الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي النضح في تطهير بوله لا غائطه
زيد بن مسفر البحري

مسألة:
الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي النضح في تطهير بوله لا غائطه، بخلاف الجارية فيحصل تطهير بولها بالغسل، وكذا إن أكل الطعام من غير شهوة.
الشرح:
دليل هذه المسألة ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها –: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي إليه بغلام لم يأكل الطعام فبال في حجره فنضحه ولم يغسله"، وفي هذا الحديث نص على(الغلام)، والغلام يخرج الجارية، و نص على أنه (لم يأكل الطعام)، ويخرج بذلك من أكل الطعام بشهوة نص على (البول)، فيخرج بذلك غائط الغلام فالتنصيص على الغلام يخرج الجارية وهي البنت فلا يكفي في تطهير بولها النضح، وإنما يجب فيه الغسل، والنضح في الأصل هو الرش، وإلا فقد يطلق في بعض الأحاديث على الغسل كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((انضح فرجك وتوضأ)) في مسألة المذي، والدليل على هذا التفريق ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث علي - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية)).
ولو قال قائل: لماذا هذا التفريق؟
الجواب: لأن الشرع جاء بالتفريق، وهذه هي أعلى وأجل الحكم أن ترد هذه المسائل إلى نصوص الشرع قال - تعالى -: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، ولما سألت تلك المرأة عائشة كما في الصحيحين فقالت: "ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة - رضي الله عنها - كان ذلك يصيبنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، ولا مانع من البحث عن الحكمة والسؤال عنها، ومن الحكم التي استنبطها العلماء أن الغلام يحمل كثيراً في مواطن ومجالس الرجال، وذلك لشدة الفرحة به، وهي طبيعة ابن آدم في تفضيله، أو في حبه للذكر على الأنثى، بينما الأنثى لا تحمل إلا قليلاً، والقاعدة الشرعية تقول: "المشقة تجلب التيسير"، فلو أمر بغسل بول الغلام لشق ذلك، وقال بعض العلماء: إن بول الغلام أخف من بول الجارية، وذلك لأن في الغلام قوة تلطف هذا الغذاء بخلاف الجارية.
وقال بعض العلماء إن بول الغلام منحصر في مكان واحد، بخلاف الجارية فإنه ينتشر، وقال بعض العلماء: إن الحكمة تعبدية، ومن خلال عرض هذه الحكم يدل على أن الحكمة إما أن تكون منصوصة في الشرع، وإما أن تكون غير منصوصة، فإن كانت منصوصة في النص فلا يلتفت ولا ينظر إلى غيرها، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا)) ما العلة؟ قال: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده))، أما إذا كانت غير منصوصة فالعلماء لهم فيها مشارب وتوجيهات، ولا مانع من أن ينظر الإنسان ويتأمل، ويستخرج زيادة على هذه الحكم حكماً أخرى فليس الأمر مقتصراً على ما ذكره العلماء السابقون، وما ورد من التنصيص على البول يخرج الغائط، فغائط الغلام لا يكتفي فيه بالنضح، وإنما الواجب في تطهيره الغسل أما الجارية فنجاستها سواء كانت نجاسة بول أو نجاسة غائط، فيلزم فيها الغسل والتنصيص على الغلام الذي لم يأكل الطعام يخرج الغلام الذي أكل الطعام، فالغلام الذي أكل الطعام لا يكتفي في تطهير ثوبه بالنضح وإنما يجب الغسل، وينبغي أن نقيد بالذي لم يأكل الطعام بغير شهوة، فإذا أكل الطعام بشهوة فيكون حكم تطهير بوله (الغسل)، أما إذا وضع الطعام في فمه فيبقى حكم النضح، وضابط من يشتهي الطعام ومن لا يشتهيه هو: أن تشرئب نفسه إلى هذا الطعام، ويبكي رغبة فيه، فإن لم تحصل منه هذه الرغبة فيبقى حكم النضح، ويستدل على هذا التفريق بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت أحاديث صحيحة بتحنيكه للمواليد، وذلك بأن المولود يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمضغ تمرة بفمه الشريف، فإذا ذابت وتحللت وضعها في فم الصبي، ولو قال قائل: هذا الحليب الذي يعطى في هذا العصر، ويكاد أن ينعدم حليب الأمهات مستغنياً عنه بهذا الحليب المصنع، فلو قال قائل ما حكم بول هذا الغلام؟

الجواب: الذي يظهر أن النضح لا يكتفي به وإنما يجب الغسل، وذلك لأن هذا الحليب المصنع يعد طعاماً، وتضاف إليه أطعمة مقوية، والطفل تشرئب نفسه إليه.