شروط الوضوء


الكـاتب : دبيان محمد الدبيان
للوضوء شروط كثيرة، وبعضهم يقسمها إلى أقسام: شروط وجوب وصحة معًا، وشروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط.
وشروط الوجوب: هي ما إذا اجتمعتْ وجبت الطهارة، فإذا عُدمت لم تجب الطهارة.
وشروط الصحة: وهي ما لا تصح الطهارة إلا بها، فإذا عدمت لم تصح الطهارة. وسوف نذكرها شرطًا شرطًا، ونبين ما ذكر فيها من خلاف إن شاء الله - تعالى -.
الشرط الأول: الإسلام:
اختلف الفقهاء هل الإسلام شرط في وجوب الوضوء وصحته، أو ليس بشرط؟
فقيل: يجوز الوضوء من الكافر، وهو مذهب الحنفية[1].
وقيل: لا يصح الوضوء من كافر، وهذا الشرط لا يختص بالوضوء، بل هو شرط في جميع العبادات، من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج[2].
قال - تعالى -: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ)[3].
وهل يجب على كافر وضوء؟ فيه خلاف، وهذه المسألة ترجع إلى مسألة أصولية، وهي هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
وللجواب على هذا نقول:
أما مخاطبة الكفار بأصول الدين من التوحيد والإقرار بالنبوات ونحوها، فهذا إجماع لا نزاع فيه، قال - تعالى -: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[4].
واختلفوا هل يخاطبون بالفروع أم لا؟
فذهب بعض الحنفية[5] واختاره أبو حامد الإسفراييني من الشافعية[6]، إلى أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، فيكون الإسلام عندهم شرط وجوب للوضوء.
وذهب الجمهور إلى أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة، فهو عندهم شرط للصحة لا للوجوب[7].
دليل من قال: إن الكافر لا يخاطب بفروع الشريعة:
الدليل الأول: (791-20) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا زكرياء بن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))[8].
وجه الاستدلال: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن هذه الواجبات لا تلزم إلا بعد الإيمان، ولو لزمتْ بعد لزوم الإيمان لم يكن لتأخير ذكر الإيجاب معنى.
الدليل الثاني: قالوا: إن الكافر ليس أهلاً لأداء العبادات؛ لأن أداء العبادة لاستحقاق الثواب في الآخرة بحكم الله - تعالى -، والكافر ليس بأهلٍ لثواب الآخرة؛ لأن ثواب الآخرة هي الجنة، وهو ليس من أهل الجنة، فتبين أنه ليس بأهل للعبادة، وإذا لم يكن من أهل هذا العمل لم يكن من أهل الخطاب بالعمل؛ لأن الخطاب بالعمل للعمل، وهذا كالعبد لا يخاطب بالعبادات المالية من الكفارات والزكوات وغيرها؛ لأنه ليس من أهل ملك المال، فلا يخاطب بواجب المال[9].
دليل من قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة:
الدليل الأول: قوله - تعالى -: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ)[10].
فقد بيَّن أن دخولهم النار على تركهم الصلاة والزكاة.
وقال - تعالى -: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)[11].
فأوجب لهم الويل بكفرهم وإخلالهم بالزكاة.
وقال - تعالى -: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[12].
وهذا يتناول المسلم والكافر.
الدليل الثاني: قالوا: لما لزمت الكافر النواهي، لزمه الأوامر؛ لأن الأوامر أحد قسمي الشرع، فصار كالقسم الآخر، والدليل على لزومهم النواهي إجماعُ الأمة في أن الكافر يحد إذا زنا، ويقطع إذا سرق، ولو لم يكن مكلفًا بترك الزنا والسرقة لم يكن الزنا والسرقة منه معصية، ولو لم تكن معصية لم يعاقب على فعله.
فإن قالوا: إنما وجب ذلك عليهم بالتزامهم أحكام الإسلام.
قيل: لزوم الأحكام بإلزام الله - تعالى -، لا بالتزام العبيد ذلك، ألا ترى أن الخطاب متوجّه على جميع الكفار بالإيمان بالله - عز وجل - وإن كانوا لم يلتزموا شيئًا من ذلك، ثم من أحكامنا أن لا يحد الإنسان على مباح، فلو كان الزنا غير محظور عليه، كان مباحًا، والحد لا يجب بارتكاب المباح.
وبقي قولان آخران:
أحدهما: أن الكفار مخاطبون بالنواهي دون الأوامر؛ لأن النواهي يمكنهم تركُها، وليس كذلك الصلاة والصيام؛ لأنه مع كفره لا يمكنه فعلها، فلم يخاطب بفعلها. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد.
وقيل: لا يخاطب من الكفار إلا المرتد، فإنه مخاطب بالأوامر والنواهي.
والراجح أن الكافر مخاطب بالأوامر والنواهي، وإيجاب الشيء عليه لا يلزم منه صحته لو فعله؛ لأن المانع مِن قِبَله هو، وليس من قِبَل الشرع، فإذا أمر الإنسان بأن يفعل فعلاً، وكان هناك مانع يمنع من صحة الفعل، فإن كان المانع من قبل الشرع، كالعجز عن الفعل سقط الفعل، وإن كان المانع من قبل المكلف أثِم ولم يرتفع عنه الخطاب، وذلك مثل شارب الخمر، فإنه لا يصلي حتى يعلم ما يقول، وإذا خرج وقت الصلاة وهو لم يصلِّ أثم بذلك، وإن كان منهيًّا عن الصلاة حال السكر؛ وذلك لأن المانع قام من قبله هو، لا بإذن الشارع، والله أعلم. وهذه المسألة مبسوطة في كتب الأصول، وليس محلها كتب الفروع؛ وإنما اكتفينا بإشارة عجلى، والله الموفق.
