كل ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه وقيؤه ولعابه طاهر


زيد بن مسفر البحري
مسألة:

كل ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه وقيؤه ولعابه طاهر، ما لم يكن أكثر علفه النجاسة، وهذا ما يسمى بالجلالة.
الشرح:
هذه المسألة تعد ضابطاً عند كثير من العلماء بينما بعض العلماء لا يرى هذه المسألة أصلاً، وممن لا يرى طهارة فضلات ما يؤكل لحمه الإمام الشافعي - رحمه الله -، فيقول: روث وبول ما يؤكل لحمه نجس، ويستدل على ذلك بما جاء في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين يعذبان فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير))، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((فكان أحدهما لا يستنزه من البول، والآخر يمشي بالنميمة))، فقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كان لا يستنزه من البول))، (أل) في (البول) تفيد العموم، فيشمل أي بول وخالفه في ذلك كثير من العلماء، فقالوا: إن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العرنيين الذين قدموا إلى المدينة فأصابهم مرض في أجوافهم، فأمرهم - عليه الصلاة والسلام - أن يذهبوا إلى إبل الصدقة، وأن يشربوا من أبوابها وألبانها، ولم يأمرهم - عليه الصلاة والسلام - بغسل أفواههم وغسل أوانيهم، فدل هذا على طهارة بول الإبل، فيقاس عليها كل ما يؤكل لحمه، ويستدلون أيضاً بما جاء عند مسلم إذنه - عليه الصلاة والسلام - بأن يصلى في مرابض الغنم، ومرابضها لا تسلم في الغالب من الأبوال والأرواث، وأما نهيه - عليه الصلاة والسلام - عن الصلاة في معاطن الإبل فذلك لأن الإبل كما قال بعض العلماء من أن التفريق بينها وبين الغنم تفريق تعبدي، وقال بعض العلماء: العلة كبر جسمها إذ إنها قد تشوش على المصلي، وهذه العلة عليلة؛ لأن الغنم قد يشوش أيضاً.
وقال بعض العلماء وهو قول شيخ الإسلام - رحمه الله - قال: لأن الإبل خلقت من الشياطين كما في السنن، وليس معنى ذلك أن أصل مادتها من الشياطين، وإنما لأنها تتسم بالشيطنة والغضبية نسبت إلى هذا الوصف كما قال - تعالى –: (خلق الإنسان من عجل)، مع أنه ليس مخلوقاً من عجل، وإنما لأن العجلة غلبت عليه، وإلا فإنه مخلوق من نطفة من ماء، كالإبل قال - تعالى -: (والله خلق كل دابة من ماء) أي من نطفة، ويؤكد هذا ماء جاء في مسند الإمام أحمد قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((على كل ذروة بعير شيطان))، فالعلة تلبس الشيطان بها، فأشبهت الصلاة في الحمام، فقد نهى الشرع عن الصلاة في الحمام؛ لأن الحمام مأوى الشياطين، وظاهر تبويب البخاري - رحمه الله - أنه يضعف ما ذهب إليه شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه العلة، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على راحلته فيكف يتوافق هذا الفعل مع هذه العلة ؟
وأما ما استدل به الإمام الشافعي من قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كان لا يستنزه من البول))، فنقول: إنه لا شك أن الأصل في (أل) أنها للعموم ولكن خرجت هنا من العموم إلى العهد فتكون (أل) هنا للعهدية لما جاء في رواية البخاري: ((كان لا يستنزه من بوله))، فقوله لا يستنزه من بوله) المقصود به الآدمي، فتكون رواية: ((لا يستنزه من البول)) يعني بول الآدمي، والصحيح أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر ما لم يكن أكثر علفه النجاسة، وهذا ما يسمى بالجلاّلة، والجلالة هي التي يكون أكثر علفها النجاسة والدليل على ذلك ما جاء في سنن أبي داود: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلالة وعن شرب ألبانها"، وفي حديث آخر: "نهى أن تركب"، وذلك خيفة من أن تعرق فيلوث عرقها راكبها، وهذه الجلالة كيف يتم تطهيرها؟ قال بعض العلماء: تحبس فإذا حبست مدة وأطعمت الطعام الطاهر فإنها تطهر، وكل بهيمة جعلوا لها مدة معنية فيرون أن الإبل والبقر تحبس أربعين يوماً، وأن الغنم تحبس سبعة أيام، وان الدجاج يحبس ثلاثة أيام.

وقال بعض العلماء: لا يشترط حبسها، وإنما تطلق فإذا كان أكلها للطيب أكثر جاز أكلها، وبعض العلماء علق حكم الجواز بذهاب الرائحة والنتن، وهذا هو الصحيح لأن النجاسة عين مستقذرة متى ما زال أثرها زال حكمها، وهذا القول هو قول الحنابلة إذ يرون تحريم أكلها أما الأئمة الثلاثة فيرون جواز أكلها مع استحبابهم لحبسها.