تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 24 من 24

الموضوع: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

    مشاهد وعبر من سورة الكهف (21)
    - قصة ذي القرنين (3)




    هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية بأن ميادين الإصلاح متعددة، وأن بوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصص الرائعة، تحدثنا عن ثلاثة منها، وفي هذه المقالات نتناول القصة الرابعة وهي قصة ذي القرنين، وقد احتوت هذه القصة على ثلاثة مشاهد، المشهد الأول: الرحلة بين المشرق والمغرب، والمشهد الثاني: بناء السد، والمشهد الثالث: مشاهد يوم العرض، واليوم مع المشهد الثاني وهو بناء السدِّ، وقد تضمن هذا المشهد عددًا من الرسائل وهي: الخير الآسر، والتعاون المثمر والبذل المتفاني، وتوظيف الطاقات واستغلال المواهب.
    المشهد كما عرضه القرآن
    قال -تعالى-: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ ن َقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}.
    رسائل من قلب المشهد
    في هذا المشهد يقص القرآن علينا رحلة ذي القرنين إلى مكانٍ بين المشرق والمغرب، وفي هذا المكان وجد قومًا لا يجيدون التعبير؛ لعُجمة في ألسنتهم، وقصور في عقولهم وأفهامهم، ولكن الله هدى ذي القرنين إلى التواصل معهم وفهم مرادهم بما آتاه مِن الأسباب والوسائل، وقد اشتكوا إليه الضرر الواقع عليهم من يأجوج ومأجوج؛ بسبب ما يصدر عنهم من القتل والإفساد في الأرض، وطلبوا منه أن يبني لهم سدًّا يحول بينهم وبين يأجوج ومأجوج، ووعدوه أن يبذلوا له أجرًا نظير هذا العمل العظيم.
    عرف ذو القرنين طلبهم وحاجتهم، فلم يتأخر في بذلها لهم بالمجان، ونسب الفضل والعلم والقدرة إلى صاحب الفضل -عز وجل-، حتى يعلِّق قلوبهم بالله ويرسِّخ في أذهانهم صحيح العقيدة، ولكنه طلب منهم المعونة والمشاركة في هذا العمل.
    صرح هندسي محكم
    وشرع ذو القرنين بما أعطاه الله من العلم والقدرة في بناء صرحٍ هندسيٍ محكمٍ، فكان هو المخطِّط للمشروع وهم مساعدون له، مجيبون لطلباته، فأحضروا له قطع الحديد، حتى إذا ساوى الجبلين اللذين بني بينهما السد، أمرهم بإشعال النار وإيقادها حتى تشتد وتلتهب، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس أفرغه بين قطع الحديد، فاستحكم السد استحكامًا هائلًا وامتنع به مَن وراءه مِن الناس، مِن ضرر يأجوج ومأجوج؛ لأنهم لم يتمكنوا مِن الصعود عليه مِن أعلى، ولا نقبه مِن أسفل، ويأجوج ومأجوج، أمتان عظيمتا العدد من بني آدم، فعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ كمَا قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَل-: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (الأنبياء: 96)، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، ويضُمُّونَ إليهم موَاشِيَهُمْ، وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الأرْضِ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُ بِذلِكَ النَّهَرِ فَيَقُولُونَ: قَدْ كَانَ هَا هُنَا مَاءٌ مرَّةً، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا فِي حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ، قَالَ قَائِلُهُم: هؤُلاءِ أهْلُ الأرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أهْلُ السَّمَاءِ!
    قال: ثمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِها إِلى السماءِ فَتَرْجِعُ إِليْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا لِلْبَلاءِ وَالْفِتْنَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذلِكَ يَبْعَثُ الله- عَزَّ وَجَلَّ- دُوداً فِي أعْنَاقِهِمْ كنَغَفِ الْجَرَادِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أعْنَاقِهَا، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى لا يُسْمَعُ لَهُمْ حسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: ألا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ هؤُلاَءِ الْعَدُوُّ؟ فَيَتَجَردُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ عَلَى أنَّه مَقْتُولٌ، فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، ألا أبْشِرُوا، فَإِنَّ الله قَدْ كفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ. فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ».
    موعد خروجهم
    وخروجهم يكون بعد نزول عيسى -عليه السلام- وهزيمته للدجال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّون َ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ».
    الرسالة الأولى: الخير الآسر
    قال الله -تعالى-: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، عرض القوم قضيتهم على ذي القرنين، وملخصها أنهم يتأذون من فساد يأجوج ومأجوج، ورغم أنهم لا يكادون يفقهون قولًا كما وصفهم القرآن، إلا أنهم تمكنوا من تحديد المشكلة بدقةٍ، واستطاعوا أن يقترحوا لها الحل الأنسب، وهو بناء السد؛ بحيث يحجز شر هؤلاء عنهم ويجعله قاصرًا عليهم وحدهم، وعرضوا عليه أن يعطوه نظير ذلك العمل أجرًا.
    وقد كان رد ذي القرنين موجزًا وآسرًا، فقد حرص أن يعود بالفضل إلى الله، وينسبه إلى المُنعم الجواد، ولا سيما أنه وجد قلوب القوم معلقةً به؛ بوصفه المنقذ لهم من ورطتهم وأزمتهم، فأراد ذو القرنين أن يربط قلوبهم بخالقهم، وأن يقطع علائق النفس بالبشر، وكما ربط قلوبهم بالله في بداية العمل، فإنه كان حريصًا على تعليق قلوبهم بالله في نهايته؛ فعندما أتم الله عليه النعمة ببناء السد قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}.
    من أرفع مقامات الإخلاص والتجرد لله
    وهذا من أرفع مقامات الإخلاص والتجرد لله؛ فإن كثيرًا من الخلق يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، كما قال -تعالى-: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران:188)، كما أن أكثر الناس يحبون أن يُذكروا بما يفعلون، ويحبون أن تنتشر أخبارهم وسيرة أعمالهم بين الناس، وهذا مما يُعرِّض الأعمال إلى النقص أو البطلان، بحسب تعلق قلب صاحبها بثناء الناس ومديحهم.
    عزة نفس ذي القرنين
    ثم أشارت الآيات إلى عزة نفس ذي القرنين؛ حيث رفض عطيتهم كما رفض سليمان -عليه السلام- هدية بلقيس، عندما عرضتها عليه، قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (النمل:36).
    رسالة إلى كل مسؤول
    إن رد ذي القرنين على مَن قصدوه لإنقاذهم رسالة إلى كل مسؤول ولَّاه الله على شيءٍ مِن أمور الناس، ألا يتعالى عليهم، وأن يرفق بهم، وأن يقضي حوائجهم، ويخفف عنهم آلامهم، وهذا ليس تفضلًا عليهم، بل هذا هو مقتضى واجبه الوظيفي.