الشرط الثاني: التكليف:
والمكلف: هو البالغ العاقل، فلا يجب ولا يصح وضوءُ مجنون.
وأما المميز، فيصح منه الوضوء، ولا يجب عليه[13].
وتعريف المميز: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الناس[14].
وقيل: هو من يصل إلى حالة بحيث يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده، ولا يتقيد بسبع سنين[15]. وهذا التعريف هو ما يدل عليه اشتقاق كلمة مميز. وقيل: هو من استكمل سبع سنين[16].
الأدلة على اشتراط التكليف:
الدليل الأول: أما كون الوضوء لا يصح من مجنون وغير مميز؛ فلأن من شرط الوضوء النية على الصحيح كما سيأتي، وهما ليس لهما نية صحيحة.
وأما كونه لا يجب عليهما؛ فلأن من شرط الوجوب التكليف، وهما غير مكلفين.
(792-21) فقد روى أحمد، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن، عن علي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه))[17] [إسناده منقطع، ورجح الترمذي والنسائي والدارقطني وقفه][18].
الدليل الثاني: الإجماع على أن الكافر والطفل غير المميز لا يصح منه الوضوء، قال ابن تيمية: الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقلٍ يعلم ما يقول ويقصده، فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغوٌ في الشرع، لا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين[19].
الشرط الثالث: ارتفاع دم الحيض والنفاس:
من شروط الوضوء ارتفاع دم الحيض والنفاس، فلو توضأت المرأة وهي حائض أو نفساء، لم يرتفع حدثُها، فارتفاعه شرط للوجوب، فلا يجب الوضوء على حائض ونفساء، وشرط للصحة أيضًا، وهذا مذهب الجمهور[20].
وقيل: ارتفاع الحيض والنفاس شرط وجوب فقط، فيصح الوضوء من الحائض والنفساء، ولا يجب عليها[21].
قال ابن نجيم من الحنفية: وأما أئمتنا فقالوا: إنه يستحب لها - يعني الحائض - أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وتقعد على مصلاها تسبِّح، وتهلِّل وتكبِّر[22].
وقد ذهب جمع من السلف إلى تصحيح وضوء الحائض والنفساء، وكأنهم رأَوْا أن في ذلك تخفيفًا للحدث، كما يتوضأ الجنب للنوم، وإن كان حدثه باقيًا.
قال ابن رجب: وقد استحبَّ طائفة من السلف أن تتوضأ - يعني الحائض - في وقت كل صلاة مفروضة، وتستقبل القبلة، وتذكر الله - عز وجل - بمقدار تلك الصلاة، منهم الحسن وعطاء وأبو جعفر محمد بن علي، وهو قول إسحاق، وروي عن عقبة بن عامر أنه كان يأمر الحائض بذلك، وتجلس بفناء مسجدها، خرجه الجوزجاني.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين في أيام حيضهن[23].
(793-22) أما قول عطاء، فأخرجه ابن أبي شيبة، قال - رحمه الله -: حدثنا حفص بن غياث، عن عبدالملك، عن عطاء أنه كان يقول في الحائض: تتنظف، وتتخذ مكانًا في مواقيت الصلاة تذكر الله فيه[24]. وسنده صحيح.
وأما قول الحسن، فقد ثبت عنه بسند صحيح: (794-23) فقد روى ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: سمعته يقول في الحائض: تتوضأ عند كل صلاة وتذكر الله. [إسناده صحيح][25].
وأما قول أبي جعفر: (795-24) فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إنا لنأمر نساءنا في الحيض أن يتوضأن في وقت كل صلاة، ثم يجلسن ويسبحن ويذكرن الله[26]. [إسناده ضعيف جدًّا][27].
وأما قول عقبة بن عامر: (796-25) فرواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو عبدالرحمن المقري، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني خالد بن يزيد الصدفي، عن أبيه عن عقبة بن عامر أنه كان يأمر المرأة الحائض في وقت الصلاة أن تتوضأ وتجلس بفناء المسجد، وتذكر الله وتهلل وتسبح[28].
ولم أقف على ترجمة خالد بن يزيد الصدفي، ولا ترجمة أبيه، وباقي رجاله ثقات[29]. والله أعلم.
والحق أن استحباب ذلك بدعة.
قال ابن رجب: "وأنكر ذلك أكثر العلماء، وقال أبو قلابة: قد سألنا عن هذا فما وجدنا له أصلاً".
وقال سعيد بن عبدالعزيز: ما نعرف هذا، ولكننا نكرهه.
وقال ابن عبدالبر: على هذا القول جماعة من الفقهاء، وعامة العلماء في الأمصار[30].
(797-26) وقول أبي قلابة الذي أشار إليه الحافظ ابن رجب، قد رواه ابن أبي شيبة، قال - رحمه الله -: حدثنا معتمر، عن أبيه، قال: قيل لأبي قلابة: الحائض تسمع الأذان فتوضأُ، وتكبِّر، وتسبح، قال: قد سألنا عن ذلك فما وجدنا له أصلاً. [وسنده صحيح][31].
روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت الحكم وحمادًا، فكرهاه[32].
فأين الدليل على مشروعية الوضوء للحائض؟
قال النووي: إذا قصدَتِ الطهارةَ تعبُّدًا مع علمها بأنها لا تصح، فتأثم بهذا؛ لأنها متلاعبة بالعبادة، فأما إمرار الماء عليها بغير قصد العبادة، فلا تأثم به بلا خلاف، وهذا كما أن الحائض إذا أمسكت عن الطعام بقصد الصوم أثمت، وإن أمسكت بلا قصد لم تأثم؛ ا. هـ[33].
الشرط الرابع: طهورية الماء:
اشترط الجمهور أن يكون الماء طهورًا مطلقًا، فإن كان الماء نجسًا فلا يصح الوضوء منه قولاً واحدًا، وإن كان الماء طاهرًا - كالماء المستعمل في رفع حدث - فإن الحدث لا يرتفع عند جماهير أهل العلم[34].
وقيل: يصح الوضوء بالماء المستعمل، ولا يوجد قسم من الماء اسمه طاهر، فليس هناك إلا ماء طهور ونجس، ولا وجود لقسم ثالث طاهر غير مطهر.
وقد قدمت أدلة كل فريق في كتاب المياه، وترجح أن الماء قسمان فقط، فأغنى عن إعادته هنا، والله الموفق.
الشرط الخامس: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء
من شروط الوضوء: إزالة ما يمنع وصولَ الماء إلى أعضاء الوضوء، من دهن جامد أو شمع ونحوهما، وهذا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة.
لأن الله - سبحانه وتعالى - أمر بغسل أعضاء الوضوء: الوجه واليدين والرجلين إذا كانتا مكشوفتين، فإذا كان على العضو المغسول ما يمنع من وصول الماء لم يتحقق امتثال الأمر، فيكون الغسل ناقصًا، وإذا كان ناقصًا لم يتم وضوءه.
وإنما اختلفوا في الوسخ يكون على الظفر، ويمنع من وصول الماء هل يصح وضوءه أم لا؟
فقيل: تجب إزالته مطلقًا، ولا يصح الوضوء مع وجوده، اختاره المتولي من الشافعية[35]، وابن عقيل من الحنابلة[36].
وقيل: لا تجب إزالته مطلقًا، ويعفى عنه، اختاره الغزالي من الشافعية[37]، ومال إليه ابن قدامة من الحنابلة[38].
وقيل: إن كان ما تحت الظفر يسيرًا عفي عنه، وإن فحش وجبت إزالته، وهو مذهب المالكية[39]، وأومأ إليه ابن دقيق العيد[40]، ورجحه ابن تيمية[41].
وقد ذكرتُ أدلة كل قول، وما هو الراجح فيه في كتابي سنن الفطرة، فأغنى عن إعادته هنا، فارجع إليه غير مأمور.
الشرط السادس: دخول الوقت على من به حدث دائم
ذهب الجمهور إلى اشتراط دخول الوقت في صحة طهارة مَن به حدث دائم؛ كالمستحاضة، ومن به سلس بول ونحوهما، فلو تطهر قبل دخول الوقت لم تصح طهارته[42].
وقيل: لا يشترط دخول الوقت، بل لا يعتبر خروج دم الاستحاضة وكذا من به سلس بول، لا يعتبر حدثًا ناقضًا للوضوء، وإنما يستحب منه الوضوء ولا يجب، وهذا مذهب المالكية[43].
وقد بحثت هذه المسألة بشيء من الاستفاضة في كتابي الحيض والنفاس فأغنى عن إعادته هنا[44].
الشرط السابع: هل يشترط أن يكون ماء الوضوء مباحًا؟
اختلف الفقهاء هل يشترط في الوضوء أن يكون الماء مباحًا؟
فقيل: لا يشترط، فلو توضأ بماء محرَّم كالمغصوب أثم، وارتفع حدثه وخبثه، وهو مذهب الحنفية[45]، والمالكية[46]، والشافعية[47].
وقيل: لا تصح الطهارة به، ويرتفع به الخبث، اختاره بعض الحنابلة[48].
وقيل: لا يرتفع به حدث، ولا خبث، وهو من مفردات مذهب الحنابلة[49]، وهو اختيار ابن حزم[50].
وسبب اختلافهم في هذه المسألة: أنه ورد على هذا الوضوء أمران: واجب ومحرم، فالوضوء للصلاة واجب، وأخْذ مال الغير بدون وجه حق محرَّم، فلا يمكن أن يكون الشيء واجبًا ومحرمًا في الوقت نفسه، كما أن الوضوء قربة لله - سبحانه وتعالى - ووضوءه بماء مغصوب محرم، والمحرم لا يكون قربة يتقرَّب بها العبد إلى الله.
والذين ذهبوا إلى صحة الوضوء رأوا أن التحريم راجع إلى أمر خارج عن الوضوء، وهو الغصب، وقد غسل الإنسان أعضاءه فارتفع حدثه مع الإثم، فالتحريم والصحة غير متلازمين، وهناك أدلة أثرية ونظرية لكل فريق ذُكِرَتْ بشيء من التفصيل في كتابي أحكام الطهارة (المياه والآنية)[51]، فارجع إليها غير مأمور، فقد أغنى ذكرها هناك عن إعادتها هنا.
