الزواج البارد.. طلاق صامت


تحقيق:دعاء أحمد





تعيش بعض الأسر حياة زوجية باردة، خالية من العطف والحب والمودة والرحمة، وربما خالية من التكافؤ الزوجي الضروري، فالزوجان هنا يعيشان طلاقاً صامتاً.. لكنه لن يستمر إلى الأبد هكذا، بل سينفجر في يوم ما.. إما إلى طلاق حقيقي، وهذا سيلقي بظلاله على الأبناء ومستقبلهم، أو إلى الرضاء بالحياة (الديكورية) والصبر قهراً عليها، وهذا غالباً يقود إلى مفسدة.




فما الحلول؟ وما مصير الزوجة تحديداً باعتبارها صاحبة الفرص المحدودة، إن لم تكن المعدومة؟!

التحقيق التالي يغوص في أعماق القضية ويحاول تشريحها وتفتيتها ومعرفة فحواها:



حرمان عاطفي

في البداية ترى د. منال علي أستاذة علم النفس الاجتماعي أن هناك فئة من النساء تعاني بصمت في ظل مجتمع يطالب المرأه بأن تحافظ على منزلها حتى لو كانت تعيش مع شبه رجل؛ كي لا تقع في المحظور وتنال لقب (مطلقة)، فهو وصمة عار تلحق بكل أنثى، ففي مجتمعنا العربي ينظر للمرأة على أنها المسؤولة عن فشل الزواج، فخلف الجدران تُوجد مئات القصص المؤلمة لنساء يعاني بعضهن مرارة العيش مع وحش لا يرى في المرأة إلا وسيلة للتنفيس عن غضبه أو أداة لإنجاب الأطفال دون مراعاة لمشاعرها وحقوقها كزوجة وشريكة حياة.

ومن سلبيات هذا الزواج أن يعيش الزوجان في ظل ما يسمى (الطلاق النفسي) وهو غالباً ما يسبق الطلاق الفعلي، حيث يعيش الزوجان كالغريبين في المنزل نتيجة لرغبتهما في الاستمرار من أجل الأبناء أو من أجل الحفاظ على الشكل الاجتماعي؛ حيث إن بعض النساء لا يمتلكن الجرأة لطلب الانفصال بسبب عدم وجود مكان تقيم فيه بعد الطلاق أو وظيفة تستطيع من خلالها أن تعتمد على نفسها، بالإضافة إلى الحرمان من الأبناء في حالة الطلاق، وهو السلاح الفعَّال الذي يلجأ إليه بعض الرجال للضغط على الزوجة لتبقى في تلك العلاقة.

وهناك حالات يكون الزوج والزوجة فيما لا يملكان خيار الطلاق؛ لأنه غير مطروح في عائلتهما، وكثيراً ما تعاني المرأة من التعاسة بسبب توقعات المجتمع والأسرة التي تطالبها بالصبر وأن تكون مثالاً للتضحية والغفران،

وقد تسهم كثرة الخلافات في تباعد الطرفين، وفي جفاف العلاقة؛ مما يقود الى خيانة الزوج بسبب الروتين في العلاقة.



الأسباب والعلاج

وتوضح د. منال أهم أسباب الجفاء بين الزوجين، فمهما اختلفت الأسباب، فالحياة قطعاً ستكون شبه مستحيلة مهما حاول الطرفان التمثيل أمام الأبناء والآخرين.

وقد ينتج عن ذلك النوع من المعيشة إصابة بعض النساء بالاكتئاب والأمراض النفسية نتيجة المشكلات وعدم القدرة على البوح بما تشعر به، فهي تعاني بصمت وتضحي من أجل أسرتها، وبعضهن تنحرف؛ فتلجأ للبحث عن رجل آخر يشعرها بأنها أنثى ولا تزال مرغوبة.

وتضيف: إن الحل في علاج هذه المشكلة يعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة المرأة وقدرتها على التغيير والرغبة بتطوير ذاتها لعلاج الخلل الحادث في علاقاتها بزوجها، والوعي بحجم مشكلاتها والبحث عن الحلول بعيداً عن الخيانة أو الرضوخ للعنف والحرمان.

فيجب ألا تتخلى المرأة عن حقوقها، ولا بد أن تدافع عن حقها في الاحترام والحب والحصول على الرعاية، فنحن بحاجة كمجتمعات عربية لوجود مأوى للنساء المعنفات في كل مدينة لاحتواء كل امرأة تعاني ولا تجد مكاناً تأوي إليه.

وتشدد د. منال على أهمية تطوير المرأة لنفسها بالرجوع إلى مقاعد الدراسة أو الدورات التي تساعدها على دخول سوق العمل المناسب لها وفق الضوابط الشرعية والانخراط في الأنشطة الاجتماعية، ومحاولة البحث عن حلول مشكلاتها مع الطرف الآخر واللجوء للإخصائين لإنجاح زواجها. وفي حالة استحالة استمرار الزواج فمن الأفضل أن تنفصل بهدوء وبعيداً عن المشكلات ودخول الأبناء طرفاً في هذه الخلافات.



زواج خاوٍ

وحول التأثير النفسي لهذا الزواج ترى الدكتورة أميرة الزين استشارية علم النفس أن الأصل في الزواج المعنى، والهدف منه التوافق والحب والمودة والاحترام، فإذا خلا من هذه المعاني أصبح الزواج خاوياً وخالياً ولا معنى له، مشيرة إلى التأثير النفسي على الزوجين من خلال ما يصابان به من الاضطراب السلوكي الحاد من حدة المزاج، وعصبية على الذات وعلى الآخر، وحالة من التوتر والقلق نتيجة عدم التوافق والانسجام بين الزوجين، والاكتئاب الذي تتعرض له المرأة أكثر من الرجل.

وتوضح أنه قد يكون الانفصال حلاً لفض كثير من النزاعات والخلافات الأسرية، لكنه غير مستحب خاصة عند وجود أولاد؛ لذا يجب السعي لتحسين الوضع من قبل الزوجين لمسايرة الحياة، خصوصاً من قِبل الزوجة لمواصفاتها الربانية بقدرتها على التحمّل والتضحية، ثم بعد ذلك إذا استحالت العيشة بينهما فيكون الانفصال هو الحل السليم.

وللاستمرار في الحياة الزوجية يجب مراجعة ذوي الاختصاص للمساعدة والتنوير بكيفية الاستمرار من خلال مراكز التوجيه الأسري لمعرفة الآلية المتبعة خاصة عند وجود أطفال والتخفيف من الآثار المترتبة من خوف وقلق جراء الاضطرابات الأسرية.



الإعلام والمشكلات الزوجية

وعن دور الإعلام في تعرضه للمشكلات الزوجية يذكر المذيع خالد العتيبي أن من أهم الموضوعات الزوجية التي ناقشناها موضوع (زوجان بلا مشاعر)، وهو من القضايا الشائكة بين الزوجين أن تصل المشاعر بينهما لدرجة البرود التام، وهي معاناة كبيرة لمسناها لدى كثير من النساء خاصة، ويلعب اختلاف البيئات دوراً كبيراً في الموضوع.

ويرى أن الحل الأمثل لمشكلات الحياة الزوجية هو التثقيف الزوجي؛ فكثير من الأزواج يجرب ولا يلجأ لأهل الخبرة والمعرفة، فالعالم اليوم غير الأمس، وهنالك معارف كثيرة تغيّرت عن واقع الأزواج بالأمس، فهنالك معرفة الطباع والتعامل معها، والفرق بين عقل الرجل والمرأة، وفنون إدارة الخلافات الزوجية وغيرها من المعارف المهمة في حياة الزوجين. وقبل كل شيء لا بد أن يعرف الزوجان أنهما شريكان من أجل النجاح في الحياة لا من أجل أن ينتصر أحدهما ويفرض رأيه على الآخر، وعندها سيتنازل كل منهما حتى تسير السفينة بسلام، وإذا لم تفلح الحلول للتقارب بين الزوجين فالانفصال خير، خاصة لو كان في البداية.



تراكمات نفسية

أما استشارية العلاج الأسري د. سلمى سيبيه فترى أن الزواج أساسه المودة والرحمة، وبدونهما تصبح الحياة باردة حد الموت... والحياة الزوجية مليئة بالاختلافات، فكيف يصمد هذا الزواج في وجه الهزات بكل ثبات ومرونة مهما كانت قوية؟! فبدون العاطفة يصعب احتواء المشكلات التي ستحصل في كل بيت لا محالة، ولا شيء أسوأ من الحياة الخالية من العاطفة.

وتوضح أن هذا الزواج يعد واجهة اجتماعية يراها المجتمع مظهراً خارجياً، فهم أمام الناس زوج وزوجة ومنزل وربما أطفال، ويخرجون ويزورون، ولا يعرف المجتمع المقرب منهم ماذا يحدث في حياتهما الخاصة. وعلى الرغم من هذه الحياة الجافة، فقد ترى بعض النساء أن بقاءها بهذا الشكل خير لها وعلى قول إحداهن: «يؤدي لي هذا الزواج ديكوراً اجتماعياً أحتاجه بدلاً أن يقال عني مطلقة»، محذرةَ من العواقب السلبية التي تنجم عن هذه الحياة فهي تؤدي إلى الانفصال العاطفي، وقد يتطور الأمر إلى الخيانة الزوجية، وقد يؤثر سلبياً على الأطفال.



نصائح للزوجين

وتنصح استشارية العلاج الأسري كل زوجين يعيشان هذه الحياة الزوجية بالآتي:

- حاولا تقليص حجم الفجوة العاطفية بينكما بالحوار وبالتغاضي عن عيوب الآخر أو تقبلها.

- استعينا على ذلك بالدعاء، ثم بحضور الدورات التدريبية لإتقان مهارات الحياة مثل: مهارة الاتصال ومهارة الإقناع وكذلك مهارة الحوار.

- تعرفا على أنماط شخصيتكما، ولا تستسلما أبداً.

- عليكما بالابتسامة لأنها مفتاح القلوب، ابتسم يبتسم لك الآخرون، وأضيفا المرح إلى حياتكما ليكسر حواجز الصمت والجمود داخل أسرتكما.



كامل الحرية

وعن رأي الشرع في هذ الزواج تذكر د. إلهام باجنيد أستاذ الفقه المساعد بجامعة الملك عبد العزيز أنه في مثل هذا الزواج وبشكلٍ عام إذا تضررت المرأة في حياتها الزوجية فإنها تكون بالخيار أن تستمر أو تطلب الفراق، مشيرة إلى أن الشرع لا يفرض على الزوجة أحد الخيارين، بل يمنحها كامل الحرية في اختيار ما تراه مناسباً لها ولأسرتها، وإذا اختارت الاستمرار لا تكون آثمة في نظر الشرع؛ لأنه كما أسلفت محض اختيارها، إلاّ أنه ينبغي أن يكون خيار استدامة، فالحياة تبنى على خلفية نقية ونظيفة؛ إذْ ليس من المقبول شرعاً ولا عرفاً أن تستمر في مثل هذه الحياة ثم تسلك طريقاً منحرفاً تعوّض به ما فاتها في حياتها الزوجية لتظل أمام المجتمع محافظة على بيتها وأسرتها.



تسوية أمر الأبناء

وتوضح د. باجنيد أن الشرع منح المرأة المتضررة في حياتها الزوجية مساحة اختيار الفراق لتحيا حياة كاملة إذا رأت أنها لا تستطيع الصبر؛ لذا ينبغي اجتماعياً ألا يضغط المجتمع على المرأة بمواعظ فضل الصبر على الزوج في هذه الحالة بالذات؛ لأن تبعاتها الاجتماعية لن تكون محمودة عندما تساير المرأة ضغوطات المجتمع ظاهراً، بينما هي في الحقيقة تعيش حالة تردٍ ورذيلة لإشباع حاجات ملحّة تختلف في إلحاحها من امرأة إلى أخرى.

أما بالنسبة للأهل فمن المهم جداً أن يتفهموا ما ذُكر سلفاً، وإلا فسيكونون سبباً في أحد أمرين: وقوع ابنتهم فريسة حالة نفسية حرجة، أو التردي إلى مدارك هم أولى الناس بحمايتها منها.

أما الأولاد فإن الأفضل لهم لا يستطيع أن يحدده إلاّ المرأة نفسها القادرة على الوقوف على الأنسب لهم ولها في ذات الوقت، فهذا الأمر إن كان يسبب نزاعاً بينها وبين زوجها مما يؤثر سلباً على نفسيات الأبناء فالأفضل الانفصال، شريطة أن يحرص الطرفان على تسوية أمر الأبناء بعد الطلاق بما لا يؤثر على حياتهم المستقبلية، وبما يوفر لهم حياة هادئة مستقرة، ويتعاونان من أجل تحقيق هذا الهدف.