لطيفة في تربية الأولاد


د. محمد بن إبراهيم الحمد




روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: «قالت أم سفيان لسفيان: يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي».

وقالت له ذات مرة - فيما يرويه الإمام أحمد -: «يا بني إن كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم ترَ ذلك فأعلم أنها تضرك، ولا تنفعك».
في هذا الأثر نموذج عالٍ لتربية السلف لأوادهم؛ فأم سفيان - رحمها الله - آنست من ابنها النجابة، والألمعية؛ فَعُنيت بتعليمه، وفَرَّغَتْهُ لذلك الغرض النبيل، وصارت تتعاهده بالنصح، وتتخوله بالموعظة، وتغاضت عن حقوقها التي تجب على ابنها نحوها؛ فلم يُخِيبِ اللهُ رجاءها؛ حيث أصبح سفيان الثوري فقيهَ العرب، وأمير المؤمنين في الحديث، أحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة؛ فذاقت أمه بره، وصار ابنُها حسنةً من حسناتها التي تضاف - بإذن الله - إلى رصيد أعمالها.

فهذه الحادثة ترشد الوالد إلى أن يُعنى بتربية ابنه على العلم وسائر الفضائل، ولو أدى ذلك إلى أن يتغاضى الوالد عن بعض حقوقه؛ فيحسن به إذا آنس من ابنه ذكاءً، وإقبالاً على العلم أن يعنيه على نفسه، وأن يهيَّئ له الجو الملائم؛ فإذا كبر الولدُ، ونال من العلم ما نال ذاق والده من بره، ودعائه ما تَقَرُّ به عينُه في العاجل والآجل.
يقال هذا الكلام في حق بعض الوالدين الذين لا يرون البر إلا من من خلال أمور تدور حول خدمة الوالد، والقرب منه.
ولا ريب أن هذه صور عظيمة من البر، وأنه من أوجب ما يجب على الولد تجاه والده.
ولكن إذا تيسر للوالد أن يقوم بشؤونه، ويتغاضى عن بعض حقوقه من أجل مصلحة تعود على الولد والوالد، بل والأمة - فذلك خير وأبقى.
بيوت سعيدة بعطر آيات القرآن


من أعظم الأمانات أمانة البيت وإصلاحه؛ فالبيت السعيد معطر بالذكر وتلاوة القرآن، فيشع نورا وبهجة، وهذا ينعكس على نفوس أصحابه، فتلاحظ الأسلوب الراقي في تعامل الزوجة مع زوجها، وكذلك تعامل الأبناء مع والديهم؛ فلا تسمع إلا الكلام الطيب، فلا صراخ ولا سباب ولا شتائم، وعند اختلاف وجهات النظر بينهم تجد هناك الأسلوب الحواري الهادئ، فقد قيل: «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، فالبيت أمانة ومسؤولية على الراعي والرعية.
وأعتقد - عزيزي القارئ - أنك توافقني الرأي أنه يجب على كل شخص أن يصون الأمانة، فقد صح عن النبي [ أنه قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ورعاية أهل البيت مسؤولية الرجل والمرأة باختلاف أدوارهما: زوج، زوجة، أخت، أخ، عم، عمة.. وهكذا، ومن أولويات رعاية البيت أن يأمرهم بالصلاة قال تعالى {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}، وحري به أن يدعو الملائكة إلى بيته، فكيف يحصل ذلك؟ بقراءة القرآن، فلو أدركت القلوب عظمة الرحمن لصاحب شهيقها وزفيرها القرآن والذكر، وللأسف نشهد كثيرا من البيوت قد دخلتها مخالفات شرعية كثيرة لكتاب الله تعالى وسنة نبيه [ فخرجت وطُردت منها السكينة والاستقرار، وتكاثرت عليها تحرشات ومسه الشياطين ومسه، وكثر فيها الصراخ والمشكلات والتوتر في العلاقات الأسرية، فالبيت الهادئ يصحو على ذكر الله وينام على ذكره، بعيدا عما يخالف شرع الله تعالى وهاهو الشاعر يقول:

بيوت الصالحين لها دويَّ
بذكر الله رب العالمينا