قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" ،
وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد ،
فإن كان المسجد قبل الدفن غيّر إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديداً ،
وإن كان المسجد بني بعد القبر ،
فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر ،
فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ،
فإنه منهي عنه).
يقول ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ:
«فلا يجتمعُ في دينِ الإسلام مسجدٌ وقبرٌ، بل أيُّهما طَرَأَ على الآخَرِ مُنِعَ منه وكان الحكمُ للسابق؛
فلو وُضِعَا معًا لم يَجُزْ،..، ولا تصحُّ الصلاةُ في هذا المسجدِ لنَهْيِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك ولَعْنِه مَنِ اتَّخَذَ القبرَ مسجدًا أو أَوْقَدَ عليه سراجًا؛
فهذا دينُ الإسلامِ الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه ونبيَّه، وغُرْبَتُه بين الناس كما ترى»[«زاد المَعاد» لابن القيِّم (٣/ ٥٧٢).
قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ:
«وبالجملة: فمَنْ له معرفةٌ بالشرك وأسبابِه وذرائعِه، وفَهِمَ عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مَقاصِدَه؛
جَزَمَ جزمًا لا يَحْتَمِل النقيضَ أنَّ هذه المُبالَغةَ منه باللعن والنهي بصيغتَيْه:
صيغةِ: «لا تفعلوا»، وصيغةِ: «إنِّي أنهاكم»، ليس لأجلِ النجاسة،
بل هو لأجلِ نجاسةِ الشركِ اللاحقة بمَنْ عَصَاهُ، وارتكب ما عنه نَهَاهُ، واتَّبع هواهُ، ولم يَخْشَ ربَّه ومولاهُ،
وقلَّ نصيبُه أو عُدِمَ عن تحقيقِ شهادةِ أَنْ لا إله إلَّا الله؛
فإنَّ هذا وأمثالَه مِنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم صيانةٌ لحِمَى التوحيد أَنْ يلحقه شركٌ ويَغْشاهُ،
وتجريدٌ له وغضبٌ لربِّه أَنْ يُعْدَل به سِواهُ»إغاثة اللهفان» لابن القيِّم (١/ ١٨٩)
قال شيخ الأزهر الأسبق العلامة عبد المجيد سليم "والدفن في المسجد إخراج لجزء من المسجد عما جعل له من صلاة المكتوبات وتوابعها من النفل والذكر وتدريس العلم وذلك غير جائز شرعاً، ولأن اتخاذ القبور في المساجد يؤدي إلى الصلاة إلى هذه القبور أو عندها وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك ثم قال شيخ الأزهر: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" ما نصه: "إن النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترت بالنهي عن الصلاة عند القبور مطلقاً وعن اتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها"

قد يعترض البعض فيقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في مسجده
والجواب:
إن النبي لم يدفن في مسجده وإنما دفن في بيته والدليل على هذا أنه مات في حجرة عائشة ولما مات اختلفوا في دفنه: أين يدفن؟ حتى جاء الصديق - رضي الله عنه -
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض الله نبيّاً إلا دفن حيث قبض روحه،
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت والله رضى، مقنع ثم خطوا حول الفراش خطَّا ثم احتمله علي والعباس والفضل وأهله ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش"
وهكذا دفن صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة وجاء ضم الحجرة بعد ذلك إلى المسجد في أيام الوليد بن عبد الملك على خلاف ما أراد أصحاب النبي والتابعون لهم بإحسان. فلا يقال إن النبي دفن في المسجد فيكون مبرراً لدفن الصالحين في المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، ثم إن المسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يبن المسجد على القبر. والشاهد أنه لا يكون دفن النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يدفنون صالحيهم في المساجد وإن أوصى هؤلاء الصالحون بذلك أو حتى وقفوا المساجد أو اشترطوا أن يدفنوا فيها. عن عطاء الخراساني قال: أدركت حجر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمر بإدخالها -أي في المسجد- فما رأيت يومًا كان أكثر باكيًا من ذلك اليوم،
قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب، يقول: والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناس من المدينة ويقدم قادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها.
ومن عجائب ما ذكر في بناء المسجد وقت ذاك أنه بينا العمال يعملون في المسجد إذ خلا لهم فقال بعض عمال الروم: ألا أبول على قبر نبيهم فتهيأ لذلك فنهاه أصحابه فلما هم بذلك اقتلع فألقى على رأسه فانتثر دماغه. ويذكر أنه في افتتاح الوليد للمسجد بعد التجديد لما استنفد الوليد النظر إلى عمارته وفخامته فأعجبه ذلك التفت إلى أبان بن عثمان بن عفان وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟ فقال أبان: بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس.
