قال الامام محمد ابن ابراهيم فى شرح كشف الشبهات
الشبهة التاسعة: قولهم: إنكم تكفِّرون المسلمين...إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً وأخف شركا من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهةً يُورِدونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها، وهي أنهم يقولون إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً. ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك ..إذا تحققت) مما تقدم (أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء) يعني من شرك مشركي زماننا (فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا) يدلي بها بعض مَن في زمن المؤلف مِن كون ما عليه مشركو زماننا من الشرك كشرك الأولين؛ بل يقولون إنكم ما اقتصرتم على أن جعلتمونا مثلهم بل زدتم –يريد صاحب هذه الشبهة مما اعترض به من الفروق نفي ما قرره المصنف في هذه الترجمة (وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها) وقد أجاب عنها المصنف رحمه الله بتسعة أجوبة، كل واحد منها كافٍ شافٍ في ردها لكن كثّ رها لمزيد كشف وإيضاح (وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله) يعني لا ينطقون بالشهادتين (ويكذبون الرسول) ويمتنعون عن طاعته (وينكرون البعث) ولا يصدقون به (ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً) ولا يصلون ولا يصومون (ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟) فكيف تسوُّون مَن يقر بهذه الأمور العظيمة وبين من يجهلها؛ يعني وأنكم سويتم بين المتفارقين وجمعتم بين المختلفين؛ بل ما اقتصرتم، بل جعلتمونا أعظم جهلاً وضلالاً منهم.فعرفت أنهم يعارضون ما قرره المصنف ويقولن لسنا منهم، وأنتم جعلتمونا أعظم منهم، كيف تجعلون من كانت فيه هذه الخصال والفروق كمن ليس فيه منها شيء؟
ويأتيك جواب المؤلف لهم وأن هذه الفروق غير مؤثرة بالكتاب والسنة والإجماع؛ بل هذه الفروق مما يتغلظ كفرُهم بها؛ فإن الكافر الأصلي الذي ما أقر بشيء من ذلك أهون كفراً ممن أقر بالحق وجحده، ولذلك المرتد أعظم كفراً ن الكافر الأصلي في أحكامه.
(فالجواب) عما اعترضوا به من هذه الفروق التي زعموا أنها تؤثر؛ أن الفروق منقسمة إلى قسمين: فرق يؤثر، وفرق لا يؤثر.
فإنه إجماع أن هذه الفروق لا تؤثر ؛
فإن الردة ردتان:
ردة مطلقة وهي الرجوع كما جاء به الرسول جملة،
والثاني أن يكفر ببعض ما جاء به؛ فإنه إجماعٌ بين أهل العلم أن الذي يرتد عن بعض الدين كافر؛ ب
ل يرون أن الاعتقاد الواحد والكلمة الواحدة قد تُخرِج صاحبها عن جملة الدين.
