعلم ولا يمكن الحصول على العلم دون التعلم عن العلماء، والعلم قبل القول والعمل، قال الإمام البخاري -رحمه الله في صحيح البخاري-: بابٌ: (العلم قبل القول والعمل) ثم ذكر هذه الآية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ}، اعلم أنه لا إله إلا الله، تعلم أولا ثم استغفر واعمل بعد ذلك، فلابد من العلم، العلم هو الدليل إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليدلنا على الطريق الصحيح الذي نسير عليه وهو العلم النافع والعمل الصالح، والله -جل وعلا- قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}، الهدى هو: العلم الحق، ودين الحق هو العمل الصالح، فلابد من جمع الأمرين العلم النافع والعمل الصالح، هذا الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالعلم والعمل قرينان متلازمان، فلابد أن يكون العمل مؤسسًا على علمٍ وعلى بصيرة، ولابد للعالم أن يعمل بعلمه وإلا فالعالم الذي لا يعمل بعلمه والعامل الذي لا يسير على علم كلا منهما هالك، وهذا هو الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه هي السلفية الصحيحة، وهذه سمات السلف الصالح: العلم النافع والعمل الصالح.


    شروط قبول العمل

    وبين الشيخ الفوزان شروط قبول العمل فقال: إنما يقبل العمل بشرطين: أن يكون خالصا لوجه الله، وأن يكون صوابا على سنة رسول الله، قال -تعالى-: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، أسلم وجهه هذا هو الإخلاص البراءة من الشرك وأهله، وهو محسن أي متبع للرسول - صلى الله عليه وسلم - تاركا للبدع والمحدثات، وإنما يعمل بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم - {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فهذا هو منهج السلف وهو مأخوذ من الكتاب والسنة.

    الكتاب والسنة مصدر منهج السلف

    ثم أرشد الشيخ -حفظه الله- إلى أمر مهم؛ فقال: لا تقل من أين آخذ منهج السلف؟ يا أخي الكتاب والسنة هما اللذان يعرفانك منهج السلف، وأيضا لا تأخذ من الكتاب والسنة إلا بواسطة العلماء الراسخين في العلم لابد من هذا، فالذي يريد أن يسير على منهج السلف لا بد أن يلتزم بهذه الضوابط الشرعية، وإلا كثير اليوم من يدعون أنهم على منهج السلف وهم على ضلالة وعلى أخطاء كبيرة وينسبونها لمنهج السلف، فلذلك صار الكفار والمنافقون والذين في قلوبهم مرض يسبون السلفيين، وكل جريمة وكل تخريب وكل بلاء يقولون هؤلاء هم السلفيون، بينما السلفية بريئة منه كل البراءة، والسلف برآء منه وليس هو على منهج السلف، إنما هو على منهج الضلال وإن تسمَّى بمنهج السلف، فيجب أن أفرق بين التسمي والحقيقة؛ فهناك من يتسمى من غير حقيقة فهذا ليس سلفيا والسلف برآء منه.

    منهج السلف منجاة من الفتن

    منهج السلف علم نافع، وعمل صالح، وأخوة في دين الله -تعالى-، وتعاون على البر والتقوى، هذا منهج السلف الصالح الذي من تمسك به نجا من الفتن والشرور، وانحاز إلى رضى الله -سبحانه وتعالى- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ}، قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها»، ما الذي أصلح أولها؟ هو الكتاب والسنة، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بالكتاب والسنة، والكتاب والسنة -ولله الحمد- موجودان لدينا، ومحفوظان بحفظ الله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.


    حقيقة الانتساب إلى منهج السلف

    ثم قال الشيخ -حفظه الله-: وأما من يدعي الانتساب إلى السلف من غير حقيقة أو يقلد من يدعي السلفية وهو ليس على منهج السلف فهذا يضر منهج السلف، والمشكلة أن هذا ينسب إلى السلف وينسب إلى السلفية، وهذا كذب وافتراء على السلف، وكذب وافتراء على السلفية سواء تعمد هذا أم لم يتعمده؛ فهو إما صاحب هوى وإما جاهل.


