من سنن الوضوء تخليل اللحية والأصابع في الوضوء
الكـاتب : دبيان محمد الدبيان
(معنى التخليل):
جاء في اللسان[1]: الخَلل: مُنْفَرَج ما بين كل شيئين. وخَلَّل بينهما: فَرَّج، والجمع الخِلال مثل جَبَل وجبال، وقرئ بهما قوله - عز وجل -: (فترى الوَدْق يخرج من خِلاله)[2]، وخَلَلِه.
وخَلَلُ السحاب و خِلالُه: مخارج الماء منه.
والخَلَل: الفُرْجة بين الشيئين. والخَلَّة: الثُّقْبة الصغيرة، وقيل: هي الثُّقْبة ما كانت.
وخِلالُ الدار: ما حوالَيْ جُدُرها وما بين بيوتها. وتَخَلَّلْتُ ديارهم: مَشَيت خِلالها. وتَخَلَّلتُ الرملَ؛ أَي: مَضَيت فيه.
وفي التنزيل العزيز: (فجاسُوا خِلالَ الدِّيار)[3]، وتَخَلَّل القومَ: دخل بين خَلَلهم وخِلالهم، ومنه تَخَلُّل الأَسنان.
هذا معنى التخليل في لسان العرب.
وأما التخليل في الاصطلاح:
فلا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، فإذا كان معنى التخليل في الأصل: هو إدخال الشيء في خلال الشيء: وهو وسطه، فيكون معنى تخليل اللحية: هو إدخال الماء بين شعرها، حتى يوصل الماء إلى بشرته بأَصابعه.
المبحث الأول: في حكم تخليل اللحية:
اختلف العلماء في حكم تخليل اللحية في الطهارة الصغرى[4]:
فقيل: يستحب تخليل اللحية الكثيفة[5]، وهو مذهب الحنفية[6]، والشافعية[7]، والحنابلة[8]، وقول في مذهب المالكية[9].
وقيل: يكره تخليل اللحية، وهو قول في مذهب المالكية[10].
وقيل: يجب تخليل اللحية مطلقًا كثيفة أو خفيفة، وهو قول ثالث في مذهب المالكية[11].
وعلى القول بالوجوب، فهل ذلك حتى يصل الماء إلى داخل الشعر فقط، أو لا بد من وصول الماء إلى البشرة؟ في ذلك قولان حكاهما المازري[12].
أدلة القائلين باستحباب تخليل اللحية:
الدليل الأول:
(845-74) ما رواه عبدالرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فغسل كفيه ثلاثًا ثلاثًا، ومضمض واستنشق واستنثر، وغسل وجهه ثلاثًا، وفي آخره قال: "وخلل لحيته حين غسل وجهه قبل أن يغسل قدميه، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل كالذي رأيتموني أفعل"[13].
[ذكر التخليل منكر في هذا الحديث، وحديث عثمان في الصحيحين وفي غيرهما ليس فيه ذكر التخليل][14].
الدليل الثاني:
(846-75) ما رواه أحمد، قال: حدثنا علي بن موسى، قال: أخبرنا عبدالله - يعني: ابن مبارك - قال: أخبرنا عمر بن أبي وهب الخزاعي، قال: حدثني موسى بن ثروان، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ خلل لحيته بالماء. [رجاله موثوقون][15].
الدليل الثالث:
(847-76) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالكريم، عن حسان بن بلال، قال: رأيت عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقلت له، فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله[16]. [إسناده ضعيف][17].
الدليل الرابع:
(848-77) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن عمر بن سليم الباهلي، قال: حدثني أبو غالب، قال: قلت لأبي إمامة: أخبرنا عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فتوضأ ثلاثًا، وخلل لحيته، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل[18]. [اختلف في رفعه ووقفه، ووقفه أرجح][19].
الدليل الخامس:
(849-78) رواه أحمد، قال: ثنا محمد بن عبيد، ثنا واصل، عن أبي سورة، عن أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ تمضمض، ومسح لحيته من تحتها بالماء[20]. [إسناده ضعيف][21].
الدليل السادس:
(850-79) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبدالحميد بن حبيب، حدثنا الأوزاعي، حدثنا عبدالواحد بن قيس، حدثني نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها[22] [إسناده ضعيف، وصوب الدارقطني وقفه][23].
الدليل السابع:
(851-80) ما رواه أبو عبيد، في الطهور، ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن أبي ورقاء العبدي، عن عبدالله بن أبي أوفى الأسلمي، قال: قال له رجل: يا أبا معاوية، كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ قال: فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وخلل لحيته في غسل وجهه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ[24] [إسناده ضعيف جدًّا] [25].