الشرط الثامن: القدرة على استعمال الماء:
نص الحنفية والمالكية على هذا الشرط[52]، وأن من شروط الوضوء القدرة على استعمال الماء، والحقيقة أن القدرة على الفعل ليست شرطًا خاصًّا بالوضوء، بل إن جميع التكاليف لا تجب إلا بالقدرة على فعلها، فمن عجز عن أداء شيء فإن كان له بدل، وجب البدل، وإن لم يكن له بدل سقط عنه حتى يقدر على فعله؛ (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[53]، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[54].
(798-27) وروى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا عبدان، عن عبدالله، عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدثني الحسين المكتب، عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال: ((صلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب))[55].
وما دام أن هذا الشرط لا يختص بالوضوء، فكان الأفضل عدم ذكره من شروط الوضوء، والله أعلم.
الشرط التاسع: قيام الحدث:
وهذا شرط وجوب، فمن لم يكن محدثًا لم يجب عليه الوضوء.
الدليل على هذا من السنة والإجماع: (799-28) أما السنة، فقد روى البخاري، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن عامر قال: سمعت أنس بن مالك قال ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث[56].
الدليل الثاني: (800-29) ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد ح وحدثني محمد بن حاتم واللفظ له، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: حدثني علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه. قال: ((عمدًا صنعتُه يا عمر))[57].
الدليل الثالث: (801-30) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن سويد بن النعمان أخبره، أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء، وهي أدنى خيبر، فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به، فثري، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلْنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ[58].
الدليل الرابع: أن المسألة شبه إجماع، قال ابن تيمية: "من توضَّأ لصلاة صلَّى بذلك الوضوء صلاة أخرى - فهذا قول عامة السلف والخلف، والخلاف في ذلك شاذ، وقد عُلم بالنقل المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يوجب الوضوء على من صلى ثم قام إلى صلاة أخرى؛ فإنه قد ثبت بالتواتر أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعًا، جمع بهم بين الصلاتين، وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله، ولما سلم من الظهر صلى بهم العصر، ولم يحدث وضوءًا لا هو ولا أحد، ولا أمر الناس بإحداث وضوء، ولا نقل ذلك أحد، وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقًا"[59].
وقال أيضًا: "لما قدم مزدلفة، صلى بهم المغرب والعشاء جمعًا من غير تجديد وضوء للعشاء، وهو في الموضعين قد قام هو وهم إلى صلاة بعد صلاة، وأقام لكل صلاة إقامة، وكذلك سائر أحاديث الجمع الثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس وأنس - رضي الله عنهم - كلها تقتضي: أنه هو - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون خلفه - صلَّوُا الثانية من المجموعتين بطهارة الأولى، لم يحدثوا لها وضوءًا.
وكذلك قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة وغيرهم أنه كان يتوضأ لصلاة الليل، فيصلي به الفجر، مع أنه كان ينام حتى يغط، ويقول: ((تنام عيناي، ولا ينام قلبي))، فهذا أمر من أصح ما يكون أنه: كان ينام ثم يصلي بذلك الوضوء الذي توضأ للنافلة يصلي به الفريضة، فكيف يقال: إنه كان يتوضأ لكل صلاة؟ وقد ثبت عنه في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر، ثم قدم عليه وفد عبدالقيس، فاشتغل بهم عن الركعتين بعد الظهر حتى صلى العصر، ولم يحدث وضوءًا، وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة، وتارة النافلة ثم الفريضة، وتارة فريضة ثم فريضة، كل ذلك بوضوء واحد، وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل بوضوء واحد مرات متعددة، وكان المسلمون على عهده يتوضؤون، ثم يصلون ما لم يُحدِثوا، كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحة، ولم ينقل عنه - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف -: أنه أمرهم بالوضوء لكل صلاة، فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل.
وأما القول بوجوبه، فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولإجماع الصحابة، والنقل عن علي - رضي الله عنه - بخلاف ذلك لا يثبت؛ بل الثابت عنه خلافه، وعلي - رضي الله عنه - أجلُّ من أن يخفى عليه مثل هذا، والكذب على علي كثيرٌ مشهور أكثر منه على غيره، وقد أنكر الإمام أحمد - رحمه الله - أن يكون في هذه المسألة نزاع، مع جلالة قدره وسَعة معرفته بآثار الصحابة والتابعين، قال أحمد بن القاسم: سألت أحمد عمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا لم ينتقض وضوءه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا"[60].
(802-31) وأما ما رواه أحمد، قال: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازني مازن بني النجار، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، قال: قلت له: أرأيت وضوء عبدالله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، عمَّ هو؟ فقال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبدالله بن حنظلة بن أبي عامر ابن الغسيل حدثها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُمر بالسواك عند كل صلاة، ووُضع عنه الوضوء إلا من حدث. قال: فكان عبدالله يرى أن به قوة على ذلك، فكان يفعله حتى مات[61]. [في إسناده اختلاف، وحسن إسناده الحافظ][62].
[1] قال في بدائع الصنائع (1/18): وإيمان المتوضئ ليس بشرط لصحة وضوئه عندنا، فيجوز وضوء الكافر عندنا. ا. هـ
[2] انظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/132)، الفواكه الدواني (1/135)، نهاية المحتاج (1/154)، الأشباه والنظائر (1/429)، المقدمة الحضرمية (ص: 33)، المنهج القويم (ص: 51)، كشاف القناع (1/85).