    والدعاوى إذا لم يقيموا

    عليها بينات أهلها أدعياء

    فلابد لمن يدعي أو ينتسب إلى السلف أن يحقق هذا التسمي والانتساب بأن يتمثل منهج السلف في الاعتقاد وفي القول والعمل والتعامل؛ حتى يكون سلفيا حقا ويكون قدوة صالحة، يمثل مذهب السلف الصالح، فمن أراد هذا المنهج فعليه أن يتعلمه، وأن يعمل به في نفسه أولا، وأن يبينه للناس، هذا هو طريق النجاة وهذا هو طريق الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من كان على مثل ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وصبر على ذلك وثبت على ذلك ولم ينجرف مع الفتن ولا مع الدعايات المضللة، ولم تهزه الأعاصير، بل يثبت على ما هو عليه حتى يلقى الله ربه -سبحانه وتعالى.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (6)

    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - اجتماع الكلمة وآثارها في دفع الفتن


    مجلة الفرقان

    هذه محاضرة من نفائس محاضرات العلامة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- في موضوع عظيم وهو (بيان اجتماع كلمة المسلمين وأثر ذلك في درء الفتن ومدافعة الفتن)، وفي ذلك يقول الشيخ: لا شك أن الفتن تجرى من أول الخليقة؛ فقد جرت على آدم -عليه السلام- وزوجه، وجرت على بني آدم، ولا تزال تجري وتكثر في آخر الزمان، قال -تعالى-: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(١) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (سورة العنكبوت: 1-2)، فالله يجري الفتن ليتميز المؤمن الصادق في إيمانه، الثابت على دينه، الصابر على ما يصيبه، من المنافق الكاذب الذي ينحرف عن دينه عند الفتن ولا يصبر ولا يثبت، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (سورة الحـج: 11)، فالمنافق لا يثبت عند الفتن؛ لأنه ليس في قلبه إيمان يثبته، وإنما تظاهر بالإسلام لمصالحه الدنيوية؛ فإذا جاءت الفتن، فإنه ينكشف أمره ويفتضح سره.

    طريق النجاة من الفتن

    ثم بين الشيخ طريق النجاة من الفتن فقال: أعظم ما يقي من الفتن التزام كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واجتماع المسلمين تحت قيادتهم وتحت سلطانهم ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: «كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ يا رَسولَ اللهِ إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ»، فدل هذا على أن لزوم جماعة المسلمين إمام المسلمين من أسباب الوقاية من الفتن بإذن الله -تعالى-؛ ولهذا قال -جل وعلا-: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103).

    نعمة بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم

    ثم أضاف الشيخ -حفظه الله-: بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة؛ فدعاهم إلى الإسلام وترك الشرك وإفراد الله -جل وعلا- بالعبادة؛ فاستجاب له من استجاب منهم، وتوحدت كلمتهم وتآلفت جماعتهم، وصاروا تحت قيادة واحدة هي قيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فأتم الله عليهم نعمته، {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} (آل عمران: 103) فنقلهم من الفوضى والجاهلية والشرك إلى الإسلام بما فيه من الخير العظيم، وحذرهم من التفرق والعود إلى تفرق الجاهلية؛ إبقاء على وحدتهم وعلى دولتهم وعلى جماعتهم؛ فالاجتماع خير إن كان على حق وإن كان على دين صحيح فهو خير، والفرقة عذاب ذكرهم الله بذلك وحذرهم من ضده، وفي آية أخرى بين الله -سبحانه وتعالى- بماذا يحصل الأمن والاطمئنان بعد الخوف؟ فقال -سبحانه وتعالى-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (سورة النــور: 55)، هذا هو الذي جمعهم: عبادة الله وحده وترك الشرك؛ فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي التي جمعت القبائل المتناحرة، جمعت العرب والعجم جمعت سلمان وبلالا وصهيبا مع أبي بكر وعمر وعلي وسائر الصحابة جميعهم، إخوانا متآلفين متحابين مع اختلاف ألسنتهم واختلاف ألوانهم وقبائلهم وشعوبهم، جمعتهم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، والعمل بمقتضاها، {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.


    تأليف القلوب بكلمة التوحيد

    وأضاف الشيخ قائلا: وفي آية أخرى قال الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ أنه عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 63) هو الذي ألف بين قلوبهم بكلمة التوحيد، توحيد العبادة والألوهية بعد أن كانوا يعبدون الأصنام والأحجار، ومتفرقين في عباداتهم، صاروا يعبدون الله -عز وجل- الذي خلقهم ورزقهم، فالله -جل وعلا- جمعهم بالتوحيد، وإفراده بالعبادة وترك الشرك والبدع والمحدثات؛ ولهذا حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على البقاء على هذه النعمة قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يرضى لكم ثلاثة: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».

