تحت العشرين - موازنة الطالب بين عبادته ودراسته


مصطفى دياب






ديننا الإسلامي دين الوسطية، حثنا على أن نأخذ من دنيانا لآخرتنا، ولا غنى لمسلم عن واحدة منهما، نصلي وننام ونصوم ونفطر، قال الله -تعالى-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} (القصص:77)، وكان من دعائه -عليه الصلاة والسلام-: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي...» رواه مسلم.

لذلك على الطالب أن يوازن بين اجتهاده في الدراسة والتحصيل، واجتهاده في العبادة والنسك، مع المحافظة على الفرائض والواجبات، والمسلم الموفق هو الذي يؤدي إلى كل ذي حق حقه، كما حثت السنة النبوية على ذلك في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه البخاري وفيه: «إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، ولربِّكَ عليكَ حقًّا، ولضَيفِكَ عليك حقًّا، وإنَّ لأهلِكَ عليكَ حقًّا، فأَعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه». فينبغي أن يوازن الطالب بين أعماله في أمر دينه ودنياه، فيوازن بين الدراسة والعبادة، وأعمال اليوم والليلة فرضا ونفلا، فينبغي أن يحافظ العبد على ما يستطيع منها، فخير الأعمال أدومها وإن قل.

علمني شيخي


علمني شيخي فضيلة الشيخ العلامة: محمد صالح العثيمين أنه إذا صلح الشباب -وهم أصل الأمة الذي ينبني عليه مستقبلها، وكان صلاحهم مبنيًا على دعائم قوية من الدين والأخلاق-؛ فسيكون للأمة مستقبل زاهر إن شاء الله.

أيقظوه بالصلاة


قال المِسوَر بن مَخرَمةَ - رضي الله عنه -: دخلتُ على عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - بعدما طُعن؛ فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى (أي في حالة إغماء من شدة النزيف)، قلت: أيقظوه بالصلاة؛ فإنكم لن توقظوه بشيء أفزع له من الصلاة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فقال عمر: «لا ها اللهِ ذا، وَلا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ»؛ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا».. يعني: يتفجر منه الدم ويسيل.

فلابد أن تفزع للصلاة في أوَّلِ وقتها، ولا تجعل كثرة الأعباء اليومية (المدرسة والدروس والمذاكرة) سببًا في إهمالك للصلاة خصوصًا، وعباداتك اليومية عمومًا (كالأذكار ووِرد القرآن...).

الصاحب ساحب.. فمن تصاحب ؟


صاحب من تلتمس فيهم الإخلاص والصدق والتقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُصاحِب إلا مؤمنًا»، وقال لقمان لابنه: «يا بُني، مَن يُصاحِب صاحِب السُّوء لا يَسلم، ومَن يصاحب الصالح يَغنَم».


أخي الحبيب، تذكر دائمًا أن الصاحب ساحب؛ فانظر مَن تصاحب، فأنت تتأثر بأصدقائك، فمع بداية العام الدراسي الجديد ابحث عن الصحبة الصالحة في المدرسة والدروس الخاصة والمسجد...إلخ.. وجاهد نفسك في الابتعاد عن الصحبة السيئة، واستشر من هو أكبر منك من أهل الخبرة في ذلك.

اترك أثرًا


يحكى أنَّ رجلاً مسافرًا مرَّ في طريقه بصحراء جدباء، لا يُسمع فيها إلا صوت الرياح، ولا يُرى فيها حياة، وكان بين متاعه حفنة مِن بذورٍ غرسها عن يمينه وشماله، وسقاها بقليلٍ من ماءٍ يحمله، مرَّت الليالي والأيام والأعوام، ويعود الرجل للطريق نفسه بعد هذه المدة، فوجد صفوفًا من نخيلٍ كثير تحدِّد معالم الطريق، بينها أشجارٌ مُثمرة، تزينها أزهارٌ جميلة، وعلى جنباتها بيوتٌ عديدة، ووجد خلقًا كثيرًا، رجالٌ يعملون وصغارٌ يلعبون؛ فتساءل: من أين أتى هذا؟! مَرَرتُ مِن هنا منذ زمنٍ فما كانت إلا صحراء، ولم أجد فيها إلا رائحة الموت؛ فما بال الحياة قد دبَّت في أرجائها؟!

فقيل له: «يحكى أنَّ رجلاً مسافرًا كان يحمل بين متاعه حفنة من البذور، غرسها عن يمينه وشماله، مرَّ من هنا وهذا أثره»، فكُن أنت -أيها الشاب- في مدرستك كهذا الرجل في تلك الصحراء: شارك في الأنشطة المدرسية (الإذاعة - المسابقات - الجماعات الخدمية - الاتحادات الطلابية) لتساعد في نشر الأفكار والسلوكيات الإيجابية؛ فتترك أثرًا في مدرستك كما تركه ذلك الرجل المسافر.



هذه وظيفة القائد لمن أراد القيادة الناجحة، تحمل المسؤولية والمعاناة ووضوح الرؤية والأهداف وقيادة الفريق إلى بر الأمان.





للعقول الراقية فقط


قال الولد لأبيه: صاحب القمامة عند الباب.

فردَّ الأب: يا بني نحن أصحاب القمامة، وهو صاحب النظافة، جاء ليساعدنا.





معلمك محل إجلال منك وإكرام


قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ»، فليكن معلمك محل إجلال منك وإكرام وتقدير؛ فإنَّ ذلك عنوان الفلاح والنجاح.. كان بعض السلف إذا ذهب إلى معلمه تصدَّق بشيءٍ، وقال: «اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تُذهِب بركة علمه مني»، وقال الشافعي: «كنت أتصفَّح الورقة بين يدي مالك -رحمه الله- تصفحًا رفيقا هيبةً له، لئلا يسمع وقعها»، وقال الربيع: «والله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ؛ هيبةً له».

بائع الثلج


قال أحد العلماء: تعلمت تفسير سورة العصر من بائع ثلج كان يطوف بمدينة نيسابور بعد صلاة العصر، ويحمل قوالب الثلج على كتفه ويطوف في الشوارع (لأنَّ العصر معناه أن السوق انفضَّ) ويقول: «ارحموا من يذوب رأس ماله».

فهذا الرجل لو لم يبع الثلج لذاب، ولضاع رأس المال، أتعلم أننا أكثرُ غبنًا في أوقاتنا من هذا البائع في ثلجه؟! نعم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ (هو المضحوك عليه) فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ»، وتأمل قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»، فأنا وأنت بضاعتنا هي أنفسنا (التي هي أوقاتنا) ونحن بائعوها لا محالة؛ فرابحٌ في بَيْعِه، أو خاسر.