وبهاذ انكشفت الشبهة وعرف أن التفريق بالفروق التي ذكرت من الفروق التي هي غير مؤثرة.وبهذا ظهر واتضح أنه يوجد فروق ولكن لا تؤثر
و(لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام) بالإجماع، يعني أنه ليس بمسلم ولا عنده من الإسلام شعرة؛ فإذا كذبه في واحد وصدقه في الألوف من الصلاة والصدقة ونحو ذلك فهو قاضٍ على تلك الألوف، فإذا كان مَن صدقه في شيء وكذبه في شيء فهو كافر فكيف بالتوحيد الذي هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، عمد إلى زبدة الرسالة، وجعل لفاطر الأرض والسماوات شريكاً في العبادة فصرفه له الدعاء الذي هو مخ العبادة وخالصها، إما أن يدعو غيره وحده أو يجعله شريكاً له.فإذا كانت تلك الفروق لا تؤثر فكيف بالتوحيد؟ لكن والعياذ بالله طمس على قلوبهم الشركُ، وامتزجت به؛ فإن أهل هذه الشبهة من أهل الجهالات والضلالات؛ فإن صاحب النظر المنصف إذا نظر في أهل هذه الشبه لقِيَهم مفاليس من العلم بالمرة (وكذلك إذا آمن بالقرآن وجحد بعضه) ولو حرف حرف واحد، أنكره وجحده، أو جحد شيئاً مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كفر ظاهر؛ أي كفرٌ فوق كفرِ تكذيبِ الله ورسوله (كمن أقر بالتوحيد) لفظاً ومعنى (وجحد) فرعاً من فروع الشريعة معلوم أن الرسول جاء به (وجوب الصلاة) الذي يجحد الصلوات الخمس كافر بالإجماع، ولو أنه يفعلها، وجاء بالتوحيد (أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة) ولو كان يؤديها، فهو كافر بإجماع الأمة (أو أقر بهذا كله وجحد الصوم) ولو أنه يفعله، فإنه كافر بإجماع الأمة لتكذيبه الله ورسوله (أو أقر بهذا كله وجحد الحج) إلى البيت، وإن كان يحج، فهو كافر بالإجماع لتكذيبه الله ورسوله وردِّه إجماع الأمة.(ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج) إلى البيت (أنزل الله في حقهم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ) يعني واجبٌ لله على المستطيع من الناس أن يحج {وَمَنْ كَفَرَ} يعني ترك ذلك {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 1 فدل على أن ترك ذلك كفر؛ فمن جحد ذلك فقد كفر؛ فدلَّ على فريضة حج البيت؛ فدل على أن الذي لا يعتقد ذلك كافر وهذا بخلاف العاجز.وكذلك منع الزكاة بخلاً بخلاف الجاحد. فأما ترك الصلاة تهاونا فاختيار أحمد وحكى إسحاق بن راهويه كفرَه بالإجماع.(ومن أقر بهذا كله وجحد البعث) أي جحد بعث هذه الأجسام بعد بلائها وإعادة أرواحها إليها يوم القيامة (كفر بالإجماع) بإجماع أهل العلم (وحل دمه وماله) ولم ينفعه الإقرار بما أقر به كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} الآية1 فصرح الله تعالى في هذه الآية أنه الكافر حقاً؛ فدل على أنه لا يشترط أن لا يكون كفراً إلا إذا كفر بجميع ذلك كله؛ بل هذا كفر نوعي؛ فإن الكفر كفران: كفر كلي، وكفر نوعي. ولا فرق بينهما؛ من كفر ببعض فكمن كفر بالكل لا فرق.(فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقاً زالت هذه الشبهة، وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسله إلينا) وبهذا ظهر واتضح أنه يوجد فروق ولكن لا تؤثر؛ فإن الردة ردتان: ردة مطلقة وهي الرجوع كما جاء به الرسول جملة، والثاني أن يكفر ببعض ما جاء به؛ فإنه إجماعٌ بين أهل العلم أن الذي يرتد عن بعض الدين كافر؛ بل يرون أن الاعتقاد الواحد والكلمة الواحدة قد تُخرِج صاحبها عن جملة الدين.وبهاذ انكشفت الشبهة وعرف أن التفريق بالفروق التي ذكرت من الفروق التي هي غير مؤثرة.ويقال أيضاً: إن كنت تُقّرّ أن من صدق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا يجحد هذا ولا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا.فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج.....ويقال هذا جواب ثانٍ للشبهة السابقة (إن كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا يجحد) الخصم (هذا) لا ينكر ما قرر من وجوب هذه المذكورات ولا يستقيم الإسلام، بل ينتقل الإسلام كله ويزول من أساسه1 (ولا تختلف المذاهب فيه) لا تختلف المذاهب في أن جَحْدَ وجوبِ واحدٍ منها كافٍ في انتكاس العبد وأنه كافر بالإجماع (وقد نطق به القرآن كما قدمنا) أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقاً (فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم) من فريضة (من الصلاة والزكاة والصوم والحج) وتصديقه بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينفعه ولا يجدي عليه فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كَفَر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل...فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر) ؟! فإذا كان هذا فيمن جحد واحداً من أركان الإسلام فكيف بمن جحد التوحيد الذي هو أساس الملة والدين؟ فإنه أعظم، فلا ينفعه تصديقه بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حيث جحد الأصل، إذا صار حَجْدُ فرعٍ من فروع الدين كفراً فكيف بجحد الأصل وهو التوحيد؟ فلو قدر –وهو لا يكون- أن هذه الفروع كلها من الصلاة وما بعدها مهوب معصية ولا عظيمة لكان جحد التوحيد كفراً برأسه. فكيف وهو الأصل؟ فإن هذا الجهل بمكان1 لا يجحد هذا الخصم أنه يُخرج من الإسلام بمفرده؛ يجعلون من يهدم أساسَ الدين صباحاً ومساءً أنه مسلم لكونه يدعي الإسلام؛ والذي يجحد وجوب الزكاة ولو كان يؤديها كافر بالإجماع! (سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل!) فإن جهل هؤلاء من أعجب الجهل، كونُ الواحدِ منهم يقر أن جحد الصلاة كفر بالإجماع أو جحد غيرها من أركان الإسلام كفر وجحد التوحيد ليس بكفر؟! فلو قدِّر أنها لا تكفِّر –وهو لا يقدر- فالتوحيد وحده يكفر؛ والدليل أن الأصل لا يزول بزوال الفرع بخلاف الفرع فإنه يزول بزوال أصله؛ كالحائط والشجرة إذا زال أصله زال فرعه ويقال أيضاً: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويؤذِّنون ويصلون. فإن قال إنهم يقولون إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب؛ إذا كان مَن رفعَ رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً إلى مرتبة جبار السماوات والأرض، سبحان الله، ما أعظم شأنه {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ...الحاصل أنه لو قدر أن التوحيد بعض المذكورات لكان جحده كفراً، فكيف وهو أساس ذلك كله؟! بل التوحيد قد يكفي وحده في إسلام العبد ودخوله الجنة؛ فإنه إذا تكلم بكلمة التوحيد ثم توفى قبل وجوب شيء من الفروع عليه كفى التوحيد وحده؛ فالتوحيد ليس فقيراً إليها بل هي الفقيرة إليه في صحتها.فلا أعجب ولا أقبح ولا أعظم ممن جهل هذا، فإذا كان مقراً أن من جحد شيئاً من هذه الفروع فهو كافر، وهو لا يجحد هذا، وإذا جحد التوحيد الذي هو الأصل وما بعده فرع عنه لا يكفر، فلا أعجب مِن جَهْلِ مَن جَهلَ هذا.(ويقال أيضاً) هذا جوابٌ ثالث (هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويؤذنون ويصلون1 فإن قال) المشبه (إنهم يقولون إن مسيلمة نبي) يعني كفَّرهم لقولهم مسيلمة نبي (قلنا) نعم (هذا هو المطلوب) هذا هو مطلوبنا، فهؤلاء ما صدر منهم إلا أنهم قالوا إنه نبي، فجنوا على الرسالة وصار مبطلاً توحيدهم ودينهم (إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة) ولا الصيام ولا الأذان؛ وأنت تقر بهذا، وهذه جريمةٌ: رفعُ مخلوقٍ إلى رتبة مخلوق (فكيف بمن) جنى على الرسالة فكيف بمن جنى على الألوهية؟ فالذي يعبد مع الله غيره قد جنى، بل لا أعظم من جنايته (رفع شمسان2 أو يوسف ويقال أيضاً: الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار كلُّهم يدّعون الإسلام، وهم من أصحاب علي رضي الله عنه، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما. فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟! أتظنون أن الصحابة يكفِّرون المسلمين؟ أتظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب يُكَفِّر؟