    ثلاثة أمور تجمع الناس كلهم

    وبين الشيخ أنَّ هذا الحديث أشار إلى ثلاثة أمور تجمع الناس كلهم:

    الأول: العقيدة الصحيحة

    الأمر الأول هو عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، فلا يجمع الناس إلا العقيدة الصحيحة؛ ولهذا الرسل كلهم وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أول ما يبدؤون الدعوة هو إصلاح العقيدة {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}؛ لأنها هي التي تصلح المجتمع، وهي التي تجتمع عليها القلوب وتتآلف، عقيدة واحدة هي عقيدة التوحيد والإيمان بالله ورسوله.

    الثاني: الاعتصام بحبل الله

    الأمر الثاني هو الاعتصام بحبل الله -تعالى-، تجعلون القرآن والسنة هما إمامكم الذي ترجعون إليه عند الاختلاف: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (النساء: 59) فالخلاف يحسم بالرجوع إلى الكتاب والسنة ولا يحسم بالعادات والتقاليد والعوائد القبلية إنما الذي يحكم الخلاف ويؤلف بين القلوب هو الرجوع إلى الكتاب والسنة.

    الثالث: الدين النصيحة

    الأمر الثالث هو النصيحة لمن ولاه الله أمركم، والنصيحة معناها السمع والطاعة لولي أمر المسلمين في المعروف، فلابد من الاجتماع حولهم وعدم التفرق عنهم، فالاجتماع لا يتحقق إلا بولي أمر يجتمع الناس عليه، ولا يستقيم ولي الأمر إلا بالسمع والطاعة؛ ولهذا أوصى - صلى الله عليه وسلم - بطاعة ولاة الأمور وإن جاروا وإن ظلموا وإن عصوا، ما لم ترو كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان؛ فولي الأمر غير معصوم ويكون عنده خطايا وبعض الأمور، ومادام أنه لا يصل إلى حد الكفر؛ لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكون من ولاة الأمور في آخر الزمان من المخالفات، قالوا: يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ أي نخرج عليهم، قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» فما داموا يصلون وعقيدتهم سليمة فتجب طاعتهم ولو كان عندهم معاص ومخالفات؛ لأجل اجتماع الكلمة وتوحيد الصف، ومن مناصحته إيصال النصيحة إليه؛ لأنه بشر يحتاج إلى من يعينه ويبين له الخير من الشر.



    النصيحة في الوظيفة

    وكذلك من النصيحة القيام بالأعمال التي توكل إلى الموظف والمسؤول، هذا من مناصحة ولي الأمر القيام بالأعمال الوظيفية على الوجه المطلوب الذي وكلها إليك ولي الأمر هذا من النصيحة، أما الذي يغش في وظيفته ولا يقوم بالأعمال هذا غاش لولي الأمر وللمسلمين.



    سُنَّة الخلفاء الراشدين

    وتابع الشيخ كلامه قائلا: فلا نجاة إلا بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى -رضي الله عنهم-؛ لأنهم ساروا على نهج النبي وأحيوه وتمسكوا به، فأعظم من يمثل المتمسكين بالسنة هم الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {وَالسَّابقون الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100)، وبعد الخلفاء الراشدين يأتي بقية الصحابة من المهاجرين والأنصار، القرن الذي أثنى عليه رسول - صلى الله عليه وسلم - خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثلاثة قرون بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كانوا متمسكين تمامًا بالكتاب والسنة، فنقتدي بهم ونأخذ طريقهم، ونسير على منهجهم حتى ننجو من الفتن.




    مرجع الناس عند التنازع

    وأردف الشيخ قائلا: حصول اختلاف في وجهات النظر من طبيعة البشر؛ ولذلك قال -تعالى-: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (النساء: 59) لابد من الرجوع إلى الله -تعالى- وإلى كتابه وإلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ويرجعون إلى سنته بعد وفاته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي» فالذي لا يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله في حل النزاعات والخصومات والاختلافات هذا ليس بمؤمن كما قال -سبحانه-: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ}، أي الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله خير {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أي: أحسن عاقبة ومآلا، أما الذي يرجع إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ويرجع إلى القوانين الوضعية والعادات القبلية فهذا يهلك ويضل، وهذه وصية الله -جل وعلا- لنا.