[3] التوبة: 54.
[4] الأعراف: 158.
[5] وهو قول البخاريين والسمرقنديين من أصحاب أبي حنيفة، انظر أصول السرخسي (1/74)، شرح المحلى على جمع الجوامع (1/212)، تيسير التحرير (2/148).
[6] انظر قواطع الأدلة (1/187).
[7] وهو قول العراقيين من الحنفية، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، انظر أصول السرخسي (1/74)، تفسير القرطبي (2/300)، و (4/146)، إعانة الطالبين (3/24)، الإنصاف (10/233)، و(4/160)، كشاف القناع (1/223)، و(5/115)، حاشية البجيرمي (1/162).
وقال النووي في المجموع (3/5): وأما الكافر الأصلي، فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام، فأما في كتب الأصول، فقال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان.
وقيل: لا يخاطب بالفروع.
وقيل: يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها، دون المأمور به كالصلاة.
قال النووي: والصحيح الأول، وليس هو مخالفًا لقولهم في الفروع؛ لأن المراد هنا غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم، وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة، ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذَّبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعـًا، لا على الكفر وحده، ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين، وفي الفروع حكم الطرف الآخر، والله أعلم.
[8] صحيح البخاري (1496)، مسلم (19).
[9] قواطع الأدلة (1/189).
[10] المدثر: 42-45.
[11] فصلت: 6-7.
[12] آل عمران: 97.
[13] البحر الرائق (1/10)، حاشية ابن عابدين (1/86)، حاشية الدسوقي (1/84)، الفواكه الدواني (1/135)، المجموع (1/372)، شرح البهجة (1/77)، مغني المحتاج (1/47)، نهاية المحتاج (1/154)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/51)، حاشية البجيرمي على المنهج (1/64)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/129)، المقدمة الحضرمية (ص: 33) كشاف القناع (1/85)، شرح منتهى الإرادات (1/52).
[14] حاشية الصاوي على الشرح الصغير(1/725)، وانظر مطالب أولي النهى (1/77).
[15] شرح البهجة للأنصاري (4/406).
[16] مطالب أولي النهى (1/77).
[17] المسند (1/116).
[18] الحسن لم يسمع من علي - رضي الله عنه -، قاله الترمذي في سننه (1423)، وانظر جامع التحصيل (ص: 163)، وتحفة التحصيل (ص: 74).
واختلف على يونس بن عبيد، فرواه هشيم عن يونس، عن الحسن، عن علي مرفوعًا كما في حديث الباب.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (7347) من طريق يزيد بن زريع، عن يونس به موقوفًا على علي - رضي الله عنه -.
ورواه قتادة عن الحسن به مرفوعًا.
أخرجه أحمد (1/140) حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة به.
وأخرجه البيهقي (4/325) من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة به. ويزيد سمع من سعيد قبل تغيره.
وأخرجه أحمد (1/118) حدثنا بهز وحدثنا عفان.
وأخرجه النسائي في الكبرى (7346) والحاكم في المستدرك (8170) من طريق عفان، وسقط من إسناد الحاكم عفان، وتم استدراكه من إتحاف المهرة لابن حجر (14155).
وأخرجه الترمذي (1423) من طريق بشر بن عمر، ثلاثتهم (بهز وعفان وبشر) عن همام، عن قتادة به مرفوعًا. هذا في ما يتعلق بطريق الحسن، عن علي.
قال النسائي - كما في تحفة الأشراف (7/360) -: "حديث يونس - يعني: الموقوف - أولى من حديث همام عن قتادة"؛ يعني: المرفوع.
وقال في السنن الكبرى المطبوع: ما فيه شيء صحيح، والموقوف أصح، هذا أولى بالصواب. اهـ
ورواه عن علي جماعة غير الحسن، وإليك بيان مروياتهم:
الأول: أبو ظبيان، عن علي: رواه جرير بن حازم، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي، واختلف على جرير: فرواه أبو داود كما في السنن (4399)، والنسائي في الكبرى (7343)، وابن خزيمة في صحيحه (1003)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/74)، وفي مشكل الآثار (3986)، وابن حبان في صحيحه (143)، والدارقطني (3/138)، والحاكم في المستدرك (949، 2351)، والبيهقي في السنن (4/269)، و(8/264)، كلهم من طريق ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي مرفوعًا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وخالفه جماعة رووه عن الأعمش موقوفًا: منهم جرير بن عبدالحميد كما في سنن أبي داود (4399).
ووكيع كما في سنن أبي داود أيضًا (4399).
وشعبة كما في مسند ابن الجعد (741)، والمستدرك للحاكم (8169).
وجعفر ابن عون كما في مستدرك الحاكم (8168).
وابن فضيل وعمار بن رزيق كما في علل الدارقطني (3/72)، ستتهم رووه عن الأعمش به موقوفًا.
كما رواه سعد بن عبيدة عن أبي ظبيان موقوفًا كما في علل الدارقطني (4/73).
ورواه أبو حصين عن أبي ظبيان به موقوفًا أيضًا، كما هي رواية الستة عن الأعمش.
أخرجه ابن أبي شيبة (4/200) رقم: 19237 عن ابن عياش.
