شتان بين مشرق ومغرب


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } ﴾ [آل عمران: 154]، تأمل قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ {أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ﴾، وقَولَه تَعَالَى: ﴿ {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } ﴾! بعض الناسِ لا يرى إلا نَفْسَهُ، ولا يهتم إلا بها، ولا يعملُ إلا لها، ولا يهَمهُ إلا خَلَاصُها خَاصَّةً، ولا يعنيه دينُ اللهِ تعالى في قليل ولا كثير.


فإذا تعارض الدين مع رغباتِهِ ومحبوباته، طرحه وراءه ظهريًّا، وقدَّمَ مَحَابَّهُ على دينِ اللهِ تعالى، وعلى محاب الله تعالى، فإذا أصابه ما يكره عاد باللائمة على دين الله تعالى، وظَنَّ به أسوء الظنون وظَنَّ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ، ويتمادى في غيِّهِ حتى يعلنَ بالسوءِ، ويجهر بالهجر من القول، وربما نطق بالكفرِ؛ لأنه أصابه شيءٌ من الضرِّ، وجرى عليه قدرُ الله تعالى بما لا يسرُّ، وهذا الصنف من الناس هم المعنيون بقوله تعالى: ﴿ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} ﴾ [الحج: 11].

وأين هذا الذي يُقَدِّمُ نَفْسَهُ على دينِ اللهِ تعالى ولا يهَمهُ إلا خَلَاصُها من أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي كان يرمي بالنَّبْلِ بين يدي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا أشرفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ[1].

شتان بين مشرق ومغرب، شتان بين محبٍّ ومبغضٍ.



[1] دلائل النبوة للبيهقي (3/ 240).
منقول