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (6)

    سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حقيقة دعوة ... الإمام محمد بن عبد الوهاب



    مجلة الفرقان

    نضع بين يدي القراء الكرام هذه المحاضرة، وهي من درر العلامة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-، وهي في موضوع مهم فيه تجلية لحقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، في زمن تكاثرت الدعوات المغرضة في الصد والرد عن دعوته السلفية الصافية من البدع والضلالات، وفي ذلك يقول الشيخ: «أخبر النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أن اللهُ - سُبْحَانَهُ - يبعث في هذ الأمة في كل قرنٍ من يجددَّ لها دينها، وكان من المجددين أو أكبر المجددين في القرن الثاني عشر فيما نحسبه كذلك واقعًا من سيرته ومن آثاره العلمية.

    والشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من أكبر علماء نجد وهو من بيت علم؛ فآباؤه وأجدادُه وأعمُامه علماء، تلقى عنهم العلم، ثم سافر إلى العراق لطلب العلم، والتقى بعلمائها المحققين، وأخذ العلم عنهم، منهم الشيخ المجموعي، وأراد أن يسافر إلى الشام ولكنه لم يتيسر له ذلك.

    أخبار من رحلته العلمية

    نظر الشيخ -رحمه الله- في مجتمعه بعدما عاد إلى بلاد نجد وتأمل أحوال البادية والحاضرة، فرأى في معتقداتها دخلًا من الشُّبه والعادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، تراكمت في عقائد أهل هذه البلاد كغيرها من البلاد الأخرى؛ لأنه كلما تقدم الزمان فشا الجهل وكثرت البدع والمحدثات، إلا أنَّ اللهُ يُقيَّضَ لها من يُبيَّن ضررها على الناس ويدافعها عنهم، ومن أولئكم هذا الإمام الجليل -رحمه الله- بعدما تضلَّعَ بالعلم من خلال الرحلات العلمية التي رحلها وعكف على كتب الشيخين الإمامين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فنهل منها علمًا غزيرًا، زاد ما كان عنده من العلم الذي تلقاه عن علماء وقته، فلم ير بُدا بأن يُبيَّن للناس وأن يدعوهم إلى الله، وهذه مهمة العالم، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

    عكوفه على كتب العقيدة

    ثم تابع الشيخ -حفظه الله- قائلا: قام الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك بالدعوة إلى الله، والدعوة إلى التوحيد؛ لأن علماء وقته كانوا يهتمون بالفقه، بينما هو انتبه إلى العقيدة، فجدَّ واجتهد، في إماطة ما علق بها من الضلالات والشُّبهات، وجددَّ هذا الدين ووفقه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بما قيَّضَ له من ولاة الأمر الذين بايع إمامهم وجَدهم الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بايعه على نُصرةِ دين الله والدعوة إلى الله فاتفقا على ذلك، هذا بسلطته وهذا بعلمه.

    الآثار الطيبة من دعوته

    أضاف الشيخ -حفظه الله- فقال: وجعل اللهُ من أثر ذلك خيرًا كثيرًا على هذه البلاد وما حولها، فامتدت دعوة الشيخ إلى خارج بلاد نجد، فامتدت إلى الهند إلى علماء الحديث هناك، وامتدت إلى مصر، ومن آثارها أنصار السُّنة المحمدية، وامتدت إلى السودان، ونفع اللهُ بها نفعًا عظيمًا، وأيقظ الله بها أجيالًا متتابعة لا تزال - وللهِ الحَمَدْ- على هذه الطريقة المحمدية التي جددَّها هذا الإمام، ودعا إليها وبَصَّرَ بها وذلك من فضل الله عليه وعلى الناس.

    الدعوة إلى إصلاح العقيدة

    ثم نبه الشيخ صالح -حفظه الله- إلى أمر مهم فقال: كثيرٌ هم العلماء ولكن قليلٌ من يتجه هذا الاتجاه، وهو الدعوة إلى إصلاح العقيدة، قليلون ولكن هم ثمرةُ العلماء في كل زمانٍ ومكان، فهم مجددَّون هذا الدين ويميطون عن العقيدة ما عَلِق بها من الشُّبهات والعوائد المخالفة وهذا من فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»، فهذا الإمام قام بالدعوة إلى الله وتصحيح العقيدة، وألفَّ الكتب والرسائل، وجلس لطلبة العلم، وهاجر إليه طلبة العلم من مختلف البلاد؛ فأورث ذلك نهضة علمية في هذه البلاد، توارثها من جاء من بعد الإمام وجيله توارثوها، وكان من نتاجها هذه الثروة العلمية الخالصة المفيدة التي بأيدي الناس اليوم.

    ثمار دعوة الشيخ -رحمه الله

    ثم أردف الشيخ صالح -حفظه الله- إلى ما سبق قائلا: وهذه الدعوة ثمارها ظاهرةً نتيجة للإخلاص والعلم الذي نشأت عليه، فالإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ما باشر الدعوة إلا بعد ما تضَّلع بالعلم على علماء وقته، فقام بالدعوة إلى الله عن صدق وإخلاص وعلم.

    الدعوة والسلطة

    ولما كانت الدعوة تحتاج من يساندها ويعينها من السلطة، ولهذا كان رَسُّول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يعْرِض نفسه على القبائل في موسم الحج فيقول: «مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي». حتى قيَّض اللهُ له الأنصار من المدينة وبايعوه على النُصرة والإعانة، وانضموا إلى إخوانهم من المهاجرين والأنصار حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فانتشرت دعوة الرَّسُّول وتأيدت وانتصرت باللهِ، ثم بالمهاجرين والأنصار من حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك نحا الشيخ -رحمه الله- هذا المنحى مقتديًا برسول - صلى الله عليه وسلم - فعَرضَ هذه الدعوة على الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية في وقته، وكانت بلاد نجد وقتها متفرقة، كل بلد لها أمير تحكم نفسها ولا تخضع للبلدة الأخرى، ولا يهتمون بالعقيدة إلا من شاء الله؛ فلمَّا قامت هذه الدعوة توحدت البلاد كلها من أقصاها إلى أقصاها تحت قيادة واحدة وإمامة واحدة، ببركة هذه الدعوة، ولا تزال -ولله الحمد-، ونرجو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أن تستمر وأن تقوى وأن تزيد بإذن الله؛ لأنها دعوة نشأت على العلم النافع وعلى العقيدة الصحيحة، وعلى الإيمان الراسخ وعلى الجهاد في سبيل الله لنصرة دين الله فكان لها النجاح ولله الحمد.

    حاجة الناس إلى الدعوة

    ثم قال الشيخ -حفظه الله-: «والناسُ بحاجةٍ إلى الدعوة إلى الله في كُلِّ وقتٍ؛ ولو كان الناس مسلمين ومؤمنين يحتاجون إلى الدعوة إلى الله لتصحيح العقيدة والسير على المِنهاج السليم والعمل الصالِح، فالدعوةُ يحتاجها المسلمون أولًا ثُمَّ أيضًا الكُفَّار لدخولهم في الإسلام، فالإسلام يقوم على أمرين: الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله-عزَّ وجلَّ-، ولا يَصْلُح الناس دون دعوة، ولو قالوا: الناس مسلمون الناس يعرِفون، لا، يحتاجون إلى دعوةٍ ويحتاجون إلى تبصيرٍ وتعليمٍ وتفقيهٍ في دين الله-عزَّ وجلَّ.

    واجب كل مسلم

    وأضاف الشيخ -حفظه الله- فقال: كُلُّ مُسْلِمٍ فإنَّه يجب أنْ يدعو إلى الله-عزَّ وجلَّ- حسبما يُمْكِنه من ذلك، ولو فعل المسلمون هذا لانتشرَّ الإسلامُ في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، فهذا أمرٌ عظيمٌ يجب التنَبُّه له، فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب سارَتْ على هذا المِنوال، يُقَال: إنَّه لمَّا بدأ الدعوة في بلدٍ وضُيِّق فيها وأُخْرِجَ منها خرج إلى البلدة الأخرى وفي يده مروحة يدوية يتروح بها ويقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ويُرَدِّد هذه الآية حتى قَيَّض اللهُ له مَنْ نَصَرَهُ وأعانهُ وقام معه، فبارك اللهُ هذه الدعوة وجعل لها أثرًا عظيمًا في الأُمَّةِ، وانتشرت حتى في خارج هذه البلاد كما هو معلومٌ، والمسلم يكون داعيةً إلى الله في أي بلدٍ يذهب إليها، يكون داعية أولًا بعمله وأخلاقه وتعامُلِهِ، ويكون داعية بعِلْمه وفِقْهه وما آتاهُ اللهُ من البصيرة، يكون داعيًا إلى الله-عزَّ وجلَّ.


    العقيدة أولاً


    ثم قال الشيخ -حفظه الله-: «الدعوةُ لابُدَّ أنْ تبدأ بالعقيدة، قال- صلى الله عليه وسلم - لِمُعاذِ بن جَبَلٍ لمَّا بَعَثَهُ إلى اليمن، قال له: «إنَّكَ تأني قومًا مِنْ أهلِ الكتاب، فليَكُن أوَّل ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، فإنْ هم أجابوك لذلك فأعلِمْهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإنْ هم أجاوبك لذلك فأعلِمهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ مِنْ أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم»، فهذا فيه التدرُّج في الدعوة وأنَّه يُبدأ فيها بالعقيدة، فأي دعوة لا تبدأ بالعقيدة فهي دعوةٌ فاشِلة ولا فائدة منها، فالدعوات التي تُنَحِّي العقيدةَ وتُبْعِدُها وتدعو إلى الأخلاق الفاضلة وإلى التعامل الطيب وهكذا هذه دعوة لا فائدة منها، لأنها أهْمَلَت الأساس والرأس، إذا فُقِدَ الرأسُ فبماذا ينفع بقية الجسد؟ فيُبدأ بالعقيدة أولًا، يُبْدَأ بتبصير الناس في عقيدتهم، ثُمَّ بعد ذلك بأمور دينهم؛ بالصلاة والزكاة وبقيَّة أمور الدِّين، التدرُّج في الدعوة شيئًا فشيئًا هذا أمرٌ مطلوبٌ، فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي على هذا المنهج السليم النبويّ الذي أرشد إليه النبيُّ- صلى الله عليه وسلم .






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: محاضرات سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    من محاضرات كبار العلماء (7)

    الشيخ الفوزان : وسطية الإسلام ومحاربة التطرف


    مجلة الفرقان

    هذه محاضرة من محاضرات العلامة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- الذي عهدنا محاضراته متميزة بالعلم المفيد، وعلاج الأخطار التي تدور في الساحة الدعوية، وقد كان من تلك المواضيع التي تطرق إليها الشيخ موضوع: (وسطية الإسلام ومحاربة التطرف)، وهذا يعد من المسائل المهمة في أيامنا التي كثر فيها الغبش والكلام الطويل فكانت محاضرة الشيخ تجلية لهذا الأمر؛ فقال -حفظه الله-: قال اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}؛ فالله جعل هذه الأُمة وسطًا بمعنى: أنها عدولٌ خيار؛ لأن الله سيستشهدها على الأُمم يوم القيامة أن رسلهم بلغوهم، وقامت عليهم الحجة وكانت أُمةً وسطًا؛ لأن الشاهد يُشترط فيهِ شرطان: العدل والخيار، فتوفرت في هذه الأُمة شروط العدالة والخيار فاستحقت بذلك أن يستشهدها الله على الأُمم يوم القيامة.



    شهادة أمتنا على الأمم

    كيف تشهد هذه الأمة على الأُمم يوم القيامة وهم آخر الأمم؟ قال الشيخ -حفظه الله-: يشهدون بما بلغهم رسولهم مُحمد - صلى الله عليه وسلم -، فالرَسُول أخبر أن الرُّسل بلغوا أُممهم وقامت الحجة عليهم، وهذا في القرآن كما قص الله عن قوم نوح وعاد وثمود وسائر الأمم، قص الله علينا نبأ الأنبياء مع أُممهم وما قالوا لهم وما ردوا عليهم فنحن نشهد بما جاء في هذا القرآن الكريم من قصص الأنبياء والمرسلين والأُمم الماضية، نشهد بذلك على الأُمم يوم القيامة {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

    والذي يُزكينا هو رسُولنا - صلى الله عليه وسلم - {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} فهذا فضلٌ في هذه الأُمة نالوهُ من الله-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو ينسحب على كل أفراد في هذه الأمة المحمدية من أولهم إلى آخرهم، أنها أُمةٌ عدلٌ خِيار وهذا مدحٌ من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لهذهِ الأمة المحمدية التي هي آخر الأُمم، ورسالة نبينا مُحمد - صلى الله عليه وسلم - عامة لجميع الناس بل لجميع الثقلين الجن والإنس، أرسلهُ الله بشيرًا ونذيرًا {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} قال - صلى الله عليه وسلم - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

    الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو آخر الرسل

    ثم أضاف الشيخ: « فهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو آخر الرسل وهو خاتم النبيين وهو الشاهد على الأُمم عند الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لِما أنزل اللهُ عليهِ من الكتاب الذي فيهِ أخبار الأولين والآخرين كما تقرؤون ذلك في القرآن الكريم من أخبار الأُمم وأخبار الرسل وما مضى وما يأتي فهو شاملٌ لأحوال الناس إلى يوم القيامة {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} يعني: القرآن، وقيل ما في الكتاب: يعني اللوح المحفوظ ولا مانع من ذلك بأن يكون الله ما فرط في اللوح المحفوظ ولا في القرآن من شيءٍ إلا وبينهُ -سُبحانهُ وَتَعَالَى-؛ فهذا القرآن العظيم بين أيدينا حفظه الله من التغير والتبديل{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، تكفل الله بحفظ هذا القرآن لا يُغير ولا يُبدل ولا يزال رطبًا طريًا كما أُنزل على مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وسيبقى إلى أن يرفعهُ الله في آخر الزمان عند قيام الساعة؛ لأن القرآن بدأ من الله -جَلَّ وَعَلَا- وإليهِ يعود في آخر الزمان، يُرفع إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهو محفوظ لا يتطرق إليه نقصٌ، ولا يتطرق إليهِ خللٌ، ولا تمتد إليهِ يدُ مُبطل بخلاف الكتب السابقة التوراة والإنجيل والزبور فهذه الله أوكل حفظها إلى أهلها فحرفوها، أما هذا القرآن فإن الله تكفل بحفظهِ ولم يكل حفظهُ إلى أحد، بل تكفل بحفظهِ -سُبْحَانهُ وَتَعَالَى- لأنهُ حجة على العباد، فنحن نقرأ فيهِ أخبار الأُمم السابقة، ونقرأ فيه أخبار الأنبياء والمرسلين، ونقرأ فيهِ حتى أخبار السماء والملائكة المكرمين {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}.

    السنة النبوية مُفسرة للقرآن الكريم

    ثم بين الشيخ -حفظه الله- أن: السنة النبوية هي الوحيُّ الثاني، الوحي الأول القرآن والوحي الثاني السنة التي تُفسر القرآن قال -تَعَالى-: {وَمَا يَنْطِقُ} في وصف نبيهِ - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فالمسؤولية علينا عظيمة، المسؤولية علينا جماعةً وأفرادًا وعلماء وعوام، المسؤولية علينا عظيمة أن نقوم بهذه الدين في أنفسنا أولًا ثم نبلغهُ لغيرنا، وندعو إليه ونحافظ عليهِ فهو مسؤوليتا جميعًا، وكل مسلمٍ فإنهُ على ثغر من ثغور الإسلام؛ فالله الله أن يُؤتى الإسلام من قبلهِ، كلنا مكلفون بحفظ هذا الدين والعمل بهِ والدعوة إليهِ، أمانة الله -جّلَّ وَعَلَا- في أعناقنا وسنُسأل عنهُ يوم القيامة، فهو حجة لنا إن عملنا بهِ عند الله -سُبحانهُ- حجة لنا عند الله أو حجة علينا إن أعرضنا عنهُ وتأخرنا عن القيام بهِ فإنهُ حجة علينا؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم -:«والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ».

    كل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام

    ثم تابع الشيخ كلامه قائلا: كل واحدٍ منا يعمل لهذا الإسلام، كل واحد منا يعمل لمصلحة نفسهِ ومصلحة إخوانهِ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» فكما تحب لنفسك الخير وتكره لها الشر كذلك تُحب لأخيك الخير وتكره له الشر هذه الأمة المحمدية التي امتازت على سائر الأمم بهذه المنزلة العظيمة وستسأل عن هذا يوم القيامة، كل فرد منا: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} فالإنسان بالعمل لا بالنسب، أن يكون من قبيلة فلان أو من قريش أو من بني هاشم، «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْودَ، وَلَا لِأَسْودَ عَلَى أَبْيَضَ إِلَا بِالتْقْوَى» كما قال الله -جَلَّ وَعَلَا- في الآية الأخرى: {وَجَعَلْناكم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} ثم قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فمعرفة الأنساب هذا ليس لأجل التقدم عند الله بالنسب، الله -جَلَّ وَعَلَا- إنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا ولا ينظر إلى صورنا وأموالنا.

