هل كل أم مربية مؤثرة؟!


هيام الجاسم









لطالما سألت هذا السؤال العديد من الأمهات في جلسات عدة وحوارات تربوية نعقدها هنا وهناك، لطالما أجابتني السائلات بحيرة غير متوقعة في مثل هذا السؤال: "هل أنت أم مؤثرة؟!" عقد من الزمان مضى وأنا أوجه نفس السؤال وأناقش.



الأمهات في معضلة فقد التأثير على أبنائهن، لم يكن أحدٌ يتوقع أن عدم استجابة عيالنا لتوجيهاتنا هو لفقدنا سحر التأثير عليهم! كانت الأمهات تعتقد أنه من المفترض ما دامت هي مربية إذن تلقائيا تفترض في نفسها أنها مؤثرة، ولكن مع دوامة عناد عيالها فهي في استغراب من عدم انصياعهم لتوجيهاتها إلا بعد شد وجذب وارتفاع الأصوات بزأرة اللبؤة على أولادها وبناتها!! وبعد كل هذا الصراخ أيضا قد لا يستجيب العيال، هي تشعر بالتعب والإرهاق الشديدين، هي غير مستمتعة بتربيتهم، هي تشعر بثقل الحياة معهم، دوما مجهدة، دوما متوترة، تظن في نفسها أنها أم ناجحة ولكنها تتساءل: " كل شيء سويته للعيال، ما قصرت وياهم، بس ما دري ليش ما يطيعوني؟! والله إني تعبت، هذا وهم صغار شلون لما يكبرون!!".

عزيزي القارئ، دنيا التربية تصيح عطشا من نقص سحر التأثير، ليس كل امرأة مربية ناجحة، وليس كل أم مربية مؤثرة، مهارة التأثير في الآخرين علم قائم بذاته نحتاج إلى تعلمه والتفقه فيه، آباؤنا وأمهاتنا بل قل أجدادنا لم يحتاجوا لذلك العلم؛ لأن الأجيال كانت محاصرة بجو تأثير الأسرة دون عوالم التأثير الأخرى من حولهم، ولكن سحر الجاذبية التي طغت عوالمها في عصرنا الحاضر على إمكانياتنا في التأثير على عيالنا فرضت علينا فرضا أن نتعلم كيف نكون ذوي شخصيات ساحرة باهرة جذابة لهم.

عزيزي القارئ، هذا الذي أكتب عنه تتقبله نساؤنا لو كان منطق الحديث عن الأزواج، تتقبل أن تتعلم كيف تجذب زوجها لها كي لا يفكر في زوجة أخرى، أو لتحميه من علاقات محرمة مع نساء أخريات، النساء يفهمن ما أكتب إذا كان ما أكتبه يدور حول جاذبية الزوجة لزوجها، ولكن حينما نتحدث معهن عن إمكانياتهن التأثيرية التي بتعلمها أو تطويرها تضمن بإذن الله لنفسها شخصية ساحرة جذابة، لا طاردة ولا منفرة مع العيال، فإن غالب الأمهات يستغربن مني ذلك الطرح؛ لأنهن يتوقعن بفعل غريزة الأمومة الجبلية عندهن أن الكل يمتلك سحر التأثير، وما صدقن في ذلك الاعتقاد بل جانبهن الصواب.

عزيزي القارئ، تأثيرك بغيرك وعلى غيرك يعني قدرتك على إشرابه تشربا وإصباغه اصطباغا بقناعتك وكل ما تريد أن تحمل الطرف الآخر على أن يؤمن به، ذلك الإشراب والإصباغ لغيرك كثير من الناس يملكه بسجيته وبعفويته، وآخرون يحتاجون إلى اكتسابه والصبر على تعلمه، وليس صعبا وإنما المهم أن تقدم لنفسك فرصا تلو الفرص أن تتدرب على مجموعة من السلوكيات، فكل مهارة مع الدربة آتية لا محالة بإذن الله، لتكن منصتا فائق الإنصات مع حسن احترام وابتسامة هي دوما علامة محياك، ولتخلط في حديثك مع الآخرين تواصل بصرك مع تفقدك لمشاعرهم، ثم أنت تثني عليهم بما يستحقونه منك علنا لا خفية في داخل نفسك، أحبالك الصوتية مهم جدا أن تلتفت لتنويع درجة علو صوتك وانخفاضه ونعومته وغلاظته حسب حاجة التأثير التي تبتغي ممارستها، نوّع في كلماتك، في جملك، لامس شغاف قلوب الآخرين، لا تنطق بفكرة أنت غير مؤمن بها، كن نفسك ولا تظهر بمظهر المضطر لأن تفعل غير قناعتك لمجرد إرضاء الآخرين، ليكن مدخل حديثك مع الآخرين من نقاط الاتفاق بينك وبينه، لا تشاكسه، لا تخالفه، داهنه مؤقتا ليأمن جانبك، ثم ادخل عليه بلطف راق نحو قناعاتك، تعال معه مرات عديدة ثم تعال ضده مرات قليلة، لا تتوتر، هو تحت يديك لن يهرب منك، إذا لم تنجح هذه المرة فعاود مرات أخَر.


عزيزي القارئ، الأهم من هذا كله أن تبدي تفقدا فائقا لاهتماماته، لمحبوباته، لمكروهاته، لأولوياته، لتطلعاته وطموحاته، وانس نفسك لحظتها وتنكر لها؛ فليس المجال هنا استعراض ذاتك وإنما جذب الآخرين لك، أطلق إيمانك بقدراته وإمكانياته، شجعه على المضي بها قدما لأنه العشم بك وبه، قل له دوما: "إنت غير! عندي غير! إنت في نفسي غير! آنا ما أرضى أن تكون نسخة مكررة من غيرك لأنك غير! غير كل الناس في قلبي وعيوني، أشوفك غير".

عزيزي القارئ، ركز على الغيرية هذه، أوصلها لعمق نفسه وقلبه، هو «غير» عندك وفي قلبك، اصنع جوا من غسيل دماغك له بسحر تأثيرك عليه، إن نجحت فعليا في إقناعه أنه غير فستجده حارثا هماما نشطا في تحويل نفسه إلى الغيرية هذه التي أنت تطمح لها في نفس ولدك وابنتك.