من جوانب العظمة في رسالة الإسلام نظرتها المنصفة للإنسان..


محمد سيد حسين عبد الواحد


أيها الإخوة الكرام: إن رسالة الإسلام هي آخر رسالات السماء، فلا دعوة بعد الإسلام ولا رسالة جديدة ولا نبوة جديدة بعد أن ختمت الرسالات والنبوات بالعاقب الذي لا نبي بعده نبينا وحبيبنا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
ولما كان الحال كما سمعتم:
كان الإسلام شاملا كاملا متكاملا يتسم بالعظمة في كل جانب من جوانبه، ولعل من أبرز جوانب العظمة في الإسلام نظرتها المنصفة للإنسان ..
فالإسلام لا يزن الناس بأشكالهم، ولا بألوانهم، ولا بكنوزهم، وثرواتهم، ولا يقيم الناس بوجاهتهم، ولا بأحسابهم وأنسابهم ..
إنما الإسلام دين ( إنصاف ) صادق النية فيه هو البطل، حسن العمل فيه هو الأميز والأبرز ، خيار الناس أتقاهم وأخشاهم لله رب العالمين { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ }
ما أحوجنا أيها المؤمنون إلى هذا المعنى نذكر به أنفسنا كلما نسيت وكلما غفلت وتعالت على الناس{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ }
إنصاف الناس وتزكية أعمالهم الصالحة وامتداح سرائرهم النقية جانب رئيس من جوانب عظمة الإسلام..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم»
حديث جدير بأن ينقش على الصدور بمداد من نور، حديث جدير بأن يعلق فى الآذان ،ففى زمن الغرور وحب الشهرة والظهور وفى زمن الإعجاب بالنفس والفخر بالحسب والنسب والجمال والمال ذكروا أنفسكم وقولوا :
إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِنا، ولا إِلى صُوَرِنا ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِنا وأعمالنا..
زاهر بن حرام: هو أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام
وهو رجل من أهل البادية، وكان رسول الله إذا خرج الى البادية ومر بدار زاهر هذا نزل عليه ضيفاً ..
وكان زاهر يفرح أن يُضّيِف رسول الله فكان يحسن الضيافة ويهادى رسول الله فإذا همّ رسول الله أن يرجع الى المدينة جهزه زاهر بجَهاز من طعام البادية ومتاعها ..
وكان زاهر إذا قدم المدينة نزل ضيفاً على رسول الله فيحسن اليه رسولُ الله ويكرمه ويُهاديه فإذا همّ زاهر أن يرجع الى أهله جهزه رسول الله بجَهاز من طعام أهل الحضر ولذلك كان رسول الله يقول إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ..
كان من صفة زاهر بن حرام أنه كان دميماً .. من الجمال والملاحة والبهاء لم يؤت قليلاً ولا كثيراً غير أن رسول الله كان يأنس به ويخالطه ويحبه لما يعلم من صدق محبته وإيمانه وطهارة قلبه ونقاء سريرته..
وفى يوم من الأيام قدم زاهر المدينة يبيع متاعاً له بالسوق فرآه رسول الله فعرفه فجعل رسول الله يتسلل من خلفه حتى احتضنه وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ فَقَالَ زاهر أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا؟
فَالْتَفَتَ فَإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ ُيلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ وَجَعَلَ النَّبِيُّ يَقُولُ مَنْ يَشْتَرِي هذا الْعَبْدَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تبيعنى؟!
إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا لن يقف علىَّ ولن يشترينى أحد فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ أَوْ قَالَ لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ..
زاهر بن حرام:
لم يؤت جمال الصورة والشكل ولم يبت سعة من المال.. لكنه أوتى جمال الروح جمال القلب هو متواضع هو يحب الله ورسوله والذين آمنوا هو يرجو لهم من الخير ما يرجوه لنفسه ..
كان بين الناس مجهولا كاسدا لكنه كان عند الله معروفاً غاليا، ذلك أن الله تعالى لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِنا ولا إِلى صُوَرِنا وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِنا وأعمالنا ..
خص الله بعض عباده فجمَّل وزين صورهم وأشكالهم وجمال الصورة والشكل من زيادة الخلق التي في قول الله تعالى < يزيد في الخلق ما يشاء >
ومن الناس من لم يؤت جمال الظاهر لكنه أوتى جمال الباطن وجمال الباطن أن يكون فى قلبه خشية لله رب العالمين فى قلبه رحمة ورأفة فيه تواضع ومودة ومحبة يحملها لسائر الناس وهذا جمال نسأل الله أن يَقْسِم لنا منه النصيب الأوفر ..
إلى جمال الباطن الى جمال النفوس والأرواح والأخلاق والطباع ينظر الرب سبحانه من فوق سبع سماوات ..
جمال القلب والروح من داخل ابن آدم تزين صورته وطلعته فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه فيرى من أحلى الناس صورة وإن كان أسود اللون ضعيفاً هزيلاً قصيراً نحيلاً ..
إن من الناس من لو قال لم يُسمع ولو شفع لم يُشفع:
ولو خطب لم يُنكح من الناس من لو وقف على باب أحدنا فسأل مالاً قليلاً أو كثيراً لم نعطه ولو سأل الله تعالى الدنيا ما أعطاه لا يمنعه الله مما سأل إلا لكرامته عليه ولو سأل الله تعالى الجنة لأعطاه ..
هو من أهل الجنة لكن حاله ليس كحال الناس فهو فى الجنة ملك من ملوكها قال النبى صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك عن ملوك الجنة؟؟
قالوا بلى يا رسول الله قال رجل ضعيف مستضعف ذو طُمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.
فصلوا أيها المؤمنون وصوموا وحجوا واعتمروا وتصدقوا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون لكن لا تغفلوا عن قلوبكم لا تغفلوا عن ضمائركم ونواياكم فحسنوها وطهروها لأنها محل نظر الرب سبحانه وتعالى .
وفي الختام يأيها الوجهاء إن الله تعالى لا ينظر الى صوركم ، يأيها الأقوياء إن الله تعالى لا ينظر الى أجسامكم ، يأيها الأغنياء إن الله تعالى لا ينظر الى أموالكم، يا أصحاب الجمال والبهاء إن الله تعالى لا ينظر الى ألوانكم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم..
الخطبة الثانية
فيأيها الإخوة المؤمنون بقي لنا في ختام الحديث عن جانب من جوانب عظمة الإسلام وهو نظرته المنصفة للإنسان بعيدا عن صورته ولونه وثروته بقي لنا أن نقول:
إذا كانت القلوب هى محل نظر الحق سبحانه وتعالى فنحن بحاجة لأن نهتم بها ونتفقدها ونرعاها ،نصلى ونصوم ونفعل الخيرات ونتصدق ... لكن ماذا عن قلوبنا التى فى صدورنا ..
لن يلتفت الى شئ من أعمالنا يوم القيامة إلا إذا صلحت قلوبنا وجئنا ربنا بقلوب سليمة .. سليمة من الشر والحقد والحسد والخيانة ومن كل ما هو مذموم ومكروه
القلوب أيها المؤمنون تصدأ كما يصدأ الحديد، القلوب تسود، والعياذ بالله وتظلم إذا أهملت ونُسيت ،إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت فى قلبه نكتة سوداء هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كلما كذب العبد كلما ظلم كلما غصب كلما غدر كلما فجر نكتت فى قلبه نكتة سوداء وكلما عاد وأصر على ما يعمل زيد في السواد حتى يعلو على قلبه وهو الران الذى ذكره الله فى قوله { {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} }
لكن ما العمل ؟؟

كيف للقلب أن ينجلى ويذهب عنه الران والصدأ وينزاح عنه السواد والظلام ويرجع الى سيرته الأولى ؟؟
الجواب والدواء وصفه طبيب القلوب صلى الله عليه وسلم فى كثرة الدعاء والإستغفار
قال ( «إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل وما جلاؤها قال كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن» )
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من النفاق والسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنه ولي ذلك والقادر عليه.