صرخة غيور



بقلم: سيف الله داود عمران ملاسا.

عندما كنا في المرحلة الثانوية كان عنوان قصيدة الشاعر الجاهلي لقيط بن يعمر الإيادي في الكتاب المقرر للأدب، صرخة غيور.

كتب الشاعر قصيدته لما اطلع على مكائد العدو ومؤامراتهم فأنذر بها قومه ودعاهم إلى أخذ أهبتهم لمكيدة الكسرى وأن يسدوا الثغور التي يستطيع أن يدخل خلالها العدو الخارجي متمنيا إفاقتهم من غفلتهم ونومهم العميق في البلهنية، كما طلب منهم توحيد الصفوف وعدم تصدع الجمع وتقليدَ أمورهم قائدا رحب الذراع مضطلعا بأعباء الحكم تكون أمورهم في الصفحة الأولى من معجم أولوياته.
لكن مع الأسف الشديد ما أغنى عنهم الإنذار، فاستولى عليهم الأعداء وعلى أملاكهم واغصتبوا تلادهم وطوارفهم وانقطعت أمجادهم.

فكلما تأملت في واقع الأمة الإسلامية اليوم خاصة في نيجيريا أخشى أن يكون مصيرهم - أخيرا - مصير الإياديين لما نرى في المسلمين من غفلة أهل إياد والضعف في قراراتهم وقيادتهم ونظامهم وتصدع الصف والانشقاق وعدم التمسك بحبل الله جميعا والإعراض عن الإنذارات القرآنية والنصائح النبوية والابتعاد عن مسلك الصحابة ومنهج السلف في الاعتقاد والدعوة والأخلاق والحكم والمعاملة. فلا ينظر المسلم الغيور على دينه إلى واقع الأمة اليوم إلا ورثاه وامتلأ قلبه البث والحزن وملأ العينَ العبر.

فما أعظم الفرق بين الإسلام دينا والمسلمين واقعا !!

كتبت هذه المقالة لا لأشكو ألمي وما أثأرته مشاكل الأمة في القلب من الحزن والبث فالأمور لا يمكن أن تتغير بالأحزان والانفعالات والشكاوى لكن بالأعمال وبذل الجهود لذلك لا يهمني في الفقرات القادمة إلا التفات الأنظار إلى بعض الثغور لعل قراءتنا هذه المقالة تكون دافعة لنا إلى سد تلكم الثغور وبداية الوعي واليقظة والنهضة والخطوة الأولى في طريق التصحيح والتغيير والإصلاح.

أخي القارئ، لقد عاش المسلمون في العصور القديمة متشبعين بالمفاهيم الإسلامية الشاملة الصحيحة والتي أنارت بصيرتهم وهذبت سلوكهم فاستطاعوا بها أن ينهضوا نهضة عظيمة فرفعوا راية الإسلام في العالم وأقاموا حضارة زاهية لا مثيل لها. أما اليوم لقد تغير الحال وتبدل وكثرت الشبهات وعاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا وأصبحت الأمة الإسلامية كطير مقصوص جناحاه ومبتلاة بظهور تيارات غريبة فيها تساعد العدو في محاربة الإسلام بطريق غير مباشر منهم من يرون التمسك بالدين خاصة الاعتراض على تغلغل النصارى والانبراء للذود عن الإسلام تطرفا ومما يعوق المجتمع عن التقدم ويعتبرون الدعوة إلى النهضة إرهابا.

فما أعظم الفرق بين أمسنا ويومنا !!

وللأسف الشديد أن الشبان وهم معقد آمال الأمة أكثر ضحايا هذه الأفكار الهدامة والعقائد المنحرفة التي أوهمتهم أن السبيل الوحيد للخلاص من التخلف والجهل والهمجية هو التخلص من ربقة الإسلام وانتهاج نهج الغرب. ويبدو للجميع أن عقيدة معظم شباب الأمة متشوهة وفهمهم للدين قصير وشعورهم بالانتماء للأمة الإسلامية ضعيفة كما ضاعت فيهم الهوية الإسلامية وغاب فيهم الوعي الديني والثقافي والسياسي، وهذا راية سوداء للأمة. لذلك يجب أن نسد أبواب هذه الفتن وطرائق الفساد التي أفسدت شبابنا بغرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر في قلوبهم وتزويدهم بالقيم الإسلامية وربطهم بالعلماء والصالحين وجماعة المسلمين.

ومن ثم، استطاع العدو تجنيد أبناء الأمة لمحاربتها فضلا عن مؤامراتهم ومحاولاتهم لمنع الانبعاث الإسلامي في العالم، ونجحوا في تبديد شمل المسلمين وقصم عصاهم وقد ترك هذا أثراً أشد فجاعة ومرارة من التي منيت الأمة به في الماضي. وخلال هذا، استطاع أعداء الإسلام - بالرغم من اختلاف مذاهبهم السياسية والدينية - إيجاد الموالاة والتعاون بينهم لمحاربة المسلمين.

ومن محل الانتباه هو سيطرة العدو على الاقتصاد والإعلام والتعليم والسياسة في الدولة وإيجاد العوائق التي تمنع المسلمين الجادين من تولي السلطة السياسية وهذا لأن البريطانيين عند انسحابهم من الدولة خططوا خرائط الحكم ونصبوا الطغمة الحاكمة المتسلطة من المسيحيين والعلمانيين للتحكم بمصير الدولة وهذه الأنظمة العلمانية والمسيحية تنفذ برامج التعليم التي تخرج جيلاً من الشبان المارقين من الدين وتغرس في عقولهم أفكارا خبيثة تعارض الإسلام. لذلك كثيرا ما يؤسفني أن نرى فئات من المسلمين المنتسبين إلى العلم والدين من يدعو إلى البعد عن السياسة وعدم المشاركة فيها مع علمهم أن هذه السياسة التي تهيمن على التعليم والاقتصاد والأمن هي كبرى الأسلحة التي حارب بها العدو العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي.

وفي خاتمة المطاف، نرى كيف يتعرض بعض المسلمين في نيجيريا خاصة في الجنوب الغربي للاضطهاد والهضم وكلما طرأت هذه الاضطهادات ترانا ننظم الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات ولم نتفكر يوما في أن نعمل في إيجاد الحل الدائم لهذه الظاهرة، ولست مستنكر هذه الجهود المبذولة للدفاع عن حقوقنا لكن لن تأتي إلا بحلول مؤقتة، فيجب أن ننظر أولا إلى جذور هذه الاضطهادات ونصلح النظام الذي أوصلنا إلى هذا الموقف المحرج، ويكون لنا تمثيل جيد فيه ولا نكون في منأى عنه. لكن مهما كان يجب أن نتعاون في ما بيننا ولا نتفرق أيادي سبأ ولا نقدم ما حقه التأخير أو نؤخر ما حقه التقديم وننظر إلى نوع الإسلام الذي نمارسه، لنستطيع أن نواجه الأعداء الذين بعضهم أولياء بعض.