عجيب أمرك يا أبي!


سميرة يوسف



كيف لا وأنت الصديق وأنت الحبيب، والمعلم..



ولكن بلا غضب.. بلا ضرب.. بلا حرب؟!

إن لم تكن أنت الأب الحبيب.. فأين لي أن أرى النور على هذا الكون.. وأستمتع به وأتنافس مع المتنافسين على حب الله.. وفعل الخيرات.. وبر الوالدين.. وأعمل جاهدا على أن أعيش أولى الجنتين؟!

إن لم تكن أنت الصديق.. فكيف لي أن أرى من سيقبل أخطائي.. ويعاقبني مرة.. وينصحني مرات.. وأنا لا أتوانى ثانية في تعلم مهارات الحياة وفنونها؟!

إن لم تكن أنت المعلم.. فمن يزودني بخبرات الحياة الكثيرة.. التي سبقتني بها أنت بسنوات.. تضع شريط الحياة الماضية نصب عينيك.. فتنقلني عبر عجلة الزمن إلى الوراء؛ لعلي أختطف لقطة من اللقطات أتعلم منها، وتلازمني مدى الحياة بلا غضب ولا ضرب بل الحب كلّه؟!

تذهب صديقتي في العطلة المدرسية مع ذويها للنزهة.. وأنت تكره النزهة.. والخروج من المنزل.. هل لأنك ذهبت للنزهات كثيرا وأنت في عمري.. فمللتها.. أم إن عناء العمل يرهقك.. فتطلب الراحة؟ ولكن الإجازة طويلة.. عشرة من الأيام.. ألن يكفيك يوم.. يومان.. خمسة للنوم.. هل ستنسى أو تتناسى؟ إني لا أطيق الراحة.. راحتي في اللعب وإظهار طاقتي في اللعب.. راحتي في تنفس هواء غير هواء المنزل.. بعيدا عن رائحة العلم والكتاب وجدران غرفتي.. ولعبي اليومية.. وتتناسى أن أختي نبتة طالت سيقانها.. وأينعت وتحب أن تتنافس مع مثيلاتها الزهرات.. وتخاف أنت عليها.. وأنا أيضا أخاف عليها.. ولكن.. كيف تساعدها على أن تتفتح في مكان آمن.. فلا تتعرض للخطف من مجهول.. ولا هي تتمادى في الظهور.. فيقتطفها من لا يعرف للزهور معنى.. ولا يعرف حتى اسمها بوصفها زهرة فيشتم رائحتها ثم يلقيها.. ويدوسها بقدميه.. ولن يسمع أنينها أحد.. وبلا غضب ولا ضرب، بل بالحب كله.

في أحد التسجيلات لك.. رأيت شريطا يصورك وأنت تتقاتل مع أحد أقرانك.. وتحدثني.. وأنت تضحك كيف هي مهارتك في القتال والمبارزة.. وتلتفت إليّ قائلا: ألا يذكرك هذا بفن الكراتيه؟ ولا تنطق شفتاي بكلمة.. وتريدني أن ألعب ألعاب الكمبيوتر.. مع أنك لا تطيقها.. تقول: إنها تحد من التفكير.. ومن القوة الجسمانية.. بلا غضب ولا ضرب، بل كل الحب.

كثيرا ما كنت أسمعك تتهامس.. مع والدتي من منا: «أنا وإخوتي» سيذهب إلى منزل الجد.. وأنت من يحرص على صلة الرحم.. فأعلن دهشتي.. مرة بفغر فيّ.. وأخرى برفع حاجبي وكأنني وجدت علامة للتعجب غير تلك التي نعرفها(!).


أنا بالفعل لا أعرف ماذا تريد..؟ وأخيرا وليس آخرا.. حقيقة لا أرى غيرك صديقا.. وليس لي غيرك أبا ولا أفخر بغير اسمك اسما أحمله.. وستظل جذرا من جذوري التي أعتز بها.. فأنا منك وإليك واستسمحك.. ولك مني الحب كلّه.

ودمت لابنتك.