يقول الدكتور جميل غازي - رحمه الله -:
"إن الادعاء بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد دفن في مسجده.. باطل وكاذب، وافتراء على الله وعلى رسوله، وتزييف لحقائق التاريخ، إن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما مات لم يدفن في مسجده، ولا أوصى بذلك، ولا فعل به أصحابه ذلك.. حاشا لله.. وهو القائل عليه الصلاة والسلام: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
إنما الذي حدث أن أصحابه دفنوه في حجرة السيدة عائشة التي كانت تجاور المسجد، وكان حرص أصحابه شديداً على أن يظل قبره عليه الصلاة والسلام خارج المسجد في كل توسعة تمت بمسجده الشريف، حدث هذا في عهد عمر - رضي الله عنه - فلقد حرص حينما وسع المسجد في عام 17ه* على أن تكون توسعة المسجد من جميع الجهات إلا من الجهة الشرقية التي يقع فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبيته، فلم يمسها حتى لا يدخل القبر داخل المسجد الشريف، ونفس هذا الحرص تم أيضاً في عهد عثمان - رضي الله عنه - حينما وسع المسجد في عام 24ه*
قال الامام ابن باز رحمه الله

الصلاة في المساجد التي فيها القبور لا تصح، كل جامع فيه قبر أو مسجد فيه قبر ولو كان ليس بجامع ولو كان لا تقام فيه الجمعة، المساجد التي فيها القبور لا يصلى فيها، ولا تصح الصلاة فيها، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم في صحيحه.
وصح عنه ﷺ «أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين وأم سلمة أم المؤمنين أيضاً ذكرتا للنبي ﷺ كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله فجعلهم بهذا العمل من شرار الخلق عند الله وهو بناؤهم المساجد على القبور وتصويرهم الصور فيها.
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وأن لا يبنوا على القبور، وأن لا يتخذوها مساجد، وأن لا يجعل عليها بناءً ولا قبة، بل تكون ضاحية مكشوفة ليس عليها بناء بالكلية، هذا هو المشروع وهذا هو الواجب، أما البناء عليها أو اتخاذ القباب عليها أو المساجد فكل هذا منكر، ولهذا يقول ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا»، وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك.
فنهاهم ﷺ عن اتخاذ المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، فدل ذلك على أن هذا من الكبائر من كبائر الذنوب، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فساد الصلاة عند القبور وفي المساجد المبنية عليها وقال عليه الصلاة والسلام: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها وفي حديث جابر عند مسلم في صحيحه قال: «نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» فنهى عن هذا وهذا، عن التجصيص للقبور، وعن البناء عليها، وعن القعود عليها.
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما حرم الله وما نهى عنه رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس لهم أن يصلوا في المساجد التي اتخذت على القبور، لأن الرسول نهى عن ذلك ولعن من فعله عليه الصلاة والسلام، والصلاة عندها اتخاذ لها مسجد ولو لم يبن المسجد كونه يصلي عند القبور معناه أنه اتخذها مسجدًا.
ولا ريب أن الصلاة عندها والدعاء عندها، تحري الدعاء عندها، تحري القراءة عندها، كل هذا من أسباب الشرك ومن وسائله، فالواجب الحذر من ذلك، وإنما تزار، يزورها المسلم ويدعو للميتين ولنفسه معهم، يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يغفر الله لنا ولكم ونحو هذا الدعاء يدعو لهم ولنفسه معهم غفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية ثم ينصرف، ما يجلس عندها للقراءة أو الدعاء عندها ولا يطوف بها هذا منكر، والطواف على القبور بقصد التقرب إلى الميت هذا من الشرك الأكبر مثل الدعاء، كما لو قال: يا سيدي! أغثني، المدد المدد انصرني، اشفني هذا من الشرك الأكبر.
فالواجب الحذر، وكثير من الدول الإسلامية يوجد فيها قبور قد اتخذ عليها مساجد، فالواجب الحذر من ذلك، والواجب على ولاة الأمر أن يزيلوا ذلك وأن تبقى القبور ضاحية مكشوفة ليس عليها أبنية كما كان الحال في عهد النبي ﷺ في البقيع وفي بقية مقابر المسلمين في البلاد الإسلامية، وإنما حدث هذا حدث هذا البناء بعد ذلك في القرن الثاني وبعده، بسبب الرافضة والغلاة الذين غلوا وتشبهوا بـالرافضة في ذلك حتى وقع ما وقع من اتخاذ المساجد على القبور واتخاذ القباب، وحتى وقع الشرك بالموتى وسؤالهم والاستغاثة بهم والنذر لهم بسبب هذا الغلو، نسأل الله للجميع العافية والسلامة والهداية.