حكم القتل دفاعا عن المال


مسعود صبري

قسم العلماء وفق نصوص الكتاب والسنة القتل إلى نوعين: قتل ممنوع، وقتل مشروع.
أولا- القتل الممنوع:
أما القتل الممنوع فهو الأصل في قتل الإنسان أخاه الإنسان، فالأصل في القتل أنه محرم، كما جاءت بذلك نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء: 92، 93].
وضرب الله مثلا للقتل بغير حق بما فعله ابن آدم الأول، حيث قتل قابيل هابيل، فقال تعالى في شأنهما منكرا جريمة القتل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 27 – 30].
وبين الله تعالى شناعة جريمة القتل بقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة: 32].
وفي السنة جعل النبي صلى الله عليه وسلم القتل من الكبائر الموبقات، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات “
ثانيا- القتل المشروع:
أما النوع الثاني، فهو القتل المشروع، وهو ما أذن به الشارع في حالات استثنائية، مثل قتل الحربي الكافر الذي يحارب المسلمين، وقتل المرتد المجاهر بردته، وقتل الزاني المحصن، وقتل قاطع الطريق المعتدي على الناس، وقتل القاتل عمدا قصاصا، وقتل من شهر سيفه على المسلمين بغيا. وقد أشار الله تعالى إليه في كتابه بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الإسراء: 33] وفي القتل المشروع روى البخاري ومسلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، المفارق لدينه التارك للجماعة “.
والأصل في مباشرة القتل المشروع أنه يكون للحاكم أو من يقوم مقامه، من جهة الحكم للقضاء، ومن جهة التنفيذ للشرطة؛ وذلك صونا للمحارم أن تنتهك، وحفظا لحقوق العباد، ودفعا للتعدي.
متى يحق للإنسان أن يباشر القتل؟
يجوز للمسلم أن يباشر القتل دفاعا عن نفسه، إذا تعرض لمحاولة القتل بدون حق، كما روى أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:” من قتل دون ماله فهو شهيد”.
ففي هذه الحالة لا يحتاج المسلم إلى إذن الإمام، لأنه أمام محاولة اعتداء في بيته، يعني أن اللص دخل بيته واقتحمه دون إذن، وحاول قتله، فلا معنى هذا لإذن الحاكم؛ لأنه لا يتصور لا عقلا ولا شرعا،
قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: 233): ” من قاتل اللصوص عن ماله، حتى يقتل في منزله، وفي أسفاره. ولذلك قيل في حديث آخر: “إذا رأيت سوادا في منزلك، فلا تكن أجبن السوادين “.
ولا تعارض بينه وبين ما ورد في مسند الإمام أحمد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:” : “كن حلس بيتك، فإن دخل عليك، فادخل مخدعك، فإن دخل عليك، فقل: بؤ بإثمي وإثمك، وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل، فإن الله تعالى ضرب لكم -يا بني آدم- مثلا، فخذوا خيرهما، ودعوا شرهما”، فإن هذا محمول على زمن الفتنة.


لكن على المسلم إن اعتدي على نفسه وماله، ألا يسارع في مباشرة القتل، وإنما يدفع عنه الأذى ما استطاع، لكن إن لم يستطع، وكان لابد من قتل أحدهما، فليقتل الظالم المعتدي لا المظلوم المعتدى عليه.
قال الخطابي في معالم السنن (4/ 336): ” قد طب الله سبحانه في غير آية من كتابه إلى التعرض للشهادة وإذا سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شهيداً، فقد دل ذلك على أن من دافع عن ماله أو عن أهله أو دينه إذا أربد على شيء منها فأتي القتل عليه كان مأجوراً فيه نائلاً به منازل الشهداء.
وقد كره ذلك قوم زعموا أن الواجب عليه أن يستسلم ولا يقاتل عن نفسه وذهبوا في ذلك إلى أحاديث رويت في ترك القتال في الفتن وفي الخروج على الأئمة، وليس هذا من ذلك في شيء، إنما جاء هذا في قتال اللصوص وقطاع الطريق، وأهل البغي والساعين في الأرض بالفساد ومن دخل في معناهم من أهل العيث والإفساد”
وجاء في شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 607)” إنما أدخل هذا الحديث فى هذه الأبواب ليريك أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله، فإذا كان شهيدا إذا قتل فى ذلك، كان إذا قتل من أراده فى مدافعته له عن نفسه لا دية عليه فيه، ولا قود. قال المهلب: وكذلك كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ولا تبعة، ومن أخذ فى ذلك بالرخصة وأسلم المال أو الأهل أو النفس فأمره إلى الله، والله يعذره ويأجره، ومن أخذ فى ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة بهذا الحديث”.
فبان أن المشروع فيمن اعتدي عليه لأخذ المال موقفان:
الأول: الأخذ بالعزيمة والدفاع عن النفس، حتى لو مات، فهو شهيد، فإن قتل السارق؛ فلا دية ولا فدية عليه.
الثاني: الأخذ بالرخصة، وهو أن يسلم ماله للسارق، فيتنازل عن المال مكرها؛ مقابل الحفاظ على نفسه، إن لم يكن قادرا على الدفاع عن نفسه.
شروط جواز قتل آخذ المال:
ظهر من النصوص الشرعية ومن أقوال العلماء أن من شروط جواز قتل السارق المعتدي ما يلي:
1- أن يكون اعتداء في بيته، محاولا سرقة ماله عنوة.
2- أن يكون حاملا للسلاح، قاصدا قتل صاحب البيت؛ لأجل سرقة المال.
3- أن تكون محاولة السرقة اعتداء على المال بدون وجه حق.
4- ألا يكون ذلك في النزاعات المالية التي يظن كل طرف أنه على الحق في المال.
5- ألا يكون خارج البيت، بحيث لا يكون هناك اعتداء على نفس الإنسان، وأنه يمكن رد المال بطرق أخرى.
وعليه، فأخذ المال عن طريق الاحتيال أو التزوير، مما ليس فيه اعتداء على بدن الإنسان وانتهاك حرمات بيته، مما لا يشرع فيه القتل، بل يكون قتله حراما؛ يوجب العقوبة الشرعية، وإنما طريقه إثبات الحقوق من خلال القضاء أو غيره من الطرق المشروعة.