الإخلاص في طلب العلم


د.وليد خالد الربيع



لا شك أن طلب العلم من أهم الواجبات وأفضل المطلوبات بعد أداء الفرائض والقيام بالشعائر ، كما قال الثوري :»ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم» ، حيث أمر الله تعالى بالعلم الشرعي ومدح العلماء وطلبة العلم؛ وذم الجهل وأهله، وذلك في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة .

ورأس الأمر في هذا الباب وعمدته الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- في الطلب والتحصيل وتصفية القصد من شوائب الرياء والسمعة والترفع على الناس وصرف الوجوه نحو طالب العلم وتصدر المجالس والتصدي للإفتاء، ونحو ذلك من المقاصد التي قد تطرأ على قلب طالب العلم فتصرفه عن الإخلاص إلى طلب حظوظ الدنيا .

فطلب العلم من أشرف العبادات، ومعلوم أن شرط صحة العبادة وقبولها هو «الإخلاص»، فما هو الإخلاص؟

مادة الإخلاص في اللغة تدل على تنقية الشيء وتهذيبه.

وفي الاصطلاح: هو تصفية السر والقول والعمل من إرادة غير الله، ويكون في القلب والقول والعمل والحال.

وقد تكاثرت الأدلة على وجوب الإخلاص وفضله في الجملة؛ قال -عز وجل-: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنَفاء}، وقال عز وجل: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}، قال عز وجل : {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى}، وقال[: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه... وذكر منهم: رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار» أخرجه مسلم .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله[: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» أخرجه مسلم، وقال ابن عباس: «من راءى بشيء في الدنيا من عمل وكله الله إليه يوم القيامة، وقال: انظر هل يغني عنك شيئاً. وعن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله[ يقول: «من يسمّع يسمّع الله به، ومن يراءِ يراءِ الله به» متفق عليه.

وعن محمود بن لبيد قال: قال النبي[: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» أخرجه أحمد.

وعن أبي بن كعب أن رسول الله[ قال: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» أخرجه أحمد.

قال عبادة بن الصامت: «يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال: ميزوا ما كان منها لله عز وجل، فيماز، ويرمى سائره في النار»، وقال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس شرك، والعمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما، وقال جعفر بن حيان: «ملاك هذه الأعمال النيات ، فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله».

وأيضا فقد تضافرت الأدلة على وجوب الإخلاص في طلب العلم، فمن ذلك:

1- عن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال:»من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة» يعني ريحها، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهو صحيح.

2- عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتخبروا به المجلس؛ فمن فعل ذلك فالنار النار» أخرجه ابن ماجه وهو صحيح.

3- عن كعب بن مالك عن النبي[ قال: «من ابتغى العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو ليقبل أفئدة الناس إليه، فإلى النار» أخرجه الترمذي وهو حسن.

4- عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله[ يقول: «نَضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ومن كانت نيته الآخرة جمع الله له أمره، وجعل الغنى في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له» أخرجه أحمد والبيهقي .

كيف يتحقق الإخلاص؟

الطريق إلى الإخلاص بقطع الطمع فيما في أيدي الناس، والزهد في الثناء والمدح؛ فلا يجتمع الإخلاص مع محبة الثناء والمدح والطمع فيما في أيدي الناس.

قال الإمام أحمد: «العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، قالوا: وكيف تصح النية يا أبا عبد الله؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره».

قال الحليمي: «وينبغي لطالب العلم أن يكون تعلمه، وللعالم أن يكون تعليمه لوجه الله عز وجل لا يريد به المتعلم أن يكتسب بما يتعلمه مالا، أو يزداد به في الناس جاها، أو على أقرانه استعلاء ولا أضداده إقماء، أي إذلالا، ولا يريد العالم بتعليمه أن يكثر الآخذون عنه، وإذا أحصوا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره، ولا أن يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره ، بل يريد العالم أداء الأمانة بنشر ما حصل عنده، وإحياء معالم الدين وصيانتها عن أن تَدْرُس؛ كما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: «لولا آية في كتاب الله لما حدثتكم، ثم قرأ: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينُنه للناس ولا تكتمونه}، ويريد المتعلم عبادة الله عز وجل بطلب علم الدين ليتوصل بما تعلمه إلى العلم بما يرضي الله عنه، وأن يكثر العلماء فيكون ذلك أحوط للعلم وأحرى لبقائه إن انقرض أحدهم وبالله التوفيق « اهـ ( الجامع لشعب الإيمان للبيهقي 4/398).