والنسائي في الكبرى (7345) من طريق إسرائيل، كلاهما عن أبي حصين، عن أبي ظبيان، عن علي به موقوفًا، ولم يذكر في إسناده ابن عباس، وأبو ظبيان لم يسمع من علي، وقد عرف الواسطة بينهما، وهو ابن عباس - رضي الله عنهما -.
وأخرجه الطيالسي (90).
وأحمد (1/154) عن عفان.
وأخرجه أيضًا (1/158) عن أبي سعيد (عبدالرحمن بن عبدالله بن عبيد مولى بني هاشم) ثلاثتهم عن حماد بن سلمة.
وأخرجه أبو داود (4402) من طريق أبي الأحوص وجرير بن عبدالحميد.
وأخرجه أبو يعلى (587) من طريق جرير وحده.
والبيهقي (8/264) من طريق أبي الأحوص وحده.
وأخرجه النسائي في الكبرى (7344) من طريق أبي عبدالصمد، كلهم (حماد بن سلمة، وأبو الأحوص، وجرير، وأبو عبدالصمد) عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، عن علي مرفوعًا.
ورجح النسائي رواية أبي حصين، عن أبي ظبيان، على رواية عطاء، عن أبي ظبيان.
قال في السنن الكبرى (7345): وهذا يحذف أولى بالصواب، وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب، وما حدث جرير بن حازم به فليس بذاك. ا. هـ
الثاني: أبو الضحى، عن علي: وأخرجه أبو دواد (4403) والبيهقي (3/83) و(6/56، 57)، و(7/359)، و(8/265) من طريق خالد الحذاء، عن أبي الضحى، عن علي مرفوعًا.
وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح، لم يدرك عليًّا.
الثالث: القاسم بن يزيد، عن علي: أخرجه ابن ماجه (2042) من طريق ابن جريج، عن القاسم بن يزيد، عن علي مرفوعًا.
وذكره أبو داود معلقًا، فقال على إثر حديث (4403) قال: ورواه ابن جريج، عن القاسم بن يزيد، عن علي - رضي الله عنه -، زاد فيه: والخرف. ا. هـ.
والقاسم بن يزيد لم يروِ عنه غير ابن جريج، ولم يدرك عليًّا، وقال فيه الحافظ: مجهول.
وحديث علي بالجملة قد رجح الترمذيُّ وقفه كما في العلل الكبير (ص: 226) رقم 406.
كما رجح الدارقطني وقفه كذلك، قال في العلل (3/72): وسئل عن حديث ابن عباس، عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون والنائم والصبي، فقال: هو حديث يرويه أبو ظبيان حصين بن جندب، واختلف عنه:
فرواه سليمان الأعمش واختلف عنه، فقال جرير بن حازم: عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن علي وعن عمر، تفرد بذلك عبدالله بن وهب، عن جرير بن حازم.
وخالفه ابن فضيل ووكيع، فروياه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي وعمر موقوفًا.
ورواه عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علي وعمر موقوفًا، ولم يذكر فيه ابن عباس، وكذلك رواه سعد بن عبيدة، عن أبي ظبيان موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس. ورواه أبو حصين، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن علي وعمر موقوفًا، واختلف عنه: فقيل عن أبي ظبيان، عن علي موقوفًا، قاله أبو بكر بن عياش وشريك عن أبي حصين.
ورواه عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، عن علي وعمر مرفوعًا، حدث به عنه حماد بن سلمة وأبو الأحوص وجرير بن عبدالحميد وعبدالعزيز بن عبدالصمد العمي وغيرهم، وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب، والله أعلم.
قيل: لقي أبو ظبيان عليًّا وعمر - رضي الله عنهما؟ قال: نعم.
وقد سبق أن نقلنا عن أبي عبدالرحمن النسائي ترجيح وقفه، فهؤلاء ثلاثة أئمة: النسائي والترمذي والدارقطني، كلهم رجح الرواية الموقوفة على المرفوعة، والله أعلم بالصواب.
وانظر لمراجعة بعض طرق الحديث كلاًّ من: أطراف مسند أحمد (4/396)، تحفة الأشراف (7/360، 413)، إتحاف المهرة (14155، 14521).
والحديث له شواهد، منها حديث عائشة، وأبي قتادة، وابن عباس، وثوبان وغيرهم.
الشاهد الأول: حديث عائشة: أخرجه أبو داود الطيالسي (1485) طباعة دار هجر.
ورواه أحمد (6/100، 101)، والدارمي (2296) والطحاوي في مشكل الآثار (3987)، من طريق عفان.
وأخرجه أحمد أيضًا (6/101) عن حسن بن موسى وروح.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/200) رقم 19239، وأحمد (6/144) وأبو داود (4398)، وابن ماجه (2041) من طريق يزيد بن هارون.
وأخرجه النسائي في المجتبى (3432) وفي الكبرى (5625) وابن ماجه (2041) وابن الجارود في المنتقى (148، 808) من طريق عبدالرحمن بن مهدي.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (4400)، وابن حبان في صحيحه (142) من طريق شيبان بن فروخ.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (2350)، والبيهقي (6/84، 206) و(8/41) من طريق أبي الوليد الطيالسي وموسى بن إسماعيل.
وأخرجه البيهقي (10/317) من طريق محمد بن أبان، كلهم (عفان، ويزيد بن هارون، وعبدالرحمن بن مهدي، وحسن بن موسى، وروح بن عبادة، وشيبان بن فروخ، وأبو الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، ومحمد بن أبان) رووه عن حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا.
والحديث له ثلاث علل:
الأولى: تغيُّر حماد بن سلمة.
لكن يقال: إن الراوي عنه عفان، وهو من أثبت أصحابه، وقد قال ابن معين: من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة، فعليه بعفان بن مسلم.
العلة الثانية: تفرد حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان، وقد قال الإمام أحمد: سماع هشام من حماد بن أبي سليمان صالح، ولكن حماد - يعني: ابن سلمة - عنده عنه تخليط كثير. اهـ تهذيب التهذيب في ترجمة حماد بن أبي سليمان (3/14).
العلة الثالثة: حماد بن أبي سليمان، مختلف فيه.
وانظر لمراجعة طرق هذا الحديث غير ما عزوت له سابقًا: إتحاف المهرة (21539، 21575)، أطراف مسند الإمام أحمد (9/17)، تحفة الأشراف (11/353)، التمهيد (1/109)، وفي فتح الباري كلام مهم في بيان راجح الموقوف من المرفوع (12/121).
الشاهد الثاني: حديث أبي قتادة: رواه الحاكم في المستدرك (8171) من طريق عكرمة بن إبراهيم، حدثني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبدالله بن أبي رباح، عن أبي قتادة - رضي الله عنه - مرفوعًا.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
قال الذهبي متعقبًا: عكرمة ضعفوه.
وقد ضعف عكرمة جمع من الأئمة.
قال يحيى بن معين - كما في رواية عباس بن محمد الدوري -: بصري ليس بشيء. الجرح والتعديل (7/11). وقال النسائي: ضعيف. وقال أيضًا: ليس بثقة. الضعفاء والمتروكين للنسائي (482)، لسان الميزان (4/181).
وقال أبو داود: ليس بشيء. لسان الميزان (4/181).
وقال يعقوب بن سفيان: منكر الحديث. المرجع السابق.
وقال البزار: لين الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وذكره ابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء. المرجع السابق.
الشاهد الثالث: حديث ابن عباس: رواه الطبراني في الأوسط (3403) وفي الكبير (11/89) رقم 1141 من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبدالعزيز بن عبيدالله، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/251): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وفيه عبدالعزيز بن عبيدالله بن حمزة، وهو ضعيف.
قلت: قال يحيى بن معين: ضعيف لم يحدث عنه إلا إسماعيل بن عياش. الكامل في الضعفاء (5/284)، الضعفاء للعقيلي (3/21).
الشاهد الرابع: حديث شداد بن أوس وثوبان:
رواه الطبراني في المعجم الكبير (7/287) رقم (7156) وفي مسند الشاميين (1/216) قال: حدثنا عبدالرحمن بن سلم الرازي، ثنا عبدالمؤمن بن علي، أنا عبدالسلام بن حرب، عن برد بن سنان، عن مكحول، عن أبي إدريس أخبرني غيرُ واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم شداد بن أوس وثوبان - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رفع القلم في الحد عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن المعتوه الهالك)).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/251): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
[19] التفسير الكبير (3/80).
[20] حاشية العدوي (1/129)، الشرح الصغير (1/133)، منح الجليل (1/77)، الإنصاف (1/144) المبدع (1/118)، الفروع (1/225).
[21] البحر الرائق (1/10)، حاشية ابن عابدين (1/86، 87)، إلا أن ابن نجيم ذكر أن عدم الحيض والنفاس من شروط الوجوب، ثم ذكر في شروط الصحة: انقطاع الحيض والنفاس، فليتأمل.
[22] البحر الرائق (1/203).
[23] شرح ابن رجب للبخاري (2/130).
[24] المصنف (2/128) 7265.
[25] المصنف (1/129) رقم 7271.
[26] المصنف (1/128) رقم 7270.
[27] فيه جابر بن يزيد الجعفي، اتهمه بالكذب زائدةُ.
وقال أبو حنيفة: ما أتيته بشيء من رأيي إلا جاءني فيه بأثر.
وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث.
[28] المصنف (1/128) رقم 7269.
[29] إلا أن يكون خالد بن يزيد الجمحي، فإنه مصري، يروي عنه سعيد بن أبي أيوب، خاصة أن النسبة إلى الصدف: قال عنها السمعاني في الأنساب (3/528): "هي قبيلة من حمير نزلت مصر"، فإن كان هو فإنه ثقة، من رجال الجماعة.
[30] شرح ابن رجب للبخاري (2/130).
[31] المصنف - ابن أبي شيبة (1/128) رقم 7266.
[32] المصنف (1/128) رقم 7268.
[33] المجموع (2/382).
[34] قال ابن نجيم من الحنفية، وهو يعدد شروط الوضوء (1/10): ووجود الماء المطلق الطهور الكافي. وانظر حاشية ابن عابدين (1/87) وغمز عيون البصائر (2/6).
وقال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (1/134): وجود ما يكفي جميع البدن من الماء المطلق. وانظر حاشية الدسوقي (1/84)، وحاشية العدوي (1/129).
وقال ابن رسلان من الشافعية في زبده (ص: 44): ماء طهور مطلق. وانظر حاشية البجيرمي (1/64)، وحاشيتا قليوبي وعميرة (1/51).
