حكم العمل مع شركات التسويق الإلكتروني


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال
الملخص:
سائل يسأل عن حكم العمل مع شركة تسمَّى "جوسيال"، تعتمد على التسويق الإلكتروني.
تفاصيل السؤال:
هناك شركة جديدة اسمها شركة "جوسيال"، وهي شركة تعتمد على التسويق الإلكتروني؛ فإذا أراد الشخص العملَ معهم، وجب عليه أن يدفع اشتراكًا محددًا حسب المرتبة التي يريدها، وهذا الاشتراك لمدة ثلاثة أشهر، ثم يجدده مرة أخرى إذا أراد الاشتراك؛ حيث تعطيك هذه الشركات إعلانات أسبوعية تنشرها على صفحتك على الفيسبوك، مقابل مبلغ معين، وهي إعلانات لا يوجد فيها أي أشياء محرمة، ولا تحصل على أرباحك إلا إذا نشرت هذه الإعلانات، وكذلك لديك نسبة إذا دخل عن طريقك آخرون، وهذا ليس إلزاميًّا بل اختياريًّا، والسؤال: ما حكم العمل مع هذه الشركة من حيث الحِلِّ والحرمة؟ أفتونا مأجورين.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.

ثانيًا: شركة "جوسيال" تعتمد في عملها على طريقة التسويق الشبكي أو الهرمي، ويحرم التعامل بالتسويق الشبكي الذي يفرض فيه على العميل رسوم اشتراك، أو شراء سلعة معينة، حتى يتمكن من التسويق وأخذ العمولة، لِما في ذلك من الغرر والمقامرة؛ ولأن السلعة هنا غير مقصودة، بل المقصود هو الدخول في نظام التسويق، والأمل في أخذ العمولة الكبيرة.
ووجه المقامرة: أن المشترك يدفع الاشتراك أو ثمن السلعة، على أمل أن يجلب الزبائن ويأخذ العمولة، وقد يحصل له هذا، وقد لا يحصل، وهذا هو القمار.
فالتسويق الشبكي جمع في طيَّاتِهِ عددًا من أسباب التحريم؛ منها: الربا، والغرر، والجهالة، والمقامرة، وأكل أموال الناس بالباطل، والغش، والتدليس.
وهذه الشركة تتعامل بنفس النظام المحرم من التسويق الشبكي، وتختلف أسماء الشركات والطريقة واحدة.
وهذه فتاوى أهل العلم المعاصرين القائلين بتحريم التعامل بالتسويق الشبكي، وأذكر موقع الفتوى على الشبكة العنكبوتية لمن أراد الرجوع إليها:
(1) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية ونصها: (... ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرمة شرعًا لأمور ...).

(2) فتوى مجمع الفقه السوداني وورد فيها: (... العلة الشرعية التي بُنِيَتْ عليها فتوى حظر شركات التسويق الشبكي الصادرة من المجمع قبل خمس سنوات تتمثل في كونه قمارًا ... بناءً على ما سبق، فإن المجمع يرى أن عمل شركة كويست نت بالسودان في خطتَيْها القديمة والجديدة لا يجوز العمل به لكونه قمارًا حرَّمه الشرع، وبسبب مخالفتهم الصريحة لفتوى المجمع في ذلك).
(3) فتوى د. يوسف الشبيلي: (لا يجوز الاستثمار في هذه الشركة لأنها قائمة على التسويق الشبكي والسلع التي فيها ليست مقصودة، وإنما المقصود هو العمولة فالمتاجرة فيها أو التعامل فيها يشتمل على الربا والغرر).
(4) فتوى د. سامي السويلم عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي: (الإسلام هو دين الفطرة، والشريعة الإسلامية قائمة على العدل ومنع الظلم، فإذا أدرك العقلاء ما في هذه المعاملة من الغش والاستيلاء على أموال الآخرين بغير حقٍّ، ودَعُوا من ثَمَّ إلى منعها، فالإسلام أولى بذلك، ويمكن تعليل القول بحرمة الاشتراك في هذا النوع من البرامج بالأسباب الآتية:
1- أنه أكل للمال بالباطل.
2- ابتناؤه على الغرر المحرم شرعًا).
(5) فتوى دار الإفتاء الفلسطينية، وورد فيها: (... وبناءً على ما تقدم ذكره، فإن التعامل مع هذه الشركة حرام شرعًا).
(6) فتوى الشبكة الإسلامية: (قلنا بحرمة التسويق الشبكي، والذي تمارسه الشركات المذكورة وأمثالهما لِما يشتمل عليه من غرر وأكل لأموال الناس بالباطل، فالسلعة في هذا النظام غير مقصودة، وإنما المقصود العمولات الموعود بها).
(7) فتوى د. عبدالله الطيار على موقعه.
(8) فتاوى د. أحمد الحجي الكردي له عدة فتاوى على موقعه.
(9) فتاوى د. حسين شحاته له عدة دراسات على موقعه.
(10) عدة فتاوى لكل من د. أحمد السهلي، د. إبراهيم الضرير، د. عبدالحي يوسف، الشيخ يحيى الزهراني، وكلها منشورة على موقع صيد الفوائد.
(11) فتوى الشيخ محمود عكام منشورة على موقعه.
(12) فتوى عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام.
(13) فتوى لجنة الإفتاء الأردنية: (وننبه هنا إلى أن شركات التسويق الشبكي والهرمي تنوعت طرقها، واختلفت أساليبها، ونظرًا لاشتمالها على المحاذير السابقة، فإن حكمها هو التحريم).
(14) فتوى مفتي الأردن السابق د. نوح سلمان: ومن الأبحاث المنشورة:
(أ) حكم التسويق بعمولة هرمية دراسة فقهية قانونية مقارنة - أحمد سمير قرني.
(ب) شركات التسويق الشبكي، دراسة فقهية مقارنة لعمار الضلاعين.
(ج) التسويـــــق الشبكـــــي تكييفه وأحكامه الفقهية، بندر بن صقر الذيابي، رسالة ماجستير في جامعة محمد بن سعود الإسلامية.وغير ذلك من الفتاوى والدراسات.
وقال الدكتور حسام الدين عفانه، بعد بيان حكم التسويق الشبكي: (وختامًا، فإنني أرجو أن يقتنع المتعاملون بالتسويق الشبكي بحرمته لِما ذكرت أعلاه، وأن يبحثوا عن الكسب الحلال، وأن يبتعدوا عن المحرمات، وعن المشتبهات.
فقد جاء في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يُوشِك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وخلاصة الأمر أن التسويق الشبكي محرمٌ شرعًا لاشتماله على عدة أمور مبطِلة للعقد؛ كالربا بنوعيه: النسيئة والفضل، والقمار والغرر، والغش والخداع، وأنصح الناس ألَّا ينخدعوا بما تروِّجه الشركة ووكلاؤها من الربح السريع، فكل ذلك من الكسب غير المشروع).
وأما الترويج لسلع بالإعلانات، دون اشتراط التسويق الشبكي وجلب مسوقين جدُدٍ يدفعون اشتراكات، ويُضافون تحت اسم المروِّج؛ فالمقصود منه هو المقصود نفسه من التسويق الشبكي، والحاصل منه هو الحاصل من التسويق الشبكي، الاحتيال بطريقة (Ponzi).
فهناك اشتراط على المشترك أن يدفع مبلغًا نقديًّا، كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك، يسمونه اشتراكًا، وأن يستمر في الدفع في فترات دورية كي يستمر في حصوله على أرباح.
واشتراط جهة على المسوقين لها أن يدفعوا لها اشتراكات نقدية دورية، كي تقبل أن يُسوِّقوا لها - شيء غريبٌ، ويُثير الريبة، ويُشكك في المقصود الحقيقي، وَيُبعِدُ أن يكون المقصود منه محض التسويق؛ لأن المسوِّقَ لا يضع ضريبة دخول على من يريدُ أن يخدمه بتسويق منتجاته.
والمقصود الحقيقي هو جمع أموال الاشتراكات، وإبقاؤها لمدة في يد هذه الشركة التي جمعتها، قبل أن تُرجعها مع زيادة لمن دفع الاشتراك، وهناك قيود كثيرة على سحب الأرباح المتجمعة من الإعلانات، مثل تحديد حد أدنى للمتجمع منها قبل التمكن من سحبه، ومثل تقييد السحب بالبتكوين وليس بالنقود، ومثل وضع رسوم على السحب، ومثل اشتراط مُضِيِّ مدة قبل التمكن من سحبها، والقصد من ذلك كله هو المقصود نفسه من التسويق الشبكي، تجميع أموال كثيرة، وإغراء الآخرين بالاشتراك والدفع، حين يرون من قبلَهَم قد أخذوا بعد فترة أكثر مما دفعوا، ويستمر الأمر كذلك إلى نقطة حرجة، ينهدم فيها كل شيء على رأس القاعدة الواسعة الأخيرة من المشتركين، الذين تذهب أموالهم، وهي بالملايين أو بمئات الملايين أو أكثر، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.