    أحمد الشحات

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

    مشاهد وعبر من سورة الكهف (22)
    - قصة ذي القرنين(4)






    هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية؛ فميادين الإصلاح متعددة، وبوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصص الرائعة، تحدثنا عن ثلاثة منها، وفي هذه المقالات نتناول القصة الرابعة وهي قصة ذي القرنين، وقد احتوت هذه القصة على ثلاثة مشاهد، المشهد الأول: الرحلة بين المشرق والمغرب، والمشهد الثاني: بناء السد، والمشهد الثالث: مشاهد يوم العرض، واليوم مع المشهد الثاني وهو بناء السدِّ، وقد تضمن هذا المشهد عددًا من الرسائل وهي: الخير الآسر، والتعاون المثمر والبذل المتفاني، وتوظيف الطاقات واستغلال المواهب.
    الرسالة الثانية: التعاون المثمر والبذل المتفاني
    قال الله -تعالى-: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}، وافق ذو القرنين على مقترح البسطاء الذين لا يحسنون التعبير، وفي هذه الموافقة الفورية دلالة على تواضعه وحسن خلقه؛ فلم يستنكف أن ينزل على رأيهم، وينفِّذ طلبهم، وهو الملك الذي آتاه الله علم الأسباب، وبسط له من القوة والسلطان.
    وفي الموافقة: دليل على اعتبار فقه الواقع؛ فهؤلاء القوم هم أكثر الناس دراية بواقعهم، وبما يصلح معهم، وقد اقترحوا بناء السد وفق رؤيتهم لأنفع الحلول، وأكثرها مناسبة للأزمة التي يعانونها.
    وفي الموافقة كذلك: دليل على اعتبار موازين المصالح والمفاسد، والقدرة والعجز، وإلا لماذا لم يحارب ذو القرنين يأجوج ومأجوج حتى يقضي على فسادهم ويقطع دابرهم؟ ولماذا لم يُعمل فيهم قاعدة: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ}؟ الظاهر أن يأجوج ومأجوج كانوا من الكثرة والقوة بالدرجة التي تجعل القضاء عليهم أو محاربتهم شيئًا عسيرًا؛ لذلك عدل ذو القرنين عن استئصال الفساد، وانتقل إلى تقليله وتحجيمه؛ مراعاةً لموازين القوة والضعف، وهذا يدلنا على أن فقه المصالح والمفاسد ليس خاصًّا بفترات الاستضعاف فقط، بل يحتاج إليه كل أحد، سواء كان مستضعفًا أم ممكَّنًا.
    فقه عظيم وتربية عالية
    وفي طلب ذي القرنين منهم الإعانة فقه عظيم، وتربية عالية على العمل الجماعي، والتعاون على البر والتقوى، فقد كان بمقدور ذي القرنين أن يعمل في بناء السد بمفرده؛ لأنهم بالفعل عاجزون عن بنائه، ولكنه لم يعدم الوسيلة التي تجعلهم مساهمين معه في العمل، ومشاركين في تشييده.
    وفي تأكيده أن تكون هذه الإعانة جادة وفعَّالة دليل على أهمية أن يأخذ الإنسان بأسباب النجاح، وأن الإنجاز لا يتحقق إلا ببذل الجهد، وإتقان العمل، كما كانت أوامر الله لبني إسرائيل: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:63)، فلا ينتظر العبد الثمرة المرجوة إلا من الأعمال التي أُخذت بقوة، وهذه سنة جارية من سنن الكون؛ فقد يأخذ الكفار بأسباب القوة فينالون المراد، وقد يفرِّط المسلمون فيها، فيصيبهم الخذلان، وتلحق بهم الهزيمة.
    الرسالة الثالثة: توظيف الطاقات واستغلال المواهب
    قال الله -تعالى-: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، أحسن ذو القرنين غاية الإحسان في توظيف قدرات مَن معه، وبثَّ فيهم روح النشاط والجد والعمل، فتحولوا إلى خلية نحل، وتأمل مشهد فِرَق العمل وهي تعمل وفق توجيهات ذي القرنين، فقد قسَّم ذو القرنين المهام، وحدَّد مراحل العمل وشرع في التنفيذ المتقن، فمجموعة تحضر قطع الحديد وما يستتبعه من رصٍّ وتسوية وتركيب، ومجموعة توقد النيران وتنفخ فيها حتى تزداد شعلتها ويزداد وهجها، ومجموعة تجهز النحاس المذاب لكي تصبه بين فراغات الحديد، وهكذا سار العمل في تناغم وترتيب حتى انتهى منه، وصار سدًّا منيعًا.