ونص على هذا الشرط أيضًا الحنابلة في كتبهم، انظر: كشاف القناع (1/85)، مطالب أولي النهى (1/104)، الإنصاف (1/144) المبدع (1/118)، الفروع (1/225).
وقد اختلف الفقهاء في ما لو وجد ماء يكفي بعض طهره، هل يتوضأ أو يتيمم، أو يتوضأ بما يقدر عليه، ويتيمم للباقي، وسوف تأتي هذه المسألة - إن شاء الله - تعالى - في فصل مستقل، بلَّغنا الله ذلك بمنِّه وكرمه.
[35] المجموع (1/340).
[36] قال ابن قدامة في المغني (1/86): "وإذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته، فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله" ا. هـ.
[37] تحفة المحتاج (1/187)، وقال النووي في المجموع (1/340): "ولو كان تحت الأظفار وسخ، فإن لم يمنع وصول الماء إلى ما تحته لقلَّته، صح الوضوء.
وإن منع، فقطع المتولي بأنه لا يجزيه، ولا يرتفع حدثه، كما لو كان الوسخ في موضع آخر من البدن.
وقطع الغزالي في الإحياء بالإجزاء وصحة الوضوء والغسل، وأنه يعفى عنه للحاجة. ا. هـ.
[38] المغني (1/86).
[39] قال في الفواكه الدواني (1/140): "ولا يلزمه إزالة ما تحت أظافره من الأوساخ، إلا أن يخرج عن المعتاد، فيجب عليه إزالته، كما يجب عليه قلم ظفره الساتر لمحل الفرض". وانظر حاشية الدسوقي (1/88).
[40] قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (1/125): "إذا لم يخرج طول الأظفار عن العادة، يعفى عن يسير الوسخ، وأما إذا زاد على المعتاد، فما يتعلق بها من الأوساخ مانع من حصول الطهارة، وقد ورد في بعض الأحاديث الإشارة إلى هذا المعنى". ا. هـ. وقد يعتبر هذا من ابن دقيق العيد قولاً رابعًا، وهو أن الأظفار إذا خرج طولها عن المعتاد أصبح ما يتعلق بها من الوسخ مانعًا من حصول الطهارة، وإذا كان طولها معتادًا لم يمنع الوسخ. والله أعلم.
[41] يرى ابن تيمية العفو عن كل يسير يمنع وصول الماء، ولم يخصصه في الأظفار، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/303): "وإن منع يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء، صحت الطهارة، وهو وجه لأصحابنا، ومثله كل يسير منع وصول الماء حيث كان؛ كَدَمٍ، وعجينٍ..." إلخ كلامه ا. هـ.
[42] الاختيار لتعليل المختار (3/508)، حاشية ابن عابدين (1/504)، البحر الرائق (1/226)، مراقي الفلاح (ص: 60)، تبيين الحقائق (1/64)، بدائع الصنائع (1/28).
المجموع (1/363، 543)، مغني المحتاج (1/111)، روضة الطالبين (1/147، 125).
المغني (1/421)، شرح منتهى الإرادات (1/120)، كشاف القناع (1/215)، الإنصاف (1/377)، الفروع (1/279)، شرح الزركشي (1/437).
[43] مواهب الجليل (1/291)، حاشية الدسوقي (1/116)، الخرشي (1/152)، القوانين الفقهية لابن جزي (ص: 29)، فتح البر بترتيب التمهيد (3/508)، الاستذكار (3/225-226).
[44] انظر (3/1109) في خلاف العلماء في وجوب الوضوء من دم الاستحاضة.
[45] تبيين الحقائق (1/48)، الفصول في الأصول (2/179)، حاشية ابن عابدين (1/341).
[46] أنواع البروق في أنواع الفروق (2/84)، الخرشي (1/181)، و (3/44)، الفواكه الدواني (1/124)، حاشية الدسوقي (1/144) و (3/54)، منح الجليل (1/138).
[47] إعانة الطالبين (1/55)، المجموع (2/295)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/59، 68).
[48] قال في منار السبيل (1/15): "ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث، ويزيل الخبث، وهو ما ليس مباحًا كمغصوب ونحوه". ا. هـ
[49] قال في الإنصاف (1/28): وأما الوضوء بالماء المغصوب، فالصحيح من المذهب أن الطهارة لا تصح به، وهو من مفردات المذهب. وعنه: تصح وتكره، اختاره ابن عبدوس في تذكرته. ا. هـ
وانظر قواعد ابن رجب، القاعدة التاسعة (ص: 12)، كشاف القناع (1/30)، مطالب أولي النهى (4/62)، المبدع (1/40).
[50] المحلى (1/208).
[51] أحكام الطهارة، الباب الثاني: الوضوء بالماء المحرم (ص: 95-102).
[52] البحر الرائق (1/10)، حاشية ابن عابدين (1/87)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/6)، غمز عيون البصائر (2/6)، مواهب الجليل (1/182)، حاشية الدسوقي (1/84)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/134)، منح الجليل (1/77).
[53] البقرة: 286.
[54] التغابن: 16.
[55] الوضوء (1117).
[56] صحيح البخاري (214).
[57] صحيح مسلم (277).
[58] صحيح البخاري (209).

[59] مجموع الفتاوى (21/371).
[60] مجموع الفتاوى (21/372).
[61] مسند أحمد (5/225).
[62] سبق تخريجه في كتابي أحكام الطهارة (سنن الفطرة) رقم الحديث: 691.