    شتان بين هؤلاء وهؤلاء

    سلمان الفارسي وبلال الحبشي من سادات الصحابة، وأبو لهب وأبو جهل من قريش ومن بني هاشم ومن بني مخزوم ومع هذا هم في الدرك الأسفل من النار، لم ينفعهم نسبهم، لماذا؟ لأنهم لم يعملوا بما ينجيهم من النار ولم يتبعوا رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بل عادوهُ فلم ينفعهم نسبهم قال - صلى الله عليه وسلم - «وَمَنْ بَطَّأْ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نِسِبُهُ» {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} هذا هو المعتبر (تقوى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بفعل أوامرهِ وترك نواهيه)، ثم لنعلم أيها الإخوة أن كل واحد منا على ثغر من ثغور الإسلام؛ يعمل للإسلام في أي مجال هو يعمل للإسلام، في الجندية، في الزراعة، في الصناعة، في التجارة، كل يعمل لهذا الدين ولهذا الإسلام بعملهِ؛ لأن الأمة بحاجة إلى مجموعة الأعمال، بحاجة إلى التجار، بحاجة إلى العلماء، بحاجة إلى الأطباء، بحاجة إلى الجنود، الإسلام بحاجة إلى كلهم، وكلهم يعملون لهذا الدين في مجال أعمالهم، لكن على المسلم أن يحتسب الأجر والثواب عند الله حتى ينال الأجر من الله -عَزَّ وَجَلَّ- وإلا فكل منا يعمل لهذا الدين ويعمل لمصلحة إخوانه كمثل الجسد الواحد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فعلينا أن نحسن النية والقصد لهذا الدين ولنفع المسلمين حتى نكون عند الله -سُبحانهُ- من العباد الصالحين وننال من الله الأجر والثواب يوم القيامة.

    التعاون والترابط بين المسلمين

    وبعد ذلك تطرق الشيخ إلى مسألة مهمة -حفظه الله-: والناس كالأعضاء في الجسد، كلهم يخدمون هذا الجسد، ويتكون الجسد منهم كذلك يتكون الإسلام بالمسلمين في تعاونهم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فلا يجد المسلم على أخيه حقد والبغضاء والحسد.

    وإنما يجد لأخيه المسلم المحبة والأخوة الصادقة والتعاون على البر والتقوى والترابط بين المسلمين، هذا هو المطلوب الذي خلقنا الله من أجلهِ، وإنما النسب إنما هو للتعارف فقط تعرف إن هذا من أقاربك، إن هذا من أسرتك أنه من جماعتك، لكن لا يوجب هذا أن تقدمه على غيره إذا كان على غير الدين فإذا كان على غير الدين فلا تقربه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}، أولياء يعني: تحبونهم ويحبونكم وهم أعداء لله وأعداء للمسلمين لا تحبهم ولو كانوا أقرب الناس إليك: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، فهؤلاء هم المؤمنون، ويكونون في الآخرة إخوانًا على سررٍ متقابلين، أما أهل النار فيلعن بعضهم بعضا، ويسُّب بعضهم بعضا ويتلاومون -والعياذ بالله-، أما أهل الجنة فيتحابون على مجالسهم يتقابلون على مجالسهم، كما كانوا في الدنيا على دين الله، وعلى المحبة في الله كانوا في الجنة كذلك، فعلينا أن نكون كذلك ونسأل الله أن يوفقنا لذلك، وأن يثبتنا عليه.


    العالم اليوم يموج بالفتن

    ثم أردف الشيخ بعد ذلك بهذا الكلام المهم فقال: كما تعلمون ما يموج به العالم اليوم من الفتن والشُرور التي لا تقتصر على أهلها ومواطنها بل تأتيكم تزحف بشتى وسائل النقل، والوسائل الكثيرة التي تُبث فيها الشرور وتصل الإنسان على فراشه وفي أقصى بيته إلَّا من رحم الله، فعلينا أن نحذر من هذه الفتن، وأن نطَّهر بيوتنا منها وأن نمنعها عن عوائلنا، ومن تحت أيدينا فإنها غزوٌ قبيحٌ، تغزو البيوت، وتغزو الأسر تغزو الأولاد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} هذه نارٌ تدخل في بيتك! تُحرق أولادك وتُحرق أقاربك، امنعها عن بيتك، بيتك لا أحدٌ ينازعك فيه، حتى الملك ما يستطيع يتصرف في بيتك! بيتك تحت أمرتك وتحت سلطتك ولا يدري عنه إلَّا أنت، أنت المسؤول عما في بيتك، فلنتقِ الله -سُبَحْانه وَتَعَالَى- في بيوتنا وفي أولادنا ونتناصح فيما بيننا مع إخواننا مع جيراننا مع من حولنا، نتحاب ونتراحم ونتناصح ونتعاون على البرَّ والتقوى.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •