الوسواس.. مرض


د. أمير الحداد



اشتكى صاحبي عجزه عن النوم:

- دون مبالغة مرت علي 48 ساعة لم أنم فيها.
- لِمَ؟ مرض تشكوه؟ هَمٌّ تحمله؟ خوف تترقبه؟
- لا أدري.. ولكن إذا حان وقت الذهاب إلى الفراش يأتيني هاجس يبقيني يقظانَ طوال الليل، يبدأ بشعور أو حديث أو همس «لن تنام»، «لن تستطيع أن تنام»، وهكذا طوال الليل، مع أن صحتي البدنية جيدة، وطعامي جيد، ووضعي المادي جيد.
- هذا عارض ويزول.
- كلا، لقد بدأت معي هذه الحال منذ شهر، وما زالت.. وأشعر أنها لن تزول.
- استغربت مدى الإحباط الذي يشعر به صاحبي؛ فرغم قربي منه لم يشكُ لي هذا الأمر من قبل.. إحراجاً.. وخجلاً.
تعاطفت معه:
- إنك تعلم يقيناً أن القلوب تطمئن بذكر الله، والسكينة أمر ينزله الله في قلب المؤمن إذا هو اتخذ الأسباب، وأن النوم نعمة ذكرها الله في كتابه: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} (القصص: 72).
وديننا يبين لنا أن لكل قضية جانبا ماديا وجانبا إيمانيا.. والجزء المادي سهل دائماً، مثل تنظيم ساعات النوم والاستيقاظ والابتعاد عن المنبهات، وتهيئة الجو من حيث البرودة والرطوبة والفراش والوسادة وعدم الإكثار من الطعام؛ هذه الجوانب يجب مراعاتها.. أما الجانب الإيماني فهو ترديد الأذكار المناسبة في الأوضاع المناسبة؛ فإذا خرجت من المنزل وإذا دخلت، وإذا أكلت الطعام وإذا فرغت، وإذا دخلت المرحاض وإذا خرجت، وإذا أويت إلى الفراش وإذا صحوت؛ فالمؤمن على يقين بأن لله ملائكة حفظة تحفظه من كل سوء ومن كل شر، سواء كان مصدر الشر الإنس أم الجن.. وإيمان المرء يمنعه من الاستسلام لهذا الشر؛ فربما يصيبك أحدهم بالعين أو الحسد، وربما يسلط إبليس عليك بعض أقرانه فيوسوس لك ليصدك عن سبيل الله، بل يتعبك في نفسك وأهلك ومالك، والذكر أعظم سلاح ويحتاج إلى يد قوية تحمله؛ فإذا قويت اليد والسلاح؛ فلن يجد العدو سبيلا إلى قلب العبد.

كان صاحبي يستمع دون انفعال.. وربما شعرت أحيانا أنه غير مهتم بحديثي له.. تابعت:
- وبالطبع يمكن الاستعانة بالمختصين من أطباء نفسيين لعلاج الأمر، ولكن حذار من الاكتفاء بأخذ العقاقير الطبية دون العلاج الإيماني؛ فإن هذا يؤدي للإدمان على الحبوب المنومة.. ولها آثارها الجانبية المدمرة.. فربما تغيير الوسط أحيانا أو تغيير غرفة النوم والسفر لفترة قصيرة يساعد في التخلص من هذا الأرق، ولكن آمن يقينا أن هناك جنا وشياطين وملائكة.. يروننا.. ويعرفون أحوالنا؛ فالشياطين تريد الشر لابن آدم.. والملائكة تحفظه بإذن الله إن هو أخذ بالأسباب الصحيحة لينعم بحياته.. يقظة.. ونوماً.