تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: موجب الفطرة معرفة الله وتوحيده

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي موجب الفطرة معرفة الله وتوحيده

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    ((وإذا قيل: إنه وُلد على فطرة الإسلام، أو خلق حنيفًا ونحو ذلك.
    فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده.
    فإن الله تعالى يقول: (وَاللهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمهاتِكم لا تَعلَمُون شيئًا) [سورة النحل:78].
    ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام، لمعرفته ومحبته.
    فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له،
    وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئًا بعد شيء،
    بحسب كمال الفطرة، إذا سلمت عن المعارض))
    [درء تعارض العقل والنقل: (8/ 383)].
    وقال رحمه الله:
    ((إذا ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته ومحبته، حصل المقصود بذلك،
    وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك،
    بل يحتاج كثير منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة:
    كالتعليم والتخصيص. فإن الله قد بعث الرسل، وأنزل الكتب،
    ودعوا الناس إلى موجب الفطرة: من معرفة الله وتوحيده،
    فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة، وإلا استجابت لله ورسله، لما فيها من المقتضى لذلك.
    ومعلوم أن قوله: كل مولود يولد على الفطرة، ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفاً بالله موحداً له،
    بحيث يعقل ذلك.
    فإن الله يقول: (وَاللهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمهاتِكم لا تَعلَمُون شيئًا) [سورة النحل: 78]
    ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر،
    ولكن ولادته على الفطرة تقتضي أن الفطرة تقتضي ذلك، وتستوجبه بحسبها.

    فكلما حصل فيه قوة العلم والإرادة، حصل من معرفتها بربها، ومحبتها له، ما يناسب ذلك
    كما أنه ولد على أنه يحب جلب المنافع ودفع المضار بحسبه،
    وحينئذ فحصول موجب الفطرة، سواء توقف على سبب،
    وذلك السبب موجود من خارج، أو لم يتوقف، على التقديرين يحصل المقصود.
    ولكن قد يتفق لبعضها فوات الشرط أو وجود مانع، فلا يحصل مقصود الفطرة)).

    و في الفطرة قوّتين يجدهما الإنسان في نفسه بالضرورة،
    وهما: القوّة العلمية والقوّة الإرادية.
    والقوّة العلمية مستلزمة للقوّة الإرادية عند انتفاء الموانع،
    والقوّة الإرادية تتضمّن العلم بالمراد، إذ يستحيل أن تكون الإرادة لغير مراد معلوم

    وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏"‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"‏‏‏:‏
    فالصواب أنها فطرة اللّه التي فطر الناس عليها،
    وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال‏:‏ ‏{‏‏أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏172‏]‏
    وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة‏.‏
    ‏‏ فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم للّه، لا لغيره،
    وهو معنى لا إله إلا اللّه،
    وقد ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال‏:‏
    ‏‏"‏كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء‏؟"
    بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ‏.
    ‏‏ ‏‏ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال‏:‏
    قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن اللّه‏:
    ‏‏‏"‏إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرم عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا‏"‏‏؛
    ولهذا ذهب الإمام أحمد رضي اللّه عنه في المشهور عنه‏:‏
    إلى أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه؛
    لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة‏.‏
    وقد روى عنه، وعن ابن المبارك، وعنهما‏:‏
    أنهم قالوا‏:‏ يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة‏.‏
    وهذا القول لا ينافى الأول،
    فإن الطفل يولد سليما، وقد علم اللّه أنه سيكفر،
    فلابد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب، كما تولد البهيمة جمعاء،
    وقد علم اللّه أنها ستجدع‏.‏
    ‏‏ وهذا معنى ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏
    قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الغلام الذي قتله الخضر‏:‏
    ‏‏"‏طبع يوم طبع كافرًا، ولو ترك لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا‏" يعني‏:‏ طبعه اللّه في أم الكتاب،
    أي‏:‏ كتبه وأثبته كافرًا،
    أي أنه إن عاش كفر بالفعل‏.
    ‏‏ ‏‏ ولهذا لما سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال‏:‏
    ‏‏"‏اللّه أعلم بما كانوا عاملين‏" أي‏:‏ اللّه يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا،
    ثم إنه قد جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:
    ‏ ‏‏"‏إذا كان يوم القيامة فإن اللّه يمتحنهم ويبعث إليهم رسولًا في عَرْصَة القيامة،
    فمن أجابه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار‏"‏‏
    فهنالك يظهر فيهم ما علمه اللّه سبحانه،
    ويجزيهم على ما ظهر من العلم وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم‏.‏ ‏‏
    وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين،
    وعليه تتنزل جميع الأحاديث ‏.
    ‏‏ ‏‏ ومثل الفطرة مع الحق، مثل ضوء العين مع الشمس،
    وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس،
    والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس،
    مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس،
    وكذلك أيضًا كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرًا‏.
    ‏‏ ‏‏ ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل،
    فإن اللّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا،
    ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق، الذي هو الإسلام،
    بحيث لو ترك من غير مغير، لما كان إلا مسلمًا‏.
    ‏‏ وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع،
    هي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها‏.‏
    ‏‏ وأما الحديث المذكور، فقد صح عن ابن مسعود أنه كان يقول‏:‏
    الشقي من شقى في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره‏.
    ‏‏ وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ حدثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق‏:‏"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقال‏:‏اكتب رزقه وأجله، وعمله وشقي أو سعيد‏.‏ ثم ينفخ فيه الروح‏"‏‏‏.‏
    ‏‏ وهذا عام في كل نفس منفوسة،
    قد علم اللّه سبحانه بعلمه الذي هو صفة له الشقي من عباده والسعيد،
    وكتب سبحانه ذلك في اللوح المحفوظ، ويأمر الملك أن يكتب حال كل مولود، ما بين خلق جسده ونفخ الروح فيه، إلى كتب أخرى يكتبها اللّه ليس هذا موضعها،
    ومن أنكر العلم القديم في ذلك فهو كافر‏.‏
    ‏‏ وأما البهائم فجميعها يحشرها اللّه سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏38‏]‏،
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏}‏‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 5‏]‏،
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ}‏‏ ‏[‏الشورى‏:‏29‏]‏ وحرف ‏[‏إذا]‏ إنما يكون لما يأتي لا محالة‏.‏
    ‏‏ والأحاديث في ذلك مشهورة،
    فإن اللّه عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها‏:‏ كوني ترابًا، فتصير ترابًا‏.‏ فيقول الكافر حينئذ‏:‏ ‏{‏‏يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا‏}‏‏ ‏[‏النبأ‏:‏40‏]‏‏.‏ ومن قال‏:‏ إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ، بل هو ضال أو كافر


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: موجب الفطرة معرفة الله وتوحيده

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة، وإلا استجابت لله ورسله، لما فيها من المقتضى لذلك.


