مختارات من كتاب: حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب


فهد بن عبد العزيز الشويرخ


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, رحمه الله, كتاب: " حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية" وقد يسر الله الكريم لي فقرأت الكتاب, واخترت بعضاً مما ذكره الشيخ, أسأل الله أن ينفع بها.
الالتزام بلغة العلم والمصطلحات الشرعية:
لنعبر بالبدعة أمام السنة. وأهل السنة والجماعة أمام أهل البدع والأهواء.
والدعوة إلى الله, والجهاد, والنفير, وتنصيب الولاة, بدلاً من ( الانقلاب الروحي ), ( الانقلاب السياسي ), إذا الإسلام دين رحمة وهداية, لا عسف فيه ولا جور, وبدلاً من ( الانتفاضة ) إذ لا ينتفض إلا العليل, كالمحموم, والرعديد.
والدعوة, والإنذار, والبلاغ, بدلاً من ( التحرك ) و( الحركة الإسلامية ), فإن التحرك يُطلق في لسان العرب على كل متحرك, ولو لم يبارح مكانه, ولم يكن ذا روح, كتحرك الأشجار. ولنعبر بمراتب الديانة: الإسلام, الإيمان, الإحسان, بدلاً من ( الضمير),(الوجدان) ,(الإنسانية) وهكذا في سلسلة يطول استعراضها.[ص:14]
العصبية الجاهلية, والمجتمعين باسم القومية:
عصبيات ما قبل البعثة فيها من الطهر والعفة والأنفة ومكارم الأخلاق ما يفوق ما لدى أولاء الأخلاط والأوباش المجتمعين باسم القومية _ زعموا _ فلا هم للإسلام نصروا, ولا للنعرات الغثائية كسروا.[ص:20]
منهج النبوة في الدعوة إلى الله عز وجل:
المجددون لدعوة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم, على هذا الصراط المستقيم الثابت على تطاول القرون...كلهم أول ما يبدؤون برفع راحية التوحيد, وتحقيق كلمة الإخلاص, والنذارة عن الشرك, وطرح مظاهره, والتطهير من خفاياه.
وتأمل سراً أن الدعوة متى كانت كذلك, كان أهلوها أعمق في دين الله, وأبعد عن البدع والأهواء المضللة.
أما الفرق والأحزاب (الجماعات) التي تنشأ في منهجها الدعوي على غير هذا الأساس فما هي إلا رد فعل للحالة المتردية: السياسية, أو الاجتماعية أو العلمية التي عايشها المؤسس.
وإذا صح من المسلم الاعتقاد, وصفا من درن الشرك والشبهات, تناثر ما علق في البدن والقلب من أقذار الشهوات, أما البدء بإزالة الشهوات والقلوب مأسورة بأمراض الشبهات فهذا منهج غير فطري, ويأباه الشرع, ويعاكس منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم:30]
وأما تصعيد النظر إلى القيادة قبل بناء القاعدة المسلمة, فهو انطلاق من فراغ, يشابه مسلك الخوارج من وجه, ونتيجته عمليات حصد الشباب الأمة, وإفناء للقدرات في زنازن السجون, وغياهب القبور, وليس لهم من أثر كالخط على الماء.
إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله _ معه أو دونه _ إلى العبودية لله وحده, بلا شريك, ثم من تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية.[80_81_82_84]
العالم والتفاعل مع الدعوة والقيام بها:
هذا هو المتعين على العالم المتأهل: تفاعل مع الدعوة, وقيام بها, وأن تكون دائرة همه وتفكيره, فلا يهمه إلا همّها, ولا يفكر إلا بسبيلها, طلبناً لبناء الأمة في غربتها الثانية, بناءً وتأسيساً على منهج النبوة, على يد علماء الأمة العاملين, من التربية, والتوجيه, والتعليم, والإرشاد, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, شعورً بهذا الواجب, وأداء له, وإقامة للحجة على الخلق, وحفظاً لرأس المال: المسلمين, وطلباً للربح.
أما أن يتولى أهل العلم عن مهمتهم في موقع الحراسة لدين الله, ويتأخرون عن مواجهات عصرهم, فهذا من التولي يوم الزحف, وهو إذعان وتسليم لأغلى ثرواتهم المادية: نسلهم, وقوام أمتهم ودينهم, إلى من يوجههم بالوجهة العقدية والسلوكية على غير منهاج جماعة المسلمين: أهل السنة والجماعة, والتي لا يرضونها, بل لا يرضاها الله ولا رسوله ولا المؤمنون, وهل بعد هذا من معصية وتفريط ؟ ثم هل بعده من خسارة وإخسار ؟ [ص:67_68]
مناهج لا تصلح أن تكون أساساً للتغير ووحدة صف المسلمين:
وهذا حال كثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية اليوم, إنهم ينصبون أشخاصاً قادة لهم, فيوالون أولياءهم, ويعادون أعداءهم, ويطيعونهم في كل ما يفتون لهم, دون الرجوع إلى الكتاب والسنة, ودون أن يسألوهم عن أدلتهم فيما يقولون أو يفتون.
ومثل هذه المناهج لا تصلح أن تكون أساساً للتغير ووحدة صف المسلمين, بل ولم يحدث أن توحدت كلمة المسلمين على مذهب من المذاهب, أو على حزب من الأحزاب.[ص:121]
من أسرار القرآن:
إليك سراً عظيماً من أسرار القرآن, فإن الله سبحانه وتعالى لما قال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران:104]
والأمر بالمعروف كما قال ابن جرير: قوله: {وتأمرون بالمعروف} فإنه يعني: تأمرون بالإيمان بالله ورسوله, والعمل بشرائعه, و (وتنهون عن المنكر) يعني: تنهون عن الشرك بالله, وتكذيب رسوله, وعن العمل بما نهى عنه.
لما ذكر الله هذه الآية _ ومعناها كما علمت في الشمول للدعوة إلى الله تعالى _ أعقبها الله تعالى بقوله: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } [آل عمران:105]
وفي هذا إشارة لطيفة وربط عظيم بين واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والافتراق, فكأن هاتين الآيتين تشيران إلى أنه لا يمكن للأمة أن تقوم بهذا الواجب إلا إذا كانت متحدة متعاضدة متماسكة, أمة واحدة وجسد واحد, أما إذا افترقت الأمة, وتوازعتها النحل والأهواء والفرق, فهي عاجزة بنفسها, فلا يمكن لها القيام بالواجب عليها نحو غيرها.[ص:132]
من السنن الجارية:

من السنن الجارية أن الذين يعيشون داخل الجهاز الإسلامي الأم: جماعة المسلمين, لا يدخلهم الانشطار, بخلاف المنشق عنهم بمبدإ ما, فإنه ينمو وحده, ثم ينقسم على نفسه. واعتبر هذا العمل في بعض الفرق التي انقسمت إلى أكثر من سبعين فرقة, كما في كتب الملل والنحل.[ص:142]