    وقد ذكر القرآن تفاصيل ذلك المشهد بدقة، رغم أنه كان بالإمكان أن يقول: وبُني السد، ولكن القرآن لا يذكر لنا تفاصيل أمرٍ إلا لحكمةٍ وهدفٍ، ولعل مِن أحدِ أوجه الحكمة في ذلك: أن يعطي لنا القرآن صورة عملية، ونموذجًا تطبيقيًّا لكيفية إتمام الأعمال الجماعية، ولا سيما وأن معظم أعمال المسلمين أعمال جماعية؛ فالصلاة جماعية، والحج جماعي، والجهاد جماعي؛ فلا يستقيم لأمةٍ جُل أعمالها جماعية ألا تعرف آداب الأعمال الجماعية وفقهها!
    ضرورة وجود القائد
    وترشدنا الآيات كذلك إلى ضرورة وجود القائد، ودوره في تحقيق الإنجاز والنجاح، فهؤلاء القوم لديهم الإمكانيات، ولكنهم لم يحسنوا توظيفها، ولم يتمكنوا من توجيهها واستثمارها فيما يفيد وينفع، فرغم أن لديهم الحديد والنحاس والأدوات والموقع الجغرافي والتضاريسي المناسب، إلا أنهم عجزوا عن تحويل كل هذه الموارد إلى إنجازٍ واقعيٍ ملموسٍ، وعندما جاء ذو القرنين سخَّر ما لديهم مِن إمكانياتٍ في تحقيق المراد.
    ومن عجائب الآية: أن ذا القرنين تمكَّن من تحويل السكون والركود إلى طاقة وحركة إيجابية؛ فجعل مِن القوم الذين لا يحسنون قولًا بناةً لأحد عجائب الزمان في وقتهم، وهذا يرشدنا إلى دور القائد في إيجاد الهدف، وصناعة التحدي، وزرع الأمل والإيجابية، فقد حمَّلهم بالقضية ثم أرشدهم إلى مواهبهم وقدراتهم، وأشرف على عملية توظيفها، فأنقذهم من الكسل والتواني، والسلبية والشعور بالعجز والتقزم، وهكذا يجب أن يفعل الدعاة والقادة في كل مكان يذهبون إليه.
    إن تجربة ذي القرنين تجربة داعيةٍ إلى الله، ومصلحٍ في الأرض قبل أن يكون ملكًا أو سلطانًا، وهي تجربة جدير بالدعاة أن يقتفوا أثرها ويسعوا لتكرارها في مجتمعاتهم، فما أكثر السدود التي يحتاج الدعاة لبنائها لحماية الناس مِن فتن الدِّين والدنيا! وما أكثر الطاقات المهدرة، والمواهب المدفونة التي تحتاج إلى خبيرٍ ماهرٍ يكتشفها، ويحسن توظيفها واستغلالها!.
    لمشهد
    - وافق ذو القرنين على فكرة بناء السد، وفي هذا دليل على اعتبار موازين المصالح والمفاسد، والقدرة والعجز، وإلا فلماذا لم يحارب ذو القرنين يأجوج ومأجوج حتى يقضي على فسادهم ويقطع دابرهم؟! ولماذا لم يُعمل فيهم قاعدة: «أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ»؟! الظاهر أن يأجوج ومأجوج كانوا من الكثرة والقوة بالدرجة التي تجعل القضاء عليهم أو محاربتهم شيئًا عسيرًا، لذلك عدل ذو القرنين عن استئصال الفساد، وانتقل إلى تقليله وتحجيمه؛ مراعاة لموازين القوة والضعف. وهذا يدلنا على أن فقه المصالح والمفاسد ليس خاصًّا بفترات الاستضعاف فقط، بل يحتاج إليه كل أحدٍ سواء كان مستضعفًا أو ممكَّنًا.
    - نتعلم من طلب ذي القرنين ضرورة وجود القائد، وأهمية دوره في تحقيق الإنجاز والنجاح، فهؤلاء القوم لديهم الإمكانيات، ولكنهم لم يحسنوا توظيفها، ولم يتمكنوا من توجيهها واستثمارها فيما يفيد وينفع، وعندما جاء ذو القرنين سخَّر ما لديهم من إمكانيات في تحقيق المراد.
    - ذكر لنا القرآن تفاصيل مشهد بناء السد بدقة، رغم أنه كان بالإمكان أن يقول: وبُني السد، ولكن القرآن لا يذكر لنا تفاصيل أمرٍ إلا لحكمةٍ وهدفٍ، ولعل مِن أحدِ أوجه الحكمة في ذلك: أن يعطي لنا القرآن صورة عملية ونموذجًا تطبيقيًّا لكيفية إتمام الأعمال الجماعية.
    - إن تجربة ذي القرنين تجربة داعية إلى الله، ومصلح في الأرض قبل أن يكون ملِكًا أو سلطانًا، وهي تجربة جدير بالدعاة أن يقتفوا أثرها ويسعوا لتكرارها في مجتمعاتهم، فما أكثر السدود التي يحتاج الدعاة لبنائها لحماية الناس من فتن الدِّين والدنيا! وما أكثر الطاقات المهدرة والمواهب المدفونة التي تحتاج إلى خبيرٍ ماهرٍ يكتشفها، ويحسن توظيفها واستغلالها!.


