البحث التفسيري للآيه (30) سورة البقرة
مها الحربى
بحث في تفسير الايه(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
القراءات :
القراءات في (خليفه)؟
القراءه في (يسفك)؟
المسائل التفسيريه:
دلالة أضافة رب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
دلالة ذكر بني أدم قبل أيجادهم؟
ماأصل أسم الملائكه ولماذا سميت بذلك؟
الأقوال في معنى (أني جاعل)؟
المقصود بالأرض؟
الأقوال في معنى (خليفه)؟
ما الّذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرًا فكان بنو آدم بدلاً منه وفيها منه خلفًا؟
من هو الخليفه المقصود ؟
مالذي حمل الملائكه على قول ({قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء}؟
الأقوال في تأويل (أني أعلم مالاتعلمون)؟
معنى (سفك)؟
المراد ب(التسبيح)؟
معنى التقديس؟
نوع الهمزه في(أتجعل)؟
المسائل العقديه:
الرد على أهل الكتاب
المسائل اللغويه:
نوع الكلمه (أعلم)؟
معنى الحرف(إذ)؟
القول في مفرد الملائكه؟
مسائل فقهيه:
وجوب نصب الخليفه؟
بما تنال الإمامه؟
هل يجب الإشهاد على عقد الإمامة?
لو فسق الإمام هل ينعزل أم لا؟
القراءات :
القراءات في (خليفه)؟
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
قرأ زيد بن علي «خليفة» بالقاف
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : وقرئ في الشّاذّ: "إنّي جاعلٌ في الأرض خليقةً" حكاه الزّمخشريّ وغيره ونقلها القرطبيّ عن زيد بن عليٍّ].
القراءه في (يسفك)؟
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
1/قراءة الجمهور بكسر الفاء
2/قرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة: ويسفك» بضم الفاء
3/قرأ ابن هرمز «ويسفك» بالنصب بواو الصرف كأنه قال: من يجمع أن يفسد وأن يسفك
4/وقال المهدوي: هو نصب في جواب الاستفهام
الراجح /قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأول أحسن
المسائل التفسيريه:
دلالة أضافة رب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
إضافة رب إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- ومخاطبته بالكاف تشريف منه له، وإظهار لاختصاصه به
دلالة ذكر بني أدم قبل أيجادهم؟
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ
يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم، بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم، فقال واذكر يامحمد ماذاء قال ربك للملائكه {وإذ قال ربّك للملائكة}
واقصص على قومك ذلك
ماأصل أسم الملائكه ولماذا سميت بذلك؟
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)
أصل الملأك: الرّسالة، كما قال عديّ بن زيدٍ العباديّ:
أنّي ملأكًا.......أنّه قد طال حبسي وانتظاري
وقد ينشد مألكًا على اللّغة الأخرى، فمن قال: ملأكًا، فهو مفعلٌ من لأك إليه يلأك: إذا أرسل إليه رسالةً ملأكةً. ومن قال: مألكًا، فهو مفعلٌ من ألكت إليه آلك: إذا أرسلت إليه مألكةً وألوكًا، كما قال لبيد ابن ربيعة:
وغلامٍ أرسلته أمّه.......بألوكٍ فبذلنا ما سأل
فهذا من ألكت. ومنه قول نابغة بني ذبيان:
ألكني يا عيين إليك قولاً.......سأهديه إليك إليك عنّي
وقال عبد بني الحسحاس:
ألكني إليها عمرك اللّه يا فتى.......بآيةٍ ما جاءت إلينا تهاديا
يعني بذلك: أبلغها رسالتي. فسمّيت الملائكة ملائكةً بالرّسالة، لأنّها رسل اللّه بينه وبين أنبيائه ومن أرسلت إليه من عباده).[جامع البيان: 1/ 472-475]
الأقوال في معنى (أني جاعل)؟
1/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
*قال بعضهم إنّي فاعلٌ
*قال آخرون إنّي خالقٌ
قال أبو جعفرٍ: والصّواب في تأويل قوله: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} أي: مستخلفٌ فيها خليفةً ومصيّرٌ فيها خلفًاء، وذلك أشبه بتأويل قول الحسن وقتادة)اني فاعل)
2/قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ):
*إنّي فاعلٌ
*ساكنًا وعامرًا يسكنها ويعمّرها خلقًا ليس منكم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 76]
3/قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
*بمعنى خالق، ذكره الطبري عن أبي روق، ويقضي بذلك تعديها إلى مفعول واحد
«جاعل بمعنى فاعل»قال الحسن وقتاده*
4/ قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه
*عن الحسن وقتادة، إنّي فاعلٌ
*قال السّدّيّ:
«استشار الملائكة في خلق آدم». رواه ابن أبي حاتمٍ، قال: وروي عن قتادة نحوه.
الرد على هذه القول / قال ابن كثير :وهذه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الإخبار ففيها تساهلٌ، وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جريرٍ أحسن، واللّه أعلم
5/قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :
*عن الحسن: فاعل».
*عن الضحاك قال: «كل شيء في القرآن {جعل} فهو خلق
المقصود بالأرض؟
1/قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : هي مكّة
2/ قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): مكّة.
3/ قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه يعني مكّة
*قال ابن كثير والظّاهر أنّ المراد بالأرض أعمّ من ذلك
الأقوال في معنى (خليفه)؟
1/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : الخليفة: الفعيلة، من قولك: خلف فلانٌ فلانًا في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده كما قال جلّ ثناؤه: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}
يعني بذلك: أنّه أبدلكم في الأرض منهم فجعلكم خلفاء بعدهم ومن ذلك قيل للسّلطان الأعظم: خليفةً، لأنّه خلف الّذي كان قبله، فقام بالأمر مقامه، فكان منه خلفًا، يقال منه: خلف الخليفة يخلف خلافةً وخليفًى.
2/ قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرنٍ وجيلًا بعد جيلٍ
ما الّذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرًا فكان بنو آدم بدلاً منه وفيها منه خلفًا؟
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً من الجنّ يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها.
1/حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «أوّل من سكن الأرض الجنّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدّماء، وقتل بعضهم بعضًا». قال: «فبعث اللّه إليهم إبليس في جندٍ من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه، حتّى ألحقوهم بجزائر البحور وأطراف الجبال؛ ثمّ خلق آدم فأسكنه إيّاها، فلذلك قال: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً}».
2/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: في قوله: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} الآية، قال: «إنّ اللّه خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجنّ يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قومٌ من الجنّ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدّماء وكان الفساد في الأرض».
من هو الخليفه المقصود ؟
1/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :عن ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً منّي يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة اللّه والحكم بالعدل بين خلقه. وأمّا الإفساد وسفك الدّماء بغير حقّها فمن غير خلفائه، ومن غير آدم ومن قام مقامه في عباد اللّه؛ لأنّهما أخبرا أنّ اللّه جلّ ثناؤه قال لملائكته إذ سألوه: ما ذاك الخليفة: إنّه خليفةٌ يكون له ذرّيّةٌ يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضًا. فأضاف الإفساد وسفك الدّماء بغير حقّها إلى ذرّيّة خليفته دونه وأخرج منه خليفته.
2/قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
قال ابن مسعود: «إنما معناه: خليفة مني في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري»يعني بذلك آدم عليه السلام ومن قام مقامه بعده من ذريته.
3/ قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه يخلفني في الحكم بين خلقي، وإنّ ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة اللّه والحكم بالعدل بين خلقه. وأمّا الإفساد وسفك الدّماء بغير حقّها فمن غير خلفائه.
مالذي حمل الملائكه على قول ({قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء}؟
1/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
روي عن ابن عبّاسٍ في ذلك ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان إبليس من حيٍّ من أحياء الملائكة، يقال لهم الجنّ خلقوا من نار السّموم من بين الملائكة»،
قال: «وكان اسمه الحارث».
قال: «وكان خازنًا من خزّان الجنّة».
قال: «وخلقت الملائكة كلّهم من نورٍ غير هذا الحيّ».
قال: «وخلقت الجنّ الّذين ذكروا في القرآن من مارجٍ من نارٍ، وهو لسان النّار الّذي يكون في طرفها إذ ألهبت».
قال: «وخلق الإنسان من طينٍ، فأوّل من سكن الأرض الجنّ، فأفسدوا فيها وسفكوا الدّماء، وقتل بعضهم بعضًا».
قال: «فبعث اللّه إليهم إبليس في جندٍ من الملائكة، وهم هذا الحيّ الّذين يقال لهم الجنّ فقتلهم إبليس ومن معه حتّى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال. فلمّا فعل إبليس ذلك أغترّ في نفسه، وقال: قد صنعت شيئًا لم يصنعه أحدٌ».
قال: «فاطّلع اللّه على ذلك من قلبه ولم تطّلع عليه الملائكة الّذين كانوا معه؛ فقال اللّه جل ثناؤه للملائكة الّذين معه: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} فقالت الملائكة مجيبين له: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} كما أفسدت الجنّ وسفكت الدّماء؟ وإنّما بعثتنا عليهم لذلك. فقال: {إنّي أعلم ما لا تعلمون} يقول: إنّي قد اطّلعت من قلب إبليس على ما لم تطّلعوا عليه من كبره واغتراره»،
*هذه الرّواية عن ابن عبّاسٍ تنبئ عن أنّ قول اللّه جلّ ثناؤه: {وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} خطابٌ من اللّه جلّ ثناؤه لخاصٍّ من الملائكة دون الجميع، وأنّ الّذين قيل لهم ذلك من الملائكة كانوا قبيلة إبليس خاصّةً، الّذين قاتلوا معه جنّ الأرض قبل خلق آدم. وأنّ اللّه إنّما خصّهم بقيل ذلك امتحانًا منه لهم وابتلاءً ليعرّفهم قصور علمهم وفضل كثيرٍ ممّن هو أضعف خلقًا منهم من خلقه عليهم، وأنّ كرامته لا تنال بقوى الأبدان وشدّة الأجسام كما ظنّه إبليس عدوّ اللّه. ومصرّح بأنّ قيلهم لربّهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} كانت هفوةً منهم ورجمًا بالغيب، وأنّ اللّه جلّ ثناؤه أطلعهم على مكروه ما نطقوا به من ذلك، ووقّفهم عليه حتّى تابوا وأنابوا إليه ممّا قالوا ونطقوا من رجم الغيب بالظّنون، وتبرّءوا إليه أن يعلم الغيب غيره، وأظهر لهم من إبليس ما كان منطويًا عليه من الكبر الّذي قد كان عنهم مستخفيًا.
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: «كان الجنّ بنو الجانّ في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنةٍ، فأفسدوا في الأرض، سفكوا الدّماء، فبعث اللّه جندًا من الملائكة فضربوهم حتّى ألحقوهم بجزائر البحور، فقال اللّه للملائكة: إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء، قال: إنّي أعلم ما لا تعلمون».
وكذا ذكره ( جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ في تفسيره
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «لقد أخرج اللّه آدم من الجنّة قبل أن يدخلها أحدٌ، قال اللّه تعالى: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عامٍ الجنّ بنو الجانّ، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدّماء، فلمّا قال اللّه تعالى: إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء، يعنون الجنّ بني الجانّ، فلمّا أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودًا من الملائكة، فضربوهم حتّى ألحقوهم بجزائر البحور»
2/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : روي عن ابن عبّاسٍ وهو ما حدّثني به، موسى بن هارون قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لمّا فرغ اللّه من خلق ما أحبّ، استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدّنيا، وكان من قبيلةٍ من الملائكة يقال لهم
الجنّ؛ وإنّما سمّوا الجنّ لأنّهم خزّان الجنّة. وكان إبليس مع ملكه خازنًا، فوقع في صدره كبرٌ وقال: ما أعطاني اللّه هذا إلاّ لمزيّد لي»، هكذا قال موسى بن هارون،
وقد حدّثني به غيره فقال: «لمزيّةٍ لي على الملائكة، فلمّا وقع ذلك الكبر في نفسه، اطّلع اللّه على ذلك منه، فقال اللّه للملائكة: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} قالوا: ربّنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرّيّةٌ يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضًا {قالوا} ربّنا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون} يعني من شأن إبليس.
الرد** هذا إذا تدبّره ذو الفهم، علم أنّ أوّله يفسد آخره، وأنّ آخره يبطل معنى أوّله؛ وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه إن كان أخبر الملائكة أنّ ذرّيّة الخليفة الّذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدّماء، فقالت الملائكة لربّها: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمّن أخبرها اللّه عنه أنّه يفسد في الأرض ويسفك الدّماء بمثل الّذي أخبرها عنهم ربّها، فيجوز أن يقال لها فيما طوي عنها من العلوم: {إن كنتم صادقين} فيما علمتم بخبر اللّه إيّاكم أنّه كائنٌ من الأمور، فأخبرتم به فأخبرونا بالّذي قد طوى اللّه عنكم علمه، كما قد أخبرتمونا بالّذي قد أطلعكم اللّه على علمه.
بل ذلك خلفٌ من التّأويل، ودعوى على اللّه ما لا يجوز أن يكون له صفةً
3/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : قال آخرون في ذلك بما حدّثنا به، بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «قوله: {وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً}، فاستشار الملائكة في خلق آدم، فقالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء}، وقد علمت الملائكة من علم اللّه أنّه لا شيء أكره إلى اللّه من سفك الدّماء والفساد في الأرض، {ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون}، فكان في علم اللّه جلّ ثناؤه أنّه سيكون من تلك الخليفة أنبياء ورسلٌ، وقومٌ صالحون، وساكنو الجنّة».
4/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : قد روي عن قتادة خلاف هذا التّأويل، وهو ما حدّثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها}، قال: «كان اللّه أعلمهم إذا كان في الأرض خلقٌ أفسدوا فيها وسفكوا الدّماء، فذلك قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها}».
وبمثل قول قتادة قال جماعةٌ من أهل التّأويل، منهم الحسن البصريّ.
وكذا قال قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ في تفسيره
رد أبو جعفر/ من قال: إنّ ذلك منها استخبارٌ لربّها؛ بمعنى: أعلمنا يا ربّنا، أجاعلٌ أنت في الأرض من هذه صفته وتاركٌ أن تجعل خليفتك فيها، ونحن نسبّح بحمدك، ونقدّس لك؟ لا إنكار منها لما أعلمها ربّها أنّه فاعلٌ، وإن كانت قد استعظمت لمّا أخبرت بذلك أن يكون للّه خلقٌ يعصيه.
5/ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: في قوله: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} الآية. قال: «إنّ اللّه خلق الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجنّ يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة». قال: «فكفر قومٌ من الجنّ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدّماء، وكان الفساد في الأرض. فمن ثمّ قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} الآية».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله.
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): قال: «خلق اللّه الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجنّ يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجان، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدّماء بينهم، وكان الفساد في الأرض فمن ثمّ قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها} كما أفسدت الجنّ، {ويسفك الدّماء} كما سفكوا».
وكذا ذكره جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ في تفسيره
وكذا قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ في تفسيره
يتبع