ويقال أيضاً) هذا جوابٌ رابع للشبهة السابقة في قوله: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ... إلخ. (الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار) وهم من الشيعة الغالية من أصحاب علي، زادوا في محبته وتعدَّو الحد، وذلك بدسيسة ناس من أصحابه منافقين دسُّوها ليفسدوا على الناس دينهم أتباع عبد الله بن سبأ؛ ادعى الإسلام وأراد أن يفتكِ بأهل الإسلام ويُدخلهم في الشرك –تعدَّوا الحد في محبة علي وتعظيمه حتى ادعوا فيه الإلهية (كلهم يدعون الإسلام) ويعلمون أعمال الإسلام (وهم من أصحاب علي رضي الله عنه، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن) ظهرت منهم المقالة الردية (اعتقدوا في علي) الإِعتقاد الباطل؛ اعتقدوا فيه السرِّ- يعني الألوهية (مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما) كعبد القادر والعيدروس؛ كاعتقاد أهل زماننا في غيرهم. فلما رأى ذلك منهم عليٌ رضي الله عنه خَدَّ لهم أخاديد عند باب كِندة، واضرم فيها النيران وقذفهم فيها من أجل مقالتهم فيه، وقال:لما رأيتُ الأمرَ أمراً منكراً ... أجَّجت ناري ودعوتُ قنبراًفهذا الأمر من علي رضي الله عنه وافقه عليه جميع الصحابة، ورأوا أنهم مرتدون وأن قتلهم حق، وابن عباس كغيره في ذلك إلا أنه قال: لو قتلتم بالسيف. وقال: يعذَّب بالنار إلا ربُّ النار. وعلي رضي الله عنه فعلُه مزيدُ اجتهادٍ منه؛ رأى تحريقَهم لغلظ كفرهم كما حرَّق أبو بكر بعض المرتدين.(فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أتظنون أن الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفر؟) فحينئذٍ إذا تحققت وعلمت أن هذا صدر من علي على وقت الصحابة فيلزم أهل هذه الشبهة أحد ثلاثة أمور:إما أن يقولوا إن الصحابة غلطوا وأخطؤوا وكفَّروا المسلمين، وقتلوا من لا يستحق الكفر والقتل وهم على ضلالة. وهم لا يقولون ذلك لوضوحه في السير والتأريخ. وإن قالوه في الصحابة فهو كافٍ في الرد عليهم؛ لأنهم صاروا من الخوارج الذين يكفِّرون الصحابة ويسبوهم، أو يقولن حاشاهم من تكفير المسلمين ومن قصد ظلمهم أو الاجتماع على غلط.وإما أن يقولوا إن الاعتقاد في تاج وأمثاله والتوسُّل بالصالحين وسؤالهم قضاءَ الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان لا يضر والاعتقاد في علي بن أبي طالب يكفَّر، وهم لا يقولون ذلك، فإن قالوا إنه لا يكفر كفى أنه كفر وشرك، وظهر عظيم جهلهم لفضل علي على هؤلاء بما لا نسبة فيه. فلو كان مسامحة في دعوة غير الله أو يكون أسهل لكانت دعوة علي.فحينئذٍ يلزم الأمر الثالث، وهو أن يذعنوا ويسلمون أن مَن تعلَّق على غير الله بأي نوع من أنواع العبادة فهو كافر خارج من الملة مرتد، أغلظُ كفراً ممن ليس معه هذه الأعمال، وأن إقراره بالشهادتين والصلاة والزكاة ونحو ذلك فرق غير مؤثر وغير نافع، فظهر بذلك أنهم ضُلاَّل في تشبيههم وترويجهم؛ فإن الغالية في علي ما اعتقدوا فيه إلا مثل الاعتقاد في تاج وأمثاله من هذه الأصنام. وإن قالوا: ليس من الغلو ففي باب أول الكتاب ما يبين أنه من الغلو بعبادة المخلوق مع الله.
شرح كشف الشبهات للشيخ محمد ابن ابراهيم بتصرف