أخي ارتد عن الإسلام


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال

الملخص:
فتاة ارتدَّ أخوها عن الإسلام منذ زمن، وهي يعيش في إسبانيا ويأتي لزيارة العائلة مرة واحدة في السنة، ولا أحد يعلم بهذا الأمر سواها هي ووالديها، وهي تكرهه، ولا تكلمه إلا أمام الناس كيلا يُفتضح أمره، وتسأل عن والديها اللذين يحبانه المحبة الفطرية ويساعدانه بالمال: هل يكفران؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم.
نحن من المغرب، أخي ارتد عن الإسلام منذ زمن طويل، وهو يعيش في إسبانيا، يأتي مرة واحدة في السنة لزيارة العائلة، لا أحد يعلم بإلحاده سواي أنا ووالديَّ فقط، فهو لا يريد أن يُفتضح أمره أمام الناس والأقارب، أنا أكرهه منذ علمت بكفره وأعاديه ولا أواليه في قلبي، لكن أمام الناس أتكلم معه بشكل عادي كيلا ألفت الانتباه، لكن في قلبي أكرهه بسبب كفره، ولا أريد أن أفضحه أمام الناس والأقارب؛ مخافة أن يؤذيَني أو يُلْحِقَ بي شرًّا؛ لأني أقسمت ألَّا أفضحه؛ لذلك أكلمه أمام الناس، أما في الهاتف، فلا أكلمه ولا أسأل عنه، اللهم إلا في أحيان قليلة يتصل بي يسأل عن حالي، وأجيبه بشكل عادي لكني أكرهه، وأتمنى له الهداية، المشكلة تكمن في والديَّ؛ فهما يحبانه تلك المحبة الفطرية التي بين الآباء والأبناء، ليس لأجل كفره، ويساعدانه ماديًّا، ويدعوان له في ظهر الغيب بالهداية، لكنهما لا يمكن أن يقطعا صلتهما به بسبب حبهما له المحبة الفطرية التي لا صلة لها بالموالاة على حساب الإيمان أو إظهار الكفر على الإيمان، سؤالي: هل أبي وأمي يكفران ويدخلان في مسألة الولاء والبراء من جهة الكفر أو محبتهما الفطرية ستكون كبيرة من الكبائر؟ أرجو الإيضاح؛ فلقد سبَّب لي هذا الأمر توترًا نفسيًّا، ووسواسًا قهريًّا كفريًّا، أخشى أن أكون أنا ووالداي قد وقعنا في الكفر، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق، والسداد التيسير.
ثانيًا: أحسنتِ في بغضكِ لأخيكِ بسب كفره وإلحاده، ودعائكِ له بظهر الغيب بالهداية، فالمؤمن يتبرأ من الكفر وأهله وإن كان أقرب الأقرباء، ويوالي أهل الإيمان وإن كان في أقصى بقاء الأرض، فإن من علامات صدق الإيمان الحب في الله، والبغض في الله؛ فقد روى الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال قائل: الصلاة والزكاة، وقال قائل: الجهاد، قال: إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل الحب في الله والبغض في الله))؛ [حسنه الأرنؤوط]، وقال البخاري: "والحب في الله والبغض في الله من الإيمان".
قال العلماء: والحب في الله هو حب المؤمن من أجل دينه وعبادته لله، وطاعته له، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لا لقرابة أو مصلحة دنيوية، والبغض عكسه، فالمؤمن يبغض العاصي بسبب معصيته، لا لسبب آخر من تضارب المصالح، أو الخلافات الشخصية، وبحسب هذه المعصية يكون البغض، ويبغض الكافرين ويبرأ من كفرهم.
لكن ينبغي عليكِ عدم التستر عليه وكتمان كفره وفجره، فأخبري أهلكِ حتى يعاملوه بما يستحق؛ لعل هذا يكون سببًا في ردعه وزجره، فيتوب ويرجع.
ثالثًا: وعلى الرغم من ذلك داومي على نصيحته وتذكيره وإمداده بما ينفعه من كتب ومحاضرات في رد شبهات الملحدين، فإذا كنتِ قليلة البضاعة في العلم الشرعي، فكوني على حذرٍ منه ليسلم لكِ دينكِ، وابحثي عمن له قدم راسخة في العلم الشرعي ليحاوره، ويذكره بالله تعالى، ويرده إلى جادة الصواب، فإن تاب إلى الله وأناب، فالحمد لله، وإلا فلا تأسَفِي عليه؛ قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 41].
وأنصحكِ بمطالعة: استشارتنا:
ابني يقترب من الإلحاد
ويُنظَر للأهمية: ملف الرد على شبهات الملحدين على شبكتنا المباركة:
الإلحاد (تعريف، شبهات، ردود).
وأخيرًا: أذكركِ بحمد الله على توفيقه للإيمان، فالعقل نعمة من أعظم نعم الله على الإنسان، وكثيرًا ما يرد ذكره في القرآن بأسماء مختلفة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
وقال: ﴿ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [غافر: 54].
وقال: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكِ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 54].
والعقل السليم لا يقود صاحبه إلا إلى التفكير الصحيح، والذي بدوره يؤدي به إلى الهدى والحق.
ولا بد أن يبتعد العاقل عن مواطن الفتن، ويتسلح بالعلم والإيمان حتى لا يقع فريسة لشياطين الإنس والجن، فإنهم حريصون على إغواء أهل الإيمان، وإلقاء الشبهات في قلوبهم، وقد كان المشركون في الجاهلية يجادلون المسلمين ويقولون: ما ذبح الله بسكين من ذهب - يعني الميتة - فهو حرام، وما تذبحون أنتم بسكين فهو حلال؛ فنزلت: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121].
فاللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.