الدليل الثامن:
(852-81) ما رواه البزار كما في مختصر مسند البزار، قال: حدثنا محمد بن صالح بن العوام، ثنا عبدالرحمن بن بكار بن عبدالعزيز بن أبي بكرة، حدثني أبي بكارٌ، قال: سمعت أبي عبدَالعزيز بن أبي بكرة يحدث عن أبيه، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، فغسل يديه ثلاثًا، ومضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ومسح برأسه، يقبل بيديه من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه، ثم غسل رجليه ثلاثًا، وخلل أصابع رجليه، وخلل لحيته.
قال البزار: لا نعلمه عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد، وبكار ليس به بأس، وعبدالرحمن بن بكار صالح الحديث[26][ضعيف][27].
الدليل التاسع:
(853-82) ما رواه الطبراني، قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، ثنا أحمد بن مصرف بن عمرو اليامي، حدثني أبي مصرف بن عمرو بن السري بن مصرف بن كعب بن عمرو، عن أبيه، عن جده يبلغ به كعب بن عمرو قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فمسح باطن لحيته وقفاه[28][ضعيف][29].
الدليل العاشر:
(854-83) ما رواه ابن عدي، من طريق أصرم بن غياث الخرساني، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الحسن، عن جابر، قال: وضأت النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع، فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنه أنياب مشط[30][ضعيف جدًّا][31].
الدليل الحادي عشر:
(855-84) ما رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين، من طريق نافع بن هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتطهر، وبين يديه قدر المد، وإن زاد فقلَّ أن يزيد، وإن نقص فقل ما ينقص، فغسل يديه، وتمضمض واستنشق ثلاثًا ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وخلل لحيته، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه وأذنيه مرتين مرتين، وغسل رجليه حتى أنقاهما، فقلت: يا رسول الله، هكذا التطهر؟ قال: ((هكذا أمرني ربي - عز وجل -))[32] [إسناده ضعيف جدًّا][33].
الدليل الثاني عشر:
(856-85) ما رواه الطبراني في الكبير[34]، والعقيلي[35]، في الضعفاء من طريق خالد بن إلياس، عن عبدالله بن رافع، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ، ويخلل لحيته [ضعيف جدًّا][36].
الدليل الثالث عشر:
(857-86) ما رواه ابن عدي، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الغزي، ثنا محمد بن أبي السري، ثنا مبشر بن إسماعيل، عن تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أبي الدرداء قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فخلل لحيته مرتين وقال: ((هكذا أمرني ربي - عز وجل -))[37].
قال ابن عدي: وهذا الحديث إنما يعرف بتمام عن الحسن، وعامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه[38].
الدليل الرابع عشر:
(858-87) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا محمد بن سعدان، ثنا زيد بن أخزم، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا حنظلة بن عبدالحميد، عن عبدالكريم، عن مجاهد، عن عبدالله بن عكبرة قال: التخلل سنة[39] [إسناده ضعيف جدًّا] [40].
الدليل الخامس عشر:
(859-88) ما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، من طريق سعيد بن سنان، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[41] [إسناده ضعيف جدًّا] [42].
الدليل السادس عشر:
حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (860-89) أخرجه الحاكم، قال: حدثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا عبيد بن عبدالواحد، ثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة، ثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ وخلل لحيته بأصابعه من تحتها، وقال: ((بهذا أمرني ربي))[43] [رجاله ثقات، إلا ابن أبي كريمة فإنه صدوق، إلا أن الحديث معلول][44].
دليل من قال: يكره تخليل اللحية:
قالوا: لم يثبت في تخليل اللحية حديث صحيح، والأحاديث الصحيحة في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تذكر تخليل اللحية، كحديث عثمان في الصحيحين، وحديث عبدالله بن زيد فيهما، وحديث ابن عباس في البخاري، وحديث علي - رضي الله عنه -، وغيرها من الأحاديث الصحيحة، وكون التخليل لا يأتي إلا في حديث ضعيف دليلٌ على عدم ثبوت الحكم؛ إذ لو كان التخليل مشروعًا لجاءت الأحاديث الصحيحة به، كما جاءت في تخليل الأصابع.
قال مالك - رحمه الله -: "تخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس، وعاب ذلك على من فعله"[45].
وقال أبو داود - كما في مسائل الإمام أحمد -: قلت لأحمد بن حنبل: تخليل اللحية؟ قال: يخللها، قد روي فيه أحاديث، ليس يثبت فيه حديث - يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[46].
وقال عبدالله بن أحمد: قال أبي: ليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التخليل شيء[47].
وقال مثله ابن أبي حاتم، عن أبيه[48].
دليل من قال: يجب التخليل:
لعلهم قاسوا ذلك على غسل الجنابة، بجامع أن كلاًّ منهما طهارة من حدث.
والدليل على وجوب التخليل في غسل الجنابة:
(861-90) ما رواه البخاري في صحيحه، قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده.
ولعلهم رأوا أن الواجب هو غسل البدن، وإذا طرأ على البدن شعر لم يمنع ذلك من وجوب غسل البدن، حتى يتعذر غسله، والشعر لا يمنع من وصول الماء إلى البدن.
ويجاب على ذلك:
بأن الطهارة الصغرى مبنية على التخفيف؛ ولذلك جاز فيها المسح على الرأس وعلى الخفين، وكانت على أعضاء مخصوصة، بخلاف الطهارة الكبرى، فإن طهارتها ليس فيها مسح، وتعم جميع البدن، والله أعلم.
والراجح - والله أعلم - أن من خلل لحيته لا يقال عنه: مبتدع، وليس التخليل بمثابة الغسلة الثانية والثالثة في الوضوء، ولا بمثابة تخليل الأصابع الذي صح فيه سنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحب إلي أن يترك التخليل، فإن كان لا بد فاعلاً، فليكن نادرًا ولا يداوم عليه؛ لعدم ثبوت ما يدل على سنيته، والله أعلم.
المبحث الثاني: في صفة تخليل اللحية:
لم يرد في صفة تخليل اللحية حديث صحيح، والأحاديث الواردة في صفة التخليل ضعيفة، وقد تبيَّن معنى التخليل لغة، وأن أصله: إدخال الشيء في خلال الشيء، وخلل لحيته: أدخل الماء بين شعرها، وأوصل الماء إلى بشرته بأصابعه[49].
وأما الأحاديث التي جاء فيها صفة التخليل، فقد سبق تخريجها وبيان ضعفها، منها:
حديث أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته.
وحديث ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ عرك بعض العراك، ثم شبك بأصابعه من تحتها.
وحديث جابر: يخلل لحيته بأصابعه كأنها أنياب مشط، وهو ضعيف جدًّا.
وحديث أبي أيوب: مسح لحيته من تحتها بالماء. ومثله حديث كعب بن عمرو: مسح باطن لحيته. وكلها سبق تخريجها.
هذا في ما يتعلق بصفة التخليل من خلال الآثار.
وأما صفة التخليل عند الفقهاء، فهي كالتالي:
فقيل: كيفية التخليل: تفريق شعرها من أسفل إلى فوق[50].
وفي المنح: أن يدخل أصابع اليد في فروجها التي بين شعراتها من أسفل إلى فوق، بحيث يكون كف اليد الخارج، وظهرها إلى المتوضئ[51].
وقيل: صفة التخليل أن يأخذ كفًّا من ماء فيضعه من تحتها، أو من جانبيها بأصابعه مشبكة فيها، زاد بعضهم: ويعركها. وعليه أكثر الحنابلة[52].
وقيل: يخللها من ماء الوجه، ولا يفرد لذلك ماء، ويكون ذلك عند غسلهما. وإن شاء إذا مسح رأسه، وهو قول في مذهب الحنابلة[53].
وهل يخللها باليد اليمنى أو بكلا يديه؟ قولان للفقهاء[54].
_________________
[1] لسان العرب (11/213).
[2] النور: 43.
[3] الإسراء: آية: 5.
[4] أما الطهارة الكبرى، فيجب إيصال الماء إلى ما تحت الشعر مطلقًا، كثيفًا كان الشعر أو خفيفًا. وقيل: لا يجب حتى في الطهارة الكبرى، وهو قول في مذهب المالكية.
قال الباجي في المنتقى (1/94): قد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك - أي: في تخليل الشعر في الطهارة الكبرى - فروى ابن القاسم عنه: ليس على المغتسل من الجنابة تخليل لحيته.
وروى عنه أشهب أن ذلك عليه.
وجه رواية ابن القاسم أن الفرض قد انتقل إلى الشعر النابت على البشرة، فوجب أن يسقط حكم إيصال الماء إلى البشرة بإمرار اليد عليها. ووجه قول أشهب: قول عائشة في الحديث: "ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره".
ومن جهة المعنى: أن استيعاب جميع الجسد في الغسل واجب، والبشرة التي تحت اللحية من جملته، فوجب إيصال الماء إليها ومباشرتها بالبلل؛ وإنما انتقل الفرض إلى الشعر في الطهارة الصغرى؛ لأنها مبنية على التخفيف، ونيابة الإبدال فيها من غير ضرورة؛ ولذلك جاز فيها المسح على الخفين ولم يجزئ في الغسل. ا. هـ.
[5] وفي ضابط اللحية الكثيفة من الخفيفة أوجه:
أحدها: أن ما عده الناس خفيفًا، فهو خفيف، وما عدوه كثيفًا، فهو كثيف، فكأن هذا القول اعتبر العرف. والعرف لا ينضبط في مثل ذلك؛ لاختلاف الناس، فبعضهم متساهل، وبعضهم متشدد.
الوجه الثاني: ما وصل الماء إلى تحته بمشقة، فهو كثيف، وما كان وصول الماء إلى تحته بغير مشقة، فهو خفيف. والمشقة أيضًا غير منضبطة.
الوجه الثالث: ما ستر البشرة عن الناظر في مجلس التخاطب، فهو كثيف، وما لا، فهو خفيف. وهذا أحسنها. انظر المجموع (1/409، 410).
فإذا عرفنا الفرق بين الشعر الخفيف والشعر الكثيف، ففي المسألة خلاف:
فقيل: الشعر الخفيف يجب غسل ما تحته من البشرة؛ لأن البشرة تُرى من تحته، فيتعين غسل البشرة، ولا يكفي غسل الشعر فقط، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
وقيل: يستوي كثيف اللحية وخفيفها، كما في مواهب الجليل (1/189) قال سند: المذهب استواء كثيف اللحية وخفيفها في عدم وجوب التخليل، وقول القاضي عبدالوهاب في الخفيف: "يجب إيصال الماء إلى ما تحته"، لا يناقض ذلك؛ لأنه إذا مرَّ بيديه على عارضيه وحرَّكهما، وصل الماء إلى كل محل مكشوف من الشعر، فإن لم يصل الماء لقلته، فلا يجزئه.
وهو ظاهر عبارة الكاساني في بدائع الصنائع (1/3) حيث يقول: الوجه يجب غسله قبل نبات الشعر، فإذا نبت الشعر سقط غسل ما تحته عند عامة العلماء، وقال أبو عبدالله البلخي: إنه لا يسقط غسله، وقال الشافعي: إن كان الشعر كثيفًا يسقط، وإن كان خفيفًا لا يسقط. ا. هـ
فهو جعل الأقوال ثلاثة: الأول: يسقط غسل الوجه مطلقًا عند عامة العلماء إذا نبت الشعر، والقول الثاني: لا يسقط مطلقًا عند أبي عبدالله البلخي، كثيفًا كان الشعر أو خفيفًا، والثالث: مذهب الشافعي: وهو التفصيل بين الشعر الكثيف والخفيف، فيسقط غسل البشرة في الكثيف، ولا يسقط غسله في الخفيف.
وقال ابن عابدين في حاشيته (1/101): أما ما في البدائع من أنه إذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء، كثيفًا كان أو خفيفًا؛ لأن ما تحته خرج من أن يكون وجهًا؛ لأنه لا يواجه به ا هـ، فمحمول على ما إذا لم تُرَ بشرتها كما يشير إليه التعليل. ا. هـ.
وهذا الحمل غير ظاهر؛ لأنه لو حمل على ذلك، لم يكن بينه وبين مذهب الشافعي فرق، والله أعلم.
[6] تخليل اللحية عند أبي حنيفة ومحمد من الآداب، وعند أبي يوسف سنة، وهذا لغير المحرم، وأما المحرم فمكروه له ذلك، انظر بدائع الصنائع (1/23)، وعبر عنه الزيلعي في تبيين الحقائق (1/4) بأن تخليل اللحية جائز عند أبي حنيفة ومحمد، قال: ومعناه: أنه لا يكون بدعة، وليس بسنة، وسنة على رأي أبي يوسف عليهم رحمة الله جميعًا. وانظر العناية شرح الهداية (1/29)، شرح فتح القدير (1/28، 29)، البحر الرائق (1/22، 23)، الفتاوى الهندية (1/7).
[7] حاشيتا قليوبي وعميرة (1/62)، تحفة المحتاج (1/234)، نهاية المحتاج (1/192).
[8] الإنصاف (1/134)، شرح منتهى الإرادات (1/47)، كشاف القناع (1/106).
[9] مواهب الجليل (1/189).
[10] جاء في التمهيد (20/121): "قال مالك: تخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس، وعاب ذلك على من فعله".
[11] مواهب الجليل (1/189)، الفواكه الدواني (1/139).
[12] مواهب الجليل (1/190).
[13] المصنف (125).
[14] في إسناده عامر بن شقيق، جاء في ترجمته:
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن عامر بن شقيق، فقال: ضعيف الحديث. الجرح والتعديل (6/322).
وقال أبو حاتم الرازي: شيخ ليس بقوي، وليس من أبي وائل بسبيل. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (5/60).
وذكره ابن حبان في الثقات (7/249).
وقال الحافظ ابن حجر: صحح الترمذي حديثه في التخليل، وقال في العلل الكبير: قال محمد: أصح شيء في التخليل عندي حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا؟ فقال: هو حسن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. ا. هـ. تهذيب التهذيب (5/60).
ومع أن ابن حجر حاول تقوية عامر هذا إلا أنه قال في التقريب: لين الحديث.
ولو كان عامر هذا ثقة، لكان انفراده بذكر التخليل في حديث عثمان علة توجب رد حديثه، كيف وهو مع هذا فيه لين؟ والله أعلم.
[تخريج الحديث]:
الحديث مداره على إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان.
فقد أخرجه عبدالرزاق في مصنفه كما في حديث الباب، ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الترمذي (31) مختصرًا، وابن ماجه (430)، والحاكم (527)، والبيهقي في السنن (1/54).
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/21)، ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن حبان (1081)، والدارقطني (1/86) عن ابن نمير.
وأخرجه الدارمي (704) وابن الجارود على إثر حديث (72) والدارقطني (1/86) عن مالك بن إسماعيل (أبي غسان).
ورواه ابن الجارود في المنتقى (72) وابن خزيمة (152) والدارقطني (1/86) من طريق ابن مهدي.
وأخرجه ابن خزيمة أيضًا (151) من طريق خلف بن الوليد وأبي عامر.
وأخرجه الحاكم (1/148) من طريق عبدالله بن موسى، كلهم عن إسرائيل به.
واختلف على إسرائيل في ذكر التخليل، فرواه من سبق: عبدالرزاق، وعبدالله بن نمير، ومالك بن إسماعيل، وابن مهدي، وأبو عامر العقدي، وخلف بن الوليد - رووه عن إسرائيل بذكر التخليل.
وخالفهم وكيع، ويحيى بن آدم، وأسد بن موسى، فرووه عن إسرائيل به، بدون ذكر التخليل، إلا أن وكيعًا ويحيى بن آدم اختلف عليهما فيه، فروي عنهما تارة بذكر التخليل، وتارة بدون ذكره.
فقد أخرجه أحمد (1/57) وابن أبي شيبة (1/17) عن وكيع، عن إسرائيل به، بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا.
وأخرجه البزار (393) من طريق وكيع به مطولاً بذكر التخليل، فأخشى أن تكون رواية أحمد وابن أبي شيبة تعمد فيها اختصار الحديث.
وأما رواية يحيى بن آدم، فقد أخرجها أبو داود (110) بلفظ: رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا. ا. هـ ولم يذكر التخليل، لكن رواه الدارقطني (1/91) من طريق يحيى بن آدم، وفيه ذكر التخليل.
وأما رواية أسد بن موسى، فأخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/32) بلفظ: عن عثمان بن عفان أنه توضأ، فمسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ.
فتلاحظ أن من رواه عن إسرائيل بذكر التخليل أكثر عددًا، وكلهم ثقات، وممن أخرج أحاديثهم الجماعة إلا خلف بن الوليد، وهو ثقة، لكن علة الحديث تفرُّد عامر بن شقيق بذكر التخليل، وقد خالفه عبدة بن أبي لبابة، وهو أوثق منه، فقد أخرجه أبو عبيد في الطهور (81)، والطيالسي (81)، وابن ماجه (413)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/29)، والبزار في المسند (394) من طريق عبدالرحمن بن ثابت، عن عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل به، وليس فيه ذكر التخليل.
وعبدالرحمن بن ثابت، قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وقد تغير بآخرة.
كما أن حديث عثمان في صفة الوضوء رواه جماعة عن عثمان من غير طريق أبي وائل، ولم يذكروا فيه التخليل، وإليك بعض من وقفت عليه منهم:
الأول: حمران مولى عثمان بن عفان، عن عثمان، وحديثه في الصحيحين، انظر (البخاري 159، ومسلم 226).
الثاني: أبو أنس: مالك بن عامر الأصبحي، عن عثمان، وحديثه في صحيح مسلم (230).
الثالث: عطاء، عن عثمان.
أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائد المسند (1/66، 72) من طريق حماد بن زيد عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن عثمان - رضي الله عنه -، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه، وغسل رجليه غسلاً.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/17) من طريق أبي معاوية عن حجاج به.
وأخرجه أيضًا (1/22) عن عباد بن العوام، عن حجاج به، ومن هذا الطريق أخرجه ابن ماجه (435).
وهذا الطريق له علتان:
الأولى: ضعف عطاء، وهو مدلس أيضًا وقد عنعن.
الثانية: عطاء لم يسمع من عثمان - رضي الله عنه -، ولذلك أخرجه عبدالرزاق (124) عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، أنه بلغه عن عثمان أنه مضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، ثم أفرغ على وجهه ثلاثًا، وعلى يديه ثلاثًا، ثم قال: هكذا توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولم أستيقنها عن عثمان، ولم أزد عليه ولم أنقص. ا. هـ
فقوله: بلغه عن عثمان، صريح أنه لم يسمعه منه.
وذكره الحافظ في التلخيص (1/63)، وقال: رواه البيهقي والدارقطني. ا. هـ.
قلت: أما البيهقي فذكره معلقًا، قال (1/63): وروي ذلك عن عطاء بن أبي رباح، عن عثمان، وهو مرسل.
وأما الدارقطني، فلم أجده في سننه، ولم يشر الحافظ إلى رواية عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجه وعبدالله بن أحمد للحديث.
الرابع: زيد بن ثابت عن عثمان - رضي الله عنهما -:
أخرجه البزار (343) من طريق عثمان بن عمر، قال: نا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن عثمان - رضي الله عنه - أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ.
قال البزار: وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلم روى زيد بن ثابت عن عثمان حديثًا مسندًا إلا هذا الحديث، ولا له إسناد عن زيد بن ثابت إلا هذا الإسناد.
كما أن الحافظ ابن حجر قد حسن إسناده في التلخيص (1/146).
الخامس: عبدالرحمن البيلماني، عن عثمان:
أخرجه الدارقطني (1/92) من طريق صالح بن عبدالجبار، حدثنا محمد بن عبدالرحمن البيلماني، عن أبيه، عن عثمان في صفة الوضوء ثلاثًا، وذكر التثليث، ومسح الرأس، وعدم الكلام أثناء الوضوء، والذكر بعده، وثواب ذلك.
وهذا الإسناد ضعيف جدًّا؛ جاء في نصب الراية (1/32): قال ابن القطان: صالح بن عبدالجبار لا أعرفه إلا في هذا الحديث، وهو مجهول الحال.
ومحمد بن عبدالرحمن البيلماني جاء في تلخيص الحبير عن الحافظ أنه ضعيف جدًّا، وفي التقريب: ضعيف. وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان.
وأما أبوه، فضعفه الحافظ في التلخيص والتقريب.
السادس: عن زيد بن داره، عن عثمان:
أخرجه أحمد (1/61) حدثنا صفوان بن عيسى، عن محمد بن عبدالله بن أبي مريم، قال: دخلت على ابن داره مولى عثمان، قال: فسمعني أمضمض، قال: فقال: يا محمد، قال: قلت: لبيك، قال: ألا أخبرك عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: رأيت عثمان، وهو بالمقاعد دعا بوضوء، فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه ثلاثًا، وغسل قدميه، ثم قال: من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا إسناد ضعيف، فيه زيد بن داره، وهو مجهول الحال. انظر تلخيص الحبير (1/146).
والحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/36)، والدارقطني (1/91، 92) والبيهقي في السنن (1/62، 63) من طريق صفوان بن عيسى به.
فتبين من هذا التخريج أن جميع من روى الحديث عن عثمان في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا تخليل اللحية، وإنما انفرد بذكره عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عثمان، وعامر لا يحتمل تفرده بمثل هذا، وأما قول البخاري في علل الترمذي الكبير: أصح شيء عندي حديث عثمان، قيل: إنهم يتكلمون في هذا؟ قال: هو حسن. فقوله: أصح شيء لا يقتضي أنه صحيح، والحسن الذي في كلام البخاري لا يراد به الحسن الاصطلاحي عند المتأخرين، والله أعلم.
فإن قيل: إن عامر بن شقيق قد عدله النسائي، ووثقه ابن حبان، وروى عنه شعبة، وشعبة لا يروي إلا عن ثقة، فلعل جرح أبي حاتم وابن معين من قبيل الجرح غير المفسر، فلا يقدم على التعديل.
فالجواب: غاية ما يمكن أن يصل إليه عامر أن يكون حسن الحديث، وهذا بشرط عدم المخالفة، فإذا خالف من هو أوثق منه صار حديثه شاذًّا، وقد خالف هنا جميع من روى الحديث عن عثمان حيث لم يذكروا التخليل، وانفرد بذكره، فلا تقبل زيادته، والله أعلم.
انظر لمراجعة طرق حديث عثمان في ذكر التخليل: أطراف مسند أحمد (4/305) تحفة الأشراف (9809، 9810)، إتحاف المهرة (13672).
[15] مداره على عمر بن أبي وهب: رواه عنه عبدالصمد بن عبدالوارث كما في مسند إسحاق بن راهويه (1371). وهلال بن فياض كما في مستدرك الحاكم (1/150). وشعبة، كما في الطهور لأبي عبيد (314) والخطيب في تاريخه (11/414) في ترجمة القاسم.
كلهم رووه عن عمر بن أبي وهب، عن موسى بن ثروان، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي، عن عائشة.
ورواه زيد بن الحباب كما في مسند أحمد (6/233) عن عمر بن أبي وهب، حدثني موسى بن طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي، عن عائشة.
وقوله: (موسى بن طلحة) خطأ مطبعي، والصواب: موسى عن طلحة، كما في أطراف مسند أحمد (9/58)؛ وليتفق مع الروايات السابقة، والله أعلم.
ورواه أحمد (6/234) من طريق عبدالله بن المبارك، قال: أخبرنا عمر بن أبي وهب به.
قال ابن دقيق العيد في الإمام (1/485): والذي اعتل به في هذا الحديث: الاضطراب؛ قيل: موسى بن ثروان، من رواية شعبة.
وقيل: ابن ثروان، من رواية وكيع وأبي عبيدة الحداد.
وقال صالح: إن أباه قال: موسى النجدي هو موسى بن سروان.
وقال يحيى بن معين: موسى بن سروان معلم بصري. واختلف في اسم الراوي عن موسى، فقيل: عمر بن أبي وهب الخزاعي برواية....وبقية الكلام ساقط من الأصل، واعتذر محقق الكتاب بأنه لم يتمكن من استدراكه.
وفيه أمر آخر، وهو أن طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي، لم أقف على من نص على سماعه من عائشة.
كما أن الحديث قد تفرد به عمر بن أبي وهب، عن موسى، وتفرد به موسى عن طلحة، وتفرد به طلحة عن عائشة، والمتقدمون ربما أعلوا الحديث بالتفرد، خاصة إذا كان للراوي أصحاب يأخذون عنه الحديث ويهتمون بحديثه، فإذا تفرد راوٍ مما لم يُعرَف أنه من أصحاب الشيخ، لم يقبل ما تفرد به.
قال أبو داود - كما في مسائل الإمام أحمد (40) -: قلت لأحمد بن حنبل: تخليل اللحية؟ قال: يخللها، قد روي فيه أحاديث، ليس يثبت فيه حديث - يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال عبدالله بن أحمد: قال أبي: ليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التخليل شيء. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (1/170).
وقال مثله ابن أبي حاتم، عن أبيه. المرجع السابق.
ولمراجعة طرق الحديث انظر أطراف المسند (9/58)، إتحاف المهرة (21747).
[16] المصنف (1/19) رقم 98.
[17] فيه ثلاث علل:
الأولى: ضعف عبدالكريم بن أبي أمية.
الثانية: الاختلاف في إسناده، فقد رواه ابن عيينة، عن عبدالكريم، عن حسان بن بلال، عن عمار.
وقيل: عن ابن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار.
العلة الثالثة: قال البخاري: لم يسمع عبدالكريم من حسان. كما في التاريخ الكبير (3/31).
وقال أحمد في رواية إسحاق بن منصور عنه: لم يسمع عبدالكريم من حسان بن بلال حديث التخليل. انظر سنن الترمذي (29).
وقال الحافظ في النكت الظراف (7/473): "رواه ابن المقرئ، عن سفيان، عن عبدالكريم، عمن يحدث عن حسان"، وهذا صريح بأنه لم يسمعه منه.
وقال الحافظ في التلخيص (1/155): وهو معلول، أحسن طرقه ما رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عنه، وحسان ثقة، لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد، ولا قتادة من حسان. ا. هـ
لكن يشكل عليه أن في رواية الحاكم تصريحًا من ابن عيينة بالسماع من سعيد، إلا أن يكون هذا خطأ في الإسناد.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/32): قال أبي: لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن عروبة، قلت: صحيح؟ قال: لو كان صحيحًا لكان في مصنفات سعيد بن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث، وهذا أيضًا مما يوهنه. ا. هـ
قال ابن دقيق العيد: ليس هذا بعلة قوية. إتحاف المهرة (11/720)، فتعقبه الحافظ بقوله: قد بين ابن المديني علة هذا الحديث، فقال: لم يسمعه قتادة إلا من عبدالكريم. ا. هـ
[تخريج الحديث]:
الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي (680) والحميدي (146)، والترمذي (29)، وابن ماجه (429)، وأبو يعلى (1604)، والحاكم (1/149) وصححه، كلهم رووه من طريق سفيان بن عيينة به.
وفي رواية أبي يعلى التصريح بالتحديث بين عبدالكريم وحسان، وهو مخالف لرواية الجماعة، ومخالف أيضًا لنص الأئمة.
ووقع عند الحاكم عبدالكريم الجزري، وهو ثقة، وإنما هو ابن أبي المخارق.
وأخرجه الحميدي (147)، والترمذي (30)، والحاكم (1/149) من طريق ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال به.
انظر في طرق الحديث: إتحاف المهرة (14930)، تحفة الأشراف (10346).
[18] المصنف (1/21).
[19] في إسناده عمر بن سليم الباهلي، جاء في ترجمته:
قال أبو زرعة: صدوق. الجرح والتعديل (6/112).
وقال أبو حاتم الرازي: شيخ. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات (7/176).
وقال العقيلي: غير مشهور بالنقل، ويحدث بمناكير. الضعفاء للعقيلي (3/168).
وفي التقريب: صدوق له أوهام.
وفي إسناده أيضًا: أبو غالب:
قال يحيى بن معين: أبو غالب صالح الحديث. الجرح والتعديل (3/315).
وقال أبو حاتم الرازي: أبو غالب الحزور ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال النسائي: ضعيف. المغني في الضعفاء (1366)، تهذيب التهذيب (12/215).
وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج. المجروحين (1/267).
وقال ابن عدي: روى عنه جماعة من الأئمة وغير الأئمة، وهو حديث معروف به، ولأبي غالب غير ما ذكرت من الحديث، ولم أرَ في أحاديثه حديثًا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به. الكامل (2/455)
واختلف قول الدارقطني فيه، فقال مرة: ثقة.
وقال أخرى: بصري يعتبر به. تهذيب التهذيب (12/215).
وفي التقريب: صدوق يخطئ.
واختلف فيه على أبي غالب، فرواه عنه عمر بن سليم الباهلي مرفوعًا.
ورواه آدم أبو عباد كما في التاريخ الكبير (3/2/161)، عن أبي غالب أنه رأى أبا أمامة يخلل لحيته، وكانت رقيقة. وهذا موقوف.
وآدم أبو عباد له ترجمة في الجرح والتعديل (2/367): قال يحيى بن معين: صالح. وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا. والله أعلم.
[20] المسند (5/417).
[21] في إسناده واصل بن السائب الرقاشي، جاء في ترجمته:
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (8/173).
قال ابن أبي حاتم: قال أبي: سألت أبا بكر بن أبي شيبة عن واصل بن السائب الرقاشي، فقال: ضعيف. الجرح والتعديل (9/30).
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث مثل أشعث بن سوار، وليث بن أبي سليم وأشباههم. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث. المرجع السابق.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (600).
وقال ابن عدي بعد أن ساق جملة من الأحاديث المنكرة له: ولواصل غير ما ذكرت، وأحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات. الكامل (7/85).
وفي التقريب: ضعيف.
كما أن في إسناده أيضًا أبا سورة، جاء في ترجمته:
قال البخاري: منكر الحديث.
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه شيئًا. (9/388).
وذكره ابن حبان في الثقات (5/570).
وقال الدارقطني: مجهول. الضعفاء والمتروكين (612).
وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن معين جدًّا. تهذيب التهذيب (12/136).
وقال الترمذي في العلل عن البخاري: لا يعرف لأبي سورة سماع من أبي أيوب. المرجع السابق.
وقال الحافظ: أغرب أبو محمد بن حزم فزعم أن ابن معين قال: أبو أيوب الذي روى عنه أبو سورة ليس هو الأنصاري. المرجع السابق.
وقد ذكر أبو زرعة في الجرح والتعديل (9/388) والمزي في تهذيب الكمال: أن أبا أيوب الأنصاري عم صاحبنا هذا، والله أعلم.
[تخريج الحديث]:
الحديث أخرجه عبد بن حميد (218)، والترمذي في العلل الكبير (1/115)، والشاشي في مسنده (1137) من طريق محمد بن عبيد، عن واصل به.
وأخرجه ابن ماجه (433) وابن عدي في الكامل (7/85) والعقيلي في الضعفاء (4/323) من طريق محمد بن ربيعة، عن واصل بن السائب به.
وقال العقيلي: والرواية في التخليل فيها لين، وفيها ما هو أصلح من هذا الإسناد. ا. هـ
وأخرجه الطبراني في الكبير (4068) من طريق يحيى بن سعيد الأموي، عن واصل به.
وأخرجه أحمد (5/416) حدثنا وكيع، عن واصل الرقاشي به، بلفظ: حبذا المتخللون، قيل: وما المتخللون؟ قال: في الوضوء والطعام.
وذكر المزي في تحفة الأشراف في زيادته (3/106): وقال عبدالرحيم بن سليمان، عن واصل بن السائب، عن أبي سورة، عن عمه أبي أيوب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حبذا المتخللون)). وتابعه رباح بن عمرو القيسي، ويحيى بن سعيد الأموي ويحيى بن العلاء الرازي، عن واصل بن السائب. ا. هـ
وانظر طرق الحديث في أطراف مسند أحمد (6/62)، وتحفة الأشراف (3497)، إتحاف المهرة (4424، 4426).
يتبع