مـن مـلتقطات الشيخ يوسف بن عـيـسـى القناعي

-مواقف وأحكام حول الحج والعمرة


محمد أحمد العباد



الحمد لله ماحي دنس الآثام بالحج إلى بيته الحرام، ومضاعف الثواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التلبية والإحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خير من لبـّى لله وأحرم، وبَيَّنَ ما أَحَلَّ اللهُ وحَرَّم، أما بعد: فهذه مقالةٌ أصلُ مادتها مأخوذ من ملتقطات الأستاذ الكبير الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله، الذي لا يوجد مشروع في وطنه قام على دعائم البر والإحسان إلا وله فيه يد، ولا طريق من طرق الإحسان إلا وله فيه أثر، وكان من أشهر مؤلفاته كتاب: «الملتقطات» الذي لم يتحر فيه ترتيباً موضوعياً معيناً، بل جعل الموضوعات منثورة هنا وهناك، فانتقيت منها مواقف وأحكاما تتعلق بالحج، فإلى المادة:

1 – موقف في السبيليات (في البصرة):

كنا في السبيليات في سفينة للسيد خلف النقيب، فزارنا أحد التجار وآثار الصيام بادية عليه، فلما جلس قال للسيد: «إن الصيام في الصيف شديد، فكيف إذا كان الحج في رمضان؟» فقلت له: وهل يكون الحج في رمضان؟! فانتبه لنسيانه فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، ألهتنا التجارة حتى صرنا نخلط الأوقات ولا نميزها». (الملتقطات ج2 ص234 ط: 2).

2 – طلب العلم في مكة بعد الحج «على يد أول من أحيا الروح السلفية في المغرب من المتأخرين»:

لما عُدْتُ من الأحساء أنا وزميلي المرحوم الشيخ أحمد بن الشيخ خالد العدساني كان رأيه أن يتوجه إلى مصر ليزداد علما، وأنا رأيت أن أتوجه إلى مكة المشرفة لأداء فريضة الحج وأتزود من العلم، وسافرت إلى مكة في سنة 1323هـ وسافر الشيخ أحمد إلى مصر.

وبعد وصولي إلى مكة أخذت أحضر دروس المشايخ في الحرم، وأحسن ما رأيت دروس الشيخ شعيب المغربي، فكنت أحضر دروسه في الحرم في متن ألفية ابن مالك وصحيح البخاري، وطلبت إليه درسا في المنطق فقال: «لا أتمكن في الحرم إلا إذا أتيت إلى بيتنا»، فكنت أذهب إلى بيته حتى أكملت شرح (السلم).

وبعد إقامتي في مكة نحو أربعة أشهر عدت إلى محلي بالمدرسة، فإذا بزميلي الشيخ أحمد جالس، وبعد السلام سألته عن السبب في ترك دروس الأزهر فقال: «لا تصلح ولا فيها ثمرة، ينقضي الدرس كله في تقارير باردة، مثل: لو قال المؤلف: كذا، لكان أصلح من كذا، وهكذا؛ ليظهر المدرس مقدرته في حلقة الدرس، ولا يسأل الطالب عن درسه ليعرف اجتهاده من تقصيره). (الملتقطات ج6 ص554).

3- التعرض لهجوم القُطّاع في طريق العمرة:

كنا في زمن الأشراف نخشى على أنفسنا حتى إذا أردنا الذهاب إلى العمرة، وسافرت للمدينة مع القافلة ومعنا الخفر الذي يحرسنا، وهجم علينا قطاع الطريق ونحن سائرون ليلا؛ فأمرنا رئيس القافلة بالفرار وقابل القُطّاعَ أصحابُنا بالرمي حوالي نصف ساعة حتى نصرهم الله وعادوا إلينا سالمين، وتخلف منا درويش نهارا وهو لا يملك إلا عصاه ولحقنا بعد مدة مضرجا بالدماء فقال: «ضربني قطاع الطريق لأعترف لهم بالمال إن كان عندي شيء، وفتشوا ثيابي ولم يجدوا شيئا فتركوني»، والمصيبة أن هؤلاء الأشقياء يقتلون المحرم بالحج وبعد القتل يفتشون ثيابه. (الملتقطات ج6 ص599).

4 – بيان معنى الاستطاعة في الحج:

قال الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}؛ فـالمستطيع الذي يجب عليه الحج هو أن يكون صحيح البدن وعنده من المال ما يسد مصرفه وتكاليف الطريق ذهابا وإيابا، وأيضا أن يكون عنده ما يسد حاجة أهله وأولاده من النفقة مدة غيابه. وأن يكون الطريق آمنا. (الملتقطات ج3 ص389).

5 – ضعف حديث حول معنى الاستطاعة في الحج:

ورد في حديث: «من ملك زادا أو راحلة توصله إلى بيت الله ولم يحج بيت الله، فلا عليه بأن يموت يهوديا أو نصرانيا» قال البخاري: «منكر الحديث) وقيل: «مجهول»، وقال ابن عدي: «هذا الحديث ليس بمحفوظ»، أما إسناده ففيه الحارث الأعور وفيه ضعف. انتهى عن تفسير الشوكاني. (الملتقطات ج3 ص397).

6 – حكم العاجز عن الحج:

«إن كان الشخص معضوباً (أي: مصابا ببدنه) فلا يستطيع السفر، فعليه أن ينيب عنه من يحج عنه، وإن كان الجسم سليما أو أنه لا يملك مصاريف الطريق مع نفقته ونفقة من يعول، فليس عليه حج البيت، وإذا أيسر بالمال وجب عليه الحج. هذا إذا كان الطريق آمنا، أما إذا كان الطريق مخوفا فليس على المرء الحج حتى يأمن الطريق». (الملتقطات ج3 ص389).

7 – من اتفاقات المذاهب الأربعة في أحكام الحج:

«اتفقوا على أن فروض الحج ثلاثة: الإحرام بالحج، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة.

وأجمعوا على جواز تقدم السعي على طواف الإفاضة بأن يسعى بعد طواف القدوم، وأجمعوا على أن طواف القدوم سنة.

وأجمعوا على أن أفعال العمرة من: الإحرام، والطواف، والسعي أركان، وأما الحلق ففيه خلاف.

وأجمعوا على أن القارن والمتمتع على كل واحد منهما دم، فإن لم يجدا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لأهله.

كما اتفقوا على استحسان الغسل لـ: لإحرام بالحج، والوقوف بعرفة، ودخول الحرم، والطواف». (الملتقطات ج4 ص447).

8 – من مسائل الحج:

أنه (إذا قصد إنسان مكة للتجارة أو زيارة قرابة أو أصحابه، فله أن يدخلها بلا إحرام، وقال مالك وأحمد: يلزمه الإحرام، وإذا حج الإنسان بمال حرام أو ركب دابة مغصوبة أثم بفعله وصح حجه عند الشافعية، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء، وقال أحمد: لا يجزيه). (الملتقطات ج3 ص393).

9 – حادثة في يوم عرفة:

«سافرت سنة 1361هـ في أيام المرحوم عبد العزيز آل سعود، وكنا ننفرد بالمسير في السيارة وننام بالمفازة ولم نخش إلا الله، وقد حدثت حادثة في يوم عرفة، وهي: أن بعض السراق سرق، فأخبر المسروقُ مِنْهُ الشرطة، فأتوا ببدوي ليقتص الأثر، فتتبعه ثم أخبرهم بأنه قد عرف أثر السارق، ولكنه بسبب الرمل وكثرة الماشين لا يستطيع معرفته فأمهلوه، فذهب يوم العيد عند جمرة العقبة فعرف الأثر، فطلب من الحراس أن يتبعوه، وهو يتبع الأثر، فدخل بيتا في منى بلا إذن، فرأى السرقة بعينها وقبض على السارق، وحالاً أُمِرَ بقطع يده وعلقت على خشبة في الطريق ليراها الحجاج». (الملتقطات ج6 ص599).

10 – الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله وحسن سياسته:


«في حجتي سنة 1361هـ اختلطت في رواحي إلى المدينة مع عرب الحجاز، ورأيت من حسن المعاشرة واللطف ما لم أره في زمن الأشراف، وسألتهم عن المعيشة فحمدوا الله على ما هم به وأن عبد العزيز لم يقصر عنهم، فترى هذا الأمن المستتب إلى يومنا هذا ليس من إقامة الحد عليهم فقط، بل معه الإحسان إليهم ولله در القائل:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ

فطالما استعبد الإنسان إحسان»