    نعم
    انظر إلى قصة عمرو بن الجموح مع صنمه والتي تؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة
    , فقد كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات الأنصار وكان له صنم اسمه مناف .. يتقرب إليه .. ويسجد بين يديه مناف و مفزعه عند الكربات وملاذه عند الحاجات ..صنم صنعه من خشب .. لكنه أحب إليه من أهله وماله وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وطييبه وتلبيسه وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا حتى جاوز عمره الستين سنة ..فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .. وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيةً ومعلماً لأهل المدينة .. أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم .. فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن .. وقالوا : يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في إتباعه ؟ فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف فأَنظُرَ ما يقول !! ثم قام عمرو إلى مناف .. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم .. أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف .. وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .. فوقف بين يدي الصنم .. معتمداً على رجله الصحيحة .. تعظيماً واحتراماً .. ثم حمد الص نم وأثنى عليه ثم قال : يا مناف لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ولا يريد أحداً بسوء سواك .. وإنما ينهانا عن عبادتك .. فأشِرْ عليّ يا مناف .. فلم يردَّ الصنم شيئاً .. فأعاد عليه فلم يجب .. فقال عمرو : لعلك غضبت .. وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك .. ثم تركه وخرج فلما أظلم الليل .. أقبل أبناؤه إلى مناف .. فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف .. فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده .. فصاح بأعلى صوته : ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة .. فسكت أهله .. ففزع واضطرب ..وخرج يبحث عنه ..فوجده منكساً على رأسه في الحفرة..فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه..وقال له : أما والله يا مناف لو علمتُ من فعل هذا لأخزيته ..
    فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم .. فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة .. فلما أصبح الشيخ التمس صنمه .. فلم يجده في مكانه .. فغضب وهدد وتوعد ..
    ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ..ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح
    فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال :
    ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُسْتَها ..ثم علق في رأس الصنم سيفاً وقال : ادفع عدوك عن نفسك ..
    فلما جَنَّ الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن ..
    فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر
    قال : ورب يبـول الثعلبـان برأسه *** لقد خاب من بالت عليه الثعالب
    ثم دخل في دين الله ..
    وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ..وانظر إليه لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر .. منعه أبناؤه لكبر سنه وشدة عرجه .. فأصر على الخروج للجهاد.. فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة .. فبقي فيها ..فلما كانت غزوة أحُد .. أراد عمرو الخروج للجهاد .. فمنعه أبناؤه .. فلما أكثروا عليه .. ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. يدافع عبرته ويقول : ( يا رسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد قال : إن الله قد عذرك .. فقال يا رسول الله والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ..فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج .. فأخذ سلاحه وقال : اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي .. فلما وصلوا إلى ساحة القتال .. والتقى الجمعان وصاحت الأبطال ورميت النبال .. انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام ويقاتل عباد الأصنام حتى توجه إليه كافر بضربة سيف كـُتِبَت له بها الشهادة ..فدفن رضي الله عنه .. ومضى مع الذين أنعم الله عليهم ..وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه نزل بمقبرة شهداء أحد سيل شديد غطّى أرض القبور فسارع الم سلمون إلى نقل رُفات الشهداء .. فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح فإذا هو كأنه نائم ليّن جسده تتثنى أطرافه ..
    لم تأكل الأرض من جسده شيئاً .
    قال شيخ الاسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى
    ((فالعلم الإلهي فطري ضروري وهو أشد رسوخاً في النفس من مبدأ العلم الرياضي كقولنا إن الواحد نصف الاثنين،
    ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛
    لأن هذه المعارف أسماء قد تُعرض عنها أكثر الفطر وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة ))
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (16/ 344-346).
    (( قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...).
    وفي الصحيحن عن النبي – صى الله عليه وسلم- أنه قال "كل مولود يولد على الفطرة...".
    والفطرة تستلزم: معرفة الله، ومحبته، وتخصيصه بأنه أحب الأشياء إلى العبد وهو التوحيد. وهذا معنى قول "لا إله إلا الله" كما جاء مفسراً "كل مولود يولد على هذه الملة". وروى "على ملة الإسلام". وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله: "إني خلقت عبادي حنفاء...". فأخبر أنه خلقهم حنفاء، وذلك يتضمن: معرفة الرب، ومحبته، وتوحيده. فهذه الثلاثة تضمنتها الحنيفية، وهي معنى قول "لا إله إلا الله".
    فإن في هذا الكلمة الطيبة التي هي
    (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)
    فيها إثبات معرفته والإقرار به، وفيها إثبات محبته فإن الإله هو المألوه الذي يستحق أن يكون مألوهاً؛
    وهذا أعظم ما يكون من المحبة. وفيها أنه لا إله إلا هو. ففيها: المعرفة، والمحبة، والتوحيد وكل مولود يولد على الفطرة،
    وهي الحنيفية التي خلقهم عليها؛ ولكن أبواه يفسدان ذلك –فيهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، ويشركانه، وكذلك يجهمانه –فيجعلانه منكراً لما في قلبه من معرفة الرب ومحبته وتوحيده
    ولهذا كانت الرسل إنما تأتي بتذكير الفطرة ما هو معلوم لها، وتقويته وإمداده، ونفي المغيّر للفطرة.
    فالرسل بعثوا بتقرير الفطرة وتكميلها، لا بتغيير الفطرة وتحويلها.
    والكمال يحصل بالفطرة المكمّلة بالشرعة المنزلة ))

    و قال أيضا في مجموع الفتاوى (15/ 438).
    ((وأصل الدين الذي هو عبادة الله الذي أصله الحب والإنابة والإعراض عما سواه، وهو الفطرة التي فطر عليها الناس ))
    ذكر الإمام ابن القيم محاورة بين: الإمام محمد بن نصر، وبين الإمام ابن قتيبة في مقتضى آية المياق. قال: "قال محمد بن نصر: واحتج ابن قتيبة بقوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ...) فأجابوا - بكلام - شاهدين مقرين على أنفسهم بأن الله ربهم، ثم ولدوا على ذلك.قال محمد بن نصر: فقوله "ثم ولدوا على ذلك" زيادة منه ليست في الكتاب، ولا جاءت في شيء من الأخبار.قلت - أي: ابن القيم - قوله "ثم ولدوا على ذلك" إن أراد به أنهم ولدوا حال سقوطهم وخروجهم من بطون أمهاتهم عالمين: بالله وبتوحيده وأسمائه وصفاته فقد أصاب - أي محمد بن نصر - في الرد عليه.وإن أراد أنهم: على حكم ذلك الأخذ، وأنهم لو تركوا لما عدلوا عنه إذا عقلوا فهو الصواب الذي لا يرد"
    أحكام أهل الذمة (٢/ ٥٤٣).




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •