كيف نتعامل مع الشبهات بوعي وحكمة؟


أسامة شحادة





كَثر في هذه المرحلة تداول الشبهات، ومما ساعد على ذلك تيسر وسائل الاتصالات عبر منابر السوء الفضائية والانترنتية والصحف والمجلات وغيرها، وأيضا كثرة خصوم الإسلام في الداخل والخارج.

فالمبتدعة ينشطون -اليوم وعبر مختلف منابرهم- في نشر شبهاتهم ومطاعنهم في السنة النبوية ومنهج السلف الصالح، وأعداء الإسلام -على اختلاف مشاربهم ومقاصدهم أيضا- يضغطون -وبقوة- لتلويث عقيدة المسلمين وطمس هويتهم الإسلامية، تحت شعارات العلمانية والحداثة والتنوير حينًا، وعبر دعوات التبشير أو الإلحاد والماركسية حينا آخر، أو عبر تحريف منهج فهم الإسلام وتطويعه لمناهج مستحدثة من المادية وما بعد الحداثة وغيرها.

تكاثر موجات الشبهات

هذا الحال الصعب من تكاثر موجات الشبهات وتنوعها، يجعل الكثير منا عاجزا أحيانا عن رد بعض الشبهات، ونتفاجأ بين الحين والآخر بأن فلانا قد انحرف وضل السبيل وسيطرت عليه الشبهة، فما الحل والعمل حتى لا تجرفنا سيول الشبهات؟

الخطوة الأولى:

مركزية طلب الهداية

بداية لابد لنا من تذكر مركزية طلب الهداية الربانية، كما يتمثل ذلك في قوله -تعالى-: {اهْدِنا الصراط المستقيم} في سورة الفاتحة، التي يكررها المسلم في صلاته يوميا على الأقل سبع عشرة مرة، وسبب مركزية طلب الهداية أن قلب الإنسان معرض للتقلب والتبدل بشدة، كما أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَقلب ابن آدم أشد انقلابا من القِدْرِ إذا اجتمعت غَلْيًا» رواه أحمد وصححه الألباني، ومن هنا جاءت الوصية النبوية الغالية بدوام سؤال الله -عز وجل- الهداية والثبات «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» رواه الترمذي وصححه الألباني، ومن هنا فإن المسلم في هذا الوقت خصوصا مطالب بمزيد من استشعار أهمية طلب الهداية كل يوم في صلاته، وأن يكون مخلصا وصادقا في دعائه.

الخطوة الثانية:

الاقتداء بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه

أما الخطوة الثانية في التعامل الواعي والحكيم مع الشبهات فهي الاقتداء بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في حادثة الإسراء والمعراج، حين جاءه المشركون والكفار يريدون تشكيكه في النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي دعوته ورسالته ونبوته فقالوا له: يزعم صاحبك أنه أُسرِي به إلى بيت المقدس ورجع في ليلة!

فكان جواب الصديق صاعقا لهم: إن كان قال ذلك فقد صدق!؛ وذلك لقوة إيمانه ويقينه، وبسبب هذا الموقف لقب - رضي الله عنه - بالصديق.

فالمسلم والمسلمة يجب عليهما اليقين التام بصدق دين الإسلام والقرآن والسنة عموما، ولو جهلا بعض العقائد والأحكام الشرعية أو حكمتها، أو جهلا بعض المواقف التاريخية وملابساتها، فعندما تجيئهم الشبهة من خصوم الإسلام في الداخل والخارج فهم بين أن يعلموا بطلان الشبهة على التفصيل، أو أن يسلموا بردها من غير تفصيل.

الخطوة الثالثة:

التعلم

وهنا تبدأ الخطوة الثالثة وهي التعلم، فالإسلام يحث على العلم أصالة {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وهو يشمل علم الدين والدنيا، فالمسلم والمسلمة يلزمهما تعلم قدر ضروري من العلم الشرعي ليصح به إيمانهما وإسلامهما، وكلما توسعوا في العلم الشرعي زادهم الله هدى ونورا، وكذا الحال في علم الدنيا، فالعلم بذاته يكرم الإنسان كلما ازداد منه.

سؤال أهل الاختصاص

ومن التعلم عند ورود الشبهات سؤال أهل الاختصاص، واليوم قد أنعم الله علينا بتوفر العلماء والدعاة وسهولة الاتصال بهم مهما بعدت ديارهم، فيمكن الاتصال بهم عبر الهاتف أو رسائل الهاتف والواتساب أو المسنجر أو سواها من البرامج، أو عبر البحث على شبكة الإنترنت؛ حيث يمكن البحث تحت عناوين عامة مثل: الرد على شبهات المستشرقين، الرد على شبهات الملحدين، وهكذا.

العودة للمواقع المتخصصة

ويمكن أيضا العودة للمواقع المتخصصة بالموضوع الذي تتناوله الشبهة، كمواقع القرآن الكريم المتخصصة أو مواقع السنة النبوية أو مواقع العقيدة وهكذا، وكذلك يمكن البحث من خلال المواقع المختصة بالرد على الشبهات.

تفحص هوية المصدر

ونقطة أخيرة تساهم في رفع الوعي في دفع ونقض الشبهات وهي تفحص هوية المنبر أو المصدر الذي خرجت منه الشبهة وتوقيت نشرها، ومدى مطابقتها لمحكمات الإسلام وأسسه، فإذا كان مصدر الشبهة هيئة أو شخصا معروفا بعداوته للإسلام، فهذا مؤشر كبير على وجود كذب في مضمون الشبهة، وإذا كان ملقي الشبهة من رموز العلمانية وكلامه يناقض أسس الإسلام والشريعة مثل نفي سلامة القرآن الكريم وصحته، أو أننا في هذا الزمان يجب أن نجدد فهم الدين ولا نتقيد بأقوال الأئمة الأربعة مثلا، بل نفتح الباب لتفسير الإسلام والقرآن بنظريات علمانية ومن قبل شخصيات علمانية لا تؤمن أصلا بصحة الإسلام فهذا كاف لأصحاب الوعي بعدم قبول كلامهم.

رفض أي شبهة وتشكيك بالعلماء


ومن أمثلة الوعي في رد الشبهات رفض أي شبهة وتشكيك بالعلماء العاملين المعروفين بالدعوة والعمل والعلم من قبل شخصيات نكرة تستخدم في شبهاتها ضد الدعاة والعلماء الشتائم والألفاظ البذيئة، فالتعامل مع مصدر الشبهة وتوقيتها ومضمونها هو من شيمة أهل التفكير النقدي والمنطقي وعلامة على الوعي واليقظة الفكرية.

هذه بعض الأسس المهمة لكل مسلم ومسلمة في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الشبهات؛ بحيث يعجز الكثير من المسلمين عن الإحاطة بجواب مفصل عليها، ولكن تفعيل هذه الأسس يجنب صاحب الحق الانزلاق في فخاخ أهل الشر بإذن الله تعالى.