إذا طردت ولدك خارج البيت!!


هيام الجاسم




ماذا تتوقع من ولدك إذا غضبت عليه يوما وطردته من البيت؟! هل نتوقع منه ازدياد احترام أبيه وقبوله؟! هل نتوقع منه أن يزداد قلبه حبا وودا لوالدته؟! هل نتوقع منه انصياعا أكثر وأكثر لأوامرنا؟! عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود في نظر الأب والأم، وعندما يشعر الأب بعجز شديد حيال إعلان ولده حالة العصيان والتمرد؛ يحتار الأب، ويناقش الأم، وتضيع بصيرته ويُشلّ تفكيره، والولد يرفض الذهاب للمدرسة! ويرفض أن ينهض من فراشه! ويصرخ بأعلى صوته: "ما أبي أروح المدرسة!!" يرد الأب عليه وتصرخ أمه في وجهه: "قوم، قوم من الفراش، ما هو على كيفك"!، وبعد برهة من الوقت يصر الولد فيها على العصيان يستسلم الأبوان للولد!! وهما يحوقلان: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولدج هذا ما في فايدة منه!" تجيب الأم: "إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أدري شنو أسوي، ضاعت حيلتي، عنيد ما يسمع الكلام، سويت كل الطرق، ليما ألحين محد قادر عليه" يرد الأب غاضبا: "ما يفيد فيه إلا إني أطرده من البيت!! هذا مو ولدي ولا أعرفه!".

عزيزي القارئ، إن من العادي جدا عند بعض الآباء طرد عيالهم الأولاد من البيت، ويظن الأب أن هذا النوع من العقاب نافع ويأتي بنتيجة طيبة معه لاحقا، والوالدان لا يعلمان أن مثل هذه الأساليب نعدها الأقسى والأكثر انعداما للفائدة، بل إن الأبناء يملكون حافظة لتخزين الأسوأ سلوكيا من آبائهم، حافظة نشطة دوما وفعالة لا تخمد أبدا؛ لذا عند أول فرصة يجدها الابن يقتنصها اقتناصا فائقا لينتقم ممن قسا عليه أبا كان أم أما، حتما سيقتنص ويقتنص ويعيد كرة الانتقام فيحرص على ازدياد فشله دراسيا، بل سيعلن شعار العناد في كل شيء حتى في أمور ما كان يشاكسهما بها سابقا، وصار يجد متعة في التحدي لهما.
عزيزي القارئ، لماذا نصل في أمورنا مع أولادنا إلى خلق أزمات تتلوها أزمات، تتفرع عنها أزمات؟! الأنسب تربويا هو بذل جميع الوسائل الممكنة والمتاحة وتنويعها مع بدايات عصيان الولد، ثم إذا استغلقت الأمور وانسدت أبواب الحيلة حتى وبعد استشارة المختصين تعليميا في كيفية صناعة الدافعية عند الطالب، بعد استنفاذ جميع السبل إذا استحكم اليأس وأنه لا فائدة نحوّل الابن إلى مربّ فاضل آخر من أقرب الأسر لنا ارتباطا وأمانا أخلاقيا، وندفع ابننا إليهم بعد الاتفاق معهم على أن يبادئوه تربية لا من حيث انتهينا، وإنما يفتحون معه صفحة جديدة بالكلية وكأنه ابن يومه ولا ماضي له مطلقا، هنا قد ينفع التأديب معه من عناصر عائلية واعية متطوعة تأخذ على عاتقها إصلاح أحواله، وهنا فقط يمكننا أن نطمئن أننا سلمناه لأيد أمينة تساعدنا حقا على بداية طريق جديد وننتظر تحت إلحاح دعائنا لربنا بفتح بصيرته وإيقاظ همته نحو الصحة والصواب.
كلنا نتوقع أن نمر مع عيالنا في مطبات دراسية مزعجة، فهذا يرسب، وذاك يفصلونه أياما من المدرسة، وآخر يخيب توقعات الامتياز في نتيجته النهائية وهكذا، كلنا نتوقع ذلك، والذي ينبغي أن نوطن أنفسنا عليه أن العيال قد يمرون - وتحت وطأة أي كان من ظروف نفسية - بمرحلة كره شديد للمدرسة، بلا شك ومن المؤكد هناك أسباب أوصلت الأمر إلى درجة الكره والرفض، كآباء وأمهات دورنا أن نحتوي الابن ونتفهم أسباب رفضه، هذه فلربما كان معه شيء من الصحة، ولربما كان يعاني تحرشات جنسية ولا يريد أن يصارحنا بها، ولربما المدرس أسلوبه دوما انتقاص وسخرية من الطلبة، ولربما هذه المدرسة بالذات غير مريحة بالنسبة له لاعتبارات كثيرة، وقد يكون الابن مراوغا نشطا في مراوغته، ويرفض الذهاب للمدرسة؛ لأنه يريد الاستمتاع فقط في دنياه ولا مزاج له ليحمل نفسه على الجدية في المثابرة، وقد وقد، ونتوقع أسبابا كثيرة متنوعة بتنوع الأولاد والبنات، والمهم في الأمر كله أننا نحاصر الولد والبنت محاصرة حبيّة ودية حازمة، ولا تراجع في قرار استكمال تعليمه مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة به مدرسيا، فلربما معه بعض الحق في إبدائه بعض الأسباب، عندها وبعد الأخذ والعطاء في المحاورة معه نبدأ مرحلة مواجهة المشكلة مع المدرسة من جانب ومع المختصين من جانب آخر، ولنوسع صدورنا مع الاستمرار في خلطة الحب والحزم، وسنجد حينها أن الدافعية للتعلم قد انخفضت لأسباب الثالوث المخيف: صحبة جديدة سيئة مضللة، تجربة جديدة مثيرة مع عالم التدخين، أضف إليها دورانا في المجمعات مع حفنة معاكسات للفتيات، هذا الثالوث مطب ومنعطف خطير إن دخل به الابن لم ولن يسلم من انخفاض الدافعية عنده، فضلا عن ضياع دينه وتفلته من عالم الأخلاق والمثل، بل تجاسره على تعليمات وتوجيهات أبيه وأمه؛ لذا لزمنا التأني والحكمة الراشدة حقا لنضمن سلامة الاحتواء لدقة الموقف وحساسية المنعطف الخطير هذا، ولا علاج خارج إطار الاحتواء، وإلا فالمجتمع مليء باحتواءات بديلة ومخيفة!!