    أحمد الشحات


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

    مشاهد وعبر من سورة الكهف (23)
    - قصة ذي القرنين(5)






    هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية، بأن ميادين الإصلاح متعددة، وأن بوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصص الرائعة، تحدثنا عن ثلاثة منها وفي هذه المقالات نتناول القصة الرابعة وهي قصة ذي القرنين، وقد احتوت هذه القصة على ثلاثة مشاهد، المشهد الأول: الرحلة بين المشرق والمغرب، والمشهد الثاني: بناء السد، والمشهد الثالث: مشاهد يوم العرض، واليوم مع المشهد الثالث وهو مشاهد يوم العرض، وقد تضمن هذا المشهد عددًا من الرسائل وهي: الحواس المعطلة، والأمل الضائع، وسعي ضال وعمل خاسر، والنعيم الدائم، وكلمات الله الخالدة، والرسالة الباقية.
    المشهد كما عرضه القرآن
    قال الله -تعالى-: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
    رسائل من قلب المشهد
    ينتقل بنا سياق الآيات إلى مشهدٍ مِن مشاهد يوم القيامة، وما قبله مِن علاماتٍ، فبعد أن ذكر الله -تعالى- خبر يأجوج ومأجوج، ذكر أول مشاهد يوم القيامة، وهو: النفخ في الصور، وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل -عليه السلام-، فيجمع الله جميع الخلائق، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عما يفعله بالكفار يوم القيامة؛ حيث إنه يُظهر لهم جهنم، ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم.
    نموذج مؤلم يوم القيامة
    ثم يذكر القرآن نموذجًا مؤلمًا لأناسٍ يأتون يوم القيامة بأعمالٍ باطلةٍ فاسدةٍ عملوها في الدنيا على خلاف مراد الله، وأمره ونهيه، ولكنهم يعتقدون أنهم على صواب، وأن لهم الحظوة والمكانة عند الله، وهؤلاء هم الكافرون المكذبون للرسل، مثل الذين عبدوا المسيح، وعزيرًا، والملائكة، وغيرها مِن وجوه صرف العبادة لغير الله.
    ويدخل فيهم أيضًا: أهل البدع والضلال والانحراف، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ{، {فالآية عامة في كل مَن عبد الله على غير طريقةٍ مرضيةٍ يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ وعمله مردود كما قال -تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} (الغاشية: 2-3)، وقوله -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23)، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} (النور: 39).
    حال المؤمنين
    ولما ذكرت الآيات حال المشركين، ناسب أن تذكر حال المؤمنين حتى تتشوق النفوس إليهم وإلى سيرتهم، فذكرتْ ما أعدَّ الله لهم مِن النعيم في الجنة، وما ينتظرهم من المنزلة الرفيعة والدرجة العالية عند الله، ثم خُتمت السورة ببيان جلال الله وعظمته وسعة علمه، ثم وجهت النداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرته أن يقول لهؤلاء المشركين المكذبين برسالته إليهم أنه بشر، ومن يزعم أنه كاذب فليأتِ بمثل ما جاء به، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب فيما أخبرهم به من الماضي، فيما سألوا عنه من قصة أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، مما هو مطابق لما عندهم في الكتب، إلا إذا كان هذا الأمر بوحي من عند الله.
    الرسالة الأولى: الحواس المعطلة
    قال الله -تعالى-: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا{: يحشر الله الكافرين يوم القيامة في صورةٍ مهينةٍ غير مرضيةٍ، فهم لا يقدرون على سماع آيات الله الموصلة إلى الإيمان؛ لبغضهم القرآن والرسول، كما قال -تعالى- عنهم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (فصلت:5)، وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة، كما قال -تعالى-: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (البقرة:7).
    والآية وإن كان المقصود بها الكافرون المعاندون؛ إلا أن مداومة الإنسان على المعصية وشدة تعلقه بها تجعله على خطر عظيم، فربما أدمن فعلها حتى تصبح له بمنزلة العادة، فقد تبدأ المعصية كتجربة عابرة يقع فيها الإنسان بدافع الرغبة في التجربة أو التقليد، ثم تصير مع الوقت خُلُقًا وعادة؛ لذلك أمرنا الله بالمداومة على الاستغفار والتوبة؛ لأنها تحمي صاحبها من أن تتحول عنده المعصية إلى عادة متجذِّرة يصعب الفكاك منها.
    كما أن الإعراض عن الهداية والتوبة عندما تلوح للإنسان فرصة اغتنامها قد يكون جزاؤه الحرمان الأبدي منها، قال الله -تعالى-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الأنعام:110)، وقال -تعالى-: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوك َ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (التوبة:83).
    الرسالة الثانية: الأمل الضائع
    قال الله -تعالى-: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}: الكفار يسيرون على طريق إمامهم إبليس الذي يسعى لإغواء المؤمنين وفتنتهم، والله -تعالى- يقول لهم على وجه الاستفهام والإنكار -لظنهم المتقرِّر بطلانه في العقول-: هل تظنون أنكم تتخذون مِن عبادي أنصارًا لكم وأولياء يوالونكم مِن دوني؟! إن هذا لا يكون أبدًا؛ لأن المؤمن الحق لا يوالي معاديًا لله قط.
    وتأكيدًا على العقيدة الصحيحة التي يعتقدها المؤمن في كل مَن كفر بالله، وهي أن مصير هؤلاء في جهنم، فقد ذكر الله أنه أعد لعذابهم نزلًا مهيأً لاستقبالهم، ويا له مِن نزلٍ أليمٍ موحشٍ؛ ليس كالنزل الكريم الذي يُعد لاستقبال الضيوف الكرماء الأبرار، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}، وقال -عز وجل-: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:19)، وقال -تعالى-: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} (آل عمران:198).
    الرسالة الثالثة: سعي ضال وعمل خاسر
    قال الله -تعالى-: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، أمر مؤلم أن يظن الإنسان بنفسه خيرًا وهو على خلاف ذلك، والأكثر منه ألمًا ومرارة أن يكتشف الإنسان هذا الأمر متأخرًا، بحيث لا يتمكن من التغيير والإصلاح؛ لذلك من رحمة الشرع بنا أن جعل المؤمن مرآة أخيه، يرى من خلاله عيوبه دون تعيير أو شماتة أو فضيحة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ، إِذَا رَأَى فِيهَا عَيْبًا أَصْلَحَهُ».
    فهذه الآية تجعل الإنسان في خوفٍ وقلقٍ على أعماله التي يظن أنها صالحة، وقد تكون عند الله ليست كذلك؛ لذا ترشدنا الآية إلى ضرورة إصلاح العمل بأن يكون خالصًا لله موافقا للسنة، كما أكدت الآيات ذلك في خاتمة هذه السورة، فما أصعب أن يبذل الإنسان التعب والجهد ثم يجد عمله مردودًا عليه! قال -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان:23)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ»، وقال اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.
    فهناك أعمال لا يقبلها الله ابتداءً، وهي التي فقدت أحد شرطي قبول العمل، وهما: الإخلاص والمتابعة، وهي التي يظن أصحابها أنهم يحسنون العمل في الدنيا وهم عند الله ليسوا كذلك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وهناك أعمال تُسقط عن فاعلها الفريضة، لكن لا يكون له فيها الأجر والثواب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - عن بعض أصناف الصائمين: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

    أحمد الشحات





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

    مشاهد وعبر من سورة الكهف (24)
    - قصة ذي القرنين (الحلقة الأخيرة)




    هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية، بأن ميادين الإصلاح متعددة، وأن بوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصص الرائعة، تحدثنا عن ثلاثة منها، وفي هذه المقالات نتناول القصة الرابعة وهي قصة ذي القرنين، وقد احتوت هذه القصة على ثلاثة مشاهد، المشهد الأول: الرحلة بين المشرق والمغرب، والمشهد الثاني: بناء السد، والمشهد الثالث: مشاهد يوم العرض، واليوم نستكمل الحديث عن رسائل المشهد الثالث.
    الرسالة الرابعة: النعيم الدائم
    قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}. جعل الله الجنة نزلًا للمؤمنين يمكثون فيها بلا نهاية، ولما كان الخلود في الشيء يورث الملل والسآمة، جعل الله في نفوس أهل الجنة الرغبة في البقاء فيها، وعدم إرادة التحول عنها، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «الفردوس يطلق على البستان، المحتوي على الكرم، أو الأشجار الملتفة، وهذا صادق على جميع الجنة، فجنة الفردوس نزل، وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأي ضيافة أجل وأكبر وأعظم مِن هذه الضيافة المحتوية على كل نعيم للقلوب والأرواح والأبدان، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من المنازل الأنيقة، والرياض الناضرة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة المشجية، والمآكل اللذيذة، والمشارب الشهية، والنساء الحسان، والخدم، والولدان، والأنهار السارحة، والمناظر الرائقة، والجمال الحسي والمعنوي، والنعمة الدائمة.
    التنعم بالقرب مِن الرحمن
    وأعلى ذلك وأفضله وأجله: التنعم بالقرب مِن الرحمن، ونيل رضاه؛ الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتع برؤية وجهه الكريم، وسماع كلام الرءوف الرحيم، فلله تلك الضيافة، ما أجلها وأجملها، وأدومها وأكملها! وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق، أو تخطر على القلوب، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علمًا حقيقيًّا يصل إلى قلوبهم؛ لطارت إليها قلوبهم بالأشواق، ولتقطعت أرواحهم مِن ألم الفراق، ولساروا إليها زرافات ووحدانًا، ولم يؤثروا عليها دنيا فانية، ولذات منغصة متلاشية، ولم يفوتوا أوقاتًا تذهب ضائعة خاسرة، يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب آلاف مؤلفة، ولكن الغفلة شملت، والإيمان ضعف، والعلم قل، والإرادة نفذت فكان ما كان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»
    الرسالة الخامسة: كلمات الله الخالدة
    قال الله -تعالى-: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، هذا مثل يضربه الله -عز وجل- لتقريب الصورة؛ لأننا لا نتمكن بعقولنا المحدودة أن نحيط علمًا بعلم الله الواسع، ولا بقدرته العظيمة وإحاطته الشاملة، قال -تعالى-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103)، فالبحر هو أوسع وأغزر ما يعرفه البشر، والمداد هو: المادة التي تُستخدم في الكتابة، فلو تحولت هذه البحار الغزيرة إلى مداد لكتابة كلمات الله -عز وجل- لجفَّت بحور المداد، وبقيت كلمات الله لا تنفد، وهذا نظير قول الله -تعالى- في الآية الأخرى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. (لقمان:27).
    قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان؛ لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات، منقضية منتهية، وأما كلام الله فإنه من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ولا لها حد ولا منتهى؛ فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب فالله فوق ذلك، وهكذا سائر صفات الله -تعالى-: كعلمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته؛ فلو جمع علم الخلائق من الأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، لَكَان بالنسبة إلى علم العظيم، أقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر، فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته؛ ذلك بأن الله، له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة، وأن إلى ربك المنتهى».
    6- الرسالة الباقية
    قال الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، بهذه الآية تودعنا سورة الكهف، تودعنا بعد أن بيَّنت لنا منزلة النبي -[- العالية التي تستمد علويتها وشرفها مِن كونه - صلى الله عليه وسلم - بَشَرًا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولكنه في الوقت ذاته يبلغ عن الله رسالته، ودينه وشرعته، وهذه الرسالة قائمة على الدعوة إلى وحدانية الله -عز وجل- التي تضمن للعبد النجاة في الآخرة، فمن كان همه وغاية سعيه أن يلقى الله -عز وجل- في هناء وسعادة وطيب مقام، فعليه بالعمل الصالح الذي يخلص فيه صاحبه إلى الله -عز وجل-، ويحقق فيه حسن متابعته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن حقق هذين الشرطين في الدنيا نال حسن اللقاء في الآخرة.
    الدرس الأهم من السورة
    إذا أردنا أن نضع عنوانًا للدرس الأهم الذي أرادت السورة أن تعلمنا إياه، سنجده يدور حول (الأمل)؛ حيث بدأت السورة بضيق الكهف، وانتهت بسعة ملك ذي القرنين، الذي ملك المشارق والمغارب، إن القرآن يريد أن يرشدنا إلى أن قضية الأمل مسألة حتمية لا بديل عنها؛ لأن اليأس والإحباط يؤديان إلى القعود والقنوط، وكلاهما خطر داهم على الفرد والمجتمع والأمة، فضلا عن أن اليأس والإحباط مذمومان شرعًا، وقد حذرنا القرآن من ذلك، وأمرنا بالبُعد عنها (ونهانا عن اليأس)، فقال -تعالى-: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87).
    الأمل منهجية نبوية
    ثم إن الأمل منهجية نبوية، وسنة محمدية، طبَّقها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في أحلك الظروف، وأشد الأزمات، وليس هناك أوضح من موقفه - صلى الله عليه وسلم - في حفر الخندق، وهو يبشِّر الصحابة بفتح فارس والروم، وهزيمة كسرى وقيصر، وهم في أشد مراحل الضعف والحصار.
    تثبيت روح الأمل
    كما أنه يجب عليك أن تبثّ في نفسك روح الأمل لكي تخرج من الحياة منتصرًا مرفوع الجبين، فحياتك جزء ضئيلٌ جدًّا من عمر الحياة؛ فاحرص أن تكون هذه الحياة مليئة بالعمل، مفعمة بالأمل، واعلم أنك لستَ بأول الطريق ولست بآخره، فقد سبقك على الدرب كثرٌ، وسيخلفك عليه آخرون، فلا تنظر إلى الحياة مِن منظورٍ ضيقٍ، وافتح لنفسك نوافذ الأمل والتفاؤل، حتى تسعد في حياتك، ويسعد بك مَن حولك.
    إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    بالإضافة إلى ذلك: فإن سورة الكهف ترشدنا إلى ضرورة وأهمية إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي كل القصص التي وردت بالسورة كان محور القصة يدور حول الدعوة والبلاغ وتغيير المنكرات، ففتية الكهف أنكروا ما عليه قومهم من الكفر والتكذيب، والرجل الصالح أنكر على صاحب الجنتين تكذيبه بالبعث وعبادته للمال والمادة، وموسى -عليه السلام- أنكر على الخضر ما رآه مِن أفعال تبدو في ظاهرها شنيعة ومنكرة، وذو القرنين أنكر على أهل المغرب ما هم عليه من الظلم والفساد.
    الثبات على المنهج
    والدعوة الإسلامية الآن تريد جيوشًا وثابة من الرجال الذين يتعلمون الثبات على المنهج، والمرونة في الحركة، فيكونون كالسنبلة التي تميل مع الريح ذات اليمين وذات الشمال، ولكنها أبدًا لا تراوح مكانها، ولا تتخلى عن جذورها، وعند التأمل ستجد أن مرونتها أحد عوامل بقائها واستمراريتها.
    أما الجذع الصلب الذي يتصدَّى للرياح والعواصف، فإنه قد يصمد أمامها مرة أو مرات، ولكنه في لحظةٍ ما سوف ينكسر؛ ليس لأنه ضعيف، ولكن لأن الرياح أكثر منه قوة، وفي المقابل: هناك نوعٌ مِن الزرع الهش الذي لا يقوى على المقاومة ولا يصمد أمام العواصف؛ لأنه منبت الأصل، سطحي التواجد، ضعيف الأثر، فما أسهل أن يُجتث ويضيع!
    فوائد من المشهد
    - مداومة الإنسان على المعصية وشدة تعلقه بها تجعله على خطرٍ عظيمٍ، فربما أدمن فعلها حتى تصبح له بمنزلة العادة، لذلك أمرنا الله بالمداومة على الاستغفار والتوبة.
    - أمر مؤلم أن يظن الإنسان بنفسه خيرًا وهو على خلاف ذلك، والأكثر منه ألمًا ومرارة: أن يكتشف الإنسان هذا الأمر متأخرًا؛ بحيث لا يتمكن مِن التغيير والإصلاح.
    - جعل الله الجنة نزلًا للمؤمنين يمكثون فيها بلا نهاية، ولما كان الخلود في الشيء يورث الملل والسآمة، جعل الله في نفوس أهل الجنة الرغبة في البقاء فيها، وعدم إرادة التحول عنها.

    أحمد الشحات




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •