لماذا خلقت المرأة؟





السؤال:

الملخص:
فتاة تسأل عن سبب خلق المرأة: هل ينحصر في كونها سكنًا ومتعة للرجل فحسب؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21]
وقد وجدت على صفحتكم وعلى صفحات كثيرة تفسير هذه الآية بأن الله خلق للذكور من بني آدم إناثًا من نفس الجنس للسكن، فهل هذا معناه أن المرأة خُلقت لأجل أن يسكن الرجل إليها؛ أي: خُلقَت للرجل؟ الآية تعني أن الرجل هو أساس الحياة، وأن الرجل خُلِق أولًا ثم خُلِقت المرأة لأجله، والأحاديث الشريفة تقول إن المرأة من متاع الرجل في الدنيا، فهل السكن للرجل والمتعة فقط سبب خلق المرأة، في حين أن الرجل أساسُ الحياة؟ أرجو الرد بأدلة من القرآن والسنة؛ فأنا أخشى على نفسي الكفر، فحالتي النفسية سيئة، وتركت الدراسة، وأفكر في الانتحار، ولا أدري ماذا أفعل، ساعدوني، وجزاكم الله خيرًا.


الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: لقد بدأتِ رسالتكِ بمقدمة لا علاقة لها بحقيقة الأمر، فلم تُخْلَق المرأة من أجل الرجل، وإنما خُلقت المرأة لغاية سامية مثلها مثل جميع المخلوقات؛ ألا وهي عبادته؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وإذا استقرأنا الآيات القرآنية كلها، والأحاديث النبوية من أولها حتى آخرها، لن نجد دليلًا واحدًا يشير إلى أن غاية خلق المرأة أن تكون متعة الرجل في الدنيا والآخرة، كما لن نجد دليلًا واحدًا يفرق بين الرجل والمرأة في الغايات النبيلة والسامية لخَلْقِهم ووجودهم، بل هم جميعًا في ذلك سواء؛ لأن العقل - الذي هو مناط التكليف ومستودع الإرادة الحرة - وَهَبَهُ الله عز وجل لكلا الجنسين، فكان كلاهما مخاطبًا بجميع النصوص الربانية التي ترسم للإنسانية منهاج مسيرها نحو المعالي، وطريق سيرها نحو سعادة الدنيا والآخرة.
وكذلك لو تأملتِ في السيرة النبوية - وهي تمثل النموذج البشري الأسمى في امتثال غاية خلق الإنسان - لعلمتِ أن صورة (الجسد) لا يمكن أن تؤخذ خارج إطارها الحقيقي، إطار (الوسائل)، وأن الغايات الأسمى تتلخص في التقوى والعمل الصالح؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].
ويقول جل وعلا: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
ويقول عز وجل: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35].
ويقول تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: 71].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))؛ [مسلم: (2564)].
فليس صحيحًا إطلاقًا أن المرأة خُلِقَتْ لعلَّةٍ غائية جسدية، أو لأهداف دونية شهوانية، لأجل أن تكون متعة للرجل أو محلًّا لملذاته، هذا ليس تصورًا خاطئًا فحسب، بل نراه مفهومًا مرتكسًا في حبائل النفس الأمارة بالسوء، ومنتكسًا في الشهوات التي تطغى على تفكير الكثير من الناس، حين يفقدون بوصلتهم الحقيقية في غاية الخلق والحياة.
ومن أوضح الأدلة التي تبيِّن لكِ أن الجسد ليس هو المناط في تقدير شخصية المرأة حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ))؛ [البخاري: (4802)، ومسلم: (1466)]؛ يقول النووي: "الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين"؛ [شرح مسلم: (10/ 52)].
ثم لماذا لم تكملي الآية التي صدَّرتِ بها رسالتكِ، وهي قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
فقد قال: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ؛ أي: بين الأزواج والزوجات، ﴿ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً؛ أي: ليس لذة ومتعة وحسب، وليست للرجل دون المرأة ولكن ﴿ بَيْنَكُمْ؛ أي: جميعًا، فالمرأة شقيقة الرجل، خلقها الله تعالى لأداء هذه الوظيفة الجليلة، وهي عبادة الله، كما خلق الرجل لذلك، ولقد خلق الله تعالى الجنسين مكمِّلَين لبعضهما، فالرجل يكمِّل المرأة ويحتاجها، والمرأة تُكمِّل الرجل وتحتاجه، وبهما تقام الحياة على هذه الأرض، وتدوم البشرية إلى الأجل الذي أراده الله تعالى.
أما عن شعوركِ باليأس والإحباط، فمن الشيطان، فمن حبائله إدخال الحزن على المؤمن؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة: 10].
ومن حبائله التخويف؛ قال تعالى محذرًا من هذا: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175].
وحذارِ أن تُقدِمي على الانتحار؛ فهو كبيرة من الكبائر، ولقد توعَّد الله فاعله بالعذاب الشديد يوم القيامة، والدنيا أحقر من أن يتعرض العبد بسببها لعقاب الله، وإن أعظم ضيق فيها ينساه العبد المؤمن مع أول غمسة له في الجنة؛ ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُؤتَى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا - من أهل الجنة - فيُصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب، ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)).
ثالثًا: حق المرأة في الإسلام:
فقد كرم الإسلام المرأة أمًّا وبنتًا وأختًا وزوجة:والنصوص في بِرِّ الأم أظهر من أن تُذْكَرَ، وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة، ما دام قادرًا مستطيعًا، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طوال قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة، أو يخرجها ابنها من البيت، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب.
وكرم الإسلام المرأة زوجةً، فأوصى بها الأزواج خيرًا، وأمر بالإحسان في عشرتها، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسؤوليته في الإنفاق والقيام على شؤون الأسرة، وبيَّن أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملًا مع زوجته، وحرَّم أخذ مالها بغير رضاها؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، وقوله: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))؛ [البخاري: (3331)، ومسلم: (1468)].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي))؛ [الترمذي: (3895)، وابن ماجه: (1977)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
وكرمها بنتًا، فحثَّ على تربيتها وتعليمها، وجعل لتربية البنات أجرًا عظيمًا؛ ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ - وَضَمَّ أَصَابِعَهُ))؛ [مسلم: (2631)].
وروى ابن ماجه: (3669)، عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ [صححه الألباني في صحيح ابن ماجه].
وقوله: ((من جِدَته))؛ أي: من غِناه.
وكرم الإسلام المرأة أختًا وعمة وخالة، فأمر بصلة الرحم، وحث على ذلك، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ))؛ [ابن ماجه: (3251)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه].
وروى البخاري: (5988) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: ((قال اللَّهُ تعالى - عن الرحم -: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ)).
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة، فتكون زوجة وبنتًا وأمًّا وأختًا وعمة وخالة، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة.
وبالجملة؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة، وسوَّى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ومساوية له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حق التملك، تبيع وتشتري، وترث، وتتصدق وتهب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها، ولها حق الحياة الكريمة، لا يُعتدَى عليها، ولا تُظلَم، ولها حق التعليم، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها.
ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى، علِم حقيقة ما قلناه، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريمًا أعظم مما كُرِّمت به في الإسلام، وفي التاريخ الخبر اليقين.
وأنصحكِ بمطالعة استشارتنا: المرأة في الإسلام.
وختامًا:
أكْثِري من ذكر الله، وفتِّشي في نفسكِ وأصلحي من خَلَلِها، وابحثي عن صحبة صالحة تعينكِ وتذكركِ، وانشغلي بالعلم النافع والعمل الصالح، والله أعلